الفصل 9 : ظُروفُ ديانا وِيلينغتون ⁹
“شكرًا لدعوتك اليوم، يا سيّد إيان.”
ضحك إيان عندما نادته باسمه بدلًا من لقب السيد الشاب.
“أخيرًا ناديتِني بذلك.”
“الوعد وعد.”
هل أدركت أنه كان ردًّا هادئًا على نحوٍ غريب؟
حدّق إيان فيها مطوّلًا.
“أنا أيضًا سعيدٌ جدًّا لأنني دعوتُ الآنسة ديانا.”
لكن لم يبدُ عليه السرور كثيرًا.
“إن لم يكن لديكِ مانع، يمكننا أن نتناول الشاي، ثم أُريَكِ أرجاء قصر الدوق. أعدكِ أنّه سينال إعجابكِ.”
لو كانت هناك بطولةٌ لقول ما لا يعنيه المرء، لكان إيان هو الفائز الأوحد.
بعد قليل، قدّم الخادم هيرمان الشاي.
وما إن غادر الغرفة، حتى أجابت ديانا بتواضع.
“أقدّر اهتمامك، لكنني سأعتذر. لا أجد متعةً في التجوّل في القصور.”
“حقًا؟”
“نعم، أظن أنّ من الأفضل أن نتحدّث في أمرٍ أهمّ.”
كالعادة، كان إيان كروفورد يتمتّع بمظهرٍ فائق الجاذبية.
وابتسامته الناعمة كانت تلمع مثل جوهرةٍ صُقِلت طويلًا.
ابتسامةٌ يمكن أن تُمنَح مئة نقطة دون تردّد، لكنها كانت تثير القلق.
“لا أستطيع تخيّل ما تنوين الحديث عنه، يا آنسة ديانا.”
“أنا لستُ حمقاء، يا سيّد إيان. لستُ هنا لأتظاهر بأنني لم أسمع شيئًا.”
مهارته في التظاهر بالبراءة كانت احترافيةً إلى حدٍّ مُقلق.
أصبحت ديانا عاجزةً عن تمييز ما إن كان إنسانًا أم آلة ناطقة بالأكاذيب.
يا ترى، كيف كان ماضيه حتى أصبح هكذا؟
“إن كنت تنوي الاستمرار بالتظاهر، فسأكون صريحة. هل تشغيل الكازينو أصعب مِمّا توقّعت؟”
“… كما هو الحال دائمًا، تفاجئيني.”
لكنه لم يبدُ مندهشًا كما ينبغي.
“كنتِ تتصرّفين وكأنكِ لم تسمعي شيئًا، ثم فجأةً غيّرتِ موقفكِ. ما السبب؟ هل لي أن أسأل؟”
“بل أنا من يجب أن يسأل. من قال إن وقت الزواج لم يحن بعد، هو أنت. ثم فجأة، تطلب منّي الحضور وتطالب بأن أناديكَ باسمك؟”
“ذلك لأنني أصبحتُ مهتمًّا بكِ، يا آنسة ديانا.”
“مهتمٌّ بطريقةٍ جيّدة أم سيّئة؟”
“يا للمفاجأة، يبدو أن الاثنين يمكن أن يتواجدا معًا، وهذا ما تعلّمتُه من هذه التجربة.”
ثبتت نظرات إيان فيها بثباتٍ حاد.
“ما سبب تغيّر موقفكِ إذًا؟”
“قلتَ إنكَ تكره التظاهر، أليس كذلك؟”
“هاهاها، لا يمكن أن يكون هذا هو السبب الوحيد.”
لكن طريقته في الحديث كانت خفيفة أكثر من اللازم، ولم يُبدِ أيَّ اهتمامٍ بردّها.
“يبدو أنّ ورقة التهديد التي تمثّلها عائلتكِ فعّالةٌ جدًّا.”
“…..”
“والآن، كيف تنوين دفع ثمن تجسّسكِ على حديثٍ لم يكن لكِ أن تسمعيه؟”
صوته لم يتغيّر كثيرًا، لكن شعر جسدها وقف من حدّته.
“الافتراض خاطئ.”
لم يكن مسموحًا لها أن تُظهر أيَّ ضعف.
لأنَّ هذه المواجهة كانت كمعركة ترتيب: من يُظهر نقطة ضعف، يُلتَهَم.
“أنا لم أتنصّت. كنتُ هناك قبلكم.”
“هممم…”
“إن أردنا الدقّة، فأنا الضحية، وأنتَ تبتزّني الآن.”
“وإن كان ذلك صحيحًا، فماذا سيتغيّر؟”
سؤال وُجِّه ببرود دون أن يتغيّر تعبيره.
“بالنسبة لي، لا يوجد حلٌّ أبسط أو أنقى من أن أقتلكِ وأُنهي الأمر. هل توافقين على ذلك؟”
هل جُننت؟ من يوافق على هذا؟
حدّقت فيه ديانا غاضبة.
“لا أفهم سبب تمسّككَ باختياراتٍ خاسرة.”
وضعت يدها على صدرها وأجابت بهدوء:
“أنا من هائو ويلينغتون. وبعد عامٍ واحد، سأُصبح أغنى وريثةٍ في هذا المملكة.”
“وما علاقته بهذا؟”
“أنا النبيلة الوحيدة من الجيل الجديد التي تدرّبت بشكلٍ منهجي على إدارة الأعمال التي ورثتها من والدي.”
قرّرت ديانا أن تكون صريحة تمامًا.
“أليست إدارة الكازينو مُتعبة؟”
“…..”
“الأمر أكثر تعقيدًا مِمّا كنتَ تتصوّر، أليس كذلك؟”
كما أنَّ للأفلام والروايات كليشيهات، فإنَّ للشخصيّات كليشيهات أيضًا.
وأبرز كليشيه لرجل شرير بعينين مغمضتين.
“ألم تملّ من التابعين الحمقى الذين لا يجلبون سوى المشاكل، رغم ثقتكِ العمياء بهم؟”
التابع الغبي، عديم الفائدة.
رغم أنَّ إيان كروفورد في الرواية الأصلية كان عبقريًا موهوبًا، إلا أنّه كان شريرًا رئيسيًا.
ووفقًا لقانون “الخير ينتصر”، نال عقابه الكامل.
وكان السبب في سقوطه دومًا هو أتباعه.
أتباع لا يُفيدون، بل يُكشفون باستمرار، ويُورّطون سيّدهم في مشاكل.
“أظنّ أنني سأكون مساعدًا أكثر كفاءةً من هؤلاء.”
“هوه…”
“سأساعدكَ في إدارة الكازينو، لكن بالطبع هناك شروط.”
“أتقولين شروط؟”
“لا يمكنني تقديم خدماتٍ مجانيةٍ بالكامل.”
تغيّر تعبير إيان إلى وجهٍ لم يرَ مثله في حياته.
‘طبيعي أن يتفاجأ. فبدل أن أرتجف من الخوف بسبب تهديده، أقدّم له المساعدة وكأنني أُسدي له معروفًا.’
لكنّ الوضع نفسه كان ممتعًا له.
أمال رأسه قليلًا وكأنه يقول: تابعي.
“سأساعدكَ في إدارة الكازينو، مقابل أن تتظاهر بأنكَ خطيبي المزيّف، مؤقتًا.”
“…خطيبٌ مزيّف؟”
رأت ديانا كيف تمكّن بالكاد من وضع كوب الشاي دون أن يسكبه.
“حاليًّا، هناك عددٌ غير قليل من ‘النبلاء الحقيقيّين’ الذين باتوا يرونني شوكةً في أعينهم بسببك.”
في مملكة إيميرالد، هناك نوعان من النبلاء:
نبلاء حقيقيّون، ورثوا الأرض والنفوذ. ونبلاء جدد، صنعوا ثرواتهم من التجارة.
النبلاء الحقيقيّون احتقروا المال والتجارة، لذا كانوا يزدَرون النبلاء الجدد، وبينهم كانت المعارك مستمرّة.
لكن ليس كل النبلاء الحقيقيّين كذلك.
فالعالم يتغيّر، وبعضهم انخرط في التجارة والاستثمار.
ومنهم عائلة ديانا، ويلينغتون.
والدها كان الابن الثاني، وورث ثروةً ضئيلة بعد انشقاقه عن العائلة.
لكنه خاض العديد من مغامرات الأعمال وجمع ثروةً ضخمة.
وفي إعادة تنظيم الأراضي منذ ثلاث سنوات، رُقّي من بارون إلى كونت.
وقد أثار ذلك موجةً مِن الجدل بين النبلاء الحقيقيّين.
لأنّه كان إيذانًا بسقوط التسلسل الطبقي الذي طالما استند إلى الدم والنسب.
رغم أنَّ القرار صدر عن الملك، إلا أنَّ عائلة ويلينغتون باتوا منبوذين بين النبلاء الحقيقيّين.
وكانوا يُعامَلون كرمزٍ للنبلاء الجدد، تُوجّه إليهم الإهانات العلنيّة.
‘مجرد تقسيم الناس إلى معسكرات هكذا أمرٌ طفوليّ…’
لكن الصراع تصاعد، وبدأ النبلاء الحقيقيّون يرفضون المصاهرة مع النبلاء الجدد.
وفي ظلّ ذلك، قابلت ديانا إيان ثلاث مرّات بشكلٍ شخصي.
“إن استمرّ الأمر، فسُمعتي ستتدمّر بعد عام.”
“لم أظنّ أنكِ تهتمّين بأمرٍ كهذا.”
“لا يمكنني تجاهله. الرجل، إن انفصل، يُواجه القليل من الشائعات. أمّا المرأة، فتبقى وصمة العار تلاحقها طويلًا.”
لا شكّ أنّ إيان يعرف تمامًا نوع الشائعات التي تُروَّج حاليًّا. لكنّه لا يكترث بها.
“لذا، أرجوك أن تمثّل دور ‘الخطيب المغرم بي حتى النخاع’.”
“…..”
“أريدك أن تبدو وكأنكَ تطاردني بحُبٍّ شديد، بينما أُجبر على قبولك. وفي النهاية، سأرفضكَ رفضًا حاسمًا وأقول: لا، لستُ من تُناسبك.”
رغم إدراكها لنظراته الحادّة، تحدّثت ديانا بثبات.
“وسأُنهي علاقتنا برفْضٍ درامي: آسفة، لا أحبّ رجالًا مثلك.”
“فكرة الحفاظ على سمعة المرأة، تبدو مشبعةً بالعواطف الشخصيّة.”
“ربّما تتوهّم.”
“هاهاها…”
هل هو غاضب؟
بينما تابعت حديثها بهدوء، بدأ إيان يفقد وضعيّته الأنيقة حتى أسند ذقنه على يده.
“اقتراحٌ فريد، لكن لديّ بديل: أُبقي على حياة والديك، مقابل أن أُحوّلكِ إلى زوجتي وأستخدمكِ حتى الموت.”
“أليست تلكً مشاعر شخصيّةٍ واضحة؟”
“توهّمٌ لا أكثر.”
حدّقت فيه ديانا بعينين صافيتين مليئتين بالتحدّي.
رغم أنَّ لديها الكثير لتُعاتبه عليه، إلا أنَّ هناك ما هو أهمّ لتتأكّد منه.
“جيّد، إن اعتبرنا الأمور هكذا، لديّ سؤال.”
“ما هو؟”
“هل تريد حقًّا خطبتي؟”
“…..”
“هل تُريد فعليًّا أن أتزوّجك، ونُصبح عائلة؟”
في تلك اللحظة، اختفت لأول مرة الابتسامة الزائفة من وجه إيان كروفورد.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 9"