الفصل 7 : ظُروفُ ديانا وِيلينغتون ⁷
كان إيان كروفورد يعلمُ بالفعل.
بأنّها قد تنصّتت على حديثه السريّ.
‘أنا واثقةٌ من ذلك.’
بمجرّد أن راودها هذا التفكير، اختفى الدّم من وجهها تمامًا.
ماذا عساها أن تفعل الآن؟
إن أقرت بذلك، فسيُصبح والداها في خطر. لكن إن أنكرت، تخشى ما قد يترتّب عليه لاحقًا.
فلو اعترفت بصراحة أنّها سمعت كلّ شيء، فإنّها ستتورّط بطريقةٍ ما مع هذا الرجل الغامض.
كانت تعلم أنَّ عليها الاستمرار في الابتسام، لكن الحفاظ على هدوئها لم يكن أمرًا سهلًا.
رغم إدراكها لحتمية الإسراع في الردّ، فقد كانت تتخبّط في صراعٍ داخليّ عنيف.
وفي تلك اللحظة تمامًا…
“كانت مزحةً لا أكثر.”
“……نعم؟”
“هوهو، لقد بدا وجه الآنسة ديانا مذهولًا على نحوٍ جذّاب، فأردتُ فقط رؤية ذلك مجدّدًا، فتفوّهت بما لا ينبغي.”
… مزحة؟
‘لا، لم تكن مزحة.’
أنت لم تأتِ للاعتذار فقط ولتتفوّه بشيءٍ عشوائي. لقد كنتَ تختبرني قبل قليل، بل وتهدّدني أيضًا!
أخفت ديانا رغبتها في الصراخ بكلّ ما أوتيت من قوّة.
“لم أكن أعلم أنَّ سموّك يملكُ جانبًا ماكرًا، خلافًا لما يبدو عليه.”
قالت ذلك بصوتٍ منخفضٍ عمدًا، كي لا يُكشف ارتجاف صوتها.
“لقد تماديتَ قليلًا. ما قلته لم يبدو كمزحةٍ على الإطلاق.”
“آه، يبدو أنّكِ لا تفضّلين المزاح القاسي. أعتذر.”
“في المرّة القادمة، لن أقبل باعتذارك بهذه السهولة.”
“سأعتبر أنّكِ قبلتِه هذه المرّة فقط. عليّ أن أرسل شيئًا أفضل من باقة الورد إذًا.”
لا، لا أريد شيئًا منكَ مجدّدًا. فقط دعني وشأني!
لم يحدث من قبل أن نظرت إلى ابتسامة أحدهم وفكّرت بأنها تُشبه أفعى.
نظرت ديانا إليه بابتسامةٍ جامدة، لكن إيان لم يُبدِ أيَّ تأثّر، بل اكتفى بتناول فنجان الشاي ووضعه من جديد.
‘ما الذي يدور في ذهنه؟’
حين خيّم الصمتُ للحظة، ازداد الاضطراب في عقل ديانا.
‘لو كان هدفه التهديد فقط، لكان قد طلب لقائي على انفراد منذ البداية.’
فهو، كظلٍّ خفيٍّ يتحكّم بالخيوط، قادرٌ على أن يتخلّص منها ومن والدتها دون أن يُثير شكوك أحد.
فلماذا جاء حتى هنا؟
‘لا بدّ أنه توقّع أنني لن أعترف. ليس بهذا الغباء.’
لا أعلم.
لا أستطيع تخمين ما يريده.
“آنسة ديانا.”
ناداها بصوتٍ لطيفٍ كالعسل.
“إن لم يكن لديكِ مانع، أودّ التجوّل في الحديقة معكِ. هل ترافقيني بنفسكِ؟”
“…….”
هل يُعقل أنه يطلب هذا الطلب بعد أن هدّدني قبل لحظات؟
يقولون: من يبتسم في أوقات الشدّة، هو من الصفوة.
إن كان ذلك صحيحًا، فإنَّ إيان كروفورد هو بلا شكّ نُخبة الشر.
ما كان أمام ديانا سوى أن تُومئ برأسها.
* * *
كانت الحديقة جميلةً للغاية.
خاصةً الورود المتفتّحة التي شدّت الأنظار، إذ كان كلّ ما يقع عليه البصر أحمرًا متّقدًا.
وسط ذلك، بدا الثنائيّ الذي كان يتمشّى سويًّا وكأنّهما زوجٌ مثاليّ، على الأقل من الخارج.
“من هذا الجانب تجدُ ورود روبيكارا، وإمباير، وأفريل. جميعها منتقاة بعناية.”
“سمعتُ أن عائلة ويلينغتون تمتلك أصنافًا نادرة من الورود، ويبدو أنَّ ما قيل صحيح. هل هناك وردةٌ تُفضّلينها على غيرها؟”
“……أحبّ وردة أفريل أكثر من غيرها. تتفتّح بشكلٍ جميل في أوائل الصيف.”
“حقًّا؟ سأحرص على تذكّر ذلك.”
كان إيان في هذه الجولة أكثر لطفًا ورقّةً من المرّة السابقة.
وهنا تكمن المشكلة.
‘هناك شيءٌ غير طبيعيّ.’
الشرير الذي كان يضع حدودًا صارمة، صار فجأةً يكتشف ذوقها ويبدي اهتمامًا بها.
وكأنّه يريد أن يكون خطيبًا محترمًا، حتى إن لم يكن عاشقًا.
‘ليس جيدًا. هذا نذيرُ شؤم بكلّ معنى الكلمة!’
شعرت ديانا بحاسّتها السادسة تدقّ ناقوس الخطر.
والمشكلة، أنّها لا تملك عذرًا معقولًا لتفرّ منه. فإلى أين تهرب، وهي في منزلها؟
‘لا يُعقل أنَّ هذا هو السبب الذي جعله يأتي إلى القصر بنفسه؟’
ظنّت أنّها حرفت مسار القصّة كما ينبغي، لكنّها وجدت نفسها عائدةً إلى النقطة ذاتها.
أدركت ذلك متأخّرة، فقشعرّ جسدها من الرعب.
“آنسة ديانا؟”
“ن-نعم؟”
“أشعرُ ببعض الخيبة. ألا تودّين سؤالي عمّا أُفضّله أنا أيضًا؟”
“آه…….”
لماذا يبدو وجه إيان كروفورد سعيدًا بهذا الشكل؟
لم تجد ديانا بُدًّا من أن تسأله هي الأخرى:
“هل هناك زهرة تحبّها، سموّك؟”
“أُحبّ زهرة الهيدرانجيا.”
“الهيدرانجيا؟”
“نعم. تلك الزهرة التي إن غمستِها بالماء، استعادت حيويّتها على الفور، أليس كذلك؟”
هل قال “التعذيب بالماء” للتو؟ لقد قالها، أنا متأكدة!
“أحبّ فيها قدرتها الهائلة على الصمود.”
رأى إيان تعبير وجه ديانا وهو ينهار، فضحك بهدوء.
“لكن الوردة، تظلّ ملكة الأزهار. أعجبني فيها أنّها تتفتّح رغم الأشواك التي تحيط بها. الجمال الذي ينبثق من الألم له وقعه الخاص.”
“……ذوقك فنيٌّ جدًّا.”
“وبما أنّكِ بهذه الجمال، فلا شكّ أنّكِ مررتِ بتجاربٍ مؤلمة أيضًا، آنسة ديانا؟”
انتقل بسلاسة إلى موضوعٍ جديد، وكان محوره هذه المرّة: ديانا.
“كيف كانت تجربتكِ في المجتمع؟ هل واجهتِ صعوباتٍ ما؟”
“لا أظنّ أنَّ هناك ما يستحقّ الذكر.”
وحتى لو كان، فلا مجال لمشاركة ذلك معك.
مرّت وجوه كارماين وميو في خاطرها، لكنّها لم تلبث طويلًا.
ثمّ، مثلما فعل هو، غيّرت مجرى الحديث ببراعة.
“بل أنا التي أرغب في سماع تجارب سموّك. لا بدّ أنّك التقيت بالكثير من الناس. ألم يكن الأمر مرهقًا؟”
“إن أنكرت، سأكون كاذبًا.”
ولحسن الحظ، لم يتجاهل سؤالها.
“كثرة العلاقات أمرٌ صعبٌ ومتعب. الجميع يدّعي أنَّ له أسبابه ومبرّراته.”
“لا بدّ أنّك تعاني.”
“غالبًا ما تكون تلك المبرّرات زائفةً وسخيفة.”
“…….”
“أحيانًا، لا أتحمّلها على الإطلاق.”
ظلّ على طرف شفتيه شيءٌ من السخرية. وكان ذلك، من بين كلّ ما سمعته ديانا اليوم، أكثر العبارات صدقًا، رغم نبرته اللاذعة.
“هل يزعجكَ الأشخاص الزائفون، سموّك؟”
أنتَ نفسك زائفٌ، فكيف تكرههم؟
لكن ديانا لم تنبس بكلمةٍ بعد ذلك، واكتفت بالتحديق فيه.
فجأة، توقّف إيان عن المشي.
“ما بك، سموّك؟”
“…….”
“هل طرحتُ سؤالًا غير لائق؟”
“لا. ليس هذا ما أقصده… بل، اسمي إيان. هل نسيتِ اسمي فعلًا؟”
“نعم؟”
أطلق إيان حديثًا غريبًا، ثمّ أمسك بيدها.
“أُفضّل أن تناديني باسمي. حين يناديني الجميع بـ سموّك، ألا يبدو الاسم بلا فائدة؟”
من حضرتكَ بالضبط؟
أرادت ديانا أن تسأل ذلك بصدق. فالفارق بين الرجل المخيف ذي النظرات القاتلة، وهذا الشخص المتودّد كان هائلًا.
هل من الطبيعيّ أن يتغيّر سلوك أحدهم بهذه السرعة؟
“إن بدا من الغريب مناداتي باسمي الآن، فافعلي ذلك من لقائنا القادم.”
“ح-حسنًا…”
“هل تعدينني بذلك؟”
“أعدك. لكن رجاءً، أزل يدك عني، وابتعد قليلًا.”
نظر إيان إلى وجه ديانا، التي حاولت تجنّب النظر إليه، بنظرةٍ راضية.
ضحك، ثمّ اقترب من يدها وقرّب شفتيه من مفاصل أصابعها دون أن يلمسها. وحين سحبت يدها بسرعة، لم يمنعها، بل ازداد اتّساع ابتسامته.
“أنا واثقٌ أنّكِ ستوفين بوعدكِ.”
لقد وقعتْ في فخّ أحد أكثر الأشرار دهاءً.
“في المرّة القادمة، سأعرّفكِ على حديقة الدوقيّة الخاصّة.”
وهكذا، أدركت ديانا متأخرة أنَّ إيان قد رتّب للقاءٍ آخر بمنتهى السلاسة.
* * *
بعد أن غادر إيان، تمدّدت ديانا على السرير وحدّقت في السقف بلا وعي.
لم تكن تعلم كيف ودّعته بهذا الهدوء، ولا متى اختارت القرار الخاطئ.
‘… ماذا أفعل الآن؟’
اعترفت ديانا لنفسها.
نعم، ظننتُ أنّ كوني قد تجسّدتُ داخل رواية سيجعلني أُدير الأمور بشكلٍ مختلف، ربّما أفوز باليانصيب، أو أحصل على شخصيةٍ نادرةٍ في لعبةٍ ما.
ظننتُ أنّني، بصفتي “أنا”، قادرةٌ على تغيير مجرى القصّة، ألم يتمنَّ الجميع هذا في لحظةٍ ما؟
‘وهل هذا خطأ؟! الأحلام مجانيّة!’
إن كان الفشل أمّ النجاح، فإنَّ شجرة عائلة قرارات ديانا كانت، وبكلّ بساطة، فوضى مطلقة.
لم يهاجمها أحد، لكنّها كانت تغلي من الداخل.
كيف يمكن أن تسوء الأمور إلى هذا الحدّ؟
في النهاية، البطلة الطيّبة، البطل الوسيم، والشرير الذي يستحقّ الهلاك.
كم كانت الروايات مملوءةً بالكليشيهات.
الزوجان اللذان يقعان في الحبّ بعد معاناة. الشرير الغبيّ الذي يُفشل كلّ شيء.
ولهذا، اعتقدت أنّها تفهم كلّ شيء. ففي النهاية، هذا عالم رواية.
ما أمامي ليس سوى شخصيّاتٍ مكتوبة. وإن نجوت من هذه اللحظة، فكلّ شيء سيكون بخير… لأنَّ الشرير، حسب معرفتي، يجب أن يكونوا كذلك.
لكن، منذ أن أصبحتْ ديانا ويلينغتون، فما تتعامل معه لم يعُد مجرّد “شخصيّةٍ خياليّة”، بل شخصٌ حقيقيّ، يقف على الأرض ذاتها.
ربّما لأنّها نسيت أنَّ من تقابله ليس مجرّد “شخصيّة”،
بل إنسان…
لذلك، أصبح هذا الإنسان، الذي كان يبدو سهلاً، أصعب ما واجهته يومًا.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 7"