الفصل 4 : ظُروفُ ديانا وِيلينغتون ⁴

 

 

توقّفت خُطى ديانا أمام غرفة الاستراحة.

 

“الآنسة ويلينغتون جميلةٌ إلى حدٍّ ما، لكنّنا نحن النّبلاء لا نختار شريك حياتنا بناءً على المظهر فقط، أليس كذلك؟”

 

لسوء الحظ، كان الصوتُ القادم من الداخل مألوفًا لها.

 

مجموعةٌ صاخبةٌ تجلس على الأرائك وتُحدِث جلبة.

 

ومن بين الجميع، كان الرّجلُ الجالس في المنتصف شخصًا تعرفه ديانا.

 

“خصوصًا إذا كان الحديث عن دوقية كروفورد، فإنَّ تقييم الطرف الآخر يجري من عدّة زوايا. من المخجل ألّا يكون المرءُ على درايةٍ بهذا الأساس.”

 

“أوه، كارماين. يصعب تجاهل ما تقول!”

 

صوت المرأة التي اتّكأت على كتف كارماين كان مألوفًا أيضًا لدرجةِ أنّه أثار اشمئزاز ديانا.

 

“بقولك هذا، يبدو وكأنّك لم تُعِر مظهري أيَّ اهتمام.”

 

“بالطّبع، فإنَّ خطيبتي العزيزة حالةٌ استثنائيّة، ميو!”

 

كارماين بيرس وميو كامبل.

 

كانا ثنائيًّا مشهورًا يعرفه جميع من في المجتمع المخمليّ.

 

“لقد تفاجأتُ كثيرًا. يا لها من مفاجأةٍ أن يحضر السيد إيان، الذي قيل إنّه منشغلٌ جدًّا، حفلةً كهذه.”

 

قالت ميو وهي تحمل كأس شمبانيا في يدها.

 

“من كان يظنّ أنّ الآنسة ويلينغتون ستندفع إليه بتلك السّرعة؟”

 

ثمّ ارتشفت من كأسها بسخرية.

 

وكأنّهم كانوا ينتظرون هذه الإشارة، بدأ الحاضرون من حولهم يعلّقون الواحد تلو الآخر.

 

“لطالما تظاهرت بأنّها هادئةٌ وراقية. تُرى كم بذلت جهدًا لإخفاء رغبتها في التقرّب؟”

 

“مسكينة. هل تعرفُ أصلًا كيف يراها الآخرون؟”

 

“مسكينة؟ أنا كنت سأختنق من رائحة عطرها. لا يبدو أنّها تعرف معنى (الاعتدال).”

 

“هاهاها، كفى. هل الأمرُ خطأ الآنسة ديانا حقًّا؟”

 

ابتسم كارماين ابتسامةً حلوة.

 

لكنّ كلماته خرجت محمّلةً بالسُّم كأنّها ملطّخةٌ بالعلقم.

 

“أليس كونت ويلينغتون شخصًا لا يعرف الحياء؟ فلا عجبَ إن لم يُحسن تربية ابنته. ما ذنبها؟”

 

… حقًّا، لقد أرادت ديانا تجاهلهم.

 

لكنّها لم تستطع.

 

“ما الذي لا يعرفه والدي، بالتّحديد؟”

 

دخلت ديانا إلى غرفة الاستراحة دون أيِّ تردّد.

 

“هل تتفضّلون بشرحٍ مُفصّل؟”

 

فوجئ جميع الحاضرين عند ظهور ديانا المفاجئ.

 

كارماين وميو، وكذلك بقيّة الشّابات الجالسات، بدت وجوههنّ متوتّرة.

 

“دي، ديانا…”

 

“منذ متى وأنتِ هناك…؟”

 

“منذ لحظةٍ فقط.”

 

حين يُهاجِم عددٌ من الأشخاص شخصًا واحدًا، خاصةً إن كان الحديث يدور من خلف ظهره، فإنَّ من الطّبيعي أن يشعر بالانهزام.

 

لكن بعد أن تموت ثمّ تتجسد روحك جسدًا جديدًا، فإنَّ مدى خوفك من البشر ينخفض كثيرًا.

 

حدّقت ديانا بثنائيّ الحديث في وسط الجلسة.

 

وكانت ميو، التي كانت محور السّخرية، أوّل من تغيّر وجهها.

 

“مرّت مدّة طويلة، آنسة ديانا.”

 

قالت ذلك وهي تنهض من مكانها رغم محاولة كارماين منعها.

 

“ألهذه الدّرجة تملكين الوقاحة للتّنصّت على الآخرين؟ لا عجب أنكم نبلاءٌ جدد.”

 

“ما قيل قد تجاوز الحدّ بالفعل. الوقاحة ليست من جانبي، بل منكم.”

 

ردّت ديانا ببرود.

 

“ثمّ، تنصّتِ؟ ماذا لو كنت نُجري حوارًا سريًّا؟”

 

أدارت ديانا ناظرَيها على من في الغرفة وكأنّها تُمازح، ثمّ نظرت إلى النّافذة وأبدت اندهاشًا.

 

“صوت الآنسة كامبل كان مرتفعًا للغاية. من حُسن الحظّ أنّ نافذة قصر المركيز لم تنكسر!”

 

“ماذا قلتِ؟ هل تجرؤين؟”

 

“لم أقل كلّ شيء بعد. هل ظننتم أنّني سأصمت بينما تسخرون من والدي بهذه الوقاحة؟”

 

منذ غادرت القاعة برفقة إيان، توقّعت أن تُطلق الألسنة من خلفها.

 

لكن، هل وصلت بهم الجرأة للسّخرية من والدها؟

 

“كما توقّعت، فإنَّ من ينتمي إلى عائلةٍ تفضّل الشّرف على المال لا بدّ أن يكون مختلفًا. يبدو أنَّ عائلة كامبل تعلّم أبناءها احتقار الآخرين منذ الصّغر، أليس كذلك؟”

 

تظاهرت ديانا بأنّها أدركت الحقيقة فجأةً.

 

“آه! ألهذا السبب أنتما مخطوبان؟ لأنّكما تشتركان في هذه الصّفة؟”

 

“اصمتي حالًا!”

 

“إن كان الأمر كذلك، فأنتم ثنائيٌّ مثاليّ. ‘الطّيْرُ على أشكالها تقع’، أليس كذلك؟”

 

“أنتِ، أيتُها المجنونة…”

 

“المجنونة ستُعطيكِ نصيحةً، آنسة كامبل.”

 

نظرت إليها ديانا بنظرةِ شفقة.

 

“لا تُفكّري أبدًا في فسخ خطوبتكِ من السيد كارماين. إن تجرّأتِ على ذلك، فسيتحدّث الجميع عنكِ من وراء ظهركِ. كيف ستتحمّلين ذلك؟”

 

احمرّ وجه ميو كامبل كأنّه قد اشتعل.

 

وحين بدأت ديانا بمهاجمتها عن عمد، صمت لسانُ ميو التي كانت منذُ قليل قائدة السّخرية.

 

“أنتما متطابقان فعلًا. في هذه الأيّام، حتّى القمامة يتمّ جمعها معًا. آمل أن تمسكا يد بعضكما وتدخلا التّابوت معًا. بكلّ صدق: حظًّا موفّقًا!”

 

ميو، التي كانت ترتجف، بدأت تُدمع من شدّة الإحراج.

 

“أوه، لا تبكي، ميو.”

 

“كارماين… ههق!”

 

“أموت من الحزن حين أراكِ تبكين، صغيرتي.”

 

كان خطيبها هو من هدّأها وهو يخطو إلى الأمام.

 

‘كم هو مقرف.’

 

اقترب كارماين أكثر ليخفي ميو خلفه، ثمّ خطا خطوةً نحو ديانا.

 

بسبب الفرق في الطّول، أظلّت هيئته وجه ديانا.

 

ربّما أراد الحفاظ على كبريائه أمام خطيبته، أو لعلّه كان على وشك ضربها لولا الحضور.

 

“آنسة ديانا، يجب أن تتعلّمي متى تتكلّمين ومتى تصمتين، قبل أن يُفسد هذا جمال وجهَكِ.”

 

قال ذلك بنبرةٍ تهديديّة وهو يُقطّب حاجبَيه.

 

“أم تُفضّلين أن أعلّمكِ بنفسي؟ هممم؟”

 

كان يعتمد على حجمه الجسديّ فقط، كأيِّ بلطجيّ.

 

‘يالهذا الحقير!’

 

وفي اللّحظة التي كاد فيها كارماين أن يضرب ديانا…

 

“عذرًا لمقاطعتكم.”

 

قال أحدهم فجأة.

 

حين التفتت، رأت رجلًا أشقرَ ينظر إليهم، لم تُدرك منذ متى كان يقف هناك.

 

“تمّ تجهيز طعام الضّيوف. يُفضَّل أن تتوجّهوا جميعًا إلى قاعة الحفل.”

 

“السيد الشاب فالنتاين.”

 

عندها فقط أدركت ديانا أنّه من عائلة فالنتاين.

 

“ستبرد الطّاولة إن لم تنزلوا الآن.”

 

“……تسك.”

 

تراجع كارماين خطوةً إلى الوراء، وكأنّه يراعي وجود الغرباء.

 

ومع دخول طرفٍ ثالث، غادر الجميع الغرفة على عجل.

 

حين بقيا بمفردهما، نظر الرّجل إلى ديانا.

 

“هل أنتِ بخير؟”

 

كان شعره الأشقر مُرتّبًا بعناية، وهيئته تُشعّ بالقوّة والرّزانة، وكان يبدو صارمًا وباردًا.

 

“بدت الأجواء مشحونةً فدخلتُ من تلقاء نفسي. هل أُصبْتِ؟”

 

“لا، أنا بخير.”

 

رغم أنّها كادت تتلقّى لكمةً لو استمرّ الوضع أكثر.

 

لكن، حتّى مع ردّها، لم يبدُ عليه الاقتناع.

 

‘هل كان هذا الشّخص موجودًا في الرّواية؟’

 

رغم تفكيرها العميق، لم تتذكّر أنَّ شخصية فالنتاين كانت من ضمن شخصيّات القصّة الأصليّة.

 

ظلّت عيناه البنفسجيّتان تراقبان شيئًا معيّنًا.

 

فهمت ديانا ذلك متأخّرة وقالت بتبريرٍ خفيف:

 

“أنا بخير فعلًا. الحذاء كان تالفًا منذ البداية، لذا جئتُ لأستريح فقط.”

 

“أفهَم.”

 

“شكرًا لمساعدتك.”

 

“لا شكر على واجب. فقط قمتُ بواجبي كالمُضيف.”

 

أجابها بجدّيّة، وكأنّه قد فهِم تمامًا حالتها.

 

“تبدين مُتعبة.”

 

“صحيح… أنا مُتعبة قليلًا.”

 

“إن أردتِ، يمكنكِ الصّعود إلى الطّابق الثّاني للاستراحة.”

 

“هل توجد غرفة استراحة في الطابق الثاني أيضًا؟”

 

“نعم.”

 

أجابها بإيجاز.

 

“اصعدي عبر السّلالم إلى اليسار. لا يذهب إليها الكثيرون، لذا ستكونين بأمان.”

 

“لكنّك طلبتَ من الجميع التّوجّه إلى قاعة الحفل…”

 

“لا داعي للقلق. لن أُجبر ضيفًا يعاني على شيء.”

 

رغم لهجته الباردة، إلا أنَّ الاهتمام كان ظاهرًا في كلماته.

 

ابتسمت ديانا بخفّة وقالت:

 

“شكرًا لك. سأستغلّ لطفك قليلًا.”

 

توجّهت عبر الدّرج الأيسر، ووجدت الغرفة بسهولة.

 

بدت مهجورة، يُضيئها مصباحٌ صغير فحسب.

 

نظرت حولها قليلًا بحثًا عن مفتاح الضّوء، ثمّ تخلّت عن الأمر.

 

‘لا بأس، سأرتاح فقط.’

 

سقطت على الأريكة بتعب.

 

بمجرّد أن أصبحت وحدها في الظّلام، خفَّ توتّرها وشعرت بكلّ ثقلِ جسدها.

 

“أوووه…”

 

كانت مُتعبةً جدًّا.

 

لم يكن تعبيرًا مجازيًّا، بل حقيقةً لا تحتمل.

 

منذ الصّباح وهي تتهيّأ للّقاء، ثمّ اللقاء المرهق مع إيان، ثمّ الثنائيّ المزعج…

 

‘لماذا، بحقّ السّماء، تهاجمني ميو كامبل كلّما رأتني؟ لا أفهم!’

 

تذكّرت ملامحها الحانقة.

 

وبينما كانت تتنهّد، رفعت طرف كمّها إلى أنفها لتشُمّه.

 

‘هل كانت رائحة العطر قويّةً لهذا الحدّ؟’

 

ربّما كانت خادمتها قد رشّت الكثير.

 

“……”

 

تمنّت لو أنّها قادرةُ على محو كلمات أولئك الأشخاص من ذاكرتها.

 

‘لو أنّني كنتُ أُغازل حقًّا لكان الأمرُ مختلفًا! لقد كنتُ أحاول تجنّب لفت الأنظار قدر الإمكان!’

 

شعرت بالاكتئاب يتسلّل إليها.

 

“سأخرج لأستنشق الهواء.”

 

ربّما يتبدّد العطر أيضًا.

 

نهضت وتوجّهت نحو الشّرفة.

 

ومع أوّل نفسٍ استنشقته، شعرت بتحسّنٍ ملحوظ.

 

‘يا له من نسيمٍ رائع.’

 

ملأت رئتيها برائحة الأعشاب القادمة من الأسفل.

 

“أرجوك، فقط لحظةً واحدة… أريد التحدّث قليلًا!”

 

سمعت وقعَ خطواتٍ مستعجلة وصوتًا مضطربًا.

 

“أيُّها السيد…”

 

“طلبتُ منك الانتظار إلى أن أتّصل بك.”

 

كان صوت الرّجل يقترب، وقد بدا مألوفًا.

 

“أعلم ذلك، لكن لو سارت الأمور جيّدًا لما جئتُ إلى هنا!”

 

“……”

 

“خسائر الكازينو لا تُطاق. الأمور خرجت عن سيطرتي. إن علِمَ بذلك…”

 

“كفى. فلنتحدّث بالداخل.”

 

وفي اللحظة التي تعرّفت فيها ديانا على صوت الرّجل…

 

صُدمت.

 

كان من دفع الآخر إلى الدّاخل هو… إيان كروفورد.

 

 

 

《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》

 

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: فاطمة 

حسابي ✿

《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》