قبل أن يتمكن كاين من إتمام جملته، سارعت أنيس بمد يدها مكممةً فمه.
‘…… لم تكن أختي هي من تقود عملية تهريب الأسلحة، بل كان والدي.’
علاوة على ذلك، لقد تجرأوا حقاً على تنفيذ عمل إرهابي. كافحت أنيس للحفاظ على برود أعصابها أمام هذا الواقع المرير الذي يصعب استيعابه.
في هذه الأثناء، اختفى أدريان في الظلام على الجانب الآخر من الردهة بعد إتمام الصفقة. ومن فوق خشبة المسرح، تعالت الهتافات التي تعلن بدء العرض. وتحت غطاء تلك الصرخات، كان أشخاص يرتدون أردية منقوشة بشعار ريبلت يفتحون صناديق القنابل استعداداً لإشعال الفتيل.
“تلك…… قنابل، أليس كذلك؟ مـ…ماذا نفعل؟ يجب إجلاء الناس فوراً، لا، بل أوقفوا العرض أولاً—”
تمتم كاين بهذيان وهو يشحب من الرعب. أمسكت أنيس بذراعه بقوة وثبات:
“كاين. سأحاول أنا إجلاء الناس بأي وسيلة. لذا أرجوك، اذهب إلى صاحب السعادة فوراً. أخبره بوجود قنابل أسفل المسرح.”
“لكن كيف أترككِ وحدكِ هنا وأرحل؟ لا يمكنني فعل ذلك.”
“أتوسل إليك. إن لم تفعل، فقد يتعرض الجميع للأذى……!”
كان معظم الفرسان في الطابق الأول يفتشون خلف مقاعد الجمهور. ولإبلاغهم، كان عليه قطع مسافة طويلة، لذا كان التوجه مباشرة نحو المقصورة الملكية في الطابق العلوي حيث يوجد ليونيل أسرع بكثير.
لكن العقبة كانت في الدرج؛ فأنيس الجالسة على كرسيها المتحرك لا يمكنها صعوده، ولم يكن هناك من يستطيع الوصول للمقصورة الآن سوى كاين.
استنتج كاين أنه لا يوجد بديل آخر، فأومأ برأسه أخيراً. أغمض عينيه بقوة، ثم انطلق يركض بكل قوته نحو المقصورة وكأنه يلقي بجسده في مهب الريح. ومع ذلك، لم يكن هناك وقت للشعور بالراحة.
“…… لا، الوقت لا يكفي.”
لم يكن كاين قد قطع نصف الطريق بعد، بينما كانت المشاعل على وشك ملامسة فتيل القنابل. تلفتت أنيس حولها بذعر؛ ما الذي يمكنها فعله لكسب الوقت؟
في تلك اللحظة، وقع بصرها على مقبض إنذار الحريق المثبت في الجوار. لم يكن هناك متسع للتردد. عضت أنيس على أسنانها ومدت ذراعها بكل قوتها. وما إن سحبت المقبض حتى—
—!
دوى صوت إنذار الحريق الحاد في أرجاء المسرح الكبير. ومع وميض أضواء التحذير الحمراء المنبعثة من السقف، ساد الهرج والمرج بين الجمهور.
“مـ…ما هذا الضجيج؟ ماذا يحدث؟”
وسط تلك الفوضى العارمة، اتجهت نظرات أنيس نحو الأعلى، نحو المقصورة الملكية. هناك، كان ليونيل واقفاً.
التقت نظراتهما في تلك اللحظة، واهتزت عيناه بعنف وكأنه لم يتوقع بقاءها في هذا المكان. امتزج الارتباك والغضب والدهشة في حدقتيه الزرقاوين.
وتحت أضواء الإنذار الحمراء المتراقصة، تشوهت ملامح وجه ليونيل تدريجياً وهو ينظر إليها.
قطب ليونيل حاجبيه وهو يراقب الموقف من المقصورة. صوت الإنذار الصاخب، يعقبه صراخ الجمهور المذعور؛ تحول المسرح في لحظة إلى ساحة من الفوضى.
شعر بأعصابه التي كانت مشدودة بالفعل تزداد حدة وتوتراً.
تباً.
كتم ليونيل انزعاجه المتصاعد من هذا الموقف غير المتوقع.
“من الذي تجرأ ولمس جهاز الإنذار؟”
“ليس أحداً من رجالنا يا سيدي!”
إن لم يكن من فرسان الحديد الأسود، فهل هم أولئك الجرذان من ريبلت؟
وقف ليونيل ممسكاً بسياج المقصورة وهو يمسح الطابق السفلي بنظراته. كان العرض قد توقف تماماً، وبين الحشود المذعورة التي تتدافع نحو المخارج، رأى أفراد ريبلت وهم يخرجون من أسفل المسرح هاربين نحو الباب الخلفي.
“لقد كانت الجرذان مختبئة حقاً.”
كان هدف ريبلت الإرهابي هو هذا المكان بالفعل، وليس الساحة المركزية.
وبمجرد وصوله لهذا الاستنتاج الواضح، انطلق أمره الصارم:
“أغلقوا الباب الخلفي واقبضوا عليهم. لا تدعوا أحداً منهم يفلت.”
في تلك اللحظة، أحضر الفرسان المكلفون بمراقبة كلوي المرأةَ إليه.
“أيها العقيد! لقد ألقينا القبض على كلوي باردو وهي تحاول الفرار من المسرح على عجل!”
“اتركني! اتركني أقول لك! ما الخطأ الذي ارتكبته لتفعلوا هذا بي؟”
تخبطت كلوي محاولة الإفلات من قبضة الفرسان، لكن الفارس أحكم قبضته عليها وأتم تقريره:
“الرجل الذي كان يهرب معها يطارده بقية الفرسان الآن. يبدو أنه أدريان باردو.”
كلوي، التي كانت تضرب قدم الفارس بكعب حذائها المدبب، غيرت تعابير وجهها فور رؤيتها لليونيل، متظاهرة بأنها ضحية بريئة:
“سيدي الدوق، أرجوك أوقف هؤلاء الناس. لقد كنت أغادر فقط لأنني ذعرت من صوت الإنذار، فإذا بهم يقبضون عليّ فجأة!”
“لقد حاولت الفرار بالتأكيد قبل أن يدوي الإنذار. كما أن هناك آثار مسحوق بارود على كم ثوبها.”
ابتلعت كلوي ريقها بتوتر بسبب المسحوق الذي انتقل إليها من أدريان:
“يا إلهي، ما هذا؟ أنا لا أعرف عنه شيئاً! ربما علق بي وأنا أهرب!”
رمق ليونيل وجه كلوي الوقح بنظرة باردة، ثم تجعد أنفه. كانت رائحة شيء يحترق قد بدأت تخترق أنفاسه، ودخان أسود بدأ يتصاعد من أسفل خشبة المسرح.
‘هناك قنبلة في المسرح……!’
في تلك اللحظة، تردد صدى ذلك الصوت الرقيق واليائس في عقله. كان كلام أنيس هو الحقيقة.
خفق.
شعر بشيء ثقيل يسقط في أعماق صدره، وتسلل شعور مشؤوم إلى قفاه.
هل خرجت أنيس بسلام؟
لقد رأى خيالها يغادر المسرح قبل قليل، ومع ذلك، انتابه قلق غريب.
مسحت نظرات ليونيل أرجاء المسرح بدقة. ومع ازدياد كثافة الدخان، تحول المكان إلى جحيم من الفوضى؛ فقد الناس عقولهم من الخوف وتدافعوا نحو المخارج، والانفجارات والصرخات تدوي في كل مكان.
بينما كان ليونيل يهم بالنزول من المقصورة، سأله مساعده بذعر:
“أيها العقيد! إلى أين أنت ذاهب؟”
“قد تكون هناك قنابل أخرى، ابدأ بإجلاء الجمهور فوراً.”
بمجرد صدور الأمر، فُتحت مخارج الطوارئ في آن واحد كما خُطط لها مسبقاً. وبعد التأكد من انتشار القوات المنظمة لتوجيه الناس بأمان، تحركت ساقا ليونيل بسرعة.
كانت ريبلت هي المنظمة التي طاردها لأشهر، وكان يعلم أنه لو ذهب للباب الخلفي الآن فسيقبض عليهم، لكن ساقيه تحركتا في اتجاه آخر؛ نحو خشبة المسرح حيث كانت أنيس.
نزل إلى الطابق السفلي بسرعة، وشق طريقه عكس تيار الحشود الهاربة نحو وسط المسرح. لكن الزحام كان يحجب رؤية أنيس عنه.
“سحقاً!”
من شدة الضيق، فك ليونيل ربطة عنق بدلته العسكرية؛ تلك الربطة التي كان يشدها دائماً حتى حنجرته كنوع من الهوس حتى في أشد لحظات الحرب خطورة.
رغم أن عقله كان يخبره بأن كاين لا بد وأنه قد أخذ أنيس وهرب بها، إلا أنه لم يستطع الهدوء دون أن يتأكد بنفسه.
كان يحتاج لرؤية خلو ذلك المكان منها بعينيه ليرتاح قلبه.
وبينما كان يشق الزحام غير مبالٍ ببعثرة ثيابه، أمسك به شخص ما.
“صاحب السعادة!”
كان كاين.
كاين الذي كان ينبغي أن يكون مع أنيس، يقف الآن أمامه وحده.
عند تلك الحقيقة، تشنج وجه ليونيل بجمود مخيف.
وبوجه يتصبب عرقاً، انحنى كاين ممسكاً بركبتيه وهو يلهث:
“أسفل المسرح…… هناك قنبلة……! بسرعة—”
“أنت.”
أمسك ليونيل بكتفي كاين بعنف وهزه:
“لماذا أنت وحدك؟”
“…… نعم؟”
“أنيس. أين أنيس؟”
رمش كاين بذهول ولم يستطع النطق بكلمة من شدة الارتباك.
في تلك اللحظة، انفجر صراخ ليونيل مدوياً:
“سألتك أين أنيس!”
كانت هذه المرة الأولى التي يصرخ فيها بهذا الشكل؛ هو الذي كان دائماً ساخراً وبارداً، هو الذي لم يرفع صوته قط حتى في ساحات المعارك.
ومع صرخته تلك، دوى صوت انفجار هائل:
بوووم!
هز انفجار مفزع أسفل المسرح، والتفتت نظرات ليونيل غريزياً نحو مصدر الصوت.
وفي مكان ليس ببعيد، استطاع رؤيتها.
كانت أنيس ملقاة على الأرض، ساقطة بعيداً عن كرسيها المتحرك الذي انقلب بجانبها.
التعليقات لهذا الفصل " 26"