1
“يا إلهي، رينا! آه، شكرًا لك. يا الهي.”
انكشفت الرؤية فجأة، كأنّ أحدهم أشعل نورًا.
رأيتُ أناسًا يبكون.
امرأةً في منتصف العمر تنتحب وترفع صلاة شكرٍ إلى الحاكم،
ورجلًا في العمر نفسه يرسم إشارة الصليب.
وشابًّا وسيمًا كان يمسك يدي بإحكام.
كان ذلك أوّل مشهدٍ رأيته بعد أن تلبّستُ هذا الجسد.
* * *
رينا ريغيفيلد.
كان موقعي في القصّة هو.
‘شخصيّة ثانويّة تلاحق البطل حتّى تموت.’
لم يمنحها البطل أيّ أملٍ ولو مرّة،
لكنّ رينا، بعنادها، لم تستطع التخلّي عن ملاحقته.
وحتّى يوم موتها، لم يختلف الأمر.
فأثناء تتبّعها له، تعرّضت للقتل على يد لصّ.
وبموت رينا، تغيّر كلّ شيءٍ في أسرة دوق ريغيفيلد.
ذَوَى والداها مرضًا وماتا على فراشهما،
وأخوها الوحيد…
روتشستر ريغيفيلد،
غرق في الظلام وأصبح شريرًا.
وفي النهاية، ظلّ في صراعٍ دائم مع البطل،
إلى أن انتهى الأمر بفناء العائلة كلّها.
“هذا لا يصحّ.”
حقًّا، يا رينا…
يا لكِ من فتاةٍ طائشة.
العالم مليء بالرجال،
فلماذا تراهنين بحياتك على رجلٍ لا يريدك؟
أنا، التي كنتُ أجوع وأنا أسدّد ديون والديّ،
لا أرى في هذا إلّا حماقةً محضة.
“أوّلًا، يا رينا. شكرًا لأنّكِ منحتِني هذا الجسد. وشكرًا لأنّكِ لم تموتي بعد.”
ربّتُّ على كتفي.
خلال الأسبوع الماضي، أدركتُ أنّ هذا ليس حلمًا.
صحيح أنّ الذكريات الموروثة لعبت دورًا،
لكنّ الإحساس الأعمق هو ما أكّد لي الحقيقة.
الآن، رينا وأنا شخصٌ واحد.
كأنّني عشتُ حياتها منذ البداية.
وكلّ ما حولي كان يساعدني على التكيّف بوصفـي رينا.
والدان حنونان يزوران غرفتي مرارًا في اليوم، وأخوها روتشستر، ليطمئنّوا إلى سلامتي.
سريرٌ وثير،
وغرفة واسعة تفوق غرفتي السابقة بخمسة أضعاف.
مكانٌ أتناول فيه ثلاث وجباتٍ شهيّة كلّ يوم.
اعترفتُ أخيرًا أنّ هذا العالم أصبح عالمي حقًّا.
حسنًا، إذًا ما أوّل شيءٍ يجب أن أفعله الآن؟
تنظيف الماضي.
* * *
بعد أن تعثّرت رينا بحجرٍ وسقطت في البحيرة وهي تلاحق الأمير سيزار، عانت من حمّى لثلاثة أيّام، ثمّ أفاقت.
ومرّ أسبوعٌ بعد ذلك، لكنّها لم تخرج من غرفتها، كأنّ صدمة الحادث لم تزل عالقةً بها.
أسرة ريغيفيلد، التي كانت تعيش في قلقٍ دائم،
عقدت اجتماعًا عائليًّا في الغرفة الشمسيّة، من دون رينا.
“هل سنترك رينا على حالها يا روتشستر؟ أنت تخدم في الفيلق نفسه مع سموّ الأمير سيزار، ألا يمكنك على الأقلّ أن تأتي به…؟“
قال روتشستر ببرود قاطع.
“هو من كان سببًا غير مباشر، ومع أنّ بيننا صداقةً طويلة، لم يأتِ لعيادتها مرّةً واحدة خلال عشرة أيّام.”
لمعت عيناه الزرقاوان بحدّة.
مهما كان رأي العالم في رينا، فبالنسبة لروتشستر، أخته الصغرى، التي تصغره بستّ سنوات، ما زالت طفلةً تمصّ إصبعها.
ومن يؤذي تلك الطفلة، ليس لديه إلّا لقبٌ واحد.
شخصٌ سيّئ.
لم يكن يهمّه أنّ رينا كانت تُزعج سيزار.
ذراع روتشستر تميل دائمًا نحو أخته.
قال بجدّيّة.
“ألا ترون أنّ هذه فرصةٌ جيّدة لنعرف رينا بحقيقته؟ لِنُرِها رجالًا أفضل. أكثر وسامة، أطول قامة، أمهر بالسيف، أغنى، ويُحسن معاملتها.”
“يا بنيّ، هل تتنفّس وأنت تتكلّم؟“
تشنّج وجه روتشستر.
“أنا لا أمزح، يا أمّي.”
“…أنت محقّ. لكن أين نجد رجلًا كهذا؟“
ساد صمتٌ قصير.
فسيزار، من منظورٍ موضوعيّ، كامل.
وهو مشهور بحياةٍ خاصّة نقيّة، بلا أيّ فضيحة.
الفضيحة الوحيدة في حياته…
كانت رينا.
“ذوق رينا عالٍ فعلًا.”
قال الدوق بوجهٍ مثقل.
رؤية ابنته الصغرى تتألّم هكذا كانت تمزّق قلبه.
“مهما يكن، سيزار هذا مرفوض. فلنفكّر بالزواج من الخارج… أو صهرٍ يدخل العائلة.”
عندما كانت الدوقة توشك أن تتنهّد مجدّدًا، سُمع وقع خطواتٍ رقيقة تقترب.
في قصر ريغيفيلد، شخصٌ واحد فقط يمشي هكذا.
قفز روتشستر واقفًا.
واندفع نحو رينا القادمة إلى الغرفة الشمسيّة.
فركت الدوقة عينيها.
هل رأت ذيل كلبٍ يهتزّ خلفه؟
“أجمل وألطف رينا في العالم! هل أنتِ بخير الآن؟ ألا بأس بالخروج؟ هل أحملك على ظهري؟“
ذابت قساوته كلّها أمامها.
رمشت رينا بعينيها وهزّت رأسها.
“لا، أنا بخير فعلًا. لكن، يا أخي…”
“اخبريني.”
“أريد التحدّث إلى الأمير سيزار. هل يمكنك ترتيب لقاء؟ مرّةً واحدة فقط.”
“بالطبع! ما دمتِ تريدين، فلا شيء أعجز عنه!”
“شكرًا، يا أخي.”
“ألستِ جائعة؟ لنخرج أوّلًا. ستحتاجين فستانًا جديدًا، أليس كذلك؟ لنذهب ونختار معًا.”
حدّق الدوق والدوقة في روتشستر بذهول.
أين ذهب ذلك الابن الذي قال قبل لحظات إنّ سيزار مرفوض؟
“أحيانًا أشكّ أنّه ابني.”
“لكن… يبدو أنّ رينا ما زالت متعلّقة بالأمير.”
تنفّسا بعمق.
من أجل ابنتهما الوحيدة، كانا يفعلان أيّ شيء… إلّا هذا.
وبحث رينا عن سيزار فور تحسّنها زاد هموم الأسرة.
* * *
كان واضحًا أنّه أُحضِر قسرًا.
سيزار، الذي طلبتُ لقاءه، كان وجهه متجهّمًا إلى حدٍّ محرج.
أجلسه الفرسان أمامي عنوةً.
“طال غيابكِ، آنسة ريغيفيلد.”
“يسرّني أنّكِ تعافيتِ.”
ابتسمتُ ابتسامةً متكلّفة.
“مساء الخير، أيّها السادة. شكرًا لتلبيتكم طلبي. أين أخي؟“
“يتابع تدريب الفرسان الجدد.”
مشغول إذًا.
لهذا لم يظهر.
نفض سيزار أذرع زملائه.
“يمكنكم الانصراف. وأخبِروا روتشستر أنّني حضرت.”
غادر الفرسان وهم يرمقونني بنظراتٍ حانقة.
مسح سيزار شعره المبعثر ونظر إليّ.
الآن أفهم لماذا لاحقته رينا.
عيناه الذهبيّتان كانتا تلمعان كجواهر، وشعره الفضيّ الناعم كأنّه صيغ من نجومٍ مسحوقة.
كان جمالًا أخّاذًا، غامضًا، كأنّه صُنع من نجومٍ سُحِقت فامتزج نورها. ولهذا الجمال، لا عجب أن يكون هو البطل.
تنفّس سيزار تنهيدةً طويلة، ثمّ حدّق إليّ.
ورؤيتي له وقد أُحضِر على هذا النّحو جعلتني أشعر بشيءٍ من الوخز في الضّمير.
لكن لم أفهم الأمر.
لماذا كان يكره رينا إلى هذا الحدّ؟ وهي بهذا الجمال!
وبصراحة، لا أستوعب كيف أنّها، مع هذا الوجه وذاك الثراء، لم تفعل سوى مطاردته وحده.
لو كنتُ مكانها، لجعلتُ الرّجال الّذين يعلنون حبّهم لي يصطفّون أمامي، ثمّ التقيتُ بكلّ واحدٍ منهم على حدة.
التعليقات لهذا الفصل " 1"