الفصل 17 :
بعد أن أنهيتُ الاستعدادات، صعدتُ إلى العربة. جلستُ وأنا أتّكئ على المقعد الناعم الذي بدا أكثر راحةً من السرير، فشعرتُ بالحزن فجأة.
‘ما هذا؟ يوجد مقعدٌ بهذه النعومة، ولا يمكنني التمدّد عليه؟’
لكن لو تمدّدت، فسيتشابك شعري بلا شكّ. ضغطتُ بكفّي على المقعد المجاور، فغاص جزء منه بشكلٍ ناعم قبل أن يعود لطبيعته، مما زاد من شعوري بالأسى.
ربّما بدوتُ كمَن يشعر بالتوتّر، لأنَّ سيروليان قال بنبرة هادئة:
“لا داعي للقلق كثيرًا بشأن عشاء الليلة. من المحتمل أن لا يحضر سموّه حتى، وقد يكتفي بإلقاء التحية ثم يصعد إلى غرفته.”
“رغم أنّها المرة الأولى التي يلتقي بي فيها؟”
اندهشتُ من كلامه. يدعو شخصًا ثم لا يكلّف نفسه حتى بالجلوس معه؟ هذا أمرٌ غير معقول.
أجابني سيروليان بنبرةٍ عادية، وكأنِّ الأمر لا يستحقّ الاستغراب.
“إنّه باردٌ بالتساوي مع الجميع. مجرّد ظهوره يُعدّ أمرًا استثنائيًّا. في الواقع، إيديل تتلقّى معاملةً خاصّة بالفعل.”
‘هل طُلي وجهه بالذهب؟’ كيف يكون إظهار الوجه معاملةً خاصة؟ حتى جلالة الإمبراطور لن يتصرّف هكذا.
حين أظهرتُ دهشتي، أضافت كاليما بابتسامةٍ مشرقة.
“في ساحة المعركة، هو رجلٌ رائع بحقّ.”
“كفّي عن الهراء.”
رغم أنّه شخصٌ عديم المهارات الاجتماعية، يبدو أنّه يحمل سيفًا ويقف في الخطوط الأمامية. كلّما سمعتُ عنه أكثر، زادت حيرتي بشأن شخصيّته.
‘هل يبدو كالصخرة الجامدة؟ هل هو وسيمٌ مثل سيروليان؟ أم أنِّ ملامحه باردة لدرجة أنَّ مظهره لا يلفت الانتباه؟’
بينما كنتُ أتخيّل دوق لوك، تنهد سيروليان بصوتٍ خافت.
“إيديل.”
وقبل أن يتكلّم، ضربتُ صدري وأجبتُ بحماسة.
“نعم! لا تقلق!”
“……هل تعرفين ما الذي أقلق بشأنه؟”
“بالطبع!”
أجبته بكلّ ثقة.
“سأُصبح أسوأ كَنّةٍ عرفها التاريخ! أكثر لؤمًا ووقاحة من المرّة الماضية!”
“…….”
لم ينبس سيروليان ببنت شفة، بينما انفجرت كاليما ضاحكة.
ربّما لم يأخذا كلامي بجدية، لكنّني كنتُ جادّةً فعلًا. لأنَّ الأميرة بارينين تنتظرني هناك مثل أفعى سامّة.
‘من الممكن أنّها أهانت سيروليان بعد ذلك اللقاء.’
وبما أنّنا نعيش تحت سقفٍ واحد، شعرتُ بالشفقة تجاهه، فقلتُ بلطفٍ أكثر.
“إذا شعرتَ بالتوتّر، فقط اعتمد عليّ.”
أنا شخصٌ يحترم المواعيد دائمًا. لم أتأخّر قطّ في تسليم مقالة.
ضحكت كاليما وهي تمسح دموعها بعد أن أمسكت بطنها.
“يا لها من امرأةٍ شجاعة. أرجو أن تعتني بقائدنا جيّدًا.”
“سأحميه بنفسي!”
في خضمّ حديثنا المتبادل، أدار سيروليان رأسه بعيدًا فجأة.
وصلت العربة إلى قصر دوق لوك بسرعة. وقبل أن أترجّل، تذكّرتُ ما قاله سيروليان.
‘دوق لوك: بارد، غير مبالٍ، سيُظهر وجهه فقط.’
عليَّ أن أتصوّر أنّني سأُلقي التحيّة فقط.
بهذا العزم، أخرجتُ رأسي من باب العربة المفتوح.
‘لكن لا أحد قال إنَّ هذا سيحدث!’
بدلًا من أن أرى سيروليان يمدّ يده لمساعدتي، كان هناك رجلٌ طويل لم أره من قبل.
شعرٌ أحمر، وعينان زرقاوان هادئتان. طويل القامة، نحيف البنية. رغم أنَّ مظهره بدا فوضويًّا، إلا أنَّ ذلك أضفى عليه سحرًا خاصًّا. كأنّه رجلٌ يقف وحيدًا وسط غابةٍ من القيقب الأحمر المشتعل.
زوايا عينيه المجعّدة بدت جافّة وكأنّها ستُصدر صوتًا إن لمستها. أقسمُ للسماء أنّني أراه للمرّة الأولى.
‘مَن هذا الرجل؟’
تلفّتُ بارتباك، فقال سيروليان بهدوء.
“إنّه دوق لوك.”
“ماذا؟!”
لماذا دوق لوك هنا بنفسه؟!
***
إنّه، ببساطة، كان تصرّفًا من دون تفكير.
قبل أن يُحدّد موعد العشاء، كتبت إيديل رسالةً موجزة لدوق لوك بعد أن انتهت من مسودّتها الصحفية.
حين رأى سيروليان الظرف الوردي المزخرف بالزهور، أمال رأسه.
“أظنّني قلت إنَّ مثل هذه الأشياء لن تُجدي نفعًا مع سموّه.”
“لكنّي قلتُ أيضًا إنَّ المحاولة أفضل من لا شيء.”
“هممم.”
أخذ سيروليان الرسالة. بدا أنَّ رائحة إيديل التصقت حتى بالظرف.
تأمّله بصمت، ثم أومأ برأسه خفيفًا. في النهاية، القرار يعود للدوق فيما إذا كان سيقرأها أم لا.
“على أيِّ حال، سأُوصلها له.”
وكانت هذه هي النتيجة: دوق لوك بنفسه جاء لاستقبال إيديل.
***
حين رأى الدوق ملامحي المرتبكة، عقد حاجبيه وقال بنبرة جافّة.
“ألم تطلبي أن أستقبلكِ؟”
“آه، لقد كتبتُ شيئًا مِن هذا القبيل.”
في الحقيقة، لم يكن النص هكذا أبدًا. ما كتبته كان:
<اقترب اليوم المبارك الذي سأُقابل فيه سموّك لأوّل مرة. إذا استُقبلتُ مِن أوّل لحظة، فسأشعر بانطباعٍ جيّد عن حياتي الزوجية.>
‘هل هذه تُفهم على أنّها دعوةٍ للاستقبال؟ كنتُ فقط أطلب ألّا يُطردني على الباب!’
لكن لم أرغب بجعل الموقف سيئًا بعدما أظهر نفسه بمثل هذه الندرة. ابتسمتُ بلُطف، ووضعتُ يدي بلُطف فوق يده.
عقلي الصحفي عمل بسرعةٍ لتحويل هذا الموقف المحرج لصالح المقالة.
‘يا إلهي! العنوان سيكون: “الدوق لوك يستقبل خطيبة ابنه التي من العامة بنفسه!” ستنفجر المبيعات!’
ربّما سينتهي بي الأمر بتقديم استقالتي بدلًا من طلب إجازة، وأُصبح صحفيةً حرّة أُغطي أخبار الدوق فقط!
‘لكن هذا سيكون مربحًا كفاية.’
على أيِّ حال، هذا كلّه في صالح سيروليان، وضربةٌ ضدّ الأميرة بارينين، كما يُعزّز مسيرتي الصحفية.
تنفّستُ بعمق ونزلتُ من العربة بخطى واثقة. ثمّ ابتسمتُ قائلة.
“أشكرك على هذا الاستقبال، سموّ الدوق. أنت شخصٌ لطيف.”
اتّسعت أعين الحاضرين وحدّقوا بي.
‘هل بالغتُ؟ هل كانت مجازفةً مفضوحة؟’
دوقٌ معروف ببروده وجمود ملامحه، والآن أُثني عليه علنًا؟ لا يمكن التراجع عن الكلام، لذا أطلقتُ ابتسامة محرجة.
عندها سألني الدوق بصوته العميق.
“قلتِ إنِّ اسمكِ إيديل؟”
“نعم، إيديل أزيان.”
تأمّلني بعينيه الزرقاوين وسأل.
“ماذا عن والديكِ؟”
‘تحقيقٌ شخصي؟’
‘هل هذه أسئلة يطرحها دوق؟ أليست بسيطةً أكثر من اللازم؟’
‘أجل، مقالٌ جديد: “والد الزوج من طبقة النبلاء… بسيط كأيِّ والد.”‘
ورغم أفكاري، أجبته بسهولة.
“والدتي توفّيت، ولم أكن أعرف والدي أصلًا.”
لا بدّ أنّه وافق على الزواج رغم معرفته بذلك، أليس كذلك؟
راقبتُ ملامحه… أنفٌ سامق، رموشٌ كثيفة، ملامحٌ جانبية لا يمكنني قراءتها.
‘أشعر أنّني رأيتُ هذا الوجه مِن قبل… لكن أين؟’
عينيه الغارقتان، وشعره الأحمر المجعّد… شيءٌ ما مألوف، ولكن لا أتذكّره.
وقبل أن أسترجع ذاكرتي، استدار الدوق فجأةً ونظر إليّ مباشرةً، مِما أجبرني على خفض بصري.
ثم طرح سؤالًا غريبًا.
“ألا تعرفين شيئًا عن والدكِ؟”
“أنا؟ عن والدي؟”
رمشتُ بعينيّ. كلّ ما أعرفه هو ما قالته والدتي.
“قالت أمي إنّه نفاياتٌ لا تصلُح حتى لإعادة التدوير.”
فجأة، انقبض وجهه الصارم. تغيير التعبير كان واضحًا للغاية.
‘هل كنتُ فظّة؟ هل كنتُ قاسية؟’
سيروليان قال إنّني أكون صريحة أكثر من اللازم أحيانًا. لعلّ كلماتي الصحفية تُعتبر جارحةً في عالم النبلاء.
ضممتُ يديّ وابتسمتُ بتوتر.
“أعتذر، سموّ الدوق. ما زلتُ أتعلّم قواعد الإتيكيت.”
قال بصوتٍ خافت.
“قولي أبي.”
“هاه؟”
“ناديني بأبي.”
“هاه؟!”
انطلقت أصواتٌ فزع من حولي. نظرتُ حولي بدهشة، فيما خفض الخدم رؤوسهم، لكن أكتافهم المرتجفة كشفت ارتباكهم.
‘لِمَ كلّ هذا الذهول؟’
سنُصبح عائلةً قريبًا، فقول أبي أمرٌ طبيعيّ… أليس كذلك؟ لكن ربما الأمر سُرع أكثر مِما ينبغي.
ابتسمتُ بوجهٍ مشرق وقلت.
“لا يمكنني قول ذلك بعد.”
تصنّعتُ صوت الكنّة لطيفة، لكنّ الصمت خيّم مجددًا، وسمعتُ أحدهم يبتلع ريقه.
“هاه!”
“مستحيل… أمام سموّه…”
‘ماذا قلتُ بالضبط؟ أليسوا هم من لم يُعجبهم أن أقول أبي؟!’
كنتُ مشوّشةً تمامًا، وعندها قال الدوق، وملامحه مشدودة.
“ولِمَ لا يمكنكِ قول ذلك؟”
عينيه بدتا أغمق مٍن عيني سيروليان. بلونٍ أقرب إلى زرقة الليل الصافية.
حين عبس قليلًا، اكتسبت عيناه لونًا أعمق، وكأنَّ ظلًّا حلّ عليهما.
أمالتُ رأسي ببراءة وقلت:
“لأنّني لم أتزوّج بعد. قول أبي يجب أن يكون بعد الزواج.”
“…….”
بدت عضلات فكّه مشدودةً فجأة.
‘هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟’
وبينما كنتُ أفكّر، نادى الدوق فجأة.
“سيروليان.”
“نعم.”
نظر إليه الدوق من علٍ وسأله.
“متى ستُقيم حفل الزفاف؟”
أجاب سيروليان بأدب.
“نحن مستعدّون في أيِّ وقت.”
تحدث الدوق دون تردّد.
“اجعلوه في أقرب وقتٍ ممكن.”
واتّسعت عيناي دهشة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 17"