الفصل 13 :
منذ ولادتي لم يكن لديّ أب. كل ما كنتُ أعرفه عنه كان معلوماتٍ مجزّأة، ويمكن تلخيصها في جملةٍ واحدة.
“أبوكِ كان نَذلًا.”
“أوه…….”
لم أستطع الرد على كلام أمي، واكتفيتُ بتدوير عينيّ بصمت. كانت أمي ذات الشعر الأشقر القصير تبتسم ابتسامةً صبيانية وهي تدهن المربّى بكثافة على الخبز.
“كنتُ مجنونة. لقد جُننتُ مرةً واحدة فقط في حياتي، وحدث ذلك عندما التقيتُ بأبيكِ.”
كلّما سمعتُ هذا الكلام، شعرتُ بغرابةٍ شديدة. ليس لأنّها أمّي، بل لأنّها فعلًا امرأةٌ ذكيّة ومتمكّنة. فكيف انتهى بها الأمر للارتباط بنذلٍ كهذا وإنجابي منه؟
“لكن لماذا أحببتِه؟ ألم تعرفي أنّه نذل؟”
“ذلك هو الخطأ الشائع لدى النساء الذكيّات. يعتقدنَ أنَّ الرجل الصامت سيُظهر لهنّ وحدهنّ لُطفًا خاصًا، فيشعرنَ أنّهنّ مميّزات بالنسبة له، ويخدعنَ أنفسهنّ بفكرة أنّه سيتغيّر من أجلهن.”
عندما قالتْ هذا، بدا على وجهها ظلٌّ من الحزن، وتمتمتْ بصوتٍ منخفض:
“لم أتوقّع أنّه لن يتغيّر حتى بعد أن أنجبتُكِ.”
“…….”
بكلمةٍ واحدة، فهمتُ لماذا عادت أمي وحدها وهي حامل بي. شعرتُ بجوٍّ من الجديّة، فانخفض رأسي تلقائيًا. لكنّ أمي عادت لتبتسم بحيوية وقالت:
“أنا لا أندم أبدًا. فقد رزقتُ بابنةٍ جميلةٍ مثلكِ. وإن كنتُ أشعرُ بالأسف نحوك.”
“أنا بخيرٍ أيضًا.”
احتضنتُ أمي بقوة. ضحكنا ونحن نتعانق، ثم قالت بابتسامةٍ لطيفة:
“لابدّ أن رجلاً أروع بكثير سيأتي لابنتي ذات يوم.”
وبالفعل، إذا فكّرتُ بالأمر، فقد كانت نبوءتها صائبةً بالكامل.
‘آه، لماذا أتذكّر الماضي فجأة؟’
يبدو أنّني غفوتُ قليلًا داخل العربة دوّن أن أشعر. حككتُ رأسي بخجل، ثم غصتُ بجسدي في المقعد.
لقد رأيتُ أمي في الحُلم بعد فترةٍ طويلة.
‘كلّ هذا بسبب الأميرة بارينين. رؤيتها أعادت إليّ الذكريات القديمة.’
صفعتُ خديّ براحة يدي.
‘عليّ أن أتماسك. إن بقيتُ هكذا، فلن أستطيع فعل أيِّ شيء.’
بينما كنتُ أعيد ترتيب أفكاري بحزم، وقعت عيناي على الرجل الجالس أمامي.
ربّما لأنّي تذكّرتُ أمي وهي تشتم أبي، بدأتُ أُمعن النظر في كلّ تفصيلةٍ من تفاصيل سيروليان.
‘هو رجلٌ وسيم، وقادر، وله مكانةٌ عالية… لكن لا يبدو لي أنّه سيعيش معي حبًّا من النوع الذي تحدّثتْ عنه أمي.’
‘هل لأني أراه كثيرًا؟ بدأ يبدو لطيفًا نوعًا ما.’
وبينما كنتُ أفكّر في هذا، التفت سيروليان من نافذته ونظر إليّ. وسط العربة المعتمة، كانت عيناه الزرقاوان تتلألآن كنجمتين.
ظلّ يُحدّق بي، وأنا أبادله النظرة. ساد صمتٌ غريب داخل العربة.
‘جميل حقًّا.’
رموشه الذهبية الكثيفة التي تشبه شعره الأشقر، وعيناه الزرقاوان، كلّها جعلته يبدو كدمية خزفية.
‘لكن، أشعر أنّ ملامحه مألوفةٌ بعض.’
تساءلتُ: ماذا يفكّر حين ينظر إليّ هكذا؟
ولحسن الحظ، قبل أن يصبح الصمت مُحرجًا، وصلت العربة إلى منزلي.
نزل سيروليان أولًا، ثمّ مدّ يده نحوي.
“آه، شكرًا.”
لكن في اللحظة التي أمسكتُ فيها يده لأهبط من العربة، سحبني فجأةٍ خلف ظهره وأخذ يتلفّت بحذر.
نظرتُ نحو الاتجاه الذي كان يُحدّق فيه، فرأيتُ ظلًا أسود يختفي بسرعة.
‘قطٌ شارد؟’
القطط الضالة ليست نادرةً في هذه الأحياء. هززتُ كتفيّ وتركتُ يده وهممتُ بالعودة.
“حسنًا، سأدخل الآن… أوه؟”
لكنّ سيروليان لم يترك يدي كما توقّعت، بل أمسك بها بإحكام.
رفعتُ رأسي بدهشة، فرأيته ينظر إليّ بعينيه الزرقاوين الباردتين ويسأل:
“بماذا ستشغلين وقتكِ بعد دخولك؟”
“هاه؟ أُه، يعني…”
‘كنتُ سأبدأ بكتابة المقال الذي اتّفقنا عليه، ليُرسل إلى الصحيفة.’
وكنتُ أنوي جعله مثيرًا قدر الإمكان، بعنوان مثل: “سيروليان لوك في علاقةٍ غرامية مع سندريلا جميلة!”
‘لكن لا يمكنني قول ذلك أمامه. سيُحرجني كثيرًا.’
فكّرتُ أيضًا أنّه قد يعترض على نشر شيء دون إذنه.
وبينما كنتُ أتردّد، فاجأني سيروليان وهو لا يزال ممسكًا بيدي:
“إن لم يكن لديكِ ما تفعلينه، فهل يمكنني البقاء قليلًا في المنزل؟”
“آه، لكن… أليس الوقت متأخّرًا جدًّا؟”
في الحقيقة، كان الليل قد حلّ، وكنتُ على وشك الاستحمام والنوم.
‘أنت أيضًا تبدو متعبًا. ارجع إلى منزلك وارتَح.’
بعثتُ إليه نظراتٍ تقول هذا، فأجابني بنبرة باردة:
“إن كان كذلك، فسأجلس قليلًا في الحديقة ثم أغادر.”
“……إذن، لنشرب كوبًا من الشاي قبل أن تذهب.”
لا أعلم لماذا أراد المجيء إلى منزلي فجأة، لكن لا بدّ أنَّ له سببًا. وبما أنّني أثق بأخلاقه، وافقتُ. مع هذا، كان هناك شيءٌ يُقلقني.
“لكن، هل يمكنك الدخول فعلًا؟ في آخر مرة، بدا أنّك تتألّم لمجرد دخولك المنزل.”
أجاب سيروليان بهدوء:
“لا بأس. لقد اعتدتُ على الأمر كثيرًا.”
‘إلى هذا الحد كان الأمر صعبًا؟’
كنتُ مستعدّةً لسماع ردٍّ جاف، ومع ذلك شعرتُ بخيبة أمل.
كتمتُ أنفاسي بصمت، وقلتُ لنفسي.
‘سأستخدم العطر في المرّة القادمة.’
لكن في تلكَ اللحظة بالضبط، قال سيروليان:
“لا حاجة لذلك.”
“ماذا؟”
“كنتِ تفكّرين بإستخدام العطر، أليس كذلك؟”
“هاه؟ كيف عرفت؟”
هل قلتُ ذلك بصوتٍ عالٍ دون أن أشعر؟
انكمشتُ فجأةً وعضضتُ شفتي، فأجابني بوجهٍ خالٍ من التعابير:
“إنّها مشكلتي أنا، لا مشكلتكِ أنتِ. فلا داعي لاستخدام العطر. قد يجعل تأثيركِ عليَّ أقوى.”
“أحقًّا؟”
بدا كلامه منطقيًا، لكن لم أستطع تصديقه كليًّا.
‘يقول إنّها ليست مشكلتي، لكنّ رائحتي هي السبب على ما يبدو.’
لكن طالما أنّه قال إنّه بخير، فلا بأس. أومأتُ برأسي وقلت:
“إذن، تفضّل بالدخول.”
وما إن سمحْتُ له، حتى حمل صندوق الياقوت الأصفر الذي كنتُ أُمسكه، وتقدّم بخطوةٍ مُهذبة نحو الباب.
‘مهذّب للغاية، كعادته.’
فتحتُ الباب ودخلتُ، وأنا قلقةٌ من أن يُعاني مجددًا، لكنّه مشى خلفي بثبات.
“هل أنت بخير؟”
“ألم أقل إنّي قد اعتدتُ على الأمر؟”
قال هذا، ثمّ أضاف بجبهةٍ مرفوعة وكأنّه يبحث عن الكلمات:
“لا أقصد أنّ رائحتكِ سيئة. إنّها حسّيّةٌ للغاية، ولذلك أنا أكثر حذرًا.”
احمرّ وجهي عند سماع كلمته.
‘لماذا يقول كلامًا يُحرّك المشاعر هكذا؟ هل يفهم معنى “حسّيّة”؟’
سأخبره لاحقًا أنَّ عليه ألا يستخدم كلماتٍ مثل “حسّي” أو “مُغري” بهذا الشكل.
دخلتُ المنزل أولًا، وتبعني سيروليان.
ضربتُ على طاولة غرفة المعيشة وسألت:
“لكن، لماذا أتيتَ إلى منزلني؟”
أجابني بوضع الصندوق على الطاولة دون كلام.
وربّما بسبب جلوسه تحت ضوء المصباح الزيتي، بدا ظلٌّ خفيف تحت عينيه.
رفعتُ إصبعي لا شعوريًا نحو عينيه.
“آه، هل تُعاني من الأرق؟”
أبعد سيروليان رأسه بهدوء، فتراجعتُ وأجبتُ بإحراج.
“بدوتَ مرهقًا، لذا سألتُ فقط. آسفة إن أزعجتك.”
عندها، تحرّك فكّه كما لو كان يعضّ على أسنانه، ثمّ أدار وجهه بعيدًا وقال:
“……أجل. أظنّني لن أنام الليلة.”
‘لماذا يقولها بصيغة المستقبل؟’
في كلّ الأحوال، لا يُمكنني تحمّل رؤية وجهه الجميل وقد أرهقه التعب.
اقتربتُ منه وقلت:
“لديّ طريقةٌ ممتازة لعلاج الأرق. هل تثق بي وتدعني أُجرّبها؟”
اقتربتُ كثيرًا منه، فأدار وجهه مبتعدًا وقال بجمود:
“لا بأس إن لم أنم لعدّة أيّام.”
“لا يوجد إنسانٌ يعيش هكذا!”
سحبته من ذراعه إلى الأريكة الطويلة قرب النافذة.
“استلقِ هنا قليلًا. ارتَح بينما أنهي مسودّة المقال.”
“……استلقِ؟”
قطّب حاجبيه كما لو أنّي قلتُ شيئًا لا يُصدَّق.
“نعم. ما دمتَ هنا، خذ قسطًا من الراحة. أُريد أن أُغنّي لك تهويدةً أيضًا، هل ترغب؟”
“هذا……”
“هيا، استلقِ هنا. هذه أريكتي المفضّلة، لكن سأتنازل عنها لك الليلة.”
وبالرغم من حيرته الشديدة، خلع سترته واستلقى على الأريكة. كانت الأريكة صغيرةً عليه، فاضطرّ إلى ثني ساقيه.
غطّيته ببطّانيتي المفضّلة التي أستخدمها عندما أستلقي.
لكنّ البطّانية كانت صغيرةً جدًّا عليه، فأشبهَت غطاء طفل.
‘هل هكذا يبدو العملاق في بلاد الأقزام؟’
كان منظره تحت البطانية الصفراء لطيفًا للغاية. وبينما كان يُعبّر عن انزعاجٍ طفيف، رمش ببطء وقال:
“هذه البطّانية تفوح منها رائحةٌ حُلوة.”
“حقًّا؟ أنا لا أشعر بشيء.”
ما هي هذه الرائحة الحُلوة التي يتحدّث عنها؟ بدأتُ أشمّ الهواء من حولي، فتمتم سيروليان:
“الأريكة ضيّقةٌ عليّ.”
“……قل إنّها مريحةٌ على الأقل.”
“لستُ مِمَن يُجاملون.”
بالفعل، لا يُمكن تخيّله وهو يقول شيئًا لطيفًا لمجاملة أحد.
“أغمض عينيك وعدّ حتى مئة. وإن لم تنم، سأُحضِر لك حليبًا دافئًا بالعسل.”
“…….”
وهكذا، بعدما أرحتُ سيروليان، شعرتُ أنَّ بإمكاني كتابة مقالٍ عن زواجنا بشكلٍ أفضل.
‘على الأقل، يمكنني وصف وسامة خطيبي بكلّ دقّة.’
جلستُ على الطاولة لأبدأ بكتابة المسودّة، فسمعتُ صوته من خلفي:
“هل ستبقين جالسةً هناك؟”
“منزلي صغير، ولا يوجد مكتب. لماذا؟ هل يُزعجك وجودي؟ هل تفضّل الانتقال إلى غرفة النوم؟”
ربّما كان من النوع الذي لا يستطيع النوم إذا وُجد شخصٌ بقربه. هل أعطيه سريري إذًا؟
‘لكن لا أُريد أن أُريه غرفتي بعد. أو ربّما لا بأس، سنصبح زوجين قريبًا.’
وأثناء تردّدي، هزّ سيروليان رأسه:
“لا، لا. أُفضّل أن تبقي هناك.”
‘بما أنّه لا يُجامل، فلابدّ أنّه يقولها بصدق.’
رفعتُ قلمي وبدأتُ أكتب المقال على الورق.
وخلال ذلك، ظلّت عينا سيروليان مُثبّتتين طويلًا على وجهي الجانبي.
***
في البداية، لم يكن سيروليان ينوي دخول المنزل.
كان ممتنًّا لأنَّ إيديل لم ترفض دعوته.
‘لقد أمضينا وقتًا طويلًا معًا.’
كلّما طال الوقت الذي يقضيه معها، ازدادت الأحاسيس التي استعادها وضوحًا.
ما كان سابقًا يتلاشى بسرعة، صار يصعب نسيانه مع مرور الوقت. وكأنّه بات يُدمن ببطء.
لكن عندما وصلا إلى منزلها، لم يستطع المغادرة.
‘……كان ذَلك لوار.’
هرب بسرعة كأنّه فوجئ، لكنّه كان واثقًا أنَّ ما رآه كان لوار.
وهو، كصائد لوار، لا يُمكن أن يُخطئ بذلك.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"