كانا لا يزالان أمام غرفة القائد الأعلى فيكتور مباشرةً، والحراس الذين يتولّون الحراسة لم يبتعدوا أكثر من خطوتين. لذا لم يكن بوسعها أن تسأل كيرتيس إن كان قد فقد صوابه. ثمّ إنّ…
“أليس من الواجب أن تسأل قبل أن تمسك اليد؟”
لقد كانت يدها ممسوكةً بالفعل. بيد كيرتيس. جلد قفّازه المصنوع من جلود الخراف الفاخرة كان ناعمًا إلى درجة أحرجتها.
تظاهرت كلوي بالبرود وهي تنظر تارةً إلى يدها وتارةً إلى كيرتيس. كان كيرتيس يحدّق بها صامتًا. (إن كنتَ تمثّل، فابتسم على الأقل). أعادت كلوي السؤال بصوت منخفض:
“هل هذا بسبب نصيحة القائد الأعلى؟”
“أحاول الالتزام بها داخل القصر. قالوا إنّ مشكلة البُعد بيننا كبيرة. لم أكن أدرك ذلك من قبل.”
زفرت زفرةً خافتة، ثم ألقت نظرة حولها وهمست بأصغر صوت ممكن:
“المعذرة، لكن إن كنتَ ستمسك يدي بتلك الملامح الكارهة، فالأفضل أن تتركها.”
“هذه قسوةٌ منكِ. بالنسبة إليّ كان هذا قرار العمر.”
“إن كان قرار العمر، فلتخلع القفّاز على الأقل.”
قرصت كلوي يد كيرتيس المغطاة بالقفّاز. فابتسم كيرتيس ابتسامةً مائلة.
“قال لكِ القائد الأعلى أن لا تبالغي. هل سمعتِ أنّ الناس لا يتغيّرون فجأة؟”
‘هاه. إذن إمساك اليد بالقفّاز هو أقصى ما استطاع التنازل فيه.’
“يكفي، فلنترك الأيدي قبل أن يشاع أنّ الدوق وزوجته يتشاجران.”
“كما تشائين.”
فما إن قالت ذلك حتى ترك يدها كأنّه كان ينتظر اللحظة، وسار بجانبها. بدا أنّ الوقت الذي قضياه مع القائد الأعلى فيكتور كان طويلًا، إذ أنّ اتجاه الشمس قد تغيّر عمّا كان حين دخلا مبنى الأمن.
كانت رياح الصيف الحارة تبرد حين تمرّ عبر رواق قصر إيفانيس، وذلك بفضل السحر القديم للتنين الذي ما زال قائمًا في القصر. ولعلّ ذلك سبب ارتداء موظّفي الأمن ملابس طويلة حتى في هذا الفصل من السنة.
“كيف شعوركِ بالعودة إلى العمل بعد ثلاثة أسابيع؟”
“لا أعلم بعد. يبدو أنّ عليّ أن أعمل قليلًا لأتبيّن.”
“لقد ادّخرتُ لكِ الكثير من الأعمال.”
“ذلك أسوأ ما سمعت.”
سارا ببطء وبخطواتٍ هادئة. كان الموظّفون وخدم القصر يلقون التحية عليهما باحترام قبل أن يواصلوا طريقهم. نظراتهم المليئة بالفضول نحو الزوجين الدوقيّين لم تخلُ من بريق، لكنّها لم تتجاوز حدود الأدب.
فتحت كلوي فمها للحديث حين خرجا من مبنى الأمن ومرّا بالحديقة التي يقع فيها مقرّ وزارة المالية. ولأنّ طبيعة الوزارة كثيرة الأشغال، كان المكان شبه خالٍ.
“إذن، ما الأمر؟”
طرحت السؤال دون أن تتوقّف عن المشي. فأجاب هو بابتسامةٍ ماكرة وهو يواصل السير:
“كنتِ تقولين إنّكِ تريدين التقاعد، صحيح؟”
“صحيح.”
“ما زال الأمر قائمًا؟”
“إن كان ممكنًا.”
“مبروك. أن الأمر مستحيل.”
‘يسخر منّي؟’
“لقد بذل جلالة الملك قصارى جهده لعزلكِ من منصب مساعدتي. لكنّه فشل.”
“ماذا؟”
رفعت كلوي رأسها تنظر إليه، فبادلها كيرتيس بابتسامةٍ هادئة. كانت ابتسامة رجلٍّ واقعٍّ في الحب، لكن كلماته خرجت بلهجةٍ إدارية بحتة.
“هل تذكرين العقد الذي وقّعتِه حين انتقلتِ من البحرية إلى هذا القسم؟”
تذكّرت أنّ هناك فعلًا عقدًا كهذا. خدمةٌ إلزامية لعامين. لا استقالة مسموحة.
“أتذكّره. بسببه كنتُ أتوسّل للحاكم بأن أصاب إصابةً لا تقتلني، ولا تجعلني معاقة، لكن تكفي كي أحصل على تسريحٍّ طبي.”
“ألم يخطر ببالكٍ أنّ العقوبات التي كنتِ تتلقينها كانت بسبب خطأكِ أنتِ؟”
“كنتُ أفكّر أنّ من اخترع فكرة (المسؤولية المشتركة) لا بدّ أن أقتله مع ثلاثة أجيالٍّ من ذريته.”
حوّل كيرتيس الحديث فجأةً بعد صمتٍ قصير.
“…على أيِّ حال، تلك المادة التي تُلزمكِ بخدمتي كمساعدةٍ لعامين سبّبت تعقيداتٍ كثيرة.”
بعبارةٍ أخرى، العقد الذي كانت كلوي تلعنه يومًا ما لأنّه يمنعها من التقاعد، صار الآن سببًا في إنقاذها.
فقوانين إيفانيس العسكرية تعلو على سلطاتٍ كثيرة. البحرية كانوا يقولون إنّها تحترم مؤسس الدولة إيفانيس، لكن الحقيقة أنّها ضرورة بسبب حدود المملكة الثلاثة.
أثناء الخدمة، يُعامل العسكريون كجنودٍ قبل أيّ اعتبارٍ آخر، مهما كانت رتبهم. تمامًا كما حدث حين صفعت كلوي أغات مونفيس.
لكن حين يكون الأمر متعلّقًا بأحد أفراد العائلة الملكية، فلا يمكن تجاهل مكانته كليًّا.
وكانت كلوي ضمن هذا الاستثناء.
أوّل ما طلبه الملك كان تقاعدها. فقد توفّيت الملكة قبل خمس سنوات، ولم يبقَ في العائلة المالكة من النساء سوى ماركيزة فلاندر والأميرة بياتيس وليّة العهد.
وبذريعة أنّ كلوي، بصفتها دوقة، يجب أن تتولّى واجبات النساء الملكيّات، طالب الملك بإحالتها إلى التقاعد.
<المساعدة كلوي لو دافيد بيرك، بصفتها عضوًا في العائلة المالكة، يجب أن تطلع بواجباتها الملكيّة. القائد الأعلى فيكتور يُؤمّل أن يُسمح لها بالتقاعد لأداء واجباتها المشرّفة.>
لكن المذكرة التي بعثها القصر إلى القائد الأعلى لم تكن سوى إجراءٍ شكلي، اعتادوا بهِ تأكيد الاحترام المتبادل بين الجيش والملك. وفي الظروف العادية كان ذلك يُنفَّذ فورًا. لكنّ القائد الأعلى قدّم ردًّا أربك الجميع.
ذلك العقد، الذي كان مكتوبًا عليه (عقد تغيير الوظيفة) بينما كانت كلوي تقرأه على أنّه عقد عبودية.
“قبل أن تأتي، كان القائد الأعلى يعاني الأمرّين لإيجاد مساعدة لي. لذلك حرص على ختم كل بندٍّ من ذلك العقد بنفسه، بل وحصل على توقيع الملك أيضًا.”
قال كيرتيس ذلك وهو يضحك خافتًا.
<نعتذر، لكن بما أنّ الوثيقة تحمل ختم جلالة الملك، فليس من صلاحيات القائد الأعلى إبطالها منفردًا.>
هكذا هي علّة البيروقراطية. وبما أنّ العقد مختومٌ من الملك نفسه، لم يقدر القائد الأعلى على فسخه وحده.
حاول الملك تمزيق العقد بنفسه غاضبًا، لكنّه لم يستطع. فقانون الجيش، كما قيل، يتجاوز سلطات كثيرة.
<وإن لم يكن في منزلة التاج الملكي، فإنّ اسم التنين العظيم إيفانيس يجب أن يُصان….>
وقد نصحت وزارة الداخلية الملك بأنّه حتى لو وقّع بنفسه على وثائق تخصّ البحرية، فلا يمكنه إلغاؤها منفردًا. لأنّ كلوي من أصول بحرية، أي أنّها إحدى المرشّحات سابقًا لتكون عروسًا للتنين.
ثار الملك غاضبًا.
‘أيعقل أنّ سحليةً ميتة منذ ثلاثمئة عام ما زالت تعيقني!’
والحقيقة أنّ السحلية لم تكن ميتة، لكن ميتةٌ أو لا، لم يكن ذلك إلّا ذريعةً يمكن تجاهلها. لكنّ تصرّفه أثار مخاوف النبلاء على الحدود، فقد يظنّون أنّ الملك سيتجاهل معاهداته معهم كذلك. لذلك اضطر الملك إلى سؤال الوزارة مجدّدًا: ما الحل إذن؟
<يُكتفى بموافقة الرئيس المباشر.>
ومن هو الرئيس المباشر لكلوي لو دافيد بيرك؟ إنّه كيرتيس شان بيرك.
وطبيعي أنّ كيرتيس رفض. ويُشاع أنّ كرسيَّين تحطّما في مكتب الملك ذلك اليوم.
“تبدو في غاية السرور.”
“أتظنّين أنني سأحزن؟”
كان على وشك أن يدندن بلحنٍّ مرح. وقد فهمت هي الآن مجمل القصة.
-‘يا ملازم، لقد تزوّجتِ زوجًا لا يُضاهى. أحسنتِ جدًّا.’
ولذلك كان القائد الأعلى نفسه قد قال لها ذلك. بما أنّ كيرتيس رفض، لم يكن أمامه خيارٌ آخر.
“كنتُ أظنّ…”
“ماذا؟”
“ظننتُ أنّك كنتَ تحميني.”
“….”
كان ذلك ما اعتقدته فعلًا. فقد فهمت من كلام القائد الأعلى أنّ كيرتيس كان يحميها بصلابةٍ من الملك. لكنّ الحقيقة بدت مختلفة.
“يا لها من أحداثٍ جرت في الأسبوع الذي لم أتي فيه.”
بعد صمتٍ قصير، أضاف كيرتيس:
“ألم يخطر ببالكِ أنّني قد أكون حميتكِ فعلًا؟”
“ماذا؟ أنتَ؟ لماذا؟”
رفعت كلوي عينيها مدهوشةً نحو كيرتيس. نظر إليها مذهولًا كأنّه لا يصدّق، وهمّ بالكلام، لكنّها سبقتْه.
“وما الفائدة التي ستجنيها إن فعلتَ ذلك؟”
“…ماذا؟”
“إلّا إن كنتَ القائد الأعلى نفسه.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 59"