كان في كلماته امتعاضٌ واضح، كأنّه يقول: ‘هل سيُحلّ صداعي إن بقيتُ مع هذا الأحمق؟’
لكن جورج لم يفهم بالطبع، فصاح على عَجَل:
“إلى أين تذهب؟! انتظر لتأكل معنا، وبعدها علينا أن نبدّل تقارير التقييم!”
“…لا أريد أن أسمع شيئًا، أنهِ طعامك وتعال. سأكون في الخارج أدخّن سيجارة.”
كان تقييم الحرس نصف السنويّ أكثر المهام المزعجة على الإطلاق بالنسبة لقادة الفِرَق.
ويبدو أنّ إيزرا تذكّر متأخرًا السبب الذي جاء به إلى الكانتين مع جورج.
وحين رأى ظهره وهو يغادر متذرّعًا بالتدخين، اكتفى جورج بهز كتفيه ثم رَبّت على كتف سارا.
“لماذا يتصرّف هكذا يا تُرى؟ إيه… لا تُعيري الأمر اهتمامًا، آنسة سارا.”
“آه، لا بأس. أظنّ أنّ الملازم دوبوا أيضًا يمرّ بأوقاتٍ عصيبة.”
ابتسمت سارا مُتكلّفةً ولوّحت بيدها، ففغر جورج فاه دهشة.
“ولماذا يكون ذاك الأحمق متعبًا؟”
“أ… ألَم تَسمع؟”
تردّدت سارا، ثم اقتربت من أذن جورج وهمست:
“انتشرَت شائعةٌ بأنّ الفتاة التي عارضتها كونتيسة دوبوا أصبحت الآن وصيفة وليّ العهد… فانهارت الكونتيسة مرضًا.”
‘يا للمصيبة.’
في تلك اللحظة شعر جورج بالذنب تجاه صديقه، الذي أصبح مثل كلبٍ يطارد الدجاج، وتجاه والدته أيضًا، بعدما تحوّلت مزحته إلى حقيقةٍ مُرة.
ومع ذلك، كان الأمر مُضحكًا قليلًا، حتى كاد يضحك رغمًا عنه.
وبينما انحنى على الطاولة مكتوم الضحك، أمالت سارا رأسها متسائلة.
***
في الوقت نفسه، داخل غرفة القائد الأعلى فيكتور.
يظنّ الكثيرون أنّ الدوق بيرك هو صاحب أعلى منصبٍّ في الجيش الملكي.
فهو يحمل لقب الدوق، ويُعَدّ بطلًا أسطوريًّا في الحروب.
لكن في الحقيقة، لم يكن سوى “الرجل الثاني تقريبًا”.
والسبب أنّه، وإن كان قائد الحرس الملكي، فإن رتبته العسكرية لا تتعدّى رتبة عميد.
وكان في البرّ والبحر غيره من أصحاب رتبة العميد، لذا يمكن القول إنّه واحدٌ من عدّة أشخاصٍ يشغلون المركز “الثاني”.
صحيح أنّه الوحيدٌ بينهم الذي يحمل لقب الدوق، ما يجعل وضْعه مميّزًا، لكن على أيّ حال…
التفت القائد الأعلى فيكتور إلى ذلك “الرجل الثاني تقريبًا” وسأله:
“هل أقمتَ حفلَ تدشين المنزل الجديد، يا عميد بيرك؟”
أجابه الرجل الثاني ببرود:
“تتكلمون عن قصر الدوق وكأنّه كوخٌ ريفيٌ بائس.”
حدّق به القائد الأعلى فيكتور، بشَعرهِ الأبيض ولحيته البيضاء، نظرةً مليئة بالاستياء والمرارة.
“تبًّا لك. هل تعرف كم أعاني كل يومٍ أمام جلالة الملك بسبَبك؟”
لقد كلّفه الأمر الكثير ليُوفّر له مُساعدًا، بعدما كان يبدّل مساعديه كما يبدّل طعامه يوميًا.
ثم ماذا حصل؟ تجرّأ هذا الدوق الجاحد على الارتباط بها عاطفيًا!
حسنًا، الارتباط العاطفي يُحتمل.
لكن أن يتزوّج بمُساعدته، فيبدو كأنه يتحدّى الملك، فهذا مختلف.
فبزواجه، جعل فيكتور يبدو وكأنّه خان خطّة الملك العظمى، التي كانت تنوي نفيَ كيرتيس شان بيرك خارج البلاد عبر تزويجه.
أما كيرتيس نفسه، سبب هذه الفوضى، فكان كعادته باردًا.
“يا لها من سعادة أن تشاركني أخيرًا مأساتي يا صاحب السمو.”
فكّرت كلوي في نفسها:
‘لو كنتُ مكان القائد الأعلى، لكتبت في وصيّتي: “مِتُّ من غيظي من الدوق بيرك” ثم متُّ عشر مرّاتٍ متتالية.’
وفجأة، ضرب فيكتور الطاولة بقوّة وهو يصرخ:
“يا ملازم بيرك!”
“…نعم؟”
ظنّت كلوي أنّه أخطأ في المناداة، إذ اعتادت سماع لقب “العميد بيرك” لا غير.
لكن بعد لحظة أدركت أنّه يقصدها هي، فأجابت على عَجَل:
“هل ناديتَني؟”
“هل هناك ملازم بيرك آخرٌ في الغرفة؟! لماذا تأخّرتِ في الرد؟”
‘ومَن يكون غيري؟ لا أحد… لكن ألا تستطيع أن تراعي أنّني لم أعتد بعد على حملي لاسم بيرك منذ أسبوع فقط؟’
لم تجرؤ على قول ذلك، بل اكتفت بابتسامة.
“أعتذر، سأُصلح الأمر.”
“وما نفع إصلاحكِ الآن؟ لقد فات الأوان!”
زمجر فيكتور ثم وضع يده على جبينه يتأوّه وكأنّ صداعًا أصابه.
“آه… يا للخيبة. يا ملازم بيرك، لقد خيّبتِ أملي.”
“أعتذر.”
“أتظنّين أنّه لم تكن هناك ضابطاتٌ أردن منصب المساعدة ليتقرّبن من دوق بيرك؟”
“بصراحة، لم يكن هناك.”
كان الردّ من كيرتيس، لا من كلوي.
فانتفخت عروق فيكتور من الغضب.
“أهذا كلامْ يليق بكَ أن تقوله؟”
“أعتذر.”
لكن اعتذار كيرتيس كان بنبرةٍ باردة مستهزئة، بعكس اعتذار كلوي المُتوتّر.
ولو رآهما أحدٌ دون معرفة بالموضوع، لقال إنّ الدوق وقحٌ جدًّا مع قائده الأعلى.
غير أنّ فيكتور اعتاد على بروده، فاكتفى بفرك صدغيه والتذمّر.
“يا دوق، ألم أقل لك أن تتحمّل ثلاث سنواتٍ فقط في الحرس الملكي؟”
“وأنا أتحمّل فعلًا.”
“أهذا تحمّل؟! لقد مزّقتَ مساعديك الواحدًا تلو الآخر!”
“بكل صراحة، قطع علاقتي بالمساعدين لا علاقة له بالملك ولا بالحرس الملكي.”
أجاب كيرتيس ببرود مُستفز:
“لقد كانوا مُقزّزين.”
“آه، هكذا إذن؟!”
ضاقت عينا القائد الأعلى.
“وهل تزوّجتِ بالملازم بيرك لأنّها أنظف من غيرها؟ وهل ستخونها أيضًا إذا وجدتَ الأنظف؟!”
تنفّس كيرتيس بفتور وأجاب:
“كنتُ أنوي ذلك في الواقع.”
“ماذا قلتَ؟!”
اتسعت عينا فيكتور في ذهول، ثم رمق كلوي كأنّه يسألها:
‘هل سمعتِ ما قاله؟’
لكن كلوي بقيت هادئة.
‘ألن نعيش سويًا مدى الحياة؟ ألستَ تُحبّني؟’
كان كيرتيس شان بيرك قد قال ذلك قبل أسابيع قليلة فقط.
إذن ما قاله الآن لم يكن سوى استباقٍ لخطّةٍ مقرّرة سلفًا، يعرفها مَن يعرف الحقيقة.
فأضافت كلوي بهدوء:
“يا عميد، لا تكن وقحًا مع القائد الأعلى.”
“أعتذر، يا صاحب السمو.”
اعتذر كيرتيس بسرعة، ما زاد دهشة فيكتور.
ففي الأحوال العاديّة، ما كان لملازم مثْل كلوي أن يُخاطب الدوق بهذا الشكل أبدًا.
ولولا أنّها مُساعدته، لما وصلت حتى إلى رتبة ملازم، إذ كانت في البحرية مجرّد رقيب.
لذلك، لم يكن ردّ فيكتور إلّا أن قال متعجّبًا:
“…تُمثّلين جيدًا.”
ابتسمت كلوي بصمتٍ، تاركة الإجابة لكيرتيس.
“زوجتي باردةٌ جدًّا معي، فأردتُ أن أُثير غيرتها بالتهديد بالخيانة.”
لكن القائد الأعلى لم يكن ساذجًا.
“تفو… أتظنّني شيخًا مخدوعًا؟”
“بل شيخٌ حكيم، فلتمدّني بنصيحة.”
هزّ فيكتور رأسه وهو يتنهّد:
“يا دوق، ألا تلاحظ مكان وقوفك دائمًا حين تدخل غرفتي؟”
نظر كيرتيس إلى الأرض، حيث كان بساطٌ مُزخرف بنقوش زهر العسلة.
فأشار القائد الأعلى بيده:
“حين تدخل وحدك، تقف دائمًا عند الزهرات الثلاث على اليمين. أما مع الضباط الآخرين، فتقف دائمًا في هذا الموضع، حيث زهرةٍ واحدة.”
رفع الرجل حاجبًا وقال بابتسامة:
“هل تُلمّح إلى أن أمسك يدها؟”
“ليس هذا ما أعنيه.”
نقر القائد الأعلى بلسانه.
“الجميع يعرف أنّك تُبقي مسافةً مع الآخرين لأنّك تكرههم. وهذا ما يجعلني كلّ مرةٍ أقول في نفسي: يا للخيبة، كيف يكون هذا الدوق أحد رجالي؟
والآن أرى أنّك تُبقي المسافة نفسها مع ملازم بيرك أيضًا.”
كانت ملاحظةً لافتة بالنسبة لكلوي، إذ لم يَصِل إلى ذلك إلّا رجل قضى عشراتٍ السنين في الميدان حتى صار القائد الأعلى.
حتى كيرتيس نفسه بدا وكأنّه أُصيب في مقتل، فضحك بخفوت.
لكن فيكتور لم يتوقف:
“تمثيلك مُبالغٌ فيه. أمام الملك عليكَ أن تُحسن الأداء. المسافة بينكما هي المشكلة الكبرى.”
“…ألا ترى أنّ قصّة الرجل الذي تغيّره المحبّة من أساسه، هي قصّةٌ تقليديّة رائجة؟”
“رائجة لأنّها خيال، ولأنّ مثل هذا الرجل لا وجود له في الواقع.”
“أجل، يبدو أن المثل القائل: ‘الجنود القدماء لا يموتون’ ما زال صالحًا.”
بدأ قلب كلوي يخفق بقلق.
لقد بدا واضحًا أنّ القائد الأعلى كشف أنّ زواجها من كيرتيس ليس سوى زواجٍ صوريّ طارئ.
لكن من أين يأتي كيرتيس بكل هذا الهدوء؟
هل يُعقل أنّه صارح القائد الأعلى بالحقيقة؟
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 57"