لو كان ذلك الرئيس الذي أرغب في ضربه يعرف كيف يقول كلماتٍ رقيقةً كهذه، لما فكرتُ أصلًا أنّه يستحق الضرب.
شراءُ منزلٍ أيضًا.
المبلغ الذي أنفقه الدوق عليّ اليوم تجاوز بكثير ما وعدني به من مصاريف حفظ الكرامة.
قال إنّه أراد أن يُريني “من هو”. لكن، يا للعجب. حين رأت كلوي الفاتورة، ارتعدت يداها من شدّة الذهول. لم يسبق لها قط أن اشترت لنفسها شيئًا بهذا الثمن.
‘لا، ولا حتى بنصف هذا السعر… لا، لا، ولا رُبع النصف…!’
صحيح أنّه بالنسبة إلى ثروة الدوق لم يكن المبلغ ضخمًا، لكن كلوي لم تكن تعلم ذلك بعد.
ولذلك قالت عمدًا إنّها تريد العودة إلى المنزل. عشاءٌ فاخر. جواهر مذهلة وفساتين رائعة. هذه الأمور أبهرت عينيها، لكن في الوقت نفسه أشعرتها بالخوف.
فهذا كلّه في النهاية لم يكن إلا جزءًا من عقد. أمورٌ ثانوية تابعة له. وبانتهاء دورها، فلن يبقى شيءٌ لها.
‘يجب ألّا أعتاد على هذا.’
فالتعوّد على البذخ أمرٌ سهل، أمّا التخلّص منه فهو الأصعب. حتى ملابس المنزل التي جرّبتها للتو في غرفة القياس التصقت بجسدها تمامًا، حتى بدت وكأنّها قادرةٌ على أن تعيش حياتها كاملة وهي لا ترتدي سوى هذه الملابس.
لكن في الأصل، هذه أشياء لا تليق بمقامها.
‘لاحقًا…’
نهاية هذا الزواج سيكون الطلاق في كلّ الأحوال. صحيح أنّ الدوق وعدها بمبلغٍ كبير، لكن هذا لا يعني أنّه مالٌ يكفي ليُنفق بترفٍ مدى الحياة.
كانت تخشى أن ينتهي كل شيء ذات يوم فتبدو بائسة.
“صاحبة السمو الدوقة، لقد حمّلنا في العربة ما يمكن ارتداؤه فورًا من المشتريات. أما الباقي فسوف نرسله إلى قصركم خلال اليوم.”
لم يطل الوقت حتى أعلن المصمّم أنّ التغليف انتهى.
وحين كان الغروب يرسم السماء، صعد الاثنان إلى العربة.
لا تزال نظرات الناس اللاذعة تلاحقهم، وصناديق المشتريات المكدّسة فوق العربة ارتفعت كأنّها أبراج قلعة، كثيرةً بلا عدد.
لكن كلوي كانت منهكةً جدًا لتكترث لتلك التفاصيل. وما إن أُغلِق الباب حتى انهارت على المقعد. المدهش أنّ كيرتيس لم يُعلّق على جلستها غير اللائقة.
“أسدلي الستائر كما يجب.”
قالها وهو يسحب الستائر الداخلية للعربة. فانكشفت مع تلك الحركة معصمه الملفوف بالضماد.
جُرح اختاره بنفسه. الدم البني الذي كان يقطر فوق أغطية السرير الممهورة بختم العائلة الملكية عاد ليتراءى أمام عينيها.
كان ذلك على النقيض تمامًا من وجه كيرتيس البارد الذي أمامها الآن.
‘إنسانٌ مربك…’
“يبدو أنّكِ أدّيتِ دور الدوقة على ما يرام اليوم. لكن لا تظنّي أنّه سيكون هكذا في كل مرّة.”
جفلت كلوي من صوته الذي قطع شرودها. فتحت عينيها نصف فتحة.
“هل تُجري تقييمًا لأدائي الآن فجأة؟”
“ألم أُبعد عائلتكِ لأجل هذا بالذات؟”
التفت نحوها بلهجةٍ حادّة بعض الشيء. فأجابت بالمثل، مسترخيةً على المقعد وذراعاها متشابكتان بتحدّ.
“أغات وقحةٌ لكنها بسيطة التفكير. لكن الآخرين ليسوا كذلك، وخصوصًا النساء.”
“تتحدّث وكأنّكَ عشتَ كامرأة.”
“إن لم يعجبكِ الكلام، فاشتمي أنتِ الرجال.”
لم تُصدّق أذنيها.
“ابتعدي عن الملازم دوبوا في هذه الفترة.”
“هذا…”
أرادت أن تشرح سببًا ما، لكن كيرتيس هزّ رأسه قاطعًا كلامها.
“لا يهمّ السبب. أنت الآن زوجتي. ومن غير المناسب أن تُربطي برجالٍّ آخرين بلا داع.”
“… عذرًا، هل لي أن أسأل: إلى أيِّ حدٍّ سمعتَ حديثي؟”
كانت متأكدةً أنّه سمع ما دار بينها وبين الآنسة مونفيس، لكن لم تعرف من أيِّ جزء بدأ.
“ليس هناك ما يستحقّ سوء الفهم. الملازم دوبوا ليس سوى صديق. والأمر لم يكن بهذه الضخامة ليستدعي همس الناس….”
لكن فجأةً توقّفت عن الكلام وهي تشعر بغرابة.
‘لحظة. نحن لسنا متزوّجين عن حبّ، وسننتهي بالطلاق على أيِّ حال. فلماذا أبرّر نفسي؟’
غير أنّ كيرتيس لم يُبدِ اهتمامًا كبيرًا.
“لا يهمّ. أنا فقط لا أريد أن تثيري المشاكل بلا داع.”
“حسنًا.”
“… ثمّ إنّه لا وجود لشيء اسمه صداقةٌ بين رجل وامرأة.”
شعرت بالغيظ. كيف يتفوّه بذلك رجلٌ لا يملك أصدقاء أصلًا؟ لا رجال ولا نساء.
كادت أن تردّ ساخرةً بذكر إيزرا، لكنها كتمت ذلك. اكتفت بالتمتمة في داخلها وهي تُدير بصرها نحو نافذة العربة.
‘تعبت.’
لكن لا بأس. في البيت ينتظرها عشاءٌ شهي. أن تكون دوقة يعني أنّ هذا الامتياز على الأقل مضمون. ومع هذا التفكير، عاد إليها شيءٌ من البهجة.
***
في تلك الأثناء، كانت أغات تصبّ غضبها على شقيقها نويل الملازم.
“لماذا لم تخبرني أنّ تلك المرأة الماكرة حاولت إغواء كيرتيس؟ لقد كنتَ بجواره!”
“أغات. قلتُ لكِ مرارًا إنّي لم أكن أعلم.”
“أهذا كلامٌ يُصدَّق؟ أنتَ أيضًا مساعده!”
“كوني مساعدًا لا يعني أنّي أعلم بكلّ شيء.”
الحقيقة أنّ كونها أصغر أفراد عائلة مونفيس المدلّلة يعني أيضًا أنّها مدلّلةٌ بلا حدود. ضعفها منذ الطفولة جعل الجميع يحيطها بالرعاية الزائدة، وهذا هو نتاجه الآن.
نويل زفر بعمق.
منذ أن خرجت أغات من متجر المجوهرات وهي تبكي وتصرخ في العربة وترفض العودة إلى البيت. لا بد أنّ كلام الماركيزة فلاندر أثّر فيها بشدّة. فقد كانت تظنّ أنّها في صفّها، ولهذا تجرّأت على التصرّف هكذا أمام الدوقة. لكن النتيجة كانت فضيحة كبرى بالنسبة لها.
“منذ أن قالوا إنّ المساعد سيكون امرأة، كان عليّ أن أتدخّل! قلتُ إنّي أريد أن أصبح مساعدته!”
الآن صارت تمضغ منديلها وتُصرّ على أنّها هي من كان يجب أن يكون مساعدة كيرتيس.
مع أنّها بالفعل تقدّمت لذلك المنصب منذ زمن، لكن نويل هو من أسقطها. أمرٌ ظلّ سرًا عنها.
“أغات، لم لا تكفّين عن هذا؟ لقد مضت ثلاث سنوات…”
“لا! لَن أكف!”
“لكنّك ترين أنّ أمّنا تعاني بسببكِ. قلقها لا يتركها تنام لأنّكِ ترفضين الزواج.”
“فلتتناول الدواء إذن!”
صرخت بعناد. ألمُ والدتها من الأرق يمكن شفاؤه بالأدوية. لكن الدواء الذي يُمكّنها من الزواج بالدوق؟ لا وجود له.
لماذا إذن، في تلك اللحظة، تذكّرتْ عيني تلك المرأة المزعجة الوردية اللون؟
-‘لأنّ دموعكِ ثمينة.’
“…..”
عضّت أغات شفتها. كان واضحًا. من مجرد تلك الكلمات أدركت الحقيقة.
كلوي أمبرويز. تلك النبيلة البحرية الصغيرة لم تكن تُحبّ كيرتيس. مع أنّ الجميع يظنّ أنّهما تزوّجا عن حبّ، فإنّ أغات بحسّها الأنثوي أدركت أنّ الأمر ليس كذلك. وهذا ما جعلها أكثر غيظًا.
فهي تُحبّه حتى الموت، لكنها لا تستطيع حتى أن تقترب منه.
أيُّ ظلمٍ هذا؟ وأيُّ غيظ؟
‘بأيّ حقٍّ تنظرين إليّ وكأنّكِ تشفقين عليّ؟ وأنتِ لا تملكين سوى أصلٍّ وضيع وزواجٍ طمّاع من أجل المال…’
لكنها تردّدت.
فكلام كلوي لم يكن مصطنعًا. لم تُحاول أن تُظهر نفسها عاشقةً وهي ليست كذلك. بل بدا كلامها أقرب إلى ازدراء لكيرتيس نفسه. كأنّه هو من توسّل إليها الزواج، فقبلت على مضض.
لكنّ أغات لم تُدرك أنّ حدسها أصاب كبد الحقيقة.
‘ومع ذلك، كيف يمكنها ألّا تكون ممتنّةً للدوق؟ بل وتحتقره؟ إنّه كيرتيس ذاته!’
لو سمعت كلوي لضحكت ساخرًة: “كلام فتاةٍ مهووسةٍ بالحب”. فالرجل الذي تتغنّى به هو نفسه من دمّر حياتها وجعلها عاجزةً عن النوم.
‘إذن ما السبب؟’
لكن نويل لم يتركها تغرق في أفكارها.
“أغات، كفى. فلنذهب. منذ البداية، كيرتيس لم يُبادلك أيّ شعور.”
صرخت بحدّة:
“توقّف عن إزعاجي!”
“لقد عرفتِ هذا منذُ ثلاث سنوات. بعد تلك الفضيحة…”
“كنتُ جادّةً حينها! ولا تُسمّها فضيحة!”
دفعت يد شقيقها جانبًا وصرخت مجددًا. ثم قفزت فجأةً من العربة.
ارتبك نويل ونهض، لكنه جلس ثانيةً وهو يتنهّد ويمسح وجهه بكفّه.
لقد اعتاد على نزوات أخته الصغرى. خبرته الطويلة علّمته أنّها ستعود باكيةً بعد قليل. فهي رغم اعتدادها الشديد بنفسها لا تطيق أن يراها الغرباء ضعيفة.
‘أكره الجميع. أكرهكم جميعًا.’
لكن أغات لم تكن تسمع خواطر شقيقها. هرولت باكيةً بعيدًا عن العربة.
فما هي إلا فتاةٌ في العشرين. وحين أعاد أخوها فتح جراح الماضي، شعرت بالإهانة.
‘ليتني لم أفعل ذلك حينها…’
لكن فات الأوان.
‘إن لم يتزوّجني، فليته لم يكن بهذه الروعة.’
الرجل الذي عاد بعد أن أنهى الحرب مع الممالك الثلاث ما زال متألّقًا. تمنّت لو أنّ عينيه البنفسجيتين الباردتين تتوجّهان إليها.
لكنها شعرت وكأنّ العالم تخلّى عنها. أمّها وأخوها يريدان فقط أن تتزوّج بسرعة.
“تزوّجي. تزوّجي.”
كانت أمّها تكرّر أنّها ستنتهي كخالتها فلاندر إن بقيت هكذا. فلتكن مثلها إذن! وما العيب في خالتها؟
شهقت بين دموعها، وكأنّها تُقسم لنفسها. لكن فجأة توقّفت.
‘مهلًا، أين أنا الآن؟’
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 53"