‘يا له من إنسانٍ مُصاب بهوس النظافة. أنظر كيف احمرّت أذناه من شدة الانزعاج.’
كان يظن أنّه لا يُظهر شيئًا، لكن بالنسبة لكلوي التي قضت ثلاثة أشهر كاملة كمُساعدةٍ له، فقد كان كل شيءٍ واضحًا.
‘على الأقل، من الغريب أنّه تمكن مِن النوم في الغرفة نفسها معي ليلة البارحة.’
تذمّرت كلوي في سرّها، ثم دفنت أنفها في كتفها لتشمّ نفسها بخفّة. إنسانٌ لا يفكر أبدًا بجهد الخادمات اللواتي عانين في غسل الدوقة.
ومهما يكن، فقد سارع كيرتيس إلى تغيير الموضوع.
“هناك طرقٌ كثيرة لسداد الدين بغير هذا. أختي لم تستطع أن تحمل معها ثروةً كبيرة عندما خرجت من القصر الملكي.”
“ألا تبدو المجوهرات أو الثياب كرشوةٍ فاضحة أكثر مِن اللازم؟”
كان كأس الزجاج الذي يحتوي على الآيس كريم قد فرغ تقريبًا. أخذت كلوي تحك قاعهُ بالملعقة الفضية وهي تواصل حديثها.
“ثمّ إنني لا أثق أنني أستطيع اختيار شيءٍ يرقى لذوق أميرةٍ وُلدت في القصر.”
“آه.”
هكذا هو الأمر. فالمجوهرات والثياب تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الذوق الشخصي. وكلوي تدرك ذلك جيدًا، لذلك لم يكن من السهل أن تقدم مثل هذا النوع من الهدايا. كل ما فهمته أنّ الماركيزة كانت تنوي تناول المثلجات مع الآنسة مونفيس.
“أردت فقط أن تتذوقي شيئًا فاتكِ بسببي اليوم.”
“وتُرسلين معها بعض الثلج أيضًا؟”
“ثلج؟”
‘أليس ذلك فقط حتى لا تذوب المثلجات؟’ تساءلت كلوي وهي تميل رأسها من جديد، لكن كيرتيس أجاب بابتسامةٍ وهو يغيّر الحديث.
في النهاية، اشترى كيرتيس نصف مجموعة كاميو المحفوظة. كان ذلك من أجل ليا وآيريس. ورغم أنّ تلك القطع لم تكن معروضةً للبيع في الأصل، إلا أنّ المال الكثير لا يردّه أحد.
وكانت كاميو، مالك تلك القطع، في غاية السعادة. إذ قالت إنّ الحلي خُلقت لتُرتدى. كلامٌ يليق بصائغةٍ بحق.
-‘أشكرك حقًا. وإن احتجتني لاحقًا في أيِّ أمر، فلا تتردد.’
هكذا ودّعت كاميو الدوق وزوجته. حتى السيدة باسيلور ابتسمت ببشاشةٍ قائلة: “بالطبع! استدعِني متى شئت!”، فهي تعلم أنّ كيرتيس أنفق لأجل كلوي مالًا هائلًا.
“قلتَ إنّ كل ما مسّتْه يدا زوجتي… أليس كذلك؟”
رددت كلوي طلب كيرتيس السابق أمام باسيلور، فابتسم الرجل ابتسامةً ماكرة.
“ما الأمر؟ أليس على هواك؟”
“أبدًا، ليس كذلك.”
“لكن ملامحكِ تقول غير هذا.”
حتى بعد مغادرة المتجر، ظلّ يسألها بإلحاح. داخل العربة، وجدا نفسيهما وحدهما. حرّكت كلوي عينيها قليلًا قبل أن تجيب.
“هل لا بد أن تسمع هذا مني؟”
“ولِمَ لا؟ قولي.”
“على أيّ حال، الأشياء ليست مذنبة.”
المعنى واضح: ما لا يعجبني ليس المال ولا المجوهرات ولا كلامك… بل أنت.
ويبدو أنّ الرسالة وصلت بوضوح، إذ إنّ جبهة كيرتيس انقبضت بشدّة.
“لماذا جئتَ أصلًا؟”
كان هذا السؤال يلحّ عليها منذ البداية. فأجاب الرجل وهو يرفع كتفيه.
“لأنني لم أشأ أن يُقال إنني زوج عديم ضمير، أعطى عروسه مالًا ليلة الزفاف الأولى ثم انصرف للعمل.”
“…أجل.”
“نصفه مزاح.”
“لكن بالتأكيد الملازم مونفيس هو مَن قال ذلك.”
“إذن، ما الذي لا يعجبكِ؟”
“هل ترغب فعلًا أن تسمع من فمي أنّني لا أرتاح معك؟”
“هذا أعرفه. لكن هناك ما هو أكثر مِن ذلك، صحيح؟”
كان محقًا. لكنها رأت أنّ قولها قد يكون تطاولًا، فحاولت تجاوز الأمر. غير أنّ الرجل كان ذا حدسٍ قوي. تحت وطأة إلحاحه، قطّبت كلوي جبينها.
“فقط رأيت أنّ الأمر فيه إسرافٌ مبالغٌ فيه. تقول إنّ كل ما لمسته يداي أصبح ملكي، بينما أنا نفسي لا أتذكر ما الذي لمسته أصلًا.”
“لأطمئنكِ فقط، لن أقول لكِ عند الطلاق أن تتركيها ورائكِ. كلها لكِ.”
“سأبذل كل إخلاصي ردًّا على ثقتك.”
“يعجبني أنّكِ تعرفين كيف تتقبلين الأمور سريعًا.”
ابتسم كيرتيس وهو يكشف أسنانه.
“وماذا عن الثياب؟”
“لم نبتع شيئًا بعد.”
لقد ضيّعا وقتًا طويلًا في متجر المجوهرات. والحقيقة أنّ الثياب أكثر إلحاحًا من المجوهرات لاعتباراتٍ كثيرة.
“اشتري بعض الملابس. بمقاسٍ يناسبكِ.”
“سُررتُ بسماع ذلك. فالثياب التي أرتديها الآن غير مريحةٍ أصلًا.”
“وإن لم ترغبي في التبذير على الثياب أيضًا، فعيشي هكذا بغير راحة.”
“بل سأريك تبذيرًا لم يسبق له مثيل.”
“هذا الموقف يروقني.”
وهكذا توجها إلى متجرٍ للأزياء رتّبته باسيلور مسبقًا. كان المصمم ينتظر بفارغ الصبر، وما إن رأى كلوي حتى أخذ يفيض بالمديح. اشترى لها عدة ملابس منزلية كان قد صممها وهو يتخيل فتاةً طويلة وجميلة تشبهها، ثم طلب منها فساتين سهرة عدة.
“الأحذية الطويلة أنسب من الكعوب الغريبة. وليكن الداخل من جلد الخنزير. والكعب منخفض، أرجوك.”
“ذوقكِ واضحٌ جدًا!”
“سيدتي الدوقة، أيُّ نوعٍ من القبعات تفضلين؟”
“القبعات لا تليق بي. خاصةً البونيت. من الأفضل أن تبتكر زينةً للشعر بدلًا عنها.”
“لكن يجب أن تحتمي من الشمس.”
“فليكن ظلّها قصيرًا إذن. وليكن الشريط بسيطًا قدر الإمكان.”
تابع كيرتيس ملاحظًا باهتمام، وهو يراها تعطي أوامرها ببراعة أمام صانع الأحذية والقبعات.
“تصرفكِ هنا يختلف عن شرودكِ في متجر المجوهرات.”
“لقد طلبتُ ثيابًا لليا وآيريس من قبل كثيرًا.”
كانت أسبابها في التقتير عديدة، لكنّ ثياب أختيها احتلت النصيب الأكبر. الأمر بسيط: ليا كانت تدرس في الأكاديمية، وكلوي، رغم أنّها التحقت بالجيش في الثامنة عشرة، تفهم تمامًا قلوب الفتيات في مثل سنها.
“لا يمكن أن تذهب الفتاة إلى الأكاديمية بالثياب نفسها كل يوم. ثم إنّ كلية الحقوق فيها الكثير من اللقاءات مع الخريجين لصناعة العلاقات.”
“وأنتِ كنتِ ترتدين الزي العسكري فقط؟”
“لهذا بدا لي الجيش خيارًا جيدًا.”
أما آيريس فكانت ملامحها تكشف بوضوح أنّ دماءً أجنبية تجري فيها. والعالم كله لا يحب الغرباء كثيرًا، خاصةً مع بشرتها السمراء وعلامتها خلف الأذن.
“أنا لم أرها لافتةً للنظر.”
“ذلك لأنك لم ترَ أختيّ عن قرب من قبل. حتى اليوم، رأيتَ كيف ابتعدتا عنك. ليا وآيريس تتحاشيانك.”
“صحيح.”
كان أهل شارع لو مارتين طيبين عمومًا، وأحبوا أطفال عائلة أمبرويز.
“لكن هذا لا يتجاوز شارع لو مارتين. فقد رُفضت آيريس من جميع المدارس من حولنا.”
“…كيف كانت تمضي وقتها إذن؟”
آيريس لم تكن سوى طفلةٍ في العاشرة. لا يمكن تركها وحدها في البيت. ابتسمت كلوي قليلًا.
“كنت أطلب من جارتي العجوز أن ترعاها. مقابل راتبٍ مناسب طبعًا.”
إلى جانب ذلك، كانت تحاول أن تلبسها أجمل ما تستطيع. فالثياب الأنيقة تقلل من المخاطر.
“حتى بين العائلات العريقة، ليس طبيعيًا أن تعيش الأخوات غير المتزوجات في بيت الأخت المتزوجة، وهنّ ما زلن يملكن والدين.”
“…..”
كان كيرتيس على وشك الرد، لكن كلوي سارعت لتغيير الموضوع.
“على أيِّ حال، لو كان علينا أن ننفق على إريك أيضًا، لكان الأمر صعبًا حقًا. ومع ذلك كنا ندبّر أنفسنا براتب 40 ألف سينغ.”
حتى مع نبرتها الساخرة، فقد أنفقت كلوي قدرًا لا بأس به على مظهر أخواتها.
“ومع ذلك…”
“نعم؟”
“لا شيء. تابعي. يعجبني ذلك القماش الأزرق.”
“لكِ عينٌ خبيرة، يا جلالتكِ. هذا القماش جُلب من تاوايي عبر سواحل خطرة يعجّ بها القراصنة…”
ارتبكت كلوي عند ذكر تاوايي، فالسلع التي تُنسب إليها دائمًا ما تكون مضاعفة الثمن. لكن ما دام القماش يليق بها، فلتكن.
“خذي كل القماش. إنه يليق بكِ.”
“خيارٌ ممتاز!”
في طرفة عين، كان المصمم يرسم تصميماتٍ أمام عينيها. نظرت كلوي بعينيها الورديتين بفضول وانجذاب.
كان كيرتيس، وهو يستند بذقنه، يتخيل أنّه يرى الآن كلوي لز دافيد بيرك، لا كلوي أمبرويز. تلك الفتاة التي رغم ارتدائها الدائم للزي العسكري، تعرف بالضبط ما تريد من ربطاتٍ وزينة، حتى لو لم تعلن ذلك يومًا.
لم تكن قد اقتنت لنفسها شيئًا قط. ومع ذلك، لم يشعر أنّها أسفت على ذلك. فقد كان واضحًا من طريقة عنايتها بأختيها، وتلذذها وهي تضع دبوسًا في شعر الصغرى، أنّها لم تفكر أبدًا بنفسها.
لذلك شعر كيرتيس ببعض الرضا وهو يرى تلك العيون الوردية تلمع أمام الأقمشة والفساتين.
“ما رأيكَ؟ لقد أريتكَ تبذيرًا يليق بكِ.”
رفعت كلوي ذقنها فخورة وهي تدفع الفاتورة للمصمم. أخذ كيرتيس الفاتورة بنفسه، وضحك بمرارة.
“يبدو هكذا فعلًا. يا للعجب.”
“هل فاجأتكَ؟”
لقد كانت ملامحها تقول: ‘ها قد أدهشتك!’
ضحك كيرتيس ساخرًا. بالنسبة لثروته، لم يكن المبلغ يُذكر، رغم أنّها تظن العكس.
“لا. بل فكرت أنّه حان الوقت لنشتري منزلًا.”
تجعد جبين كلوي. أما المصمم، فانتبه بسرعة إلى أنّ الحديث خاص، فاعتذر وغادر ليحضّر الطرود.
“منزلكم القديم. الأفضل بيعه.”
كان يقصد بيت عائلة أمبرويز الصغير في شارع لو مارتين.
“فجأة؟”
“الثياب والمجوهرات لا تكفيه، لكن الأخطر أنّه غير آمن.”
وافقت كلوي على كلامه وأومأت. لكنها أضافت بسرعة:
“الانتقال مؤقتًا لا بأس به، لكن لا يمكن بيع البيت.”
“ولِمَ لا؟”
“لأن والديّ ما زالا هناك.”
‘أولئك الوالدان المهملان اللذان أمضيا سنواتٍ في الخارج؟’
تذكّر كيرتيس ملف عائلة أمبرويز الذي أخذه من نويل قبل الزواج. والداها تعارفا في الجامعة وتزوجا، وما زالا حتى اليوم يدرسان البحر.
لكن أي والدين صالحين يتركان أطفالهما على عاتق ابنتهم الكبرى؟
على أيّ حال…
“حتى المنزل الجديد سيشتهر بسرعة. فلا داعي للقلق من أن يفشلا في العثور عليكما.”
لم يكن من شأنه أن يتدخل أكثر، فاكتفى بهذا.
“ليس الأمر فقط أنّك ستشتري بيتًا جديدًا. بل لأنّ العودة إلى بيتٍ اشتراه طليقي أمرٌ مُهين.”
“…معكِ حق.”
أجاب الرجل بعد صمتٍ قصير، ثم أدار وجهه نحو النافذة.
رأت كلوي أنّه فقد رغبة الكلام. ولعلّ رؤية امرأةٍ وهي تبتاع ثيابًا لم تكن مسليةً له أصلًا.
‘هل سبق أن وقف هذا الرجل يومًا بجانب امرأةٍ وهي تشتري ملابس؟’
هكذا فكرت، ثم التفتت بخجل نحو المرآة.
طولها الفارع، والفساتين المزركشة التي لم ترتدِ مثلها يومًا.
أمطرها المصمم بالمديح، لكنها تعلم الحقيقة: هذه الثياب لم تناسبها كثيرًا. ربما لأنّها اعتادت ارتداء البنطال، فكانت تتعثر وهي تمشي والفساتين تلتف حول ساقيها. منظرها بدا مضحكًا.
“يكفي نظرًا إلى المرآة. تليق بكِ.”
ارتجفت كلوي وحدّقت نحوه. لكنه ظلّ يحدّق من النافذة. هل أخطأت السمع؟
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 52"