“إنّ الملازم دوبوا قد قدّم الآنسة أمبرويز لوالديه على أنّها المرأة التي سيتزوّجها، ولا يوجد أحدٌ في الحرس الملكي لا يعرف هذا.”
عند سماع كلماتها، فُغرت شفتا كلٍّ من كلوي وإيزرا قليلاً.
وطبعًا لم يكُن الاثنان وحدهما مَن صُدم. فعينا السيدة باسيلور، التي كانت تُمسك بأغات، اتّسعتا أيضًا. لم يكُن أحدٌ هنا ليتوقّع أنّ موضوعًا بهذه الإثارة سيخرج من فم أغات.
أمّا جوليا فقد ارتبكت واضطربت في مكانها، وعينا ليا، التي كانت تحتضن آيريس، اتّسعتا كالمصابيح. أمّا كاميّو فقد كانت….
‘ماذا؟’
يبدو أنّ كاميّو كانت قد غادرت مكانها لبعض الوقت. ورؤية اختفاء الموظف الذي كان يُمسك بأغات توحي بأنّه نزل إلى الطابق السفلي لترتيب الأمور. على أيِّ حال، لم يكُن ذلك أمرًا يستحق أن تُشغل كلوي نفسها به الآن.
عضّت كلوي على شفتيها، ثمّ زفرت ضحكةً ممزوجة بالتنهيدة، وضغطت بإصبعها على جبهتها وهي تنظر إلى إيزرا.
“إيزرا.”
وعندما نادته، أجاب بوجهٍ يوحي وكأنّه يتمنّى الموت.
“…أعتذر.”
“أنت قُلْ شيئًا. أنا لا أستطيع أن أقول شيئًا.”
حينها سألت ليا بلهفة:
“أختي، لا تقصدين…؟”
“بلى.”
أجابت كلوي مباشرةً. ليا التفتت بصدمةٍ تنظر إلى إيزرا.
“هل أنتَ ذلك الرجل الغبي الذي لم يستطع أن يقول لوالدته أنّه لا يريد الزواج، فاستعار اسم صديقته؟”
ارتعش فم إيزرا الذي حاول أن يرسم ابتسامةً مرتبكة عند سماع ذلك التقييم البارد.
“أستطيع أن أشرح.”
وهكذا، فهذا الالتباس المدهش والمحرج قد نشأ من الحياة الشخصيّة للملازم إيزرا دوبوا. وحياته الشخصيّة لم تكُن شيئًا مهمًا في الأساس.
فإيزرا كان الابن الثاني لعائلة دوبوا، وهي عائلة ثريّةٌ للغاية. وقد ورثت شقيقته الكبرى لقب النبيل بسبب كفاءتها الكبيرة. وفي مثل هذه الحالات، لا يرث الابن الثاني، إيزرا، لا اللقب ولا الثروة.
غير أنّ والدتهما كانت امرأةً تُعلي من القيم التقليدية. وبالرغم من أنّها كانت تحبّ أبناءها كليهما، إلّا أنّها كانت تميل إلى تفضيل ابنها إيزرا أكثر. لذلك، كانت تريد أن تمنحه نصيبًا من الميراث.
ولهذا السبب وعدت شقيقته الكبرى، التي ورثت اللقب، والدتهما قائلة: “إن أسّس إيزرا أسرة، فسأمنحه ما يكفي من المال ليستقرّ.” وكان ذلك ممكنًا لأنّ العائلة كانت متماسكةً ومترابطة.
وبشكلٍ طبيعي، بدأت الأمّ تلحّ على إيزرا ليتزوّج. لكن إيزرا لم يكن يرغب بذلك. ومرةً أخرى، كانت عائلة دوبوا عائلة متماسكة، وكان إيزرا ممتنًا لأخته التي تولّت عبء اللقب.
المشكلة كانت أنّ أخت إيزرا الكبرى التي تزوّجت زواجًا بالتبنّي لم تُنجب طفلًا حتى بعد مرور عامين من الزواج. وكان إيزرا يخشى إن هو تزوّج وأنجب طفلًا قبلها، أن تزرع والدته بذور الشقاق بينه وبين أخته باسم “الحبّ”.
لذا واصل إيزرا المماطلة. لكن والدته لم تتوقّف عن الإلحاح. فقبل بعض عروض الزواج غير الجدّية، التي باءت كلّها بالفشل، غير أنّ والدته ازدادت إصرارًا.
وبشكل طبيعي، بدأ إيزرا يُكثر من الشراب. والأدقّ أنّه كان يجرّ رفاقه دائمًا إلى الحانة بعد العمل لأنّه لم يعُد يرغب في العودة إلى البيت. حتّى كلوي، التي تعرّف إليها حديثًا، جلست معه تشاركه عذابه على طاولة الشراب. صحيح أنّ الأمر لم يكُن يعنيها، لكنّه كان هكذا.
-‘يا رجل، إيزرا هذا قادرُ على أن يُهدي والدته حياةً أبدية. تعرفون لماذا؟’
-‘لماذا؟’
-‘لأنّ أمّه لن تُغمض عينيها قبل أن يتزوّج من امرأةٍ غنيّة!’
وكانت هذه النكتة التي قالها جورج أثناء شربه الجعة هي الشرارة الأولى.
-‘إيزرا، ماذا لو قلتَ لوالدتك أنّك تحبّ كلوي؟’
-‘ماذا؟ هل جننتَ يا جورج؟’
وبينما حاول قائد الكتيبة الثانية أن يُمسك بعنق قائد الكتيبة الأولى، صاح الأخير وهو سكران:
-‘لو أعلنت أنّك ستتزوّجها، لانهارت أمّك من الصدمة! هذا أفضل من أن تُرسل إلى الحدود!’
وفي ذلك الوقت كان إيزرا قد بدأ فعلًا يفكّر بجدّية في الخدمة على الحدود هربًا من والدته. أمّا كلوي، التي كانت قد عُيّنت لتوّها مساعدةً لكيرتيس شان بيرك في البحرية، فقد كانت…
-‘لا مال لديها، عائلتها كبيرة، ومن البحرية أصلًا! أليست حاكمةً جاءت لإنقاذك؟’
عائلةٌ نبيلة صغيرة برتبة بارون، ووضعهم المالي سيّئ، وفوق ذلك لديهم أصغر الأبناء متبنّى من أصل مختلط لا يخفى على أحد.
بكلمة أخرى، لقب “العائلة المتدنّية” الذي أطلقه كيرتيس، كان جورج قد لمحَه أوّلًا. وبالطبع، فإنّ جورج تلقّى نصيبه من الشتائم والكؤوس الطائرة واللعنات من رفاق الحرس الملكي لجرأته تلك.
-‘أيها الحقير، أظننتَ أنّ كلامكَ حكمة؟’
-‘اعتذر فورًا من كلوي قبل أن ننتف شاربك!’
ولم تكن القصّة ملهمة حقًّا، بل أتبعتها أصواتٌ أخرى: “لقد حصلنا بصعوبةٍ على هذه الملازمة كمساعدة! لو فرت منّا، فسوف يُعدمنا القائد فيكتور بنفسه!”
وبالنهاية، تلقّى جورج عقابه على كلامه الأرعن بضربات الكؤوس والملاعق، فيما كانت كلوي…
-‘آه، صحيح؟ يُمكنكَ أن تستخدم اسمي.’
-‘مهلًا، مهما يكن….’
-‘ما دمتَ لا تنوي أن تأخذني إلى بيتكم، فأنا لا أمانع.’
وكان ذلك قبل عيد ميلاد ليا. فاتّفقوا في سُكرهم على هذه الصفقة البسيطة.
“أمّي، لقد أحببتُ فتاة، ولا أريد الزواج بغيرها.”
“يا إلهي! مَن تلك الفتاة التي سرقت قلب ولدي؟”
“إنها كلوي أمبرويز، مساعدة العميد الجديدة من البحرية. آه، لكن وضع عائلتها معقّد قليلًا.”
فوقعت أمّه مريضةً من الصدمة. وأظهر إيزرا أنّهُ مريض مثلها. أمّا شقيقته الكبرى فقد لعبت دورها هي الأخرى، إذ قالت: “أنا لم أَعِد بأن أمنحه المال ليُصبح عمادًا لبيت غريب. تلك المرأة مرفوضة من جهتي أيضًا.”
وهكذا تمكّن إيزرا من تمديد عزوبيّته لسنواتٍ أخرى.
أمّا كلوي، فلم تُلقِ حتى نظرةً واحدة على بيت دوبوا. بل وصلتها عشر صناديق من أفخر الكعك والحلوى من أغلى متجر حلويات في العاصمة، فأصبحت كلّها هدية عيد ميلاد ليا. ثمّ نسيت الأمر بعد ذلك.
“ذلك الكعك كان لذيذًا فعلًا…”
تمتمت ليا بارتباك ثمّ نظرت بسرعة إلى آيريس، لكن الطفلة الصغيرة لم تفهم شيئًا مِما يجري، وظلّت تحدّق بعينيها الواسعتين وهي تضع التاج على رأسها. أمّا إيزرا فقد غرق في عرقه.
“هل فهمتِ يا آنسة مونفيس؟ لقد كان ذلك مجرّد مزحةٍ في جلسة شراب.”
“يا له مِن عذرٍ مثيرٍ للسخرية، يا ملازم.”
لكن أغات لم تُعر أيّ اهتمامٍ لشرحه وأدارت رأسها بعيدًا.
“هل تريد منّي أن أصدّق أنّ فتاةً نبيلة عفيفة قبلت أن تُعرّض سمعتها للخطر مقابل عشر صناديق مِن الكعك؟”
لم تجد كلوي ما تقول، فقد بدا الأمر بالفعل محرجًا. حتى جوليا التي التقت عينيها بها بدت متفاجئة.
وفي الواقع، لم يكن الكعك وحده. بل حصلت على خاتم، وعلى منصب دوقةٍ أيضًا. وبينما التزمت كلوي الصمت، تولّى إيزرا الدفاع عنها بلهفة.
“لقد قلتُ ذلك لوالدتي فقط، لأتخلّص من زيجاتٍ لم أرغب بها.”
‘هل تتحدّث عني؟ أجل، يبدو كذلك.’ كلوي حكّت ذقنها بشيءٍ من الحرج.
لقد سمعت بالفعل أنّ أمّ إيزرا كانت تشكو لمن حولها قائلة: “من تكون هذه الأمبرويز؟ أيُّ عائلةٍ تلك؟”
لكن والديها لم يكن لهما أيّ اهتمام بالمجتمع الأرستقراطي، بل لم يكونا أصلًا في البلاد.
وكلوي نفسها لم تتخيّل أنّها ستقترب يومًا من المجتمع النبيل، لذلك لم تُفكّر في الأمر بجدّية. اعتبرت أنّها أعارت اسمها مقابل بعض الحلوى وانتهى.
‘مَن كان يتخيّل أنّني سأُصبح دوقة؟’
لكن بالنسبة لشخصٍ لا يعرف التفاصيل…
“الملازم دوبوا رجلٌ ذو قلبٍ طيّب! كيف لكِ أن تخونيه وتهجريه بعد شهرين فقط؟!”
وهكذا بدت الصورة لهم.
إيزرا كاد أن يفقد وعيّه، بينما السيدة باسيلور لم تفعل سوى أن دارت عينيها. أمّا ليا فقد تراجعت للخلف وهي تحتضن آيريس.
“أعرف أنّ الأمر كان يستحقّ أن يُساء فهمه. لكن، يا آنسة مونفيس….”
“سوء فهم؟ هذا مُضحك.”
‘ما المضحك بالضبط؟ دلّوني لأضحك أنا أيضًا.’ فكّرت كلوي بامتعاض، لكن أغات واصلت سخرية كلامها.
“أيُّ دوقةٍ تلك التي تبرّر خيانتها بالحديث عن سوء فهم، بينما هي تجاهر بعشيقها منذ اليوم التالي لزفافها؟”
‘قلتُ لكِ ليس هكذا!’ تردّدت كلوي في كيفيّة الردّ، لكن أغات أضافت ببرود:
“هل يا تُرى يعلم كيرتيس بهذا؟”
رفعت ذقنها عاليًا وحدّقت في وجه كلوي. ومن غير وعيّ، أجابت كلوي فورًا:
“أجل، يعلم.”
“…ماذا قلتِ؟”
تغيّر وجه أغات بتعابيرٍ مُعقّدة. وكان طبيعيًا أن يحدث ذلك. كلوي شعرت بشيء من السخرية الممزوجة بالدهشة. فهي لا تظنّ أنّ كيرتيس فعلًا خطّط لأن يربطها بإيزرا بهذه الطريقة. لكن بعدما آلت الأمور إلى هذا الحدّ، لم تستطع إنكار أنّ الأمر بدا مُضحكًا.
“الملازم إيزرا دوبوا هو الحارس الذي عيّنه لي اليوم الدوق….”
توقّفت عند كلمة “الدوق”، فقد فكّرت في تلك اللحظة: ‘هل من المناسب أن أنادي زوجي بالدوق باحترامٍ رسمي؟ لكن بعد أن ناديته “حبيبي”، سيبدو غريبًا إن خاطبته هكذا….’ وبعد هذه الحيرة القصيرة، رفعت ذقنها مُقلّدةً حركة أغات وأكملت:
“هل ترينني امرأةً تستعمل الحرس الملكي كيفما تشاء؟”
“يا للدهشة… الدوق كيرتيس حتمًا لا يعلم بخيانتكِ!”
“صحيح، على الأغلب.”
أقرّت كلوي على الفور. فتغيّرت ملامح أغات أكثر. غير أنّ كلوي لم تعبأ، بل حكّت أذنها ببرود وقالت:
“أنا نفسي لم أكن أعلم أنّني خائنة، فكيف يكون الدوق قد علم؟”
فتحوّلت عينا أغات إلى شكل مثلّث من الغضب. لكن كلوي لم تتوقّف عند ذلك.
“وأُريد أن أقول شيئًا… بل شيئين.”
فأجابت أغات مرتبكةً دون وعيّ:
“وما هما؟”
“أولًا…”
فتحت كلوي فمها بنبرةٍ حاسمة.
“أنا أيضًا لدي عينان، يا آنسة مونفيس.”
فتنهّد إيزرا بمرارة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 45"