يعود الزمن قليلًا، إلى تلك اللحظة حين كانت جوليا تُضيّق فستان كلوي بصعوبة حتى جلست منهكة.
“هل عليَّ حقًا أن أرتدي فستانًا؟”
كانت جوليا غارقةً في حيرة حول كيفية إحداث معجزةٍ وصناعة فستان خلال ثلاثة أيام فقط، حين سألتها كلوي ذلك.
تجعد جبين جوليا. لم تفهم ما الذي تعنيه. لكن كلوي أسرعت تشير إلى عينات القماش والنماذج الممدودة على الأرض، وإلى كتب المراسم الملكية، وقالت:
“ما يتوجب عليَّ ارتداؤه في الزواج الملكي هو الحزام الزخرفي والتاج، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح، ولكن…” أجابت جوليا بحذر.
فمهما كان الزواج متعجّلًا، فإن زواج العائلة المالكة كانت له بعض القواعد التي لا يُمكن تجاوزها. مثل شهادة زواج الأمير فريدريك مثلًا. إذ لا يُعترف بالزواج إن لم يُقدّم أحد أفراد العائلة المالكة الضمان.
وكذلك زيّ الزفاف. فمن يتزوج أحد أفراد العائلة المالكة يجب أن يرتدي الحزام الملكي، أما العروس فعليها أيضًا أن تتحلّى بإحدى جواهر العائلة الملكية. وكان الأمير فريدريك قد أرسل عبر أحد خدّامه تاجًا صغيرًا مع طرحةٍ لكلوي.
“لا تُخبريني أنكِ تقترحين أن تظهري بملابس النوم مع الحزام والتاج فحسب.”
قال كيرتيس وهو متكئٌ، متشابك الذراعين، بعينين مليئتين بالفضول. ذلك الرجل دائمًا ما يتحدث بسخرية. ضيّقت كلوي عينيها وشبكت ذراعيها في مواجهته.
“خطر ببالي أن أرتدي الزيّ العسكري للحرس الملكي بدلًا من أن أُطبخ الحساء.”
آه. انفرجت شفتا كيرتيس قليلًا، بينما قفزت جوليا مذعورةً وهي تقول: “ماذا؟! هل تقصدين أنكِ سترتدين الزي العسكري؟!”
وتوجّهت أنظارهما معًا بشكل طبيعي نحو زيّ كلوي العسكري المعلّق فوق الفاصل الخشبي. لكن كلوي لوّحت بيدها نافية.
“ليس ذاك، بل الزيّ العسكري المخصّص للمراسم.”
“تقصدين الأبيض.”
“نعم.”
“لكن… لكنكِ ستكونين العروس!” صرخت جوليا مرتعبةً محاولة منعها.
بينما ظل كيرتيس صامتًا يلمس ذقنه. نهضت كلوي بتنهيدة وأضافت:
“صاحب السعادة بطل حرب. وهو رجلٌ التحق بالجيش طوعًا. إن ارتديتُ زيًّا عسكريًا، فلن يبدو الأمر سيئًا في نظر الآخرين.”
كان ذلك أمرًا لم يخطر ببال أحد. ومع ذلك، بدا اقتراحًا مناسبًا لذوق كيرتيس.
فهذا الزواج جاء نتيجة تحديه للملك. وكان زواجًا يعرف العالم كله أنه إعلان تمرّد على جلالته. الملك الآن متأهّبٌ يبحث عن أيِّ ذريعة لانتقادهم.
وفوق هذا، فالناس سيختلقون أقوالًا مهما فعلوا. حتى الآن، هناك آلاف الشائعات تدور حول زواجهما.
لكن الحقيقة أن كيرتيس حين التحق بالجيش مباشرةً بعد اعتلاء الملك العرش، كان السبب الوحيد هو رغبته في العيش بهدوء. كأنه يصرخ للعالم: “لا أطمع في عرشك! ولا حتى أفكّر بذلك!” لكن الملك وحده لم يصدق.
والآن، زواجٌ يتمّ بارتداء العروسين زيّ إيفانس العسكري أمام الجميع.
“صاحب السعادة قد يُظهر بذلك أنكَ عارضت الملك بدافع الحب… لكن ما زلت وفيًّا لإيفانس. ما رأيك؟”
حين نطقَت كلمة ‘الحب’ بشفتيها المرتجفتين، وجد كيرتيس نفسه يستمتع بالمشهد. فقد كان يعجبه أنها لا تُخفي كراهيتها له، ومع ذلك تُفكّر بذكاء وتُحسن التدبير.
لم يكن يتوقع منها الكثير أصلًا. فهي مجرد مساعدةٍ أعجبته قليلًا، ولم يتصور أنها ستؤدي دورًا سياسيًا جيدًا.
لكن اقتراحها كان سياسيًا وفعّالًا في آن.
وفوق كل شيء، لم يكن فيه ذرة رومانسية. وهذا أكثر ما راق له.
“أعتذر إن كنتُ قد تجاوزت الحدٍ.”
“لا. أعجبني الأمر.” ابتسم كيرتيس.
“سأرتدي أنا أيضًا الزيّ العسكري. وهو أبيضٌ أصلًا. فكرةٌ لا بأس بها.”
كانت جوليا وحدها من بدت كمن يريد الموت.
“آه… زواج صاحب السعادة الدوق… إنه حدثٌ يحدث مرةً واحدة في العمر.”
“بسبب كونه الدوق، فهو من يُمكنه إقامة مثل هذا الزواج. لا تقلقي، أنا بخير.”
ربّتت كلوي برفق على كتفها. وهكذا، قرّرا إقامة حفل زفافهما بالزي العسكري.
**
ثم عاد المشهد إلى قاعة الزفاف.
“أليس ذلك زيًّا عسكريًا؟”
هكذا علت الهمهمات بين الحضور، إذ ظهر العروسان بزيّ الحرس الملكي الأبيض المخصص للمراسم.
“حفل زفافٍ لا يتكرر إلا مرةٍ واحدة، ومع ذلك يرتديان زيًّا عسكريًا؟ يا للعجب.”
‘زواجٌ لا يتكرر إلا مرةً واحدةً في العمر.’
يالها من مزحةٍ. كيرتيس كان قادرًا الآن أن يُحصي الحاضرين الذين تزوجوا مرتين أو ثلاث مرات على الأقل.
لكنه بدلًا من ذلك، رفع حاجبيه والتفت نحو عروسه.
هل هو التوتر؟ بدا على كلوي أمبرويز مظهرٌ شارد نادر. تلك المرأة التي لم تفقد بريق عينيها حتى في ليالي العمل الطويلة بدت اليوم مثقلةً وخائفة.
لكن، رغم مشاعرها، كانت كلوي أمبرويز تبدو رائعةً بالفعل.
شعرها الذي كانت تعقده عادةً كيفما اتفق، جُمّل اليوم بضفائرٍ مرفوعة، تتخللها حباتٌ لامعة من الجواهر، وفوقها تاجٌ ملكي ثمين.
ما إن وقعت عيون بعض الحاضرين على التاج حتى تذكروا أنه نفسه الذي ارتدته ولية العهد بياتريس في زفافها العام الماضي، وأطلقوا آهة إعجاب صغيرة.
غطّى الطرحة المزيّنة باللآلئ شعرها حتى انحدرت بانسيابٍ إلى الأرض.
أما عيناها الورديتان النادرتان فبدتا آيةً في الجمال. كان الناس يتهامسون بسِنّها الكبير قليلًا مقارنةً بالعروس التقليدية، لكنها وقفت تُكذبهم بخدّين متوردين كزهرةٍ ورد.
طولها الممشوق، وبفضل البنطال بدت ساقاها الطويلتان واضحة. الخطوط الممتدة من كتفيها إلى ظهرها انسجمت مع وقفتها العسكرية لتُضفي هيبةً لم تقل عن هيبة الدوق برك إلى جانبها.
حين رآها كيرتيس، تأكد أن بإمكانها إن أرادت أن تتزوج ثانيةً بسهولة.
‘وحينها سيكون لديها وقتٌ كافٍ لاقتناء فستانٍ مناسب.’
لماذا خطر له ذلك فجأة؟ في تلك اللحظة تذكر حين كان في غرفة القياس واضطر إلى شدّ خصرها بنفسه لأن الفستان لم يكن مناسبًا.
وقد أدهشه ذلك. لم يدرِ ما يعنيه أن يُمسك خصر امرأة بيديه.
تلك المسافة القريبة.
ملمسُ جسدٍ ليس جسده.
العنق الأبيض المكشوف.
بل الكارثة أن ظهرها كان عاريًا أكثر مِما ينبغي، مشدودًا كجسد غزال يافع.
حتى رائحة عابرة كان يجب أن تزعجه، لكنها لم تفعل.
‘ما هذا؟’
هزّ كيرتيس رأسه محاولًا استعادة تركيزه. أمامه الآن صفوفٌ من الحرس الملكي مصطفين لموكب الزفاف.
ثم وعى فجأة بيد كلوي اليمنى المتشبثة بذراعه. فيما كانت يدها اليسرى المغطاة بالقفاز مستندة على بطنها وفق طقوس المراسم. كانت أصابعها ما تزال عارية. لكن قريبًا ستزيّنها خاتم والدته.
‘هل سيعود إليها لاحقًا؟’
أثار هذا التفكير ضيقه قليلًا.
‘ربما لأنه احتمالٌ بعيد جدًا.’
تخيّل نفسه يتزوج، ثم بمرور الوقت يُفتش عن شريكٍ أفضل، فيتقدّم بخطبةٍ جديدة، ثم يطلّق. فكرةٌ مرهقة لا تثير فيه أيِّ سعادة.
مقارنةً بذلك، كان هذا الزواج الذي يُشبه إلقاء الوحل على وجه الملك أكثر إثارةً للمتعة.
‘اللعنة.’
لم يكن هذا وقت الشرود. ارتسمت ابتسامةٌ على شفتيه بينما فوضى طريفة انكشفت أمامه. مئات الوجوه المرتبكة التي تُحدّق به.
وتأكد مجددًا أنه إنسانٌ فاسدٌ حقًا، لأنه دائمًا ما يستمتع بمشهد ارتباك الآخرين بسببه.
***
لم يصدق الحضور أعينهم. بعضهم فركها مراتٍ ومرات، لكن المشهد لم يتغير.
تمتم جورج بلعنةٍ متحشرجة:
“اللعنة.”
كانت كلمةٌ فظة لا تليق بجندي في حفل زفاف قائده، لكن في تلك اللحظة شعر الجميع بأنها أصدق تعبير.
فقد كانت العائلة الملكية في إيفانس ثريةً إلى حدٍّبعيد. وبالطبع كانت أزياء الحرس الملكي الرسمية فاخرةً أيضًا.
أكتافٌ براقة، أحزمة زينة، أقمشة فاخرة. وكل زي يُفصّله الخياط الملكي حسب المقاس.
يوم يرتدي الحرس تلك الأزياء البيضاء، يُقال إن العيون كلها تجد متعةً في النظر.
واليوم، بدا العروسان جميلان بحق. كيرتيس لا يحتاج لشرح، أما العروس فكانت… كيف يُقال؟
كان الجميع يعرف ملامح “الآنسة أمبرويز” من الرسوم الصحفية. والرسوم عادةً ما تُجمّل المظهر. كثيرون كانوا يضحكون بانتظار أن يروا الواقع.
لكن كلوي أمبرويز اليوم خيّبت توقعاتهم. بطريقةٍ حسنة.
فهي لم تمتلك أبدًا أولى الصفات التي يتغنى بها الناس عند ذكر جمال النساء.
لكن مع ذلك، لم يكن بوسع أحدٍّ إنكار سحر جمالها الغريب.
بكلمةٍ واحدة: بدت رائعةً على نحوٍ لا يُصدق.
ولو كان الموقف مختلفًا، لقيل عنهما إنهما ثنائيٌّ مثالي.
لكن—
“لكن… هذا حفل زفاف.” تمتم أحد الحضور متنهّدًا.
كان الأمر صادمًا. لماذا؟
لأن العروس بزيٍّ عسكري؟ من رأى مثل ذلك في حياته؟
“صحيح أن الدوق برك جنديٌّ عظيم… لكن أن يُلبس عروسه زيًّا عسكريًا في يومٍ كهذا؟”
“هل هذا عرضٌ سياسي؟”
تصاعد الهمس بين المدعوّين.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 26"