الفصل 10 :
في أحد الأيام، بينما كنتُ أمرُّ مُصادفةً بالقرب مِن استراحة الضُباط المُبتدئين في فرقة الحراسة، سمعتُ بعض الضباط، ومِن بينهم كلوي، يتحدثون عن كيرتيس بسوءٍ أثناء لعبهم بالبطاقات والمراهنة بالمال.
‘…هل أدخل وأجعلهم يصمتون؟’
كانت الشتائم العشوائية التي تُلقى وراء الباب موجهةً ضد شخصٍ هو رئيسهم وصديقه. شعر نويل بعدم الارتياح وسأل كيرتيس عن الأمر، لكن الأخر لوّح بيده نافيًا.
“أنا أيضًا، عندما لا يكون هُناك أحد، لا أتوقف عن انتقاد الملك أمامك.”
“لكن…”
“مُجرد أنْ تُطلق عليَّ مساعدتي، التي لَمْ تنم لثلاث ليالٍ، لقبًا كهَذا سرًا، أعتبرهُ أمرًا عاديًا يعبر عن لباقة اجتماعية.”
بالطبع، لو أنْ أحدهم أطلق على كيرتيس وصفًا مثل المجنون أمامه مُباشرةً، لكان عقابه أمرًا لا مفر منه، رُبما في مكانٍ مثل ساحة التدريب. ومع ذَلك، كانت استراحة الضباط المبتدئين مكانًا يجب أنْ يشعروا فيه بالراحة، وكيرتيس كان يتمتع بالقدر الكافي مِن الفطنة لتفهم ذَلك.
… بصراحة، كيرتيس كان يجد مسألة تغيّر المساعد مرةً أخرى أمرًا مزعجًا بعض الشيء.
على كل حال، كان كيرتيس يرى كلوي بشكلٍ إيجابي إلى حدٍ ما. وإذا عاد مجددًا إلى الخطوط الأمامية، فقد يمنح كلوي شرف الانضمام إلى الجيش.
لقد اختارها كإحدى المرشحات الاستراتيجية كزوجة، وعندما أعلن عنها أمام الملك، كان ذَلك لأنه اعتبرها شخصًا سليمًا ومناسبًا.
وإضافةً إلى ذَلك، فإنَّ تلكَ المساعدة السليمة والمناسبة كانت تلبي توقعاته تمامًا عندما قامت بدور الحبيبة المُفاجئ بطريقةٍ رائعة. كانت ذكيةً، وتتمتع بسرعة بديهة، ونجحت في التعامل مع المواقف الطارئة. بعد الحفل الليلة، حصلت كلوي على تقييمٍ عالٍ آخر مِن كيرتيس، ليرتقي تصنيفها مِن إنسانةٍ جيدة إلى إنسانةٍ مرضية.
وهَكذا…
إذا كانت مساعدتُه ترغب في طلب زواجٍ رسمي، لَمْ يكُن لديه مانعٌ في تلبية ذَلك.
في الحقيقة، شعر في داخلهِ ببعض الذنب تجاه مساعدته التي أصبحت فجأةً شريكة حياته بسبب ظروفٍ معينة.
الزواج مِن شخصٍ يُحبه كان مُجرد حلمٍ بالنسبة لشخصٍ مثل كيرتيس. ولكن بالنسبة لها، وهي مِن طبقة النبلاء الصغرى، لَمْ يكُن زواج الحب شيئًا مستحيلاً. بل إنْ انتماءها لعائلةٍ غير رفيعة المستوى كان فيهِ جوانبٌ إيجابية.
أحلام فتاةٍ عزباء ناضجة بشأن عرض زواجٍ مثالي لَمْ تكُن بالأمر المُستبعد.
“أعتقد أنكَ على درايةٍ بهَذهِ الجوهرة، أنها من أجل الملازم أمبرويز.”
كانت جوهرةً شهيرةً للغاية.
في الحقيقة، لو علم نويل أنْ هَذا الخاتم الموجود في الدرج، لأصيب بالذهول. لكن كيرتيس كان لديهِ أسبابه. فقد احتفظ بهِ بجانبه ليقدمه مباشرةً إذا أصبح الزواج محتملاً مع أيِّ فتاةٍ مِن العائلات النبيلة. كان الخاتم كافيًا ليجعل أيِّ شخصٍ يعتقد أنْ هَذا الزواج صفقةٌ جيدة.
لَمْ يتوقع أبدًا أنْ يستخدمه في هَذهِ الحالة.
ابتسم كيرتيس برفقٍ وهو يرفع بصره نحوها، ليجد نفسه أمام وجه مساعدته المتجهم.
“…ملازم؟”
أدرك أنْ هُناك خطأً ما
***
رغم كل شيء، كان هناك شيء مشترك – بشكلٍ مدهش – بين كلوي وكورتيس: كلاهما كان بارعًا في فهم المواقف بسرعة.
كيرتيس قطّب حاجبيه وسألها:
“ألستِ مَن طلب الزواج؟”
لو قالت نعم في هَذا الموقف، فالأمور ستزداد تعقيدًا بلا شك.
“…كلا.”
“إذن ماذا كنتِ تقصدين؟”
“…..”
تنفّست كلوي بعمق.
“سيدي… حين يطلب المرء شيئًا مِن غيره، فعادةً ما…”
بالطبع، حتى وإنْ رأت أنْ الإجابة المُباشرة هي الأنسب، لَمْ تكُن لتقول فجأةً: “اركعْ وتوسّل.”
ومع ذَلك، فقد فهم كيرتيس على الفور ما كانت تُحاول قوله بمُجرد تردّدها للحظة.
“حين يطلب الإنسان شيئًا مِن الآخر، فعادةً ما يتوسّل إليهِ بحرارة. ولَمْ أقصد بقول ‘اركع’ أنْ تتقدم لي.”
“ملازم أمبرويز، هل فقدتِ صوابكِ؟”
بالنسبة لردٍ يُقال لشخص طلب مِن أحد أفراد العائلة المالكة أنْ يركع ويتوسّل، فهو يُعدّ ردًّا راقٍ ومُتحضّر.
لكن كلوي شعرت باختناقٍ خفيف عند سماع تلكَ الكلمات.
فما قاله ذَلك الرجل عنها أمام الملك، مِن وجهة نظرها، يدخل أيضًا في نطاق ‘فقدان الصواب’.
ومع ذَلك، لم تستطع أنْ تسأل كيرتيس إنْ كان قد جُنّ. وكما ذُكر سابقًا، نحن هنا في الجيش.
لكن في الوقت نفسه، لَمْ تَعد ترغب في أنْ تُبرّر له بلطف أنها لم تفقد عقلها، أو أنْ تتظاهر بأنَّ ما قالته كان مزحة.
“إذًا. هل تطلب مِني أنْ أراجع؟ لأن الأحداث التي مررتُ بها اليوم كافيةٌ لفقدان العقل.”
كانت نبرتُها لاذعة إلى حدّ يُمكن أن يُعرّضها للحبس التأديبي. وبمُجرد أنْ سمع كيرتيس تلكَ الكلمات، أغلق علبة الخاتم الصغيرة التي كانت في يده.
في الأصل، يُكلّف النبلاء المال لتبطين علب الخواتم بالمخمل، وذلك لتجنّب صدور صوت مزعج عند إغلاقها. ومع ذلك، فإنَّ العلبة المخمليّة الجميلة أصدرت صوت “طَقّ” واضحًا حين أقفلها كيرتيس بيده.
“أفضلُ أن تقولي ‘حبيبي’ وما شابه. كفى مزاحًا، مساعدة أمبرويز.”
“لستُ أمزح.”
عَلت ملامح القسوة عيني الرجل الأرجوانيتين الجميلتين.
“هل تعنين أنْ عليَّ الآن الركوع أمامكِ؟”
“بالضبط.”
ساد التوتر الأجواء بين الاثنين. كلوي شدّت قبضتيها الموضوعتين فوق ركبتيها، أما كيرتيس فكان يسند ذراعه إلى إحدى ركبتيه، ثم مسح جبينه كما لو أنه لا يُصدّق ما يسمعه. ابتلعت كلوي ريقها وفتحت فمها من جديد:
“سيدي، بحسب دليل تكتيكات جيش إيبانز، مِن الأفضل أثناء المفاوضات عرض التفاصيل والمكافآت بشكلٍ دقيق.”
“مساعدة أمبرويز، أنا برتبة عميد. هل تظنين أنني لَمْ أقرأ هَذا الدليل؟”
“في هَذهِ الحالة، لا أرى داعيًا لشرح المزيد.”
أثناء ردّها المهذّب الذي لم يخلُ مِن التحدي، برز عرق في جبين الرجل. أغمض كيرتيس عينيه بشدة، ثم تنفّس ببطء وقال:
“حسنًا، تزوّجيني. وبالطبع، لَن أفرض عليكِ أيِّ واجباتٍ بصفتكِ زوجة دوق بيرك، ولا غير ذَلك. وإنْ أردتِ، فبعد مدّةٍ محددة، يُمكننا الطلاق على أنْ أتحمّل أنا المسؤولية.”
كانت خطبةً خالية مِن أيِّ رومانسية. وردّت عليهِ بجوابٍ وقح بدلًا مِن القبول:
“هل هَذا كل شيء؟”
لكن كورتيس لم يُظهر أيَّ ارتباك، لأنه توقّع هَذا الردّ.
“بإمكاني تقديم أيِّ مكافأةٍ ترغبين بها. بدايةً، سأُلغي أمر الخصم مِن راتبكِ الذي صدر هَذا العصر. كما قلتُ في القاعة، الحوافز أيضًا… أعلم أنكِ ترغبين في الانتقال إلى وحدةٍ أخرى، لذا…”
“الضمان بالنقل، إلغاء الخصم، والترقية الاستثنائية. كل ذلك علمتُ به أثناء مقابلتي لجلالته.”
“…إذًا، هل تطلبين فعلاً مني الركوع؟”
لم تكن هَذهِ الطريقة المُعتادة لمساعِدته المعروفة بإجاباتها المُباشرة، فأثار ذَلك غضب كيرتيس في النهاية.
لكن مساعِدته، بعكس ما كانت تفعله دائمًا، لم تعتذر بسرعة وتقول: “أعتذر بشدة!”، بل عضّت شفتها، ثم ردّت بتصرف متحدٍّ:
“إنْ لَمْ ترغب، فلا بأس. لكن في هًذهِ الحالة، سأودّعكَ غدًا صباحًا وأعود إلى كوني مساعدةً مُخلصة.”
“تعودين؟”
فتح كيرتيس فمه بدهشةٍ أمام هَذا الكلام الوقح. فمالت كلوي برأسها قليلًا وقالت:
“أنا أيضًا أعلم أنْ الكذب أمام جلالة الملك يُعد جريمةً كبيرة، سيدي.”
“ما الذي…”
“ما قلته أمام جلالته هو أنني سأتزوجكَ، لكنني عندما عدتُ إلى البيت وغسلت قدميّ واستلقيتُ قليلًا، شعرت بأن الأمر مُرهق أكثر مِما تصوّرت، لذا قررت أنْ أرفض.”
أيِّ أنها لا تُخطّط للاعتراف بأنها كذبت على الملك، بل ستتظاهر بأنها كانت حبيبةً قررت الانفصال تحت ضغط المجتمع، كي تتفادى العقوبة. فصرّ كيرتيس على أسنانه بشدة.
“مساعدة أمبرويز، أتعلمين أنْ ازدراء العائلة الملكية يُعد جريمةً كبرى أيضًا؟”
تكذبين على الملك أمرٌ غير مقبول، أما أنْ تطلبي مني أنْ أركع فهَذا مقبول؟
كلوي التي فهمت كلامه حرفيًا، ابتسمت ابتسامةً مشرقة.
“لكن إنْ تزوّجتَ بدوقة غلينتراند، فستفقد لقبكَ الملكي داخل البلاد، أليس كذَلك؟”
ما شأني؟ أنتَ ستُدمّر على أيِّ حال إنْ تخلّيتَ عني.
فتح كيرتيس فمه على مصراعيه. هل فقدت عقلها؟ أراد أنْ يجادل، لكن الصدمة أذهلته فلًمْ يخطر في باله شيء. تمتم بكلماتٍ عدّة، ثم أغمض عينيه بإحكامٍ وفتحها مُجددًا قائلاً:
“…مساعدة أمبرويز، أمنحكِ فرصة لتتراجعي.”
“أوه.”
أبدت كلوي إعجابها.
“مُدهشٌ أنْ سيادة العميد يرى نفسهُ قادرًا على منحي فرصةً في هَذا الوضع.”
“…هل تدركين أنني ما زلتُ رئيسكِ المُباشر؟”
“بالطبع. لقد عرقلتَ طريقي إلى الزواج مُسبقًا، ثم جئت الآن تلتمس موافقتي، لذا لا يُمكنكَ فعل شيء دوّن إذني، بما أنكَ رئيسي المُباشر.”
هذا كثير. وقف كيرتيس فجأة مِن مكانه.
“…مهما كانت الظروف، لا يُمكنني السماح للناس بأنَّ يقولوا إنني تزوّجتُ مِن مجنونة. سأُعدّ هَذا كأنه لم يكن.”
سادت لحظةٌ من الصمت.
لكنها لَمْ تدم طويلًا. ابتسمت كلوي ابتسامةً مشرقة، ولوّحت له بيدها بلطف.
“كما تشاء، سيادة العميد. أتمنّى لكَ السعادة على شواطئ غلينتراند.”
إنْ لَمْ تُردني، تزوّج غيري.
بقي واقفًا، لكن لم يستطع أن يُغادر. كانت يدهُ ترتجف بشدة.
*الفصول متقدمة على قناة التيلجرام*
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"