اختبأتُ خلف الزّاوية بغريزةٍ فطريّة. لم أستطع رؤية وجهه بسبب الظّلام، لكنّ تلك الرّائحة النّفاذة كانت رائحة دمٍ بلا شكّ.
ومن يتجوّل في الممرّات ليلًا ملطّخًا بالدّم لا يمكن أن يكون شخصًا عاديًّا. حاولتُ كتم أنفاسي قدر الإمكان، وفكّرتُ في طريقة للعودة بأمان إلى غرفتي.
اقترب صوت نقر كعب الحذاء تدريجيًّا ثمّ توقّف فجأة.
“من هناك خلف الزّاوية؟ لا تختبئ واخرج.”
ارتجفتُ عند سماع تلك الكلمات، لكنّني أصغيتُ جيّدًا فوجدتُ الصّوت مألوفًا نوعًا ما.
خرجتُ ببطء من خلف الزّاوية. كان هناك رجلٌ ملطّخ الثّياب بالدّم. إنّه الرّجل ذو الشّعر الأبيض الذي دخل المكتب منذ قليل. رجلٌ يرتدي معطفًا أسود، شعره الأبيض ملطّخ بالدّم الأحمر، بدا كقاتلٍ متسلسل.
لكن كلماته التالية كانت مهذّبة ولطيفة كما يليق بموظّف فندق:
“من الخطر التجوّل وحدك في هذا الوقت المتأخّر. من الآن فصاعدًا، اصطحبي خادومًا معك. أيّ موظّف في هذا الفندق لن يرفض طلباتك.”
“…حسنًا، شكرًا. سأضع ذلك في الحسبان.”
بالطّبع، أتمنّى ألّا أضطرّ لتطبيق ذلك. لقاء رجلٍ ملطّخ بالدّم في منتصف اللّيل تجربةٌ تكفي مرّة واحدة. على أيّ حال، سأغادر هذا الفندق خلال أيّام قليلة، ولن أخرج من غرفتي ليلًا خلال هذه الفترة أبدًا.
لاحظ الرّجل أنّ تعابير وجهي بدت متوتّرة، فأمال رأسه قليلًا. وبعد ثوانٍ، بدا أنّه أدرك أنّ الدّم على جسده هو السّبب. أخرج منديلًا ومسح الدّم، ثمّ انحنى معتذرًا:
“أعتذر عن ظهوري بهذا المظهر غير اللّائق. لكنّها مجرّد دماء تناثرت أثناء العمل، فلا داعي للقلق.”
“….”
هذا يجعل الأمر أكثر غرابة. ما نوع العمل الذي يتسبّب في تناثر الدّم هكذا؟
تراجعتُ خطوةً إلى الوراء دون وعي. لم يبدُ الرّجل متأثّرًا بهذا التّصرف، فأكمل مسح الدّم بهدوء ثمّ سألني:
“بالمناسبة، لمَ خرجتِ إلى هنا؟”
“…تركتُ قلادة على مكتب المكتب. إنّها شيءٌ ثمين، وشعرتُ بالقلق لعدم وجودها معي.”
“إذن، سأحضرها لكِ. عودي إلى غرفتكِ، سأذهب فورًا وأعود.”
“ماذا؟ انتظر لحظة…”
لم ينتظر الرّجل ردّي، بل استدار وتوجّه بسرعة نحو المكتب.
بقيتُ واقفةً في الزّاوية، أرمش بعينيّ مندهشًة. لم يكن في نيّتي إعطاؤه أوامر على الإطلاق. خرجتُ أصلًا لأنّني لم أرد استدعاء موظّف.
لكن بما أنّه ذهب بالفعل، لم يكن أمامي خيار سوى العودة إلى غرفتي. لم أرد البقاء طويلًا في الممرّ المضاء ببضع شموع خافتة.
“مرحبًا، أنا موتيمر. أحضرتُ القلادة من المكتب.”
بعد وقتٍ قصير من عودتي إلى الغرفة، طرق أحدهم الباب. تأكّدتُ من خلال الثّقب الصّغير في الباب أنّه الرّجل نفسه، ثمّ فتحتُ الباب مع الإبقاء على السّلسلة للأمان، تحسّبًا لاحتمال أن يكون شبحًا آخر ينتحل شخصيّته.
كان الرّجل قد استبدل ثيابه بأخرى نظيفة، وسلّمني القلادة بعد تحيّة خفيفة:
“هل هذه القلادة التي تبحثين عنها؟”
حلقة فضيّة مرصّعة بحجرٍ أزرق متّصلة بسلسلة.
إنّها القلادة التي كنتُ أبحث عنها بالفعل. عندما استعدتُها، شعرتُ بأنّ اضطرابي بدأ يهدأ. كنتُ على وشك شكره وإغلاق الباب، لكنّه أمسك الباب برفق وسألني قبل أن أفاجأ:
“حديثٌ مفاجئ، لكن هل أقمتِ مراسم دفن السّيد الرّئيس السّابق؟”
“…لا، ليس بعد. أصلًا… لا أعرف حتّى ما حدث لجثّته.”
“ألم يخبركِ المدير العام حتى ذلك؟”
عبس الرّجل للحظة. من تعبيره “حتّى ذلك”، بدا أنّه يعرف مصير جثّة عمي. كنتُ سأسأل إيجيكل غدًا بعد انتهاء الأوراق، لكن لا مانع من سماع ذلك من شخصٍ آخر. بل ربّما يكون هذا أسرع.
“إذن، هل تعرف ما حدث لجثّة عمّي؟”
“نعم. للأسف… جثّة السّيد الرّئيس ابتلعها الفندق.”
“…ابتلعها؟ ماذا تعني؟”
“بمعنى الكلمة. مثلما تخلّصتُ من نزيل الغرفة 103، ابتلع الفندق جثّة السّيد الرّئيس. لكن، على عكس ذلك النّزيل، كان السّيد الرّئيس قد توفّي بالفعل، لذا لم تتأثّر روحه. المشكلة فقط أنّه لا يمكن استعادة الجثّة.”
شعرتُ وكأنّ أنفاسي توقّفت. جثّة عمّي ابتلعها الفندق؟ إن كانت لن تعاني إلى الأبد مثل تلك في الغرفة 103، فهذا حسنٌ نوعًا ما، لكن عدم استعادة الجثّة يعني صعوبة إقامة جنازة لائقة. حتّى عندما ماتت عائلتي في حريق، أقمنا جنازة بلا جثث، والآن مرّة أخرى…
شعرتُ بالغثيان عندما قال إنّ جثّة عمّي اختفت بنفس الطّريقة التي تخلّصتُ بها من نزيل الغرفة 103. ثمّ تساءلتُ: لماذا لم يتولّ الموظّفون جمع جثّة عمّي الذي انتحر؟ سألتُه عن ذلك مباشرة.
تردّد في الإجابة للحظة، ثمّ قال بصعوبة:
“جمع جثّة السّيد الرّئيس هو من مسؤوليّة المدير العام. لا يمكننا التدخّل في ذلك. هذا كلّ ما يمكنني شرحه. أعتذر.”
“….”
“لكن، بدلًا من ذلك، إليكِ هذا. قال موظّف التنظيف إنّه وجده أثناء ترتيب الغرفة.”
أخرج الرّجل كتابًا من داخل معطفه وسلمّني إيّاه. عندما دقّقتُ فيه، أدركتُ أنّه ليس كتابًا، بل يوميّات. كان اسم “جيرفيس ليندتيل” منقوشًا على طرف الغلاف. سألته فأكّد أنّها يوميّات عمّي.
نظرتُ إلى اليوميّات للحظات، ثمّ ضممتُها إلى صدري. شعرتُ بالرّاحة لأنّني حصلتُ على شيءٍ من ممتلكات عمّي على الأقلّ. يمكنني الآن تتبّع آثاره. شكرتُ الرّجل بانحناءة خفيفة.
نظر إليّ لبضع لحظات، ثمّ أضاف كما لو تذكّر شيئًا:
“هذا موضوعٌ منفصل تمامًا، لكن بما أنّ المدير العام لم يخبرك، سأقولها: لا تأكلي الرّمان مهما حدث طالما بقيتِ في هذا الفندق.”
تذكّرتُ أنّني كدتُ أتناول رمانًا في المطعم اليوم. سقطت ثمرة رمان من سلّة الفواكه وتدحرجت عند قدميّ، لكنّ هذا الرّجل ظهر وحدّق بي، فلم آكلها.
“…لماذا؟”
“من يأكل الرّمان يصبح جزءًا من الفندق دون استثناء.”
أغلقتُ فمي.
إذن، حتّى قبل أن يلتهمني شيء الغرفة 103 مباشرة، كدتُ أصبح فريسة الفندق.
هذا الفندق مجنون. يلتهم النّاس بسبب أشياء تافهة. من المدهش أنّه لم ينهَر بعد وما زال قائمًا.
أضاف الرّجل تحذيرات أخرى: لا تدخلي متاهة الحديقة، لا تتركي باب الشّرفة مفتوحًا ليلًا، لا تحدّقي في لوحات المبنى الغربي أكثر من خمس ثوانٍ. لا أعرف سبب هذه التّحذيرات، لكنّني لا أنوي القيام بها أصلًا.
“كان قرارك الحذر عند فتح الباب صائبًا. لا تفتحي الباب لأحد بسهولة، خاصّة ليلًا. إذا جاء أحدهم، اسألي عن اسمه أو غرضه بالتّحديد.”
هذا أمرٌ ينطبق حتّى في الفنادق العاديّة، فلم يفاجئني. كنتُ سأومئ وأتجاهل الأمر، لكنّني تذكّرتُ شيئًا. مثلما حدث مع إيجيكل، لا أعرف اسم هذا الرّجل بعد.
سمعته يذكر لقب “موتيمر” عندما طرق الباب، لكنّني لا أعرف منصبه. من الأفضل معرفة اسمه ومنصبه.
“إذن، ما اسمك؟”
“…ألم يخبرك المدير العام حتّى باسمي؟”
أمسك الرّجل جبهته كأنّه مندهش. كلّما تحدّث، ازدادت حيرتي بشأن ما أخبرني به إيجيكل. يبدو أنّه أغفل كلّ التّفاصيل المهمّة، سواء عمدًا أم بغير قصد.
قال الرّجل بنبرةٍ مستسلمة:
“أنا مسؤول الأمن في هذا الفندق.”
مسؤول الأمن، أعلى رتبة بين الحرّاس هنا. لا أعرف كيف تتمّ الحماية في هذا الفندق، لكن وجود شخصٍ مسؤول عن الأمن مطمئنٌ نوعًا ما. ومع ذلك، من المرعب أن أشعر بالرّاحة لأمرٍ بديهيّ كهذا في هذا الفندق.
“اسمي أثناسيو موتيمر. نادني كما يحلو لكِ.”
لا ينبغي التّفكير هكذا عن اسم شخص، لكن اسمه يبدو قديمًا جدًّا، كاسمٍ يليق بأجدادي البعيدين. لو كان اسم تعميد، لفهمتُ الأمر، لكن هل يستخدم اسم تعميد في فندق؟
“حسنًا، سأناديك السّيد موتيمر. أنا كاينا ليندتيل. أرجو أن تهتمّ بي خلال إقامتي هنا.”
“بالطّبع، سأضمن سلامتك.”
لمعت عيناه الذّهبيّتان للحظة. لم يكن شعورًا سيّئًا على الإطلاق، بل كان دافئًا بشكلٍ غريب. من المدهش أن يمنحني شخصٌ شعورًا كهذا في هذا الفندق المرعب.
بعد مغادرة موتيمر، جلستُ على الأريكة وفتحتُ يوميّات عمّي. بدت سميكة، تحتوي على ما لا يقلّ عن سنة من التّدوينات.
عندما فتحتُ الصّفحة الأولى، كانت أوّل عبارة رأيتُها هي:
[كاينا، لا يجب أن تغادري الفندق أبدًا.]
… عمّي، ما هذا الكلام الفارغ؟
— ترجمة إسراء
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"