مسحتُ دموعي تلقائيًّا ونهضتُ واقفةً فجأة في مكاني.
ثمّ اندفعتُ من خلف ظهر أبي، ناشرةً ذراعيّ على اتّساعهما لأقف في وجهه.
“لااااا!”
“إيفي!”
“……!”
لكن، هل كان ما شعرتُ به مجرّد وهم؟
‘هاه؟’
نظرتُ إليه بوجهٍ مرتبك.
ذلك النبيل العجوز، بخلاف ما ظننتُ، لم يكن قد سحب سيفه أصلًا.
صحيحٌ أنّ سيفًا طويلًا كان مشدودًا على خصره، لكنّه بقي مستقرًّا بهدوء داخل غمده.
فما الذي كان صوت السيف إذًا الذي سمعته؟
وبينما أنا في ارتباكي، مسحتُ دموعي سريعًا بأكمامي.
ثمّ ارتميتُ في أحضان أبي وضممتُ خصره بقوّة.
“أ… أرجوك لا تغضب من أبي……!”
تمسّكتُ بأبي باكيةً بهدوء، ورفعتُ بصري نحو النبيل العجوز.
كان وجهه قد شحب، أو هكذا خُيّل إليّ.
ربّما لأنّ طفلةً صغيرةً ظهرت فجأة ووقفت أمامه؟
أو لأنّ “مجرد طفلة من عامّة الناس” قد رفعت صوتها في وجه نبيل؟
أنا أعلم تمامًا أنّه في عالم كهذا، قد نُقطع أنا وأبي لمجرّد هذا.
وقد لا يكتفون بقطع رؤوسنا فحسب، بل قد نُباع عبيدًا ونُجبر على العمل طوال حياتنا.
لكن… لسببٍ ما، لم أستطع أن أتوقّف عن الحديث.
نسيتُ تمامًا صوت السيف الذي سمعته، وأكملتُ حديثي وسط شهقاتي.
“أرجوك لا تؤذِي أبي… أبي لم يفعل شيئًا خاطئًا……. آسفة لأنّه ناداك بـ ‘عمي’ أيّها النبيل…… هيييك… سأعتذر بدلًا عنه…….”
“……أنتِ.”
نظر النبيل العجوز إليّ وإلى أبي بالتناوب، ثمّ تراجع قليلًا وخفض جسده.
بات مستواه قريبًا من مستواي.
‘هم؟’
مسحتُ خدّي المبلّل بثياب أبي، ونظرتُ إليه بدهشة.
مدّ النبيل العجوز يده بحذر وسألني:
“أنتِ… صغيرتي، كم عمركِ هذا العام؟”
“……عمري؟”
ولماذا يسألني عن ذلك؟
تشبّثتُ بخصر أبي بقوّة، وبعد تفكيرٍ قصير أجبت:
“بلغتُ الثامنة من عمري هذا العام.”
“……”
بقي النبيل العجوز صامتًا.
شعرتُ بأبي وهو يشدّني من ذراعي وكأنّه مرتبك، مناديًا:
“إيفي!”
لكنّي ثبتُ قدميّ على الأرض ولم أتحرّك.
“أمّـي إنّها من عامّة الناس، وجَدّي… لقد قيل إنّه قد توفّي، لذا لا يمكن أن يكون الجدّ هو… هو… عمه؟ أليس كذلك.”
لماذا هذا اللفظ صعبٌ النطق هكذا؟
تلعثمتُ قليلًا، لكن يبدو أنّ المعنى قد وصل.
“أعتقد أنّ أبي قد ارتبك للحظة، أليس كذلك يا أبي؟”
سحبتُ كمّ أبي بلطف.
فمسح دموعي بنظرةٍ متضايقة.
“إيفي…….”
“هم؟ أليس كذلك؟ لقد أخطأتَ فقط، أليس كذلك؟ هيا اعتذر للنّبيل وسنرحل…….”
وما إن أنهيتُ كلامي، حتى شعرتُ بالأسى يتملّكني مجدّدًا.
لكنّي هذه المرّة لم أبكِي.
البكاء بلا توقيت هو ما يفعله الصغار في عمر الأربع سنوات فقط.
أما أنا، فقد بلغتُ الثامنة.
ولستُ في عمرٍ لأبكي على مثل هذه الأمور.
لذا قاومتُ دموعي.
عندها اقترب منّي النبيل العجوز متردّدًا.
……لماذا يقترب؟
فوجئتُ فمسحتُ دموعي سريعًا وتراجعتُ خطوةً للخلف.
“ما… ما اسمكِ؟”
“……إي، إيفي.”
“……إيفي؟”
همس النبيل باسمي بنبرةٍ منخفضة، ثمّ رفع رأسه لينظر إلى أبي.
راقبتُ هذا المشهد وأنا أمسح خدّي عن ثياب أبي، متبادلةً النظر بينهما.
وفجأةً،
أمسك أبي كتفي ودفعني خطوةً إلى الأمام أمام النبيل، ثمّ اعترف بصوتٍ أقرب إلى الاعترافات:
“نعم، هذه الطفلة… إيفي. إنّها ابنتي وابنة آيرين.”
نظرتُ إلى أبي مذهولة وأنا واقفة أمام النبيل.
هاه؟
ماذا قال لتوّه؟
‘آيرين’… هذا اسم أمّي!
[يا صغيرة! ما هذا الذي يقولُه؟]
صوت إكس كان يطنّ في رأسي وهو يصرخ بي، لكن لم أكن في حالة تسمح لي بالرّد عليه.
‘إنّها ابنة آيرين…’
لماذا يقول أبي هذا الكلام لهذا النبيل العجوز بالذات؟
“……إيفي.”
……ولماذا هذا العجوز ينطق اسمي بهذا الحنين الغريب؟
“……أبي؟”
أشاح أبي ببصره عني.
لماذا لا تنظر إليّ يا أبي؟
نسيتُ تمامًا أنّني كنتُ أبكي قبل قليل، وبدأتُ أفرك عينيّ بشدّة.
آخ، أوجعتني!
[حمقاء.]
سمعتُ صوت إكس يهمس بسخرية، لكنّي تجاهلتُه.
وفي تلك اللحظة، وضع أبي كفّه الكبيرة على رأسي وقال:
“سلّمي عليه. إنّه جدّكِ.”
“……حقًّا؟”
“بالطبع، إنّه كذلك…….”
“أنت لا تمزح معي؟”
“هل أمزح في أمرٍ كهذا؟”
جثا أبي على ركبتيه لينظر إليّ من نفس المستوى. نظرتُ إليه بعيونٍ ما تزال تبحث عن تفسير.
“إيفي، والدتكِ لم تكن من العامّة.”
أمسك يدي بحنانٍ دافئ وقال:
“تتذكّرين حين قلتُ لكِ إنّ لون شعركِ ورثتِه من والدتكِ؟”
“نعم، قلتَ هذا.”
كيف لي أن أنسى؟
رغم أنّ أبي كان حدّادًا ماهرًا، كنّا فقراء ولم نملك مالًا لنرسم وجوهنا كحال النبلاء.
ولم يكن لدينا حتّى لوحة لوجه أمّي.
كلّ ما بقي هو رسمٌ واحدٌ سيّئ، خطّه أبي عندما كان شابًّا وقدّمه لأمّي هديّة.
لم يكن واضحًا فيه سوى أنّها كانت ذات شعرٍ ذهبيّ طويل.
ذلك اللون كان أغلى ما أملك، لأنّ الجميع قال إنّني أشبهها.
ولهذا السبب، رفضتُ اقتراح أبي بأن أصبغه عندما صعدنا إلى العاصمة.
“صحيح أنّي من العامّة، لكن والدتكِ لم تكن كذلك. كانت تحمل أنقى دماء الإمبراطوريّة بعد العائلة الحاكمة.”
ربّت أبي على رأسي بلطف وهو يقول:
“اسم والدتكِ الحقيقي هو آيرين فيرديناند. كانت وريثة دوقية عائلة فيرديناند. والشخص الواقف أمامكِ الآن……”
“……فيرديناند؟”
أمّي كانت وريثة دوق في عائلة فيرديناند؟
أنا، فتاة الريف، أعرف جيّدًا من تكون هذه العائلة.
حماة إمبراطوريّة كاليكست.
البيت الدوقي الوحيد في كاليكست!
عائلة مجيدة تُخرّج سادة السيف من جيلٍ إلى جيل!
……وأمّي كانت من تلك العائلة؟
“……إنّه دوق فيرديناند. ويُعدّ جدّكِ.”
استدرتُ ببطء، كالدمية الخشبيّة، ونظرتُ إلى النبيل العجوز.
ما زال يحدّق بي بوجهٍ شاحبٍ ومضطرب.
نظرتُ إلى ملابسه، ثمّ إلى السيف على خصره.
كلّها كانت فاخرة بشكلٍ يفوق ما لدي بكثير…
[يا حمقاء! سيفكِ أغلى بكثير!]
……على أيّ حال، بدت فاخرة.
وبتركيزٍ أكبر، أدركتُ أنّ هناك من يراقبنا.
الكثير من الناس يُلقون علينا نظراتٍ خفيّة.
وإن كان هذا الرجل فعلًا هو دوق فيرديناند، فإنّهم بالتأكيد فرسان ح
مايته.
وقفتُ مذهولة أحدّق في “دوق فيرديناند”، ثمّ استدرتُ بسرعة لأنظر إلى أبي.
“أبي!”
“نعم، إيفي.”
“لا… لا تمزح بهذا النوع من الأمور، رجاءً. إنّه خطر. قد يُقبض علينا……!”
“كلا، إنّها الحقيقة.”
“……حقًّا؟”
أومأ برأسه بثبات.
ترجمة:لونا
واتباد:luna_58223
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"