“ما الأمر؟ هل اليوم يوم راحة؟”
“لا يُمكن أن يكون كذلك…”
أرجوك، أرجوك ارحلوا بسرعة!
كنتُ أُصلّي في سرّي أن يرحل الأبطال بسرعة قبل أن يخرج أبي والعمّ من القبو.
ظلّ الأبطال يتهامسون أمام المتجر، ثم بعد مدّة قصيرة غادروا المكان.
عندها فقط استطعتُ أن أتنفّس الصعداء وألتقط أنفاسي.
‘كنتُ أظنّ أنّ العاصمة ستكون مكانًا آمنًا!’
لكن تبيّن أنّ العاصمة أخطرُ بكثير. أخذتُ أسترجع وجوه أولئك الأبطال الذين رأيتُهم منذ قليل، وأخذتُ أعضّ أظافري بتوتّر.
لطالما كنتُ قلقة من ألا أتمكّن من التعرّف عليهم حين أراهم.
‘لكن تبيّن أنّها كانت مجرّد مخاوفٍ لا داعي لها.’
فبمجرد أن رأيتُ وجوههم، شعرتُ وكأنّ أحدهم دسّ أحداث الرواية في رأسي، فعرفتُ مباشرةً أنّ هؤلاء هم الأبطال.
انتظرتُ أبي أن يخرج بسرعة، وفي نفس الوقت كنتُ أراقب المكان بحذر، متأكّدةً من أنّ الأبطال لن يعودوا فجأة.
وبعد مرور وقتٍ طويل، خرج أبي والعمّ ديكس أخيرًا من القبو.
أسرعتُ بتدوير اللّوحة إلى “مفتوح” ثم ركضتُ إلى أبي وأمسكتُ بيده.
“أبي، هيا نذهب. لنعد بسرعة…”
“هاه؟ إيفي؟ هل حدث شيء؟”
“لا، لا شيء حصل. فقط… لنذهب حالًا، حسنا؟”
إن بقينا هنا أكثر، فقد يعود أولئك الأبطال في أيّة لحظة. يجب أن نعود إلى القصر الملكي فورًا.
على ما يبدو، فإنّ اليوم يومٌ سيّء.
ولو أنّني أصرّيتُ على التجوّل في السوق واللّهو، فربّما كنتُ سأواجه أمرًا أسوأ من هذا.
لما بدأتُ أُلحّ، وافق أبي على الذهاب، قائلًا إنّنا سنعود في وقت لاحق، وخرج من المتجر مُنقادًا بيدي دون اعتراض.
أمسكتُ بيد أبي بقوّة، وفتحتُ باب المتجر على عجل واندفعتُ للخارج.
وفي تلك اللحظة…
بَف!
دوّى صوت ارتطامٍ مكتوم، وتحوّل بصري إلى بياضٍ ناصع، وشعرتُ بجسدي يُقذف بعيدًا ليسقط أرضًا.
“إيفي!”
أسرع أبي إليّ فزعًا، ثم انحنى نحو الشخص الذي اصطدمتُ به وهو يعتذر:
“أ-أسف جدًّا. ابنتي هي من…”
“…”
“…؟”
لماذا توقّف أبي عن الكلام؟
أنا، وأنا أفرك جبيني الذي ارتطم بقوّة، فتحتُ عيني بهدوء ونظرتُ إلى الشخص الذي اصطدمتُ به.
وبنظرة واحدة فقط، أدركتُ أنّه كان نبيلًا، ولو كنتُ دحرجتُ للخلف مئتي مرّة، لظلّ هو نبيلاً!
وقبل أن أنطق بكلمة، قرّر النبيل ذلك أن…
“أنتَ، أيّها الوغد…”
احمرّ وجهه بغضبٍ مفاجئ، وبرزت عروق على جبينه، وراحت يده المُتجعّدة ترتجف بفعل الغضب.
…مهلًا؟
نظرتُ إلى أبي بجانبي، مستغربةً الجوّ المشحون.
كان أبي يرتجف أمام النبيل، كأنّه كتكوتٌ صغير أمام وحش مفترس.
“أبي…”
نظرتُ إليه بحيرة وأنا أُمسك بطرف ثوبه.
ثمّ فجأة، قال أبي شيئًا لم أكن لأتوقّعه أبدًا:
“يا عمي!”
…يا عمي؟
يا عمي؟ ما الذي يقوله بالضبط؟
تجمّدتُ في مكاني، أنظر تارةً إلى أبي، وتارةً إلى النبيل.
ظلّ الاثنان ينظران إلى بعضهما بصمت دون أن ينطقا بكلمة.
وسادَ سكونٌ مرعب.
حاولتُ أن أُفكّر وسط هذا الصمت الكئيب:
‘لماذا ينادي أبي هذا النبيل بـ”يا عمي”؟’
أنا في الثامنة من عمري، وأعرف تمامًا ماذا تعني كلمة “عمي”.
إنّه والد الزوجة، أي جدّي من جهة أمّي.
إذًا فهذا النبيل هو جدّي؟
هاه؟
‘هذا غير منطقي أبدًا.’
كان أبي دائمًا يقول إنّ أمّي من الريف، امرأة بسيطة عاديّة.
وكذلك هو، كان يقول إنّه رجل عادي من قرية مجاورة، يبيع الأسلحة ويصنعها.
فكيف يكون هذا النبيل، الواضح أنّه نبيـل من هيبته، هو والد أمّي؟
هل ضربَ أبي رأسه بشيء ما؟
نظرتُ إليه بقلق.
وفجأة قال النبيل:
“من قال إنّني والد زوجتك، أيّها الفاشل؟!”
صرخ النبيل بغضب، وقد تلألأ وجهه الأحمر كأنّه على وشك الانفجار.
اهتزّت أجسادنا أنا وأبي في اللحظة نفسها.
أمسكتُ بثوب أبي مجددًا.
وأسرع أبي ليُخفي جسدي خلف ظهره قبل أن يصرخ النبيل مجددًا.
كانت يد أبي، وهي تخفيني خلفه، ترتجف.
أنا لا أفهم ما الذي يجري، لكنّي بقيتُ مختبئة خلف ظهر أبي، كما يريد.
لحسن الحظ أو لسوئه، يبدو أنّ النبيل انشغل بأبي ونسي تمامًا أنّي أنا من صدمته.
وقبل أن ينطق أبي بشيء آخر، صرخ النبيل:
“ما الذي جاء بك إلى العاصمة؟!”
“ي-يا عمي… الأمر… هناك ظروف…”
“ألستَ أنتَ من قال إنّك لن تطأ العاصمة مجددًا وغادرت؟!”
استمعتُ للحوار بينهما من مكاني خلف ظهر أبي.
لا أعلم إن كان هذا الرجل فعلًا هو “عمه” كما يقول أبي، لكن يبدو أنّ بينهما معرفة سابقة فعلًا.
بدأتُ ألمس شعري الأشقر الذهبي بهدوء.
‘أمّي كانت تملك شعرًا ذهبيًّا مثلي.’
وشعر أبي كان بنيًّا داكنًا. إذًا من الواضح أنّ شعري ورثتُه من أمّي.
وفي هذا الإمبراطور، اللون الذهبي للشعر لا يملكه إلا النبلاء.
من النادر أن يُولد شخصٌ من العوام بشعر ذهبي.
إلا في حالة واحدة: إذا كان الطفل ابنًا غير شرعي لأحد النبلاء.
‘لهذا كان أهل القرية دائمًا يندهشون من شعري.’
بل حاول بعض الأشرار من القرية بيعي لعائلة نبيلة!
شعري كان نادرًا إلى هذه الدرجة.
أخذتُ أُدوّر خصلةً من شعري بين أصابعي وأنا أفكّر…
هل يُعقل أن تكون أمّي من عائلة نبيلة؟
وهذا الجدّ هو والدها؟
ك
لكن عندما وصلتُ إلى هذه الفكرة، أوقفتُ تفكيري.
لا، مستحيل.
لو كانت أمّي فعلاً من عائلة نبيلة، لما كنّا أبي وأنا نعيش في الريف بفقرٍ شديد.
ولم يكن هناك سبب ليُخفي عنّي أبي ذلك.
فما العار في أن يقول لي إنّ أمّي من عائلة نبيلة؟
لا بدّ أنّ هناك سببًا أعقد بكثير.
هكذا أقنعتُ نفسي.
لا أعرف لماذا ينادي أبي هذا الرجل بـ”يا عمي”…
ربّما هناك معنى آخر لكلمة “يا عمي” لا أعرفها بعد؟
نعم، من الممكن أن يكون هذا هو السبب!
أومأتُ برأسي، منهيةً التفكير في سبب مناداة أبي لهذا النبيل بهذا الشكل.
على كلّ حال…
‘كان عليّ أن أنظر أمامي قبل أن أركض.’
بينما أستمع إلى الحوار، بدأتُ أشعر وكأنّ كلّ ما حصل هو خطئي.
‘ركضتُ مثل الغبية واصطدمتُ به…’
لو لم أركض وأصطدم بذلك الجدّ، لما كان أبي سيتعرّض لهذا الموقف.
شعرتُ بالذنب، وبدأت دموعي تلمع في عينيّ.
[“هيه، أيتها الصغيرة. هذا ليس خطأكِ، فلا تبكي كالغبيّة!”]
هدّأني إكس من داخلي، فازدادت دموعي.
[“اللع*نة! لم يكن عليّ تهدئتك!”]
سمعتُ صوته المتذمّر، لكنّه لم يُؤثّر فيّ كثيرًا.
‘لماذا أنا غبيّة إلى هذا الحد؟’
لو مرّت هذه الأزمة بسلام، فسأعد نفسي ألّا أركض بجنون مجددًا.
أبدًا…!
وفي اللحظة التي كانت الدموع على وشك الانهمار…
تشَانغ!
“اغرب عن وجهي حالًا! وإلا…”
دوّى صوت غضب الجدّ، تلاه صوت سحب سيف!
‘سيف؟’
هذا بالتأكيد صوت سحب سيف.
لا يمكنني أن أخطئ فيه. فقد تربّيتُ منذ طفولتي في مشغل أبي وأنا أسمع صوت تصادم السيوف يوميًّا!
++++++
توضيح:
عمي لا تُستخدم فقط للعمّ (أخو الأب)، بل تُستعمل أيضًا احترامًا لكبار السن أو أقارب الزوج/الزوجة من جهة الأب.
في العلاقة الزوجية، من الطبيعي أن يُنادي الرجل والد زوجته بـ”عمي”، حتى لو لم يكن هناك صلة قرابة دموية.
ترجمة:لونا
التعليقات