الفصل 19
بصفتي طبيبةً عسكريّةً سابقة، لم أكن أحفظُ رموز نقابة الأطباء فحسب، بل كنتُ أحفظُ رموز جميع المنظّمات الرئيسيّة المدرجة في السجلّات.
لقد كانت معلوماتٍ ضروريّةً لعملي، لذا أتقنتُها لدرجة أنني أستطيعُ سردها بطلاقةٍ حتى لو استيقظتُ فجأةً من نومي.
‘هـه، عندما كنتُ أحفظها، أردتُ البكاءَ حقًّا لدرجة استهلاكِ ثلاثة مناديل.’
لكن بعد العودة بالزمن، لم يكن هناك شيءٌ أكثر نفعًا من هذا.
بعد أن جعلتُ هيبيريون يحفظُ التعليمات بدقّةٍ، عدتُ إلى آيزاك، الذي كان ينظرُ إليّ بنظرةٍ مليئةٍ بالشكّ.
أمسك آيزاك بيدي بقوّةٍ وسألني: “بولاريس، هل تريدينَ حلوى غزل البنات؟”
كلّما غفلتُ قليلًا، كان يعاملني كطفلةٍ بشكلٍ مفاجئٍ.
“أريدُ أكبرَ واحدة.”
“حسنًا.”
لكن لم يكن هناك ضررٌ من قبولِ مثل هذه الأشياء؛ ليس لأنني أحبّ السكريّات، بل كنتُ أسايره فحسب لأنه يهتمّ بي.
“آه! ولريون أيضًا!”
“لـ-لي أنا أيضًا؟”
“أجل، سأطلبُ من أبي آيزاك أن يشتري لك واحدةً تكونُ الثانيةَ في الحجمِ خصيصًا لك.”
فأنا لا أملكُ مالًا، لأنني طفلةٌ في السادسةِ من عمرها.
ابتسمتُ باتّساعٍ نحو هيبيريون الذي كان يفتحُ عينيه بذهولٍ.
***
لم تكن حياةُ هيبيريون فاروس سعيدةً جدًّا.
أو بالأحرى، كان يعيشُ حياةً لم يتعلّم فيها أصلًا مفهوم كلمة ‘سعادة’.
كانت والدةُ الطفلِ خادمةً تنتمي إلى عائلة فاروس، ولكن بعد ولادته، أُعدمت بتهمة إغواءِ أحد أفراد العائلة السادسة.
ومع ذلك، لم يتمّ قبولُ الطفلِ المولودِ كفردٍ من العائلةِ بشكلٍ جيدٍ.
لقد كان هيبيريون فاروس ابنًا غير شرعيٍّ يجري في عروقه دمُ فاروس، لكن لم يرغب به أحدٌ.
ومع ذلك، لم يكن بإمكانهم التخلّصُ منه لأنّ نصفَ دمه ينتمي للعائلة؛ فهذا الطفلُ سيصبحُ من دوي القدرات في المستقبل، فوقها لقد وُلِدَ بشعرٍ وعينين ذهبيّتين نقيّتين أكثر من أيّ شخصٍ آخر في عائلته ليشيرَ إلى قدرته على إظهار قوّةٍ هائلةٍ.
السببُ الذي جعل عائلة فاروس، التي كان لونُ شعرها وعينيها الذهبيّ يبهتُ مع الزمن و ضعفت قوتها، لا تستطيع التخلّص من الطفلِ بسهولةٍ لم يكن الشعور بالذنبِ، بل بسبب القوة التي يحملها.
لو قرّروا قبوله لأيّ سببٍ كان، لكان من المفترض أن يعاملوه جيدًا، لكنّ قلوب البشرِ كانت متقلّبةً.
لم يبدُ لهم جميلًا أن يولدَ ابنٌ غير شرعيٍّ يحملُ رمز العائلة وهو يملكُ نصفَ دمِ العائلةِ فقط.
قامت عائلةُ فاروس بتربية الطفلِ و هم يخفونه داخل القصر، وتلقّى كلّ أنواع الكلمات القاسية والاضطهاد.
كان إخوته الأكبر سنًّا يفعلون ذلك تحديدًا، بينما كان والده، رئيسُ عائلة فاروس، يتجاهلُ الأمر.
وبدأ هيبيريون الصغيرُ يعتقدُ أنّ كلّ هذا كان خطأه.
الطفلُ الذي لم يتلقَّ أيّ نوعٍ من العاطفة، صدّق كلماتِ عائلته كما هي.
ولم يدرك حتى أنّ هذا كان مؤلمًا؛ لأنّ الجوّ الذي أحاط بالطفلِ منذ لحظة ولادته كان دائمًا هكذا.
‘هذا غريب.’
المرّةُ الأولى التي شعر فيها أنّ العالمَ الذي اعتاد عليه مؤلمٌ بشكلٍ جديدٍ كانت بعد أن تُرِكَ في البستان.
أخبره إخوته أنهم أعدّوا له هديّةً احتفالًا بدخوله فرع البحرية.
الطفلُ الذي لم يتلقَّ هديّةَ عيد ميلادٍ واحدةً من قبل، لم يستطع رفضَ هذا اللطف؛ لأنّ هيبيريون كان يتوقُ دائمًا للحصول على اعترافِ عائلة فاروس وكان متعطّشًا لذلك.
لو كان يعلمُ أنه سيُهجرُ هكذا، لما تبعهم وصدّقهم بسهولةٍ.
لا، هل كان سيفعلُ ذلك حقًّا؟ حتى لو عرف نواياهم، فمن المرجّح أن هيبيريون لم يكن ليرفض.
لأنّ تقبّل أيّ نوعٍ من المعاملة كان شيئًا مطبوعًا فيه.
“…آه.”
وهنا انقطعت أفكاره فجأةً.
‘إنها لزجة.’
كان هذا بسبب حلوى غزل البنات التي اشتراها له الرجلُ الذي يُدعى آيزاك في النهار.
الحلوى التي تشبهُ القطنَ الناعمَ كان يمكنُ نتفها باليدِ وأكلها، لكنها في المقابل جعلت يديه لزجتين.
أدرك هيبيريون الآن فقط حقيقة أنه كان يتألّمُ ويشعرُ بالحزن، ومع ذلك، لم يصله الأمرُ كمعاناةٍ كبيرةٍ.
ربما بسبب السكّر الذي جعل يديه لزجتين.
كانت حلوى غزل البنات حلوةً ولذيذةً، مثل تلك الطفلةِ و البحارة الذي ألتقاهم.
تبادرَ إلى ذهنه بشكلٍ طبيعيٍّ وجهُ الطفلةِ ذات الشعرِ الذي يذكّر بالبحرِ الزمرديّ الصافي.
كان من الصعبِ فهم السبب الذي جعل قضاء وقتٍ قصيرٍ جدًّا، لم يتجاوز اليوم الواحد، يمنحه كلّ هذا العزاءِ الكبير.
لم يستطع هيبيريون الدخول إلى غرفته المخصّصة بخطواتٍ أخفّ قليلًا إلا بعد أن فكّر في بولاريس.
رغم كونه من عائلة فاروس، إلا أنه بدأ كمتدرّبٍ دون استثناءٍ بمجرد دخوله البحرية.
والشيءُ الوحيدُ الجيدُ هو أنه حصل على غرفةٍ منفردةٍ لكونه عضوًا في فاروس.
تأكّد هيبيريون من إغلاق الباب تمامًا ثم أخرج الختمَ المخفيَّ أسفل نعلِ حذائه.
كان الأمرُ تمامًا كما قالت لارا، أو بولاريس. أولئك الذين فتّشوه بدقّةٍ صادروا حتى ما تبقى من حلوى غزل البنات التي وفّرها ليأكلها ببطء.
لو اكتشفوا الختم، لربما فُقد على الفور ولربما تعرّض للاستجوابِ أيضًا.
أخفى هيبيريون الختمَ الذي أخرجه في زاوية حقيبته مجددًا، ثم فتح النافذة ونظر بتمعّنٍ إلى السماءِ التي حلّ عليها الليلُ.
الطفلةُ التي تُدعى لارا كانت غريبةً. وإذا سألته ما الغريبُ فيها، فسيقولُ كلّ شيءٍ.
رغم أنّ هيبيريون رأى لارا للمرّة الأولى بلا شكّ، إلا أنه بمجرد أن فتح عينيه، شعر بضيقٍ في صدره وكأنه يتألم.
لقد كان شعورًا باردًا وكأنه رأى شيئًا ثمينًا لا يجبُ أن يفقده من بعيدٍ، لكنّه لم يعرف السبب، لقد بدت الطفلةُ مألوفةً بشكلٍ غريب.
–”كيف يمكنُ لطفلٍ أن يكونَ بهذا القدرِ الفائق من الجمالِ؟”
لكنّ الكلماتِ التي نطقَت بها الطفلةُ كانت محيرةً حقًّا.
ليس لاستخدامها كلمة ‘فائق’، بل لأنّ هيبيريون لم يسمع أبدًا في حياته أنه جميلٌ.
كانت الرمزيةُ التي يحملها هيبيريون من عائلة فاروس شيئًا يدعو للفخر، لكنّ حقيقةَ امتلاك ابنٍ غير شرعيٍّ لها كانت مكمنَ كراهية إخوته.
كلما رأوه أمامهم كانوا يضربونه ويشتمونه قائلين إنه مقزّز، لذا اعتقد هيبيريون حتى الآن أنّ مظهره قبيحٌ.
فرك الصبيُّ وجنته بيدٍ مرتبكةٍ.
“…هل أنا حقًّا… جميل؟”
من الواضح أنها كانت طفلةً لم يرها إلا منذ وقتٍ قصيرٍ، لكنّ الكلمات التي قالتها كانت أكثرَ ثقةً من كلّ الكلمات التي سمعها طوال حياته.
قاده قلبهُ لتصديقِ تلك الطفلة التي تُدعى بولاريس.
بينما كان غارقًا في أفكاره وهو يتكئُ على حافّة النافذة، طار طائرٌ يحملُ لونَ سماءِ الليلِ مرفرفًا بجناحيه نحو المكان الذي يوجد فيه هيبيريون.
“آه.”
أدرك هيبيريون من نظرةٍ واحدةٍ أنها حمامة المراسلة السحرية التي أرسلتها لارا.
عندما أمسك بحذرٍ بالحمامةِ التي اقتربت منه، تلاشت صورتها وتفرّقت في الهواء.
وبدلًا من ذلك، كان في يدِ هيبيريون ظرفٌ بحجمِ زجاجة دواءٍ صغيرةٍ تقريبًا.
‘ماذا كُتب هنا؟’
عُلقت بطاقةٌ على عنقِ زجاجةِ دواءٍ يتمايلُ فيها سائلٌ بلونِ اليشمِ الشفافِ الجميل.
[يُؤخذ ثلاث مرّات يوميًّا، ملعقة صغيرة في كلّ مرّة.]
“……”
[ تواصل معي إذا كان سينفذ. سأحاولُ إرسال واحدٍ جديد قبل ذلك إن استطعتُ. سيكون الأمرُ شاقًا عليك هنا ولكن استجمع قواك.]
كان الخطُّ المكتوبُ بتركيزٍ ذا أسلوبٍ غريبٍ؛ لم يكن دائريًّا مثل خطّ الأطفالِ، ولم يكن منمقًا.
شعر هيبيريون وكأنه رأى هذا الخطّ في مكانٍ ما.
‘آه، تذكّرت.’
إنه الخطُّ العام المستخدمُ داخل البحرية، خطٌّ خالٍ تمامًا من اللمسة البشريّة… الخطُّ الرسميُّ المستخدمُ في قواعد البحرية.
لو علم الآخرون بهذا لقالوا إنّ هذا مستحيلٌ، لكنّ هيبيريون شعر لسببٍ ما أنّ خطَّ لارا يشبهُ خطَّ أعضاء البحرية الذي لم يره إلا بضع مرّاتٍ.
‘هـ-هل يمكنني… هل يمكنني كتابةُ ردّ؟’
رغم أنها كانت غرفةً خُصّصت له حديثًا، إلا أنّ أدوات الكتابة كانت متوفّرةً بشكلٍ لائقٍ.
غمس هيبيريون القلمَ في الكثير من الحبرِ وبدأ يكتبُ كلماتٍ متعرّجةً.
‘هـ-هل هذا صحيح؟’
بما أنّ عائلة فاروس لم تبدأ بتعليمه إلا عندما قرّروا إرساله إلى البحرية، لم يكن الصبيُّ يجيدُ كتابة الكلمات الصعبةِ بشكلٍ صحيحٍ.
رغم تعثّره في رسالته الأولى، لم يستطع هيبيريون التوقفَ عن الكتابة.
وبسبب تركيزه التامّ في الردّ، لم يلاحظ حقيقةَ أنّ البابَ المغلقَ تمامًا كان مفتوحًا قليلًا.
“……”
كان رجلٌ ضخمٌ لا يناسبُ البحريةَ أبدًا يختلسُ النظرَ إلى هيبيريون من شقّ الباب.
“أيها القبطان، أعتذرُ عن التأخير…”
“صـه.”
أشار نيريوس بسبّابته لآيزاك الذي دخل مرتديًا زيَّ البحرية، واستمرّ في مراقبة هيبيريون بهدوءٍ.
‘خفّ قلقي إذًا.’
لقد أدرك من نظرةٍ واحدةٍ أنّ وضع هيبيريون داخل البحرية ليس جيدًا.
حقيقةُ أنه نُبذ رغم كونه من عائلة فاروس كانت كافيةً لاستنتاجِ أمورٍ عديدةٍ، ولم يستغرق نيريوس، الذي كان يعرفُ الكثيرَ عن المجتمع الأرستقراطي، وقتًا طويلًا ليدرك حقيقة أنّ هيبيريون ابنٌ غير شرعيٍّ.
لذا في الحقيقة، كان لديه الكثيرُ من التردّدِ حول ضمّ هيبيريون إلى قراصنة كايلوم، لكن هيبيريون في النهاية كان من فاروس.
أخذُ واحدٍ من أفراد العوائل الستة سيعطي ذريعةً لجعلهم الهدفَ الأولَ لعائلة فاروس تحديدًا.
سأل نيريوس بعد أن أغلق البابَ دون إصدارِ أيّ صوتٍ أو جلبةٍ:
“هل تعتقدُ أنه الأبُ أم الإخوة؟”
“ماذا؟”
بدا الذهولُ على وجه آيزاك من السؤالِ المفاجئِ، لكنه سرعان ما فهم الأمرَ وأجاب بنظرةٍ هادئةٍ:
“الأرجحُ أنهم الإخوة. فمن وجهة نظرِ ربّ العائلة الحاليّ، لا يهمّ مَن يكون، طالما أنّ أحدَ أفراد فاروس يجلسُ في منصب الأدميرال.”
“أجل، وسيكون الأمرُ مرحّبًا به أكثر إذا كان هذا الشخصُ هو الطرفَ المهمّش.”
كان منصبُ الأدميرال مخصّصًا لعائلة فاروس فقط.
قد يبدو هذا منصبًا شرفيًّا، لكنّ أفراد فاروس كانوا يُكلفون بمهامٍ خطيرةٍ كثيرةٍ لكونهم يملكون قوى هائلةً.
ومع ضعفِ القوى، كان أفراد فاروس الذين يجلسون في منصب الأدميرال يموتون صغارًا في السنّ، وفي النهاية، بدأ أفرادُ العائلة يتجنّبون الجلوس في هذا المنصب.
لذلك، كان يشغلُ منصبَ الأدميرال الشرفيّ من ليسوا ورثةً للعائلةِ، بينما تحصدُ العائلةُ بأكملها الشرفَ الناتجَ عن ذلك، فكان من الأفضلِ أن يجلس في المنصبِ شخصٌ ليس من الأبناءِ الشرعيين.
‘لكنّ هذا ليس عمرًا يفهم فيه الابنُ الأكبرُ أو الثاني لعائلة فاروس هذا الأمر.’
على أيّ حال، يبدو المنصبُ من الخارجِ مكانةً يحسدُ عليها الجميع، فهو سيكون أدميرال البحرية للقارة الغربية.
فمن وجهة نظرِ الأطفالِ الصغار، سيشعرون وكأنّ كائنًا أدنى منهم قد سلبهم شيئًا يخصّهم.
‘حتى لو لم نقم بإنقاذه، فمن المرجّح أنه كان سيُنقذُ في اللحظةِ الأخيرةِ.’
ومع ذلك، لم يستطع نيريوس تجاهلَ الأمر. لقد كان ضعيفًا أمام الأطفالِ الصغار.
‘هل من حسن الحظّ أنّ لارا اهتمّت به…’
نيريوس، الذي كان يعرفُ كلّ نوايا ابنته وسبب طلبها شراء حمامة المراسلة السحرية، حكّ مؤخرةَ رأسه ثم سار في الممرّ مع آيزاك.
“هل أحضرتَ المفتاح؟”
“نعم، لقد كان تمامًا كما قلتَ أيها القبطان.”
“لا، بل كما قال ذلك الصغيرُ الذهبيّ.”
ربما شعر بوخزِ ضميرٍ أكبر لأنه استدرج بعضَ المعلوماتِ من هيبيريون بذكاءٍ أثناء وقت الطعام.
جمع نيريوس المعلوماتِ التي حصل عليها من هيبيريون مع المعلومات التي جمعها مسبقًا، ودخل في هذه اللحظةِ تحديدًا إلى قلبِ معقلِ العدوّ.
ضحك بخفّةٍ وهو يأخذُ المفتاح الذي قدّمه آيزاك، ثم عاد سريعًا لملامحه الجادّة.
“أيها القبطان، وماذا عن بولاريس؟”
“ماذا عنها؟”
كان المكانُ الذي توجّها إليه هو غرفة الوثائق الرئيسية للفرع الثالث عشر للبحرية.
تظاهر نيريوس بعدم الفهمِ لسؤال آيزاك بينما كان يفتحُ الأدراجَ واحدًا تلو الآخر.
“أنت تعلمُ جيدًا.”
“…أوه~ وجدته.”
نظر آيزاك بملامحَ باردةٍ إلى نيريوس الذي ابتسم باتّساعٍ وهو يُخرج وثائقَ الاجتماع الرئيسيّ لهذا الشهر.
حينها، تحوّلت ملامحُ نيريوس إلى ملامحَ باردةٍ وثقيلةٍ لم يظهرها أبدًا أمام بولاريس.
“فقط اصمت.”
“……”
“يبدو أنّ الطفلةَ تريدُ إخفاء الأمر، فلنتظاهر بعدم المعرفة.”
كان الجميعُ على السفينة تقريبًا يعرفون أنّ هناك شيئًا غريبًا في بولاريس منذ استيقاظها من مرضها.
ولكن بناءً على تعليمات نيريوس، تظاهر الجميعُ بعدم الملاحظة دون أن ينبسوا ببنت شفةٍ.
“كوننا عائلةً لا يعني بالضرورةِ أن نعرفَ كلَّ أسرارِ بعضنا البعض.”
“ولكن…”
“هذا أمرُ القبطان، يا آيزاك.”
حتى نيريوس لم يكن يعرفُ ما الذي تخفيه بولاريس بالضبط.
ولكن عندما كانت بولاريس تكذبُ وهي تحاولُ قراءةَ ردّ فعله، كان يشعرُ بوخزٍ في صدره.
كان يفضّلُ أن تتصرّف الطفلةُ بجموحٍ أكبر ولو قليلًا. فنيريوس لم يكن يرغبُ في طفلةٍ مطيعةٍ وهادئةٍ فحسب.
“لا أدري من تشبهُ حقًّا~”
ضحك نيريوس مجددًا بذلك الوجه الأبله والمرح الذي تعرفه بولاريس.
***
“هل تسلّمها جيدًا؟”
تنهّدتُ وأنا أسندُ ذقني على حافّة النافذة المفتوحة.
لا شكّ أنه استلمها، ولكن هل سيصدّقُ كلماتي حقًّا؟
‘أنا لم أعرفه إلا منذ يومٍ واحدٍ.’
أتمنى أن يصدّقني؛ فقد كان ذلك لطفًا خالصًا مني.
وضعتُ وجنتي على السطحِ وأغمضتُ عينيَّ ببطءٍ.
كانت البحريةُ قطاعًا جيدًا يخدمُ العالم.
ولكن لكي يصبحَ المرءُ شخصًا يليقُ بهذا المنصب، كان يحتاجُ للكثير من التدريب والتعليم.
التخلّي عن الرغباتِ غير الضرورية للبقاء، وضبطُ الأحكامِ المفرطة، وعدمُ الإسرافِ إطلاقًا، والأهمُّ من ذلك، أن تكونَ كائنًا مفيدًا…
“هذا ليس خطأً…”
أنا التي تلقّيتُ تعليمًا دقيقًا لمدةِ عشر سنواتٍ، أعرفُ ذلك.
هذا ليس خطأً.
أبدًا.
ولكن لماذا أشعرُ بالقلقِ من أن يتألمَ هيبيريون أثناء تدريبه؟
‘لا أعرفُ حقًّا.’
لقد كان أمرًا لا يمكنني فهمه حقًّا.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 19"