1
الفصل 1 : المقدّمة
عاصمة ألكاديا، ألكاد.
في ضواحيها يقع مضمار سباق الخيل “لويستم”، وقد غصّ بالناس حتى لم يبقَ موضع لقدم.
“اللفة الأخيرة! اللفة الأخيرة المرتقبة! صندربولت رايزينغ وسيلفر هريكين يخوضان منافسة شرسة! يا ترى أيّ منهما سيحرز الفوز؟!”
“طبعاً سيلفر هريكين!”
“لقد راهنتُ بكل ثروتي، هيا! سيلفر هريكين!”
كان الناس يشجّعون بأعلى أصواتهم الخيول التي راهنوا عليها، حتى اهتزّ المضمار الفسيح وكاد ينهار من شدّة الصيحات.
“المنعطف! عند المنعطف يتباطأ سيلفر هريكين قليلاً! لا يضيّع صندربولت رايزينغ الفرصة ويوسّع المسافة!”
“يا للدهشة! تمرّد الأضعف! المعجزة تتحقق أمام أعيننا!”
“واااه!”
“هيا، صندربولت رايزينغ! إذا فزتَ سأربح خمسة عشر ضعفاً!”
“قليلاً فقط! بعد قلييييل!”
“خمسة عشر ضعفاً! خمسة عشر ضعفاً!”
وفي وسط أولئك الذين يصرخون باسم صندربولت رايزينغ بجنون كما لو كانوا أتباع طائفة منحرفة، كان هناك طفل صغير.
طفل لا يتجاوز الخامسة من عمره.
“هيا، صندربولت رايزينغ! أنا أثق بك!”
كان اسم الطفل إستل.
شعرها الفضي المتموّج كان مضفوراً إلى جديلتين أنيقتين تتدلّيان على جانبيها، وكان طولها لا يكاد يصل إلى خصر رجل بالغ.
لكن ذلك لم يمنعها من متابعة السباق، فقد كان والدها سولِن يحملها على كتفيه.
“لم يتبقَّ الكثير حتى خط النهاية……! آه، ما هذا الذي حدث! فارس صندربولت رايزينغ يسقط عن ظهره! يتوقّف صندربولت رايزينغ مكانه! كارثة كبرى عند أعتاب خط النهاية!”
“ماذا…….”
“سيلفر هريكين! لا يفوّت الفرصة ويطلق سرعته الأخيرة! ……الفوز! سيلفر هريكين هو البطل!”
“اللعنة، هذا غير معقول! كان الفوز أمام عينيه!”
“مالي! ماليييي!”
أما الذين راهنوا على صندربولت رايزينغ، فقد رموا قبّعاتهم أرضاً أو بصقوا بغضب ليفرغوا سخطهم.
“ماذا حصل…….”
لم ينفعل سولِن بقدرهم، لكنّه أيضاً كان مصدوماً.
التذكرة التي كان يمسكها مع ساقي ابنته الصغيرتين أفلتت من يده وسقطت كأوراق الخريف الذابلة.
لو فاز صندربولت رايزينغ، لعادت تلك التذكرة بربح قدره مئة وخمسون مليون لوتشي، لكنها الآن لا تساوي شيئاً سوى قصاصة ورق.
“……ابنتي، ماذا يعني هذا؟”
“……هاه؟”
“ألم تقولي إن صندربولت رايزينغ سيفوز حتماً؟ ألم تقلبي حياتي إلى ثروة طائلة؟”
“آه، ذاك…….”
ابتلعت إستل ريقها الجاف وهي تمسك رأس والدها بين كفيها، ثم صاحت فجأة:
“يا إلهي! تذكرتُ الآن!”
“ماذا تذكرتِ؟”
“السباق التالي هو المهم! لم يكن 1 إلى 15 بل 1 إلى 25!”
“ماذا؟”
“في هذا السباق خسر بسبب سقوط الفارس، لكن في السباق التالي سيُظهر شجاعة المقاتلين المصابين ويفوز حقاً!”
قالت إستل بلهفة وهي تضرب كتفي والدها بكلتي يديها.
“أبي! عليك أن تراهن في السباق القادم! بكل ثروتنا! بكل شيء!”
“أجل، كل ثروتنا…… تبدو فكرة جيدة. لكن صغيرتي، ماذا قلتِ قبل أن يبدأ هذا السباق؟”
“أمم…….”
ثبتت نظراتها في الفراغ فجأة.
“قلتُ إن الفوز مضمون…… وإنه يجب أن تضع كل نقودك، حتى آخر قطعة…….”
“صحيح. ولهذا الآن لم يبقَ عند أبيكِ شيء. أنا مفلس.”
ولإثبات كلامه أخرج سولِن جيوبه مقلوبة، فلم يتساقط منها سوى الغبار.
ومع أنّه أظهر الدليل، لم تستوعب إستل أن والدها أصبح معدماً، فأخذت تدور حوله ثم سألت الرجل الواقف بجواره:
“حقاً ليس عندك حتى القليل؟ ماذا عنك يا عم توركان؟”
“آه، ذاك…….”
توركان، الذي كان يقف إلى جانب سولِن طوال السباق، ارتبك من السؤال المفاجئ، وبدا وكأن سهماً أصابه في مقتل.
لكن كلا من سولِن وإستل كانا في عجلة من أمرهما فلم يلحظا غرابة حالته.
“لا بأس، سأجد حلاً.”
أنزلت إستل حقيبة الأرنب التي كانت على ظهرها، وأخرجت منها حصالة خنزير ثقيلة.
“بيبي، لن أنسى تضحيتك النبيلة.”
“ستضحين ببيبي؟ حقاً؟”
“نعم. بما أنّ أبي وثق بي ووضع كل ثروته، فعليّ أن أستعيد له نقوده.”
“……ابنتي!”
“أبي!”
تعانق الأب وابنته بامتنان، لكنه لم يدم سوى لحظات، إذ كان عليهما شراء التذكرة قبل بدء السباق التالي.
“لا أستطيع التضحية ببيبي بيدي، توركان، اذهب واشترِ التذكرة.”
“ذاك…….”
“ما بك يا توركان؟”
نظر إليه سولِن باستغراب، لكنه ما لبث أن أدرك أنّ هناك شيئاً غريباً.
وبنظره اتّضح أنّ توركان يحدّق في شيء ما.
“هاه!”
“ماذا هناك يا أبي؟ ……يا ويلي!”
على الدرج المؤدي إلى المخرج، ظهرت امرأة تعقد ذراعيها في مواجهة الشمس، تحدّق بهم من علٍ كقاضية لحقت بمجرم هارب حتى جهنم.
“لونا……؟ كيف وصلتِ إلى هنا…….”
“هوووف!”
قفز كلب أبيض صغير نحو صدر إستل.
احتضنت الطفلة الكلب بصعوبة ثم صاحت:
“رِمي! كيف فعلت ذلك! ألم أقل لك إن أمي ستجدنا؟”
“هوووف!”
لم يهتم الكلب لشكواها، بل أخذ يلعق خدها ويهز ذيله.
“إذن.”
انحدر صوت بارد كالصقيع على رؤوسهم، فجعل أجسادهم ترتعش.
فاتحدت إستل وسولِن وتوركان غريزياً متلاصقين.
“أهذا شارع الفن؟ ألم تقل إنكم ستذهبون لمشاهدة مسرحية؟”
“آه، في الواقع…… أبي قال إن هذا المكان أكثر متعة.”
باعَت ابنتُه والدها بلا رحمة، فارتبك سولِن من شدّة الدهشة.
لكنه سرعان ما واجه نظرة زوجته القاسية واحتجّ:
“أنا مظلوم يا عزيزتي، ابنتنا هي من أغرتني أولاً لتصبحني غنياً.”
“أبي، كيف تخونني هكذا؟”
“أنتِ من بدأتِ بالخيانة أولاً.”
وبينما يتشاجر الأب وابنته كالأطفال، حوّلت لونا نظرها إلى توركان.
“ماذا قلتَ قبل أن تغادر؟ قلتَ إنك ستراقبهما جيداً حتى لا ينحرفا عن الطريق، أليس كذلك؟”
“ذاك…….”
لم يستطع الإفصاح بأنه ليس مجرد نزيل عادي بل تابع مخلص للأمير، فبقي صامتاً.
في تلك اللحظة انتزعت لونا حصالة بيبي من يد سولِن.
“مصادرة.”
ثم استدارت وغادرت بخطى واثقة.
ركضت إستل خلفها وهي تضم رِمي إلى صدرها.
“انتظري يا أمي! صندربولت رايزينغ سيفوز حقاً في السباق القادم! النسبة 1 إلى 25! يجب أن نراهن! إذا وضعنا مئة مليون سنربح مليارين ونصف!”
خرجت من فم طفلة في الخامسة كلمات لا يقولها إلا مقامرون مهووسون.
نظرت لونا إلى سولِن وتوركان باستهزاء، فصرفا نظرهما متظاهرَين بالبراءة.
“وماذا ستفعلين بخمسة وعشرين ملياراً؟”
“أستثمرها لأربح أكثر!”
“وبعد أن تربحي أكثر؟”
“أصير غنية طبعاً!”
“وبعد أن تصبحي غنية؟”
“آه…….”
لم تجد جواباً، واكتفت بالرمش بعينين فارغتين.
تنهدت لونا ومدّت يدها نحوها.
“إذا ذهبنا الآن سنلحق بالعرض. ألا تريدين مشاهدة المسرحية؟”
“آه؟ ……أريد! أريد! أستل تريد المسرحية!”
“هوووف!”
سواء عرفت المستقبل أم لا، فهي ما زالت طفلة.
داعبت لونا شعر ابنتها ثم أمسكت يدها بقوّة، قبل أن تلتفت خلفها نحو الرجلين الماكرين.
‘سترون في البيت.’
لو كان لا بدّ من انكشاف الأمر، ليتهم ربحوا على الأقل.
وبينما غادروا نحو المسرح، دوّى صوت المذيع من خلفهم كصفعة على وجوههم:
“يا للروعة! صندربولت رايزينغ! فاز! لقد فاز! بنسبة 25 ضعفاً…….”
هكذا كان حال هذه العائلة الغريبة، التي لم يكن أفرادها يعرفون بعضهم قبل ثلاثة أشهر، لكنهم وجدوا أنفسهم يعيشون تحت سقف واحد.
Chapters
Comments
- 1 - المقدّمة 2025-09-29
التعليقات لهذا الفصل " 1"