ركّزت ليلي تركيزًا بالغًا كي لا يفوتها حرفٌ واحدٌ مما قاله.
ومنذ اللحظة الأولى، فاجأها يوليوس بكشفٍ صاعق.
[ذاك الرجل فقد قوّتَه.]
“ماذا؟”
[لذا، لا داعيَ لقلقكِ من أن ينتزع قائد الطائفة روحَكِ بالسحر.]
إن كان هذا حقًّا، فهو أفضلُ خبرٍ يمكن أن تسمعه. فمن بين سلاحَي الإمبراطور المزيّف ــ السحر والسلطة ــ قد تعطّل أحدهما، ما يعني أن مستوى التهديد قد انخفض كثيرًا.
لكن تمثيلَ الإمبراطور لم يكن بالهيّن، فلتتذكّر حين اتّهم آيدن ظلمًا، وكيف بدا وجهُه بلا خجلٍ وهو يُسقِط عقدتَه الدفينة على آيدن.
مهما نطق بثقة، لم تستطع ليلي أن تأخذ كلامه على ظاهره.
“لستُ واثقةً بعد.”
قالتها بفتورٍ مقصودٍ كي تُظهر له صعوبةَ إقناعها وتُثير ضيقه.
“بصراحةٍ، لا أشعرُ بالأمان تمامًا بعد. أليس من المحتمل أن يكون جلالتُك قد أُخطئت؟ أو ربما… قلت هذا فقط لتستميلني؟”
لكنّها ما إن التقت نظراتها بعيني الإمبراطور حتى خَفَتَ صوتها، وتبخّرَ كلُّ ما كانت تقول.
لم يكن يوليوس يرمقها بنظرةٍ حادّةٍ أو قاسية، ولم يستخدم أيّ قوّةٍ غامضة، بل كان يحدّق بها ببرودٍ خالٍ من العاطفة.
ومع ذلك، استيقظت غريزةُ الخادمةِ الوضيعةِ فيها، الغريزةُ التي أُدرِّبت طويلًا على التذلّل، فأدركت أنّها لتوّها جَرَحت كبرياء الإمبراطور بكلماتها.
فحتى لو نُزِعَ من جسده، يبقى هو الإمبراطور، بينما هي، تلك المرأة المريبة الملقّبة بـ’الطبيبة الروحية’، تكادُ تُكذّب حاكمَ الإمبراطورية نفسه.
والآن، وقد بدا عليه الاستياءُ جليًّا، راح يستخدم سلاحًا رهيبًا. سحقَها بصمته ونظراتِه وحدها.
‘تبًّا… لا بدّ أنّ مخالطتي للنبلاء الذين يُدلّلوني جعلتني أتهاون!’
كانت بارعةً في قراءة الوجوه والانحناء في الوقت المناسب، فمتى أصبحت مهملةً إلى هذا الحد؟
قاومت رغبتها الجامحة في أن ترتمي أرضًا اعتذارًا، وتابعت بارتباكٍ.
“لـ… ليس الأمر أنّني أُشكّك في جلالتك! أبدًا، بل فقط… أريد أن أخدمك حتى النهاية، ولأفعل ذلك، عليَّ أن أطمئنَّ إلى أن حياتي في أمان…”
اهتزّ صوتها بشدّة، وارتجفت شفتاها اللتان حاولتا رسم ابتسامةٍ واهية.
‘آه! تنظيف الأرضيات أهونُ عملٍ في العالم!’
ولمّا كادت الدموع تفيض من عينيها، تفضّل يوليوس بالكلام أخيرًا.
[نعم، من الطبيعي أن تُساوركِ الشكوك.]
تنفّست ليلي بارتياحٍ خفيف. يبدو أنّها لم تتجاوز حدود صبره بعد. فلو تمادت قليلًا، لربما انفجر غضبًا وبدأ بتحطيم الأثاث.
[لكن، أليس الدليل أمام عينيك؟]
“أمامي؟ كلّ ما أراه هو جلالتك فقط…”
[بالضبط.]
أومأ برأسه قليلًا.
[لو أنّ ذاك الرجل ما زال يملك قوّة السحر، لما ترك روحي على حالها. لحظةَ أدركَ أنّ روحي حُبست في الخاتم، كان سيبذل قصارى جهده ليدمّرها. لقد رأيتُه بأمّ عيني يؤدّي الطقس، كما ترين، لم يُجدِ نفعًا.]
***
إذًا… لم يتركه عمدًا ليعبث به؟ هل أصبح قائد الطائفة إنسانًا عاديًّا لا يملك قوًى؟
[حتى إنّه لا يرى بوضوح. أظنّ أن تبديل الجسدَين قد خلّف فيه عجزًا ما.]
لم تفُت على يوليوس ابتسامةُ الارتياح التي لوّحت على وجه ليلي.
[إذًا؟ هل أنتِ مستعدّةٌ للقدوم معي الآن؟]
“صحيحٌ أنّ العبءَ خفَّ كثيرًا، لكنّني ما زلتُ…”
تحدّثت بحذرٍ شديدٍ كي لا تُغضبه.
“حتى وإن انتفى خطر السحر، فمواجهتُه تظلُّ كضربِ صخرةٍ ببيضة. إنّه يضع تاج الإمبراطور على رأسه، وأنا مجرّد امرأةٍ من عامّة الناس.”
بلّلت شفتيها.
“وكما تعلم جلالتُك، أقدرُ على تطهير الأرواح، لكنّني لم أنجح قطّ في إعادتها إلى أجسادها. هل تعرف أنت الطريقة؟ أم أنك تنوي التصرف من خلالي لأنك واثق من وسيلةٍ معيّنة؟”
أرخَت كتفيها وتظاهرت بالتذمّر، بينما كان قلبها يخفق بعنفٍ؛ إذ كان هذا سؤالًا مصيريًّا.
إن كان يعرف وسيلةً لإعادة الروح إلى الجسد ــ غير تلك المذكورة في الأساطير ــ فربما…
لكنّ الإمبراطور، وكأنّه يسخر من قلقها، رسم بينهما حدًّا واضحًا.
[أخبرتُكِ أنّه لا داعي للقلق من القوى لأنّك كنتِ خائفةً منها. هذا حدُّ كرمي. أمّا ما بعد ذلك، فلا يلزمكِ أن تعرفي. ما عليكِ سوى القدوم إلى العاصمة وطاعة أوامري.]
بمعنى آخر، لن يُفصح عن ورقته الرابحة. رمقها بتلك النظرة المتعجرفة التي اعتادها.
[فماذا ستفعلين؟ أتبقين هنا تتفرّجين على الإمبراطورية وهي تسقط في يد الزنادقة؟ أم تصبحين مُخلّصة الإمبراطور؟ الخيارُ الأوضح أمامك.]
ثمّ وجّه الطعنة الأخيرة.
[أو تظنّين أنّ الدوقيّة ستبقى آمنة بينما تنهار الإمبراطورية؟ لستُ بحاجةٍ إلى تابعةٍ حمقاء.]
عاجزةً عن الرد، تمتمت ليلي بأنّها تحتاج إلى وقتٍ للتفكير، ثمّ غادرت الجناح.
كان ما قاله الإمبراطور كلّه صحيحًا. فالإمبراطورية حقًّا على وشك الانهيار.
ربما عليها أن تُنقذ البلاد أولًا، ثمّ تتعلّم الطريقة وتعود سريعًا إلى الدوق؟
لكن إن كانت الطريقة هي ذاتها المذكورة في الأساطير، فهل سيكون من الأفضل التعامل مع الدوق أوّلًا قبل التوجّه إلى العاصمة؟
ومع ذلك، لم تستطع تقبّل تلك الطريقة…
بخطى مثقلة دخلت الجناح الشرقي، وازداد كآبتها حين رأت الغرفة خاليةً.
كانت تظنّه مزعجًا، لكنّ غيابه الآن أشعرها بخيبةٍ غامضة.
لم تفهم نفسها بعد الآن. هذا الشعور المتثاقل، والأفكار المتشابكة، والارتجاف في قلبها… كان هذا اليوم الأصعب منذ أن تورّطت مع آيدن.
وما إن فتحت باب المكتب، حتى بدا آيدن، الذي كان واقفًا خلف وولفرام بوجهٍ بارد، وقد أشرق بابتسامةٍ لطيفةٍ ما إن رآها.
ثمّ، عند رؤيته ملامح وجهها المتعبة، نهض فورًا.
[ليلي؟ هل حدث شيء؟]
أسرع نحوها وانحنى حتى تلاقت أعينهما.
لم تُتح لها فرصةٌ للابتعاد قبل أن تسحرها نظرته المفعمة بالقلق.
دفءٌ لطيفٌ انتشر في صدرها، دفءٌ جعلها ترغب في أن تعانقه الآن، وتسكب عليه كلَّ مخاوفها وأحزانها، وتسمع صوته الهادئ يقول. “لا تقلقي بشأن شيء.”
يا له من حلمٍ ساذج.
‘تماسكي ليلي دينتا.’
حبست تنهيدةً عميقة وتراجعت خطوة.
“لقد عدتُ ومعي معلوماتٌ بالغةُ الأهمية.”
“من الإمبراطور؟” سأل وولفرام وهو يرفع رأسه عن مكتبه.
“نعم. يقول إنّ قائد الطائفة فقد قوّتَه السحرية.”
تابعت حديثها وهي تجلس في مكانها الطبيعي.
“لا يمكننا التأكّد ونحن هنا، لكن يبدو أنّه صادق. فلو كان ما زال قادرًا على استخدام السحر، لما ترك روح الإمبراطور حبيسةً أو مهجورةً في قصر الدوق.”
“هذا مطمئنّ. لقد زال أحدُ أهمّ مصادر القلق.”
تنفّس وولفرام الصعداء.
“تمامًا، فالتعامل مع إمبراطورٍ عاديٍّ أهونُ من إمبراطورٍ ساحر.”
[خبرٌ جيّد، إذًا لِمَ بدا عليكِ الارتباك؟ ماذا فعل يوليوس؟]
سألها آيدن بإلحاح، لكنها تظاهرت بالجهل.
“همم؟ هل فعلت؟ غريب، لا أدري…”
عادت إلى مقعدها، لكنّ ذهنها ظلّ يعتمل بالسؤال ذاته.
الإمبراطور أم الدوق؟
‘لكنّي في الحقيقة أعرف الجواب.’
حاولت التفكير بعقلانيةٍ وهي تعمل إلى جوار آيدن.
‘الذهاب إلى العاصمة مع الإمبراطور ليس سوى هروب. هنا، لدينا طريقة يمكننا تجربتها الآن. لا مبرّر للتردّد.’
كان عليها أن تُركّز على آيدن أولًا، تشفيه تمامًا، ثمّ تُسلّم الإمبراطور إليه.
ولكي تنهي كلَّ شيءٍ قبل أن تسقط الإمبراطورية، عليها أن تتحرّك بسرعة. حتى اليوم، ينبغي أن تجد امرأةً تليق بأن تقف إلى جانب آيدن.
امرأةٌ تليق به…
[ليلي!]
صرخته الحادّة قطعت حبلَ أفكارها.
“نعم! سموك! أنا منصتة!”
ومن ملامح وجهه، أدركت أنّه ناداها مرّاتٍ عدّة قبل أن تنتبه.
رمقها لحظةً، ثمّ مرّر يده على جبينه بإنهاك.
[أنا متعب جدًّا… أحتاج إلى بعض الراحة.]
أدار رأسه ببطءٍ وهو يرخّي كتفيه.
نظرت ليلي إلى الساعة، فلم يمرّ سوى أقلّ من ساعةٍ على عودتها إلى العمل.
لم يشتغلا طويلًا بعد، وعادةً ما كانا يُكملان العمل حتى الغداء.
وبينما كانت تراقبه بحيرة، وقف آيدن من مكانه.
[أشعر بتيبّسٍ في كتفيّ أيضًا. أريد أن أستنشق بعض الهواء النقي. هل تُساعدينني؟]
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 47"