استمتعوا
بعد أن انتهى توبيخ كبيرة الخدم، انحنت ليلي مرارًا وخرجت من الغرفة. وبمجرد أن أغلقت الباب، انطلقت راكضة نحو الجناح الشرقي حيث كان وولفرام.
كانت قد أقسمت لأيدن أن تتصرف كخادمة عادية، لكن ذلك كان قبل أن تكتشف أن جسد الإمبراطور قد استولى عليه زعيم الطائفة.
الآن، الوقت لا يحتمل التأجيل. بهذا الوضع، من يعلم ما قد يحدث لروح الدوق؟
جميع مداخل الجناح الشرقي كانت تحت حراسة فرسان الإمبراطورية. حتى العاملين في القصر لم يُسمح لهم بالدخول بحرية.
تم تصنيف المنطقة مؤقتًا كأرض إمبراطورية، وتولى العمّال القادمون من القصر الإمبراطوري جميع المهام.
ولأنها كانت تجربتها الأولى في استضافة أحد أفراد العائلة الإمبراطورية، فقد قبلت ليلي الأمر ببساطة. لكن بالنسبة لكبيرة الخدم أنجيلا، فقد رأت في ذلك إهانة عظيمة.
— بالتفكير في انهم يعاملونا هكذا، هؤلاء الضيوف الجاحدون… لو أن سموه كان مستيقظًا فقط…
لم يكن أمامهم خيار سوى المساعدة في التحضيرات للوليمة، ولكن الموظفين الإمبراطوريين أصروا على تولي حتى المهام البسيطة مثل تعبئة المؤن، وغسل الصحون، وترتيب الغرف بأنفسهم—تصرف غريب للغاية.
والآن، بعد أن عرفت ليلي الحقيقة عن الإمبراطور، شعرت أن لا بدّ أن هناك سببًا خاصًا خلف هذه الضجة الغريبة، وإن لم تكن تعرفه بعد.
هدّأت أنفاسها واقتربت من الفرسان.
“أنا ليلي دينتا، الخادمة المكلفة بالمكتب. لدي ما أبلغ به المساعد وولفرام بيرنيت.”
“الرجاء الانتظار لحظة.”
رغم أنها كانت ترتدي المئزر، إلا أنهم خاطبوها بصيغة الاحترام!
دخل أحد الفارسين الواقفين للحراسة، وسرعان ما خرج وولفرام.
“ما الأمر؟“
“أمم… هناك شيء يحتاج إلى تعليماتك…”
قادته بعيدًا عن مدى سمع الفرسان. شعرت بعيونهم تلاحقها، لكنها ركزت على الحفاظ على هيئة مهذبة تليق بخادمة.
ثم، بصوت منخفض، أبلغته بسرعة بما رأته.
“جسد الإمبراطور… هناك شيء غريب استولى عليه. روح الإمبراطور تتبعه. أعتقد… ربما زعيم الطائفة قد تلبّس بجسد جلالته.”
كانت كلماتها تلك تبدو كأنها خيال سخيف في وضح النهار. لكنها لم تكن مزحة بالنسبة لوولفرام، الذي استقبل كلامها بجدية.
“أتقصدين أن جلالة الإمبراطور في نفس حال سمو الدوق؟“
“بل أسوأ. هناك من يتحكم في الجسد من الداخل. والروح بدت غير مستقرة إطلاقًا، كانت تكرر نفس الكلمات مرارًا.”
“إذا صحّ ظنك، وكان زعيم الطائفة قد تلبّس بجسد جلالته، فإن سبب هذه الزيارة يصبح مقلقًا للغاية.”
لم يكن وولفرام من أولئك الذين يسخرون، ولهذا كان الحديث معه سهلاً. أومأت ليلي برأسها مرارًا.
“نعم، تمامًا! هذا ما أحاول قوله! علينا حماية جسد سمو الدوق بأي ثمن!”
“لقد أعددنا احتياطات لذلك. لكن هناك مشكلة واحدة. من المقرر أن يزور الإمبراطور المبنى الرئيسي غدًا.”
“لكن لم يُبلغنا أحد بذلك!”
“سيأتي رسول قريبًا.”
لو سمعت كبيرة الخدم هذا، لأغمي عليها من الصدمة.
فالمبنى الرئيسي لم يكن مهيأ على الإطلاق لاستقبال الزوّار. لم يفعلوا سوى إزالة الأشياء المحطمة وتنظيف المكان بشكل سطحي.
“ماذا ينوي أن يفعل هناك؟ لا يوجد ما يستحق المشاهدة! ربما لا يدرك مدى سوء الوضع؟“
“قال إنه يريد رؤية المكان الذي أقام فيه صديقه القديم بنفسه. شرحنا له الوضع، لكنه أصر.”
تبًا لنظام الطبقات! تمتمت ليلي في داخلها.
إن قرر شخص ذو مكانة عليا تفتيش منزل مهجور، فلا سبيل لمنعه.
“لا نعلم بعد إن كان يملك قدرات مثل قدراتك، لكن على أي حال، سيكون من الأفضل أن تتجنبي لقاء جلالته. قبل أن يبدأ الحراس بتقييد الدخول إلى المبنى الرئيسي، عليك الذهاب هناك وإبلاغ سموه.”
إذا أصبح المبنى الرئيسي تحت الحراسة كما هو الحال في الجناح الشرقي، فلن تتمكن ليلي، وهي متنكرة كخادمة، من الوصول إلى أيدن. عليها أن تسرع.
افترقت عن وولفرام وبدأت تمشي بسرعة أكبر.
‘قال إنه يريد رؤية المكان الذي أقام فيه صديقه؟ ما هذا العذر الركيك؟‘
لكن في النهاية، إن أراد الإمبراطور الذهاب، فلا أحد يمكنه منعه. ربما مجرد اختلاق أي عذر هو أكثر مما يُتوقَّع منهم.
وحين ابتعدت بما يكفي عن الجناح الشرقي، بحيث لا يُعتبر وجودها هناك مشبوهًا، أمسكت بتنورتها وبدأت تركض.
ولحسن الحظ، لم تكن الحراسة الإمبراطورية قد وصلت بعد إلى المبنى الرئيسي.
اندفعت ليلي من الباب الجانبي، وإذا بأيدن كاشيمير واقف هناك، وكأنه كان ينتظرها.
ودون أن تلتقط أنفاسها، صاحت.
“سموك! اختبئ!”
نظر إليها أيدن بارتباك. بدا وكأنه لم يفهم تمامًا ما كانت تقوله.
وبضيق، حاولت سحب معصمه لجرّه—لكن بالطبع، كان ذلك عديم الفائدة.
عضّت ليلي شفتها بلطف، ونظرت إليه مباشرة بنظرة حادة. وحين شعرت أن أنظارهما قد تلاقت فعلًا، استدارت وركضت نحو غرفة التخزين.
[ليلي؟]
نطق أيدن باسمها بلهجة متحيرة وتبعها.
فتحت باب غرفة التخزين وأشارت إليه بيدها. وبما أنه استعاد وعيه في الطريق، دخل بهدوء.
تبعته ليلي وأغلقت الباب.
[ليلي، ما الذي يحدث؟]
قالت ليلي بوضوح.
“جسد جلالته قد استُولي عليه.”
تحدثت بلا مواربة.
“هناك روح أخرى داخل جسد الإمبراطور. وروح جلالته تتبعه، يطلب منه أن يعيد له جسده.”
[يوليوس أيضًا…]
همس أيدن باسم الإمبراطور.
“الإمبراطور سيزور المبنى الرئيسي غدًا. لا أعتقد أن من الجيد أن تصادفه، لذا أرجوك، ابقَ مختبئًا هنا حتى يغادر. قد لا أستطيع العودة لفترة، لكني أبلغت مساعدك، وسيهتم بالأمر.”
تحدّثت ليلي مثل الرشاش.
“سيكون الأمر مملًا، لكن أرجوك تحمّل قليلاً. لا تتجول، مفهوم؟“
وبعد أن أنهت تحذيرها، استدارت لتغادر. والآن، بعدما لفت الإمبراطور اهتمامه لهذا المكان، لم يكن من الحكمة البقاء طويلًا.
[ليلي، ليلي. انتظري لحظة.]
فهمت ليلي فورًا ما كان أيدن سيقوله، ومثل طفلة تحاول الهروب من التأنيب، تحدثت أولًا بكلمات توقعت أن يقولها.
“لن أفعل شيئًا خطيرًا. لستُ حتى أنوي الاقتراب من جلالته. لقد أخبرتُ كليكما بالفعل، لذا سأندمج بين الخادمات، تمامًا كخادمة عادية، وسأبقى بعيدة عن الأنظار…”
[ليلي.]
توقفت ليلي عن الكلام ونظرت إليه.
[شكرًا لك.]
لم تكن تتوقع سماع هذه الكلمات على الإطلاق. فصُدمت للحظة.
“لـ، لا داعي للشكر. هذا أقل ما يجب أن أفعله.”
[لكن أشعر أنكِ ستفعلين شيئًا خطيرًا على أية حال.]
وكما توقعت، بدأ التوبيخ.
“هذا مجرد خيالك.”
ابتسم أيدن ابتسامة غير مصدقة.
“أنا جادة!”
احتجت ليلي بحرارة، لكنه فقط هزّ رأسه.
[ليلي، إن متِّ، فلن تُمنح أمنيات، ولا مكافآت، ولا شيء.]
“أعلم.”
[لا تتصرفي باندفاع. أنت تعلمين ذلك أيضًا، أليس كذلك؟ حتى إن شعرت فجأة بأن هناك ما يستدعي التدخل، لا تتصرفي فورًا. أرجوك، لا تضعي نفسك في الخطر.]
سمعت مثل هذا التحذير من قبل.
لكن أيدن تحدث هذه المرة كما لو أنها المرة الأولى، وكأنه يتوسل بصدق.
[لن أطلب منكِ أن تكتفي بنقل كلماتي فقط. لدي من اللباقة ما يكفي. حتى الآن، أنا مدين لكِ كثيرًا. لكن هذه المرة فقط، حتى يغادر الإمبراطور، أرجوكِ تماسكي. وسأبقى مختبئًا جيدًا أيضًا، حسنًا؟]
لأنه كان صادقًا جدًا، شعرت ليلي وكأنها أصبحت فجأة شخصًا أعلى شأنًا من الدوق نفسه. بل شعرت ببعض الفخر، وفكرت.
“حسنًا، سأمنحك هذا الطلب.”
“لا تقلق.”
قالت ليلي بثقة.
[هاه… بصراحة، أكاد أطلب منكِ أن تختبئي هنا معي.]
تمتم بصوت مرتفع بما يكفي لتسمعه.
على أية حال، لقد أنجزت ما أرادته. خرجت ليلي من المبنى الرئيسي وهي راضية عن النتيجة.
كل ما تبقى الآن هو أن تصلي كي يغادر الإمبراطور بسلام تحت حماية الحاكم… لا، ليس هذا فقط!
“ليلي، إلى أين تركضين؟“
سألتها إحدى الخادمات بدهشة، فأجابت ليلي بسرعة.
“أنظف غرفة جدتي!” وركضت نحو غرفة جوليا.
كانت جوليا تقيم في الأصل بالجناح الشرقي، لكنها انتقلت مؤقتًا إلى سكن الخدم بسبب الإمبراطور. في الواقع، ذلك الرجل كان مصدر إزعاج بكل الطرق الممكنة.
“جدتي!”
“ليلي، أليس من المفترض أنك مشغولة الآن؟“
“عمال القصر أخذوا معظم المهام. على أية حال، حدث أمر كبير!”
لقد كان هذا ثالث مرة تشرح فيها الأمر اليوم. ومثلما يقولون، التكرار يعلم الإتقان، فشرحها هذه المرة كان أسرع وأكثر وضوحًا من المرة الأولى التي تحدثت فيها مع وولفرام.
وبصوت منخفض كي لا يُسمع عبر الباب، شرحت ليلي الوضع بتفصيل. وبينما كانت تتحدث، أصبح وجه جوليا أكثر قتامة.
“أولًا الدوق، والآن الإمبراطور. إنني أخشى على مستقبل الإمبراطورية…”
“فكرت في نفس الشيء.”
ساد صمت قصير بينهما.
“هل يمكن أن حاكمنا قد فقد قوته؟ أو… هل خسر لوميّون؟“
“ليلي. لا تقولي أشياء كفرية كهذه.”
“لكن حقًا، لماذا تُسحب الأرواح كما تُنتزع الجزر من الأرض…”
تمتمت ليلي متبرمة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 20"