استمتعوا
عندما عادت ليلي بالعربة، كان الجو في الداخل باردًا إلى حدٍّ ما.
كانت جوليا وولفرام يتحدثان بملامح رسمية،
لكن ما إن رأيا ليلي تقترب حتى بادرا بفتح الباب أولًا.
أعلنت ليلي بمرح.
“كل شيء سار على ما يرام!”
“هذا مطمئن.”
“ونحن أنهينا الحديث للتو. فلنذهب مباشرة إلى المكتب.”
صعدوا السلالم.
وبينما كانت تتحدث مع آيدن وتنظر إلى الداخل من حين لآخر،
سألت ليلي بقلق.
“هل من الجيد أن ندخل؟“
“الداخل فوضوي، لكن الأغراض المهمة لا تزال موجودة.
ولحسن الحظ، الطابق الرابع لم يتضرر كثيرًا، لذا لنأخذها من المكتب وننقلها للأعلى.”
عند الدرجة الأخيرة، توقّف وولفرام وكأنه متوتر.
لكن آيدن لم يُعره اهتمامًا.
[هذا الشخص؟]
“نعم، إنها جدتي.”
[تُشبهكِ.]
“شكرًا على هذا الكلام.”
تنفّس وولفرام الصعداء من ردّ ليلي الطبيعي، وعاد يتابع خطواته.
وبعد أن قدّمت جوليا وآيدن لبعضهما، دخلت ليلي إلى المبنى.
لكن كلما تقدمت أكثر، ازدادت حيرتها وعجزها عن الكلام.
كان الداخل أسوأ مما بدا من النظرة الأولى.
بدءًا من الثريا المحطّمة، لم يكن هناك موضع واحد سليم.
كل شيء مقلوب أو مكسور، متناثر بعيدًا عن مكانه الأصلي.
‘متى سننتهي من تنظيف كل هذا؟‘
شعرت ليلي بالذعر.
الإصلاحات سيتولاها الحرفيون،
لكن تنظيف الداخل سيقع على عاتق موظفي القلعة.
وكان الطابقان الثاني والثالث في نفس الحال.
داخل الأبواب المفتوحة، الغرف كانت في فوضى تامة.
لم تقتصر الكارثة على الممرات فقط.
عجزت ليلي عن الكلام أمام حجم العمل المرعب.
[لا تخافي.]
حاول آيدن أن يواسيها.
[لن أتصرف بغرابة مجددًا. سأتصرف مثل الإنسان الطبيعي.]
يبدو أنه أساء الفهم.
ما أخاف ليلي لم يكن ما هو خارق للطبيعة،
بل جبل العمل الذي ينتظرها.
لكن في اللحظة التي قال فيها بلسانه أنه سيتصرّف ‘مثل‘ الإنسان الطبيعي، تذكّرت ليلي مجددًا أنه شبح.
كائن يتجوّل على الأرض خارج نظام الطبيعة،
مليء بالضغينة والغضب.
كائن يُغوي البشر، وفي النهاية يجلب لهم المصائب…
من الجهة التي كان يقف فيها،
شعرت بقشعريرة تسري على كتفها.
[همم؟ ليلي.]
“أنا بخير.”
تمتمت ليلي، متجنّبة النظر إلى آيدن.
[آه، أنتِ سيئة جدًا في الكذب. ثقي بي. شيء كهذا لن يتكرر.]
بدا آيدن مرة أخرى مثيرًا للشفقة.
كادت ليلي تتنهّد.
كانت تعلم مسبقًا أنه قادر على تدمير الأشياء دون حتى أن يرفع إصبعه.
وكانت تصدّق وعوده المتكررة بأنه لن يثور مرة أخرى كما فعل اليوم.
ومع ذلك، كان من الصعب ألّا تشعر بمسافة فاصلة.
لا يمكنها أن ترتاح تمامًا بجوار شخص قد يدمّر مبنًى كاملًا لمجرد أنه غاضب.
لقد كانت تخاف من الأشباح أساسًا.
واستغرقت أيامًا حتى تعتاد على مظهره الشفاف.
هي فقط بحاجة لبعض الوقت حتى تهدأ.
لكن الشبح الذي بجانبها استمر يقول: [ثقي بي، ليلي،]
مرارًا وتكرارًا، دون أن يُراعي مشاعرها.
وحتى حين كانت تقول إنها تثق به، كثيرًا ما كان يسأل مجددًا، مدعيًا أن الأمر لا يبدو صادقًا.
وفي النهاية، حتى رتبته النبيلة دخلت في الموضوع.
[أراهن أنني الدوق الوحيد الذي تُهمله خادمة إلى هذا الحد.]
“آه، أرجوك، يا صاحب السمو. أنا أصدقك. أصدقك فعلًا…”
لكن ردّها المتضايق توقف تمامًا عندما فُتح باب المكتب.
وسُرعان ما انجذب نظرها إلى الكرة الموضوعة في منتصف الأرض.
الكرة المغطاة بالقماش والمزوّدة بأجراس من الداخل لم تتضرر أبدًا.
كانت المنطقة المحيطة بها نظيفة بشكل مدهش.
لم يسقط حتى ورقة واحدة بجوارها.
وكأن شيئًا ما حماها من كل ضرر.
كأنها الشيء الوحيد الذي لا يُمكن كسره.
بينما كان وولفرام يتجه إلى مكتبه ويبحث في أحد الأدراج، التقطت ليلي الكرة.
[لماذا؟]
“أه… بلا سبب.”
لم تستطع قول إنها تأثرت أكثر مما تفاجأت، فاكتفت بالسكوت.
سألها آيدن بعينين متوترة:
[لن تأخذيها، صحيح؟]
“لا. لقد أهديتها لك، أليس كذلك؟ فقط… أشعر أنه من الغريب تركها هنا.”
[إذًا خذيها إلى غرفتي.]
“غرفة سموّك؟“
[نعم. أعتقد أن ذلك سيكون أفضل.]
أمالت ليلي رأسها باستغراب.
“ألن يكون من المنطقي تركها هنا، بما أنها صُنعت لهذا الغرض؟ في الواقع، ربما على المساعد أن يحملها معه طوال الوقت.”
[لا داعي لذلك. لا أريد العمل مع وولفرام حتى في غيابك.
أم أنكِ تحاولين تركي وحدي مجددًا؟ تحاولين خلق لحظة أخرى أحتاج فيها للكرة؟]
كانت عيناه تشبهان نظرة جرو يتوق بشدة لصاحبه.
في النهاية، لم تستطع ليلي أن تمنع نفسها من الضحك.
كانت تظن أنها ستحتاج إلى يومين كاملين على الأقل لتشعر بالراحة معه مجددًا، لكنها كانت قد قللت من شأن نفسها بوضوح.
“هاها، كُفّ عن القلق الآن! لن أذهب إلى أي مكان. حقًا.”
[همم؟]
“قلتُ إنني لن أترك سموّك وحدك.”
رمش آيدن بنظرة ذاهلة، ثم قال: [آه، حسنًا.]
ضحكت ليلي بخفة وهي تهزّ الكرة، فقد بدت تعابيره مضحكة.
وفي هذه الأثناء، كان وولفرام قد أنهى توضيب الأغراض.
وعندما تحركت ليلي لتتبعه للخارج، شعرت بنظرات جوليا.
كانت جوليا تنظر إليها بتعبير غريب جدًا.
“ما الأمر؟“
“لا شيء، عزيزتي.”
في الطابق الرابع، كما قال وولفرام، كانت هناك غرف سليمة.
وهناك، استطاعت ليلي أن تستمع إلى ‘الحديث‘ الذي دار بين وولفرام وجوليا في العربة.
بالمختصر، كان يدور حول ترقية مفاجئة،
وزيادة في الأجر، وضمان أمان غير مشروط.
لو كانت ليلي مكانها على طاولة التفاوض،
لما استطاعت حتى طرح مطالب وقحة كهذه.
والآن فقط فهمت لماذا كان الجو في العربة باردًا جدًا.
قالت جوليا.
“أيضًا، مرة في الأسبوع، سأُبلغ أحد معارفي أنني لا زلت على قيد الحياة. وإن فاتني الموعد المحدد، سيطلب هذا الشخص تحقيقًا من المعبد. لن أعطيه تفاصيل محددة، فقط أطلب منه التبليغ—لذا لا داعي للقلق بشأن أي تسريبات سابقة لأوانها.”
صُدمت ليلي.
عادةً، لم يكن وولفرام يحتمل هذا النوع من النبرة المتعجرفة.
لقد كان متواضعًا حتى الآن بسبب أخطائه الماضية، لكنها شعرت أن هذه اللحظة قد تجرح كبرياءه وتدفعه إلى رد فعل عنيف.
لكن على عكس مخاوفها، تقبّل وولفرام كلام جوليا بهدوء.
“شكرًا لإعلامي مُسبقًا. هذا يُجنبني الشكوك غير الضرورية.”
كانت نواياه الصادقة لاستعادة الثقة واضحة تمامًا.
ثم بدأت مناقشة مفصلة حول ظروف عمل جوليا،
وسكنها، وترتيبات إقامتها.
ولم يبقَ سوى موافقة الدوق النهائية.
“ما رأيكِ؟“
سأل وولفرام باتجاه الهواء. كما وجّهت ليلي نظرها إلى آيدن.
وفي اللحظة التي أدارت فيها رأسها، تلاقت نظراتها مع آيدن.
وأدركت أنه كان ينظر إليها بنفس التعبير الذي استخدمه وولفرام لتوه.
[ما رأيك؟ هل تشعرين بالارتياح الآن؟]
كان يبدو كأنه على استعداد لهدم الدوقية بأكملها لو قالت له
“ليس بعد“.
أجابت ليلي بصراحة.
“نعم، أشعر براحة هائلة. لو رفضت الآن، سأندم لبقية حياتي.”
ابتسم آيدن ابتسامة مشرقة.
كُتب عقد جديد، ومع توقيع الجميع، اكتمل الاتفاق أخيرًا.
وولفرام، الذي بدا عليه الارتياح الآن، قام بترتيب الوثائق.
بدا وكأنه شعر بالسلام بعدما قام بإصلاح ما أفسده.
رافق ليلي طواعية لوضع الكرة في غرفة آيدن.
وبفضله، تمكنا من تجنب شكوك الحراس والطبيب.
كانت الغرفة تفوح منها رائحة خفيفة تشبه رائحة المرضى.
قادها آيدن نحو السرير وقال.
[لا تحدقي كثيرًا.]
ولكي تطيع تعليمات مخدومها، أبقت ليلي عينيها منخفضتين وركّزت على الأرض أثناء السير.
لكن عندما وضعت الكرة على المنضدة بجانب السرير،
تغلب عليها الفضول، فتسللت نظرة خاطفة نحوه.
كانت سنوات المرض قد أنهكت عضلاته، ووجهه بدا خشنًا وجافًا.
لكن بخلاف ذلك، بدا وكأنه نائم بعمق لا أكثر.
[ليلي، الأمر مُحرج عندما تحدقين هكذا.]
فزعت، وغادرت الغرفة بسرعة.
ورغم أنها لم ترتكب خطأ،
إلا أن سماع صوت آيدن الخجول جعلها تشعر وكأنها مذنبة.
في الخارج، كانت جوليا تنتظر في الردهة،
تحدّق مجددًا في وجه ليلي بدقة.
وبعد أن تركوا خلفهم آيدن، الذي كان لا يزال مضطرًا للبقاء في المبنى الرئيسي، توجّه الثلاثة إلى غرفة الضيوف التي ستقيم فيها جوليا.
ولأجل تسهيل أبحاثها، ستبقى أيضًا في القصر لفترة.
حتى وولفرام بنفسه حمل أمتعتها وقاد الطريق.
“سأُخبر أمين المكتبة حتى يمكنكِ استخدام الأرشيف بحرية.
نملك معظم الكتب الأساسية.”
“شكرًا لك.”
وبعد أن قدّم لها بعض التسهيلات الإضافية، غادر وولفرام.
وعندما حاولت ليلي أن تلحق به، أوقفتها جوليا.
“ليلي، دعينا نتحدث قليلًا.”
“سأمرّ لاحقًا هذا المساء. سموّه طلب مني العودة فورًا.”
كان آيدن قد ذكّر ليلي بحزم أن وقت العمل لم ينتهِ بعد،
وأن عليها العودة مباشرة بعد إيصال جوليا لغرفتها.
لقد كانت غائبة لمدة يومين، لا بد أن المهام قد تراكمت.
ازداد تعبير جوليا كآبة.
“ليلي.”
نادتها جوليا بصوت مهيب.
“ما هي بالضبط علاقتك بالدوق؟“
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "15- في معظم الحكايات القديمة "