استمتعوا
دَوَّت في المكان خطواتُ طفلٍ يركض، صداها خفيف في الردهة.
كانت ليلي تحتضن كتابًا تحت ذراعها،
ودفنت وجهها في تنورة جوليا.
كان ترحيبًا حارًّا ينبض بالشوق.
شكرت جوليا السيدة براون مرة أخرى،
ثم أمسكت بيد ليلي الصغيرة وصعدت الدرج.
“ماذا قرأتِ اليوم؟“
“تنين! تنين يظهر!”
“ظهر.”
“ظهر!”
كلمة مع كل درجة.
كانت ليلي تصعد الدرج بنشاط، وذيل حصانها يتمايل كذيلٍ فعلي.
“التنين الطيب حقق أمنية،
لكن الساحر، الساحر الشرير، غيّر رأيه ولم يَفِ بوعده…”
“الساحر خان التنين الطيب.”
“نعم! خانه!”
“وماذا حدث بعد ذلك؟“
“استيقظ التنين، لكن الساحر كان قد مات، والتنين يظن أنه ما زال حيًا، ثم بدأ ينفث الجليد من فمه! وووووااه!”
فتحت ليلي فمها على وسعه وصرخت.
انحنت جوليا بسرعة ونظرت في عيني ليلي.
“ششش. يجب أن نكون هادئين في الردهة.”
غطّت ليلي فمها بكلتا يديها.
“هادئين في الردهة.”
ربتت جوليا على رأس الطفلة وهمست، ثم فتحت الباب بالمفتاح.
“تنين ينفث الجليد—هذا تنينٌ مميز.”
“نعم! إنه مميز!”
—لكن لم يأتِ أي رد.
لم تدخل ليلي.
وقفت في مكانها، تنظر بثبات إلى أعلى الدرج.
“ليلي؟“
حتى عندما جذبت جوليا يدها برفق، لم تتحرك.
“ليلي، ما الأمر؟“
“إنه السيد باين.”
كان باين هو الرجل الذي يسكن في الطابق العلوي.
جارٌ طيب، لم يكن يمانع ثرثرة ليلي، وكان يصغي لها جيدًا.
‘يا إلهي. لقد كدت أتجاهل جارًا. لا بد أنني مرهقة حقًا اليوم.’
استدارت جوليا من منتصف المدخل ونظرت إلى أعلى الدرج.
لم يكن هناك أحد.
وأثناء ترددها، لوّحت ليلي بيدها نحو الهواء الخالي.
“مرحبًا، سيدي. هل أصبحت مرئيًا؟ نعم! أراك! لكن، سيدي، لماذا أصبحت بشرتك رمادية؟ وشعرك كان بنيًا—لماذا اصبح أسود؟
هل صبغته؟ وهل يمكن صبغ البشرة أيضًا؟ وجهك؟ ذراعاك؟“
نظرت جوليا من ليلي إلى الفراغ.
كانت ليلي تنظر فعلًا إلى شيء—عيناها مركّزتان.
“لكن لا بد أنها صبغة جيدة حقًا. لا رائحة لها أبدًا. عندما صبغت السيدة براون شعرها، أمسكت أنفي! لكن شعرك يبدو جميلًا الآن أيضًا. مع أني كنت أفضله كما كان…”
شعرت جوليا بقشعريرة، فحملت ليلي وأدخلتها إلى الغرفة.
وعندما أغلقت الباب، تذمّرت ليلي:
“جدتي، لم أودّعه بعد…”
“حبيبتي، من كنتِ تتحدثين إليه؟“
“السيد باين! لكنه غريبٌ جدًا الآن. أليس هذا ما يسمونه خداعًا؟ اسأليه من أين اشترى الصبغة. ولا نشتري من هناك.”
جلست جوليا على ركبتيها وأمسكت ذراعي الطفلة.
“ليلي، عزيزتي، لم يكن هناك أحد!”
“لكن كان هناك؟“
رمشت ليلي، وكانت عيناها صافيتين تلمعان—لم تكن تكذب.
وبينما كانت جوليا تحدّق فيها
، نظرت ليلي فجأة إلى ما وراء كتفها، وقالت بحماسة:
“جدتي! لقد مرّ من خلال الحائط! واو! سيدي، افعلها مجددًا! هاه؟ أن ندخل الغرفة؟ في الطابق الثالث؟ لقد انهار؟ لكنه هنا الآن؟ لم ينهَر؟ يقول إنه في الغرفة؟ ها؟ إنه هنا، لكنه أيضًا في الغرفة؟“
فجأة، بدأت الأثاثات في الغرفة بالاهتزاز.
أرجل الكرسي الخشبي والمكتب خشخشت على الأرض،
وأصدر إطار النافذة القديمة صوتًا مريبًا.
“أوهه… أنا آسفة. جدتي، السيد باين طلب مني أن أخبركِ بشيء. قال أن تتصلي بالسيدة براون. يقول إن الباب مغلق من الداخل. هل هذا جيد؟ هل قلتها بشكل صحيح؟“
وكأنه لم يحدث، توقف الاهتزاز.
ومع أن جوليا كانت متجمدة وسط هذا الصمت الغريب،
كانت عينا ليلي لا تزالان تتبعان شيئًا في الهواء.
استجمعت جوليا وعيها.
كانت هي الوصية على الطفلة.
لا يمكن أن تفقد رباطة جأشها.
“ليلي، لا تذهبي إلى أي مكان وابقَي في الغرفة. حسنًا؟“
“نعم، جدتي.”
أشعلت جوليا شمعة وخرجت من الغرفة.
وراءها، قالت ليلي:
“إلى اللقاء، سيدي!”
“هيهي، هذه المرة ودّعته.”
شعرت جوليا بقشعريرة، وكأن شيئًا ما خلفها.
أغلقت الباب بالمفتاح من الخارج.
ثم نزلت الدرج لتجد السيدة براون.
لفّقت قصة وقالت إن ليلي أرادت رؤية السيد باين بشدة،
وإنها سمعت صوتًا يشبه الانهيار من خلف باب مغلق.
عندما طلبت من السيدة براون أن تأتي معها بدافع القلق،
وافقت المرأة بسهولة وأمسكت بحزمة مفاتيح.
توجّهتا معًا إلى غرفة السيد باين.
***
ابتلعت ليلي ريقها.
“وماذا حدث بعد ذلك؟“
“عندما وصلنا، كان السيد باين قد انهار.
وكان الدم يسيل من رأسه. توفي بعد وقتٍ قصير.”
لم تستطع ليلي تصديق أنها هي بطلة قصة الأشباح هذه التي تكاد لا تُصدَّق.
“حدث ذلك مرة أخرى بعد ذلك. شخصٌ ما شدّني وهو يردد كلامًا غريبًا في الشارع، وعندما تبعتُه، كان هناك مارةٌ قد انهار.”
“وماذا حدث لذلك الشخص؟“
هزّت جوليا رأسها بصمت.
اتكأت ليلي إلى الخلف على الكرسي، مذهولة.
“لا أعرف لماذا يحدث هذا لي. أنا لست مجنونة.
أقسم أنني لست كذلك. شبح الدوق كان حقيقيًا!”
“في الحقيقة… جدتي من جهة أمي مرت بنفس الشيء.
أو على الأقل، أظن أنها فعلت.”
“ماذا؟!”
كانت هذه أول مرة تسمع فيها ليلي بهذا الأمر.
“جاء أجدادي من سولمون. وأثناء زيارتي لمنزل عمّتي،
صادفت مذكّراتها القديمة، وأتذكر أنني قرأت قصة عن الأرواح.”
كانت عينا ليلي تتسعان أكثر فأكثر.
“في ذلك الوقت، لم أكن أتقن لغة سولمون بعد، فظننت أنني أسأت فهم استعارةٍ ما. لكن بعد أن رأيت تصرفاتك مرتين، عادت إليّ ذكريات ذلك الدفتر.”
وهذا يعني أن جوليا كانت تعرف منذ زمنٍ بعيد أن حفيدتها… مختلفة.
ومع ذلك، لم تُظهر ذلك مطلقًا. بل ربّت ليلي بالحب وحده.
فانزلقت الكلمات من قلب ليلي بلا تردد:
“شكرًا لأنكِ لم تتخلي عني…”
وقد عنتها بكل صدق.
طفلة ترى الأرواح—أمرٌ مخيف، يثير القلق،
يجعلك تشكّ في سلامتها العقلية.
ومن الواضح أن الآخرين كانوا سيفكرون بذلك أيضًا.
السبب الوحيد الذي جعل وولفرام يحتفظ بها هو لأنه أدرك أنها رأت شخصًا قويًا مثل كاشيمير.
ولو قالت إن هناك شبحًا لرجلٍ مات في حادث خيول يطارد الإسطبل، لكانوا قد طردوها من القصر في الحال.
اتسعت عينا جوليا كما لو أنها سمعت شيئًا سخيفًا.
“ما هذا الهراء الذي تتحدثين عنه؟ سواء رأيت الأرواح أم لا،
فأنت حفيدتي العزيزة واللطيفة، ليلي دينتا. وهذا كل ما يهم!”
اغرورقت عينا ليلي بالدموع.
كانت ممتنّة جدًا لأنها لم تذكر جدتها أثناء الاجتماع في المكتب.
لو تم ضم جوليا إلى القصر بناءً على توصية ليلي،
ثم وقعت في قبضة وولفرام بسبب ذلك، لما سامحت نفسها أبدًا.
جوليا، وقد أصبحت جادة، شاركت مع حفيدتها معاناتها الماضية:
“المشكلة الحقيقية كانت سلامتك. لو استمر الأمر على هذا النحو، لكان مصيرك هو الإغلاق عليكِ في مصح عقلي أو دير. ولهذا، كنت أدربكِ ذهنيًا كل يوم.”
“تدريب ذهني؟“
“نعم. لأجعلكِ تخافين من الأرواح، وتبتعدين عن الأماكن التي قد تتواجد فيها، ولتفرّي بسرعة إن واجهتِ أحدهم.”
“انتظري. ذلك كان تدريبًا؟ القصص المرعبة التي كنتِ تقرئينها لي في السرير كل ليلة؟ لم تكن هوايتكِ فقط؟“
بصراحة، في تلك الأيام، بالغت جوليا كثيرًا.
مهما بكت ليلي وصرخت،
كانت تحكي لها قصة شبحٍ دموية مرعبة كل ليلة.
أسنان حمراء قانية، أيادٍ عظمية تخرج من التراب لتقبض على الكاحلين، عيون محتقنة بالدم تحدّق من خلال ثقب المفتاح…
كانت ليلي الصغيرة، بخيالها الحي،
تتصور كل ذلك بوضوحٍ شديد في عقلها.
وفي النهاية، استقرت تلك القصص في أعماق وعيها،
وما زالت تطاردها حتى اليوم في كوابيسها.
لكن جوليا لم تردّ على صدمة ليلي.
بل غيّرت الموضوع ببساطة.
“لكن في النهاية، رأيتِ واحدًا مجددًا. وهذه المرة،
كان الدوق كاشيمير… يا لها من مأساةٍ لطفلةٍ صغيرة.”
وبهذا، أُسدِل الستار على تلك القصة القديمة.
نظرت ليلي من النافذة.
كان الصباح قد انقضى منذ زمن.
جمعت الصحون الفارغة ووضعتها على الصينية.
“بالضبط. ليحفظه اللورد لوميُون!
لكن، جدتي، علينا أن نتحرك الآن حقًا.”
نظرت جوليا إليها بشكّ.
“أفهم الموقف، لكن بخصوص هذه الخطة… ألا تعتقدين أنها متطرفة قليلًا؟ أنتِ تعرفين مدى صعوبة مغادرة ممتلكات النبلاء.”
من الناحية العملية، كانت جوليا محقة.
لكن ليلي لم تكن لتتراجع.
“لو رأيتِ وجه البارون بيرنت عندما ذكرتِ حادث العربة، لكنتِ وافقتِ معي فورًا. لم يكن مجرد كلامٍ عابر. في اللحظة التي أصبح فيها غير قادرة على خدمته، سيتخلّص مني دون تردد.”
قطّبت جوليا حاجبيها وحدقت في وجه حفيدتها.
ثم، أخيرًا، تنهدت وقالت:
“حسنًا. إن كنتِ تتحدثين بهذه الثقة، فأظن أنه علينا اتباع رأيك.”
هزّت ليلي رأسها بحماس.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "11- في معظم الحكايات القديمة "