:
“أوه! أتقصدين دوق بيترا؟ تقولين إنّه سيحضر حفلًا راقصًا لعائلة من طبقة النبلاء الصغرى؟”
“هاها. لقد دُهِشتُ أنا أيضًا. ربّما سمع عن جمال كاميلّا الآسر، فجاء بنفسه ليرى.”
في جوٍّ مفعم بالحماس، تظاهر جينوفيـو بأنّه يعلم شيئًا.
“بما أنّه ورث لقب دوق بيترا، فلا بُدَّ له من أن يُثبِّت مكانته في المجتمع الراقي.”
كان من المضحك أن يرى شخصًا يدير نقابة صغيرة بمعلومات محدودة يتظاهر بالمعرفة في الوقت المناسب.
“بما أنّه يعاني من مشاكل في الإرث هذه الأيّام، ربّما يُخطِّط لاستخدام الرأي العام لصالحه. هذا ما قاله لي أعضاء نقابة المعلومات التابعة لي.”
الادّعاء بالمعرفة لم يقتصر على جينوفيـو وحده، بل تعدّى ذلك إلى عمّتي أيضًا.
“أخيرًا أُكَلَّلُ جهدي بنجاح. لقد دخلتُ في منافسة شرسة مع السيّدات لأقيم أول حفل راقص هذا العام، وها أنا أتلقّى رسالة حضور من دوق بيترا نفسه!”
أرفقت كلامها بمروحة يدها المتزيّنة كما لو كانت تُباهي بأنّها نالت فُرصة نادرة بثمنٍ باهظ.
“كاميلّا، بما أنّ قوانين الحفل تقتضي أن ترقص السيدة المضيفة أول رقصة مع أعلى نبلاء الحاضرين، فستكونين أنتِ من يرقص في وسط قاعة الرقص مع الدوق!”
أضاف اللورد ستاراتشي بحماس:
“سمعتُ أنّ دوق بيترا شابٌّ بارع المظهر، وذو كفاءة عالية. إنّه أفضل عريس ممكن. لو ظفرت به كاميلّا فسيكون ذلك رائعًا.”
اهتزّت أكتاف كاميلّا بدلال.
“في ذلك اليوم، سأشعر وكأنّني أصبحتُ دوقة.”
“كاميلّا، لن يكون شعورًا فقط. تابعي هذا الزخم حتى تصبحي دوقة فعلًا. سيكون في عائلتنا أخيرًا نبيل رفيع المستوى.”
“هوهو. بما أنّني السيدة المتعلّمة الوحيدة في هذه العائلة، فهذا طبيعيّ.”
بدأ الاثنان يُردّدان طموحاتهما العظيمة. وبينما كان اللورد ستاراتشي يتحدّث بسعادة، ألقى نظرة دافئة نحو عمّتي.
“منذ وفاة زوجتي، وبيت ستاراتشي مهدّد بفقدان سمعته، ولكنّكِ أنقذتِه. أشكركِ على ذلك.”
أحمرّ وجه عمّتي أمام والدي، وهي التي فقدت زوجها أيضًا.
“لا داعي لذلك. ما فعلتُه من أجل بيت ستاراتشي واجبٌ عليَّ. أردتُ منذ زمنٍ بعيد أن أُساعد اللورد الأرمل.”
“آه، أنا ممتنّ لكِ دومًا.”
سادت بينهما أجواءٌ خفيّة من التفاهم.
يظنّ والدي أنّ الفضل في بقاء العائلة قائمًا بعد وفاة والدتي يعود إلى عمّتي.
لكنّه لا يعلم حتّى في أحلامه أنّها هي نفسها من ينهب أموال العائلة.
“وبما أنّنا نقيم حفلًا راقصًا، فلا بدّ من شراء فساتين ومجوهرات جديدة. يجب أن نُزيِّن كاميلّا، أليس كذلك؟”
“بالطبع. علينا بذل الجهد لمساعدتها وجينوفيـو في بناء علاقاتهما في المجتمع الراقي.”
“وبهذه المناسبة، سمعتُ أنّ (هاوس أوف ووردن) أطلقوا فساتينًا جديدة. يُقال إنّ أحدها يُكلِّف أربعة آلاف قطعة ذهبيّة. لكن يمكننا اعتبار ذلك استثمارًا في كاميلّا، أليس كذلك؟”
لكن الحقيقة أنّه يكلّف ألفين فقط. كان كذبًا مكشوفًا بالنسبة لي.
فاللورد لا يفقه شيئًا في الملابس أو المجوهرات النسائيّة، وإذا قالت عمّتي شيئًا، فهو يصدّقها دون شك.
“ليكن. بما أنّه لقاء العمر مع الدوق، فيجب أن نزيِّنها كما يجب.”
وسيذهب الألفان المتبقيان إلى جيب عمّتي.
كنتُ قد حاولتُ تلميح الحقيقة لوالدي سابقًا، لكنّ عمّتي ضبطتني، وحبستني في العلّية لخمسة أيّام وهدّدتني.
ومنذ ذلك الحين، تظاهرتُ بالجهل. على أيّة حال، هل كان والدي ليُصدّقني أصلًا؟
“وبالنّسبة لڤيولا…”
ناداني اللورد وكأنّه يمنحني معروفًا.
“لديكِ الكثير من الفساتين في خزانة ملابسك، أليس كذلك؟”
وهكذا انتهى الأمر. لم أكن أتوقّع شيئًا، لذا لم أقل شيئًا.
لكنّ أنّا غضبت حين سمعت ذلك، وحاولت أن تقطف لي زهورًا من الحديقة لتُزيِّنني بها.
ومنذ ذلك اليوم، بدأت أنّا تُخصّص وقتًا للعناية بفساتيني ومجوهراتي، فتساعدني كخادمة وسيدة خزانة معًا.
بينما كان البعض يسرق بثقة، وآخرون يُزيّنون بإخلاص، مرّ الوقت، وها قد حلّ يوم الحفل.
رغم زينتي البسيطة ببعض المجوهرات القليلة، فقد توجّهتُ إلى قاعة الحفل. وقبل دخولي، تحدّثتُ إلى أنّا:
“أتعلمين…”
كانت أنّا تدلّك عضلاتها المتعبة من التزيين، وفتحت عينيها ببطء. فأكملتُ سؤالي:
“لو افترضنا أنّني سأخرج من هذا البيت خلال أيام قليلة، هل سترغبين في مرافقتي؟”
كان هذا السؤال حاسمًا لمستقبلنا.
“هناك، يمكنكِ العمل كما تفعلين الآن. لكنّكِ لن تري أفراد هذه العائلة ولا الخدم مجدّدًا.”
لم أرغب في اصطحاب شخصٍ لا يريد ذلك.
وحتى لو شعرتُ ببعض الحزن، يمكنني تكوين صداقات جديدة في ذلك المكان.
“…نعم. سأذهب معكِ.”
لكنّ جوابها الإيجابي جاء بسرعة، وبحزم أكثر ممّا توقّعت.
“لقد سئمتُ من هذا البيت الذي يُهينكِ دائمًا.”
سيكون التأقلم مع المكان الجديد صعبًا على أنّا أيضًا.
لكنّها أعلنت رغبتها في تقبُّل هذا التغيير.
“إن رغبتِ بذلك، فسأخرج معكِ. ولن يُزعجني ألّا أرى هؤلاء الناس ثانيةً.”
شعرتُ بارتياحٍ داخليّ لم أُدركه حتى لحظته.
ربّما كنتُ أترقّب هذا الجواب طويلًا.
“جيّد. من هذه اللّحظة، أنتِ خادمتي الخاصّة.”
“هاه؟ لكنّني مجرّد خادمة بسيطة، هل يمكنني تغيير عملي هكذا فجأة؟”
“أنا من قرّرت، ومن سيعترض؟”
“أوه، بالطبع يسعدني ذلك! أن أكون خادمة شخصيّة أفضل بكثير من مجرّد خادمة عاديّة!”
رؤية أنّا متحمّسة جعلني أشعر بسعادة.
“إذًا، جهّزي أمتعتكِ فورًا. سنغادر قريبًا.”
لسببٍ ما، شعرتُ بقوّةٍ جديدة.
لقد كسبتُ أغلى علاقة في هذا البيت، وتوجّهتُ بخفّة قلب إلى قاعة الحفل المُتلألئة بالنّور.
—
في اللّيل، كانت النّجوم تملأ السّماء.
وكجزء من العائلة المضيفة، وقفتُ عند البوّابة مع عائلتي لاستقبال الضّيوف.
ثمّ في لحظةٍ ما…
“لقد جاء.”
تمتم جينوفيـو وقد بدا متأنّقًا كطائر السنونو في الربيع.
وبدأ رجاله من نقابة المعلومات الذين تظاهروا بأنّهم خدم وسائقون ينقلون الأخبار الخفيّة إلى جينوفيـو.
“الدوق حضر وحده، دون رفيقة.”
“ويبدو أنّ هناك امرأة بعينها يريد مقابلتها الليلة.”
استدار اللورد ستاراتشي وعمّتي إلى كاميلّا. حتى كاميلّا وضعت يدها على صدرها لتُهدِّئ دقّات قلبها.
أنا تجاهلتُ كلّ تلك الجلبة، وانتظرتُ إيزاكِييل بهدوء.
تبدّلت أجواء قاعة الحفل فجأة. وبدأ النبلاء الذين سبقونا في الدخول يُركِّزون على المدخل.
“صاحب السموّ دوق بيترا قد دخل!”
دخل إيزاكِييل بيترا محاطًا بهالةٍ خانقة.
كرجلٍ يحكم الإقليم الذاتيّ الوحيد في الإمبراطوريّة، كانت طلّته مهيبةً كالإمبراطور.
لذلك، لا يُنادَى بلقب “صاحب المعالي” مثل باقي الدّوقات، بل بلقب “صاحب السموّ”، كالفرع الملكيّ.
ومن حيث البروتوكول، كان إيزاكِييل أدنى مباشرةً من ولية العهد.
بدأت الأوركسترا تعزف مقطوعة فخمة تليق بالمقام.
“أهذا هو الدوق؟”
كان وجهه البارد يُرعب الناس من النظرة الأولى.
وأثناء نزوله على الدّرج، رمقني إيزاكِييل بنظرة خفيّة وأومأ برأسه.
بادلته الإيماءة من مكاني، وعينانا التقتا.
وحين أنهى نزوله، تجمّع النّاس حوله، لكنّهم لم يجرؤوا على الاقتراب.
“ما هذا… الأجواء مشتعلة.”
حتى كاميلّا بدت مضطربة، وعضّت شفتيها. هذا ردّ فعل طبيعي لمن يراه لأوّل مرّة.
“نعم. مظهره يوحي بالخطر أحيانًا.”
نظرتْ إليّ كاميلّا بعينٍ ضيّقة.
“هل رأيتِ الدوق من قبل؟ تتحدّثين عنه وكأنّكِ تعرفينه.”
لم أُجب، فبادرت هي بالسّخرية.
“فتاةٌ مثلكِ؟ لن تكوني أبدًا إلى جانب الدوق، كُفّي عن الحلم.”
“فتاةٌ؟ أنا أختكِ الكبرى.”
“هه. وهل طلب منكِ أحد أن أعاملكِ كأخت؟”
وقبل أن تبدأ كاميلّا شجارًا جديدًا، دوّى صوت قويّ في القاعة:
“سيبدأ أوّل رقص قريبًا!”
نظرتْ إليّ كاميلّا بنفورٍ لحظيّ، ثمّ بدأت تتفقّد زينتها مع عمّتي.
ورغم أنّها تجهل ذلك، فقد كانت كاميلّا تزهو كفراشة سامّة، بفستانٍ يُظهر كتفيها، ومشابك مجوهرات لا تُعدّ ولا تُحصى.
يبدو أنّ تلك الزينة لفتت نظر الدوق.
فما إن مرّ قليل من الوقت، حتّى أُتيحت لكاميلّا فرصة اللقاء الذي كانت تنتظره.
“إنّه قادم نحونا.”
“ماذا نفعل؟!”
نعم، إنّه دوق بيترا نفسه، يقترب.
بدأ اللورد ستاراتشي وجينوفيـو يُحضّران أيديهما للمصافحة. أما كاميلا، فحاولت ضبط أنفاسها.
لقد عزموا جميعًا على أن يتركوا انطباعًا لا يُنسى لدى الدوق.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"