استمتعوا
علَا وجه بَيك جايهيون سُرورٌ مُرعِب، فَـ نَدِمَت هانا لبرهةٍ وجيزة.
أتراهُ يَتوهَّم؟ أيظنُّ أنني قد أُوافق على خِطبتِه بدلًا من بيك دويون؟
عذرًا، لكني أرفضُ كِلاكما.
أريدُ أن أعيشَ وحدي. حُلمي أنْ أُنفِقَ كلَّ ذلك المالِ ثم أَموت.
“أنا…”
في اللحظة التي همَّ فيها بيك جايهيون بفتح فمه ليتكلّم.
“هل كنتَ بخير، أخي؟!”
اندفع بيك دويون من بين يدي أمه التي حاولت أن تمسكه، وركض نحو هانا ليقف بينهما وبين جايهيون.
“ما هذا؟ سألت بَيك جَايْهيون… اوبا؟”
“وأنا أجبتُ، ما شأنُكِ!”
لم تَجِد هانا ما تَرُدُّ به، فأسلوبُ إجابتهِ لا يتجاوزُ مستوى طفلٍ في الروضة.
كادت أن تقول له: “هل أنتَ طفلٌ في المرحلة الابتدائية؟” لكنها أدركت أن هذا تقديرٌ عالٍ جدًا له، فكَفَّت.
“أليس كذلك؟ أخي، لقد كنتَ بخيرٍ، أليس كذلك؟ لا بأسَ أن أُجيبَ عنك؟”
سألَ بَيك دويون ملؤه اليقينُ بأنَّ بَيك جَايهيُون سيُؤيِّدُه.
لكنَّ هانا لم تَنظر إليه. بل نَظرتْ إلى بَيك جَايهيُون.
إنَّ هذا اليقينَ المُتناهي الذي يَتحدَّث به بَيك دويون يعني أنَّ بَيك جَايْهيُون لم يكن يستطيعُ قولَ أيِّ شيءٍ له طوالَ وجودِه في هذا المنزل.
عَلمَتْ دونَ أن يتكلَّم كمَّ القهرِ والظُلمِ الذي عاشه.
فمن الصعبِ بما فيه الكفايةِ أن تُزَجَّ بطفلٍ في عائلةٍ غريبةٍ في سنٍّ مبكرة، فما بالك إن كانت تلك العائلةُ لا تُرحِّبُ به، بل تضغطُ عليه وتَقْمعُه.
وكما تَوقَّعت، كان وجهه بَيك جَايهيُون مُكتئبة، يحملُ تعبيرًا مُعقَّدًا يَمزجُ الغضبَ بالحُزن.
بينما كان بَيك جَايْهيُون يَهُمُّ بفتحِ فمهِ للإجابة، اقتربَت المديرة سيو من الخلف.
“بالتأكيد، يا دويُون، جَايهيُون يعيشُ جيداً في منزلنا. ما هذا السؤالُ البديهي؟”
انتشرتْ ضحكةٌ خافتةٌ. “هو هو”.
وضعت المديرة سيو يدها على كتفِ بَيك جَايْهيُون وضغطَت عليه بقوَّة.
كان ذلك ضغطًا واضحًا ليُحسنَ الإجابة.
تحذيرٌ بألا يرتكبَ ما قد يُؤخذُ ذريعةً ضدَّ عائلةِ خطيبةِ ابنهِا.
يا للشناعة! وهي امراة كبيرة السن.
“ربما لم يكن يعيشُ بخيرٍ.”
“!”
“أنا نفسي لم أكن بخيرٍ على وجهِ الدقة، فربما لم يكن اوبا بخيرٍ أيضًا.”
“…!”
اتَّسعتْ عينا بَيك جَايهيُون دهشةً لكلامها.
لِمَ الدهشة؟ أنا حقًا لم أكن بخير.
لقد عانيتُ لأتحدث بمستوى أطفال الروضة معهم.
بالطبع، أنا أتحدثُ كشخصٍ بالغٍ الآن.
“لم تكوني بخير؟ ما الذي تقولينه يا هانا؟ هانا…”
“كنتُ مُصابةً بالزكام طوالَ الوقت.”
أجابتْ هانا بلامبالاة عندما سألتها المديرة سيو في حيرة.
“كانت حرارتي مرتفعةً هكذا. وكنتُ أسعلُ هكذا، كنتُ مريضةً جدًا، لم أكن بخيرًا.”
“آه، أَجَل؟ حسناً، كنتِ مريضةً. قد يَحدُثُ ذلك…”
“أنا أيضًا لم أكن بخيرًا، يا هانا.”
“!”
“!”
كان أكثرُ المتفاجئين بكلامِ بَيك جَايْهيُون هو بَيك دويُون على غيرِ المتوقَّع.
لكنَّ بَيك جَايْهيُون لم يُعِرْ بَيك دويُون أيَّ اهتمامٍ، وتابعَ كلامه.
“لقد كنتُ مريضًا أيضًا.”
تَمَلكَتْ هانا حيرةٌ خفيفةٌ لإجابتهِ غيرِ المتوقَّعة، ثم أومأتْ برأسها وهي تتمتمُ.
“قد يكونُ مريضًا حقًا.”
“أوه، هل كنتَ مريضًا أيضًا أخي؟ أين؟ أين كنتَ تشعرُ بالألم؟”
عندئذٍ، فكَّرَ بَيك جَايْهيُون قليلًا، ثم أشارَ إلى مكانٍ ما بإصبعهِ وأجاب.
“هنا.”
كان المكانُ الذي أشارَ إليه بَيك جَايْهيُون هو…
“كانَ يؤلمني هنا.”
جهةَ صدره.
***
بينما كانت المديرة سيو في حيرةٍ لا يتنبِسُ ببنتِ شفة، اندفعتْ هانا مُتظاهِرةً بالبراءةِ والصخب.
“يا إلهي! هل كنتَ مريضًا اوبا؟ يجبُ على المريضِ أن يستريح! المُعلِّمة قالت إنَّ المريضَ يجب أن ينامَ ويشخَر! لِنَذهبْ للنوم!”
ثم، بينما كان الجميعُ مشتتي الذهن، أمسكتْ هانا بيدِ بَيك جَايْهيُون وصعدتْ به عجلًا إلى الطابقِ الثاني.
حينها…
‘لقد صعدتُ به إلى هنا، لكني آمل ألا تكون غرفتُه ليستْ في الطابقِ الثاني!’
يا لهُ من مأزقٍ إن كانت غرفتُه في الطابقِ الأول.
أخذت هانا تتصبب عرقًا باردًا والتفتت إلى الخلف.
“…أينَ غرفتُك اوبا؟”
“غرفتي في الطابق الثالث.”
“أيُّ نوعٍ من البيوتِ هذا الذي يتكون من ثلاثة طوابق!”
تَذمَّرت هانا، التي نَسيتْ للحظةٍ أن هذا المنزلَ بثلاثةِ طوابق، وصعدتْ طابقًا آخر.
وفجأةً، خَيَّم عليها الصمت.
على عكسِ الطابقِ الأولِ المُزيَّنِ بجماليةٍ مُفتقرةٍ للدفءِ الإنساني، والطابقِ الثانيِ المريحِ رغم بساطةِ زِينتِه، كان الطابقُ الثالثُ كئيبًا وخاليًا على نحوٍ مُدهش.
“هل هذه… غرفتُك؟”
“أجل.”
أجابَ بَيك جَايهيُون وهو يفتحُ أحدَ الأبواب.
“هذه غرفتي.”
غرفةُ بَيك جَايهيُون، كما قال، لم تَكنْ تَحملُ أيَّ أثرٍ للمودَّة.
فقط جدرانٌ بيضاء بالكامل، وأثاثٌ أبيضُ ناصعٌ مُشابه، وُضِعتْ فيهِ القطعُ الأساسيةُ فقط، كما لو كان الأمرُ اضطراريًا.
“أينَ ألعابُك؟”
…لم تَكنْ تَبدو كغرفةِ طفلٍ صغيرٍ على الإطلاق.
ربما غرفةُ بالغٍ استقلَّ حديثًا.
“ألعاب؟”
سألَ بَيك جَايهيُون في حيرة.
“لا، اوبا في سنِّك… يجبُ أن يكونَ لديك ألعاب!”
“أنا لستُ طفلًا يا هانا. الألعابُ هي ما تلعبين به أنتِ.”
“…حسناً، أُقِرُّ بذلك. إذن أين جهازُ الألعاب؟”
صحَّحتْ هانا كلامها، متذكرةً أنها هي نفسها كانت مُلازِمةً لجهازِ الألعابِ والحاسوبِ في المرحلةِ الابتدائية.
لقد قلَّلتُ من شأنهِ واعتبرتُه في مستوى الروضة.
“ليس لديَّ شيءٌ من هذا القبيل.”
“لِمَ؟ ألا تُحبُّ الألعاب؟”
“…لم أُجرِّبْها من قبل، لذلك لا أعرف…”
“…اوبا هل لديك هاتفٌ محمولٌ؟”
“لا.”
سادَ الصمتُ بينهما.
رغم أنَّ هذا قد يكونُ صحيحًا تربويًا، فلمَ أشعرُ بهذا الانزعاجِ الشديد؟
“إذا لم يكن لديك هاتف، فكيف تتواصل؟”
“…لديَّ سائقٌ يُرافقني دائمًا. هو من يتواصلُ نيابةً عني.”
“والتواصل مع الأصدقاء؟”
“لم أتواصلْ مع أيِّ صديقٍ من قبل.”
“…”
ماذا دها هذه العائلةِ بحقِّ الجحيم؟
شعرتْ هانا بدوارٍ خفيفٍ، وكأنها تغوصُ في وحلٍ كلما تحدثت.
“هل منعتْك السيدةُ من شراءِ هاتف؟”
“أجل.”
“وهل تُريدُ أنتَ واحدًا؟”
“…أجل.”
أصبحَ الموقفُ واضحًا الآن.
“حسناً. إذن، أخفِ هذا بسرعةٍ في مكانٍ ما.”
في نهايةِ المطاف، سلَّمت هانا هاتفها إلى يدِ بَيك جَايْهيُون.
“هذا…”
“هذا هاتفي. اوبا خذْه. الفاتورةُ سأدفعها أنا… لا، أبي هو من سيدفعها بأكملها.”
لا أظنُّ أن هونغ إيدو مُعدمٌ لدرجةِ ألا يستطيعَ دفعها.
“وأنتِ يا هانا؟”
“سأشتري واحدًا آخر. أنا غنية.”
“لا، المالُ ليسَ هو المشكلة…”
عَبَثَ بَيك جَايْهيُون بالهاتفِ الذي بين يديهِ لفترةٍ وجيزةٍ وهو يُدغدغُ شفتيه.
“سوفَ تحتاج هاتفًا للتواصلِ معي!”
“…معك يا هانا؟”
“أجل!”
إذا تمَّ سحبُه فجأةً إلى الخارج، يجبُ أن أقولَ له شيئًا مثل. “إذا ضايقَكَ أحدٌ هناك، فاتصلْ بي فورًا. سأُعلِّمُكَ عشرينَ شتيمةً إنجليزية. فالقتالُ يعتمدُ على الروحِ المعنويةِ أولاً.”
“…أجل.”
اختفى كلُّ الغنجِ والظرافةِ التي رأتْها فيهِ من قبل، وبدا الآن خجولًا ومُرتبكًا مثلَ طفلٍ حقيقي بالابتدائيٍّ.
صحيح. هذا هو الصحيح.
مهما تظاهرَ الطفلُ بالنضج، يبقى طفلًا.
“وأنا أعلمُ… اوبا أنك لا تُريدُ السفرَ إلى الخارج.”
“!”
“أنا أُلحُّ على أبي ليتدخَّلَ ويمنعَ سفرَك، لكنَّ الأمرَ يتعلقُ بشؤونِ عائلةٍ أخرى، ومن المحتملِ جدًا ألا ينجح.”
اتسعتْ عينا بَيك جَايْهيُون الواسعتان أكثر.
كانتْ نظرتُه تُوحي بأنه لم يكنْ يعلمُ أبدًا أن هانا تفعلُ كلَّ هذا من أجله.
من المنطقي ألا يتوقع ذلك.
فنحن لا نعرفُ بعضنا البعضَ جيدًا، ومن الغريبِ أن أفعلَ كلَّ هذا.
هل يجبُ أن أُبررَ موقفي الآن؟
“إذا ذهبتَ أنتَ، فمَن سيُسيطرُ على بَيك دويُون!”
“ههه.”
“أنت لا تعرفُ كم هو مُضحِكٌ في الروضة! يظنُّ أنه أفضلُ إنسانٍ في العالم! يجبُ عليكَ أن تُعيدَه إلى صوابِه مرةً واحدة. ولهذا يجبُ أن تبقى. لا يمكنكَ الذهاب.”
بدا أنَّ توتُّرَ بَيك جَايْهيُون قد خفَّ مع كلامِ هانا، وبدا وجهُه أفضل بكثيرٍ مما كان عليه قبل قليل.
“ما هذا… يا هانا.”
“لذلك، عليكَ أنتَ أيضًا أن تُلحَّ قدرَ الإمكان. اطلبْ منهم ألا يجعلوك تسافر.”
“…”
“لا تُلحَّ على السيدة، بل على جدك. ليس عمك، بل جدك هو الأهم.”
يبدو أنَّ المُتَّخِذَ النهائيَّ للقرارِ الآن هو رئيسُ مجلسِ الإدارة بَيك.
“هدِّده بأنك ستعودُ مُتأثرًا بأخلاقٍ سيئةٍ هناك. بأنك ستعودُ لتكونَ عارًا على العائلة. توسَّلْ إليه ليتركَك هنا.”
“عا، عارًا على العائلة…؟”
“أجل! هدِّده بأنك قد تُصبحُ شخصًا سيئًا مثل أولئكَ الذين تَرِدُ أسماؤهم في الأخبار.”
فالعائلاتُ الثريةُ تهتمُّ بشكلٍ خاصٍّ بأيِّ شيءٍ قد يُلطِّخُ سمعةَ المجموعة.
“…هل سيوافقون إذا قلتُ ذلك؟”
لم تستطعْ هانا الإجابةَ بسهولةٍ على هذا السؤال.
رغم أنها طلبتْ منه أن يُحاولَ بأقصى جهدِه، إلا أنها كانت تعلمُ جيدًا مدى ضآلةِ احتماليةِ نجاحِ الأمر.
“إذا…”
“أجل؟”
“إذا… اضطررتُ للسفرِ للدراسةِ في الخارج.”
“أجل.”
أمسكَ بَيك جَايهيُون الهاتفَ الذي أعطته إياه بيديهِ بقبضةٍ قويةٍ.
“استمري في التواصلِ معي، يا هانا.”
“ماذا؟”
أنا؟ لِمَ؟
“إذا فعلتِ ذلك، فسأكونُ بخير… ربما.”
خالجَها الشكُّ للحظة، لكنَّ عيني بَيك جَايهيُون لم تَدَعْها ترفض.
لأنها شعرتْ أنه إذا رفضتْ هي الأخرى تلك النظرة، فسيكونُ الأمرُ وكأنَّ العالمَ بأسرهِ يرفضُ بَيك جَايهيُون.
لذا، أومأتْ هانا برأسها.
“حسناً!”
دون أن تَعِيَ أبدًا ما هي التداعياتُ التي سيَجرُّها هذا الوعد.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"