في تلك اللحظة ، تحدث دانتي بصوت خافت.

“الكونتيسة مارتن”

تيبست بريجيت و التفتت لمواجهة دانتي ، الذي ظل ينظر إليّ و هو يتابع حديثه.

“هل يمكنني أن أثق بكِ لرعاية إلـزي؟”

“آه ، أجل”

أجابت بريجيت على عجل، وتحركت بسرعة نحوي.

لكن لوسيان حاول أن يعترض طريقها.

“لا بأس يا كونتيسة. سأعتني بالسيدة ليفيريان بنفسي—”

دوي-

لم يستطع لوسيان إكمال جملته. 

أمسكت قبضة قوية بمعصمه ، مما أجبره على التوقف. 

نظر إلى يده، ووجهه يتلوى غضبًا.

“ماذا تظن نفسكَ فاعلاً؟”

“هل تربيتَ برقة شديدة بحيث لا تستطيع فهم هذه الأمور؟”

سخر دانتي بصوت حاد.

“إنها تعاني”

“ماذا …!”

شدّ لوسيان على أسنانه ، لكن دانتي أصرّ ببرود.

“تمالك نفسك ، لمرة واحدة”

“ماركيز!”

“أنا و أنتَ …. نحن عبء عليها”

كان هناك شيءٌ كئيبٌ بشكلٍ غير متوقع في صوت دانتي ، كافٍ لإسقاطي على حين غرة حتى في حالتي الهشة. 

لم يكن من عادته أن يُظهر أي نوع من التأمل الذاتي.

“اذهبي”

أومأ دانتي نحوي أنا و بريجيت.

ساعدتني بريجيت بحرص ، داعمةً إياي بينما كنا نتحرك للمغادرة.

“هيا بنا يا إلـزي”

قالت بلطف.

“…شكرًا لكِ”

امتنانًا، اتكأت عليها بينما غادرنا قاعة الرقص بهدوء.

* * *

راقبنا لوسيان نغادر، بنظرةٍ قاتلة وهو يتجه نحو دانتي.

“ماذا؟ هل تريد تسوية هذا الأمر هنا؟”

رد دانتي بإبتسامة وحشية. 

“أفضل ألا أفعل. لن يعجبها ذلك”

“…..”

تجمد وجه لوسيان ، و قد فاجأته كلمات دانتي.

سأل دانتي ساخرًا.

“ماذا؟ ألم تفهم ذلك حتى؟ إنها لا تحب الرجال الذين لا يستطيعون قراءة ما يدور في الغرفة”

“كفى”

زمجر لوسيان.

“كان يجب أن أقول لك الشيء نفسه”

أجاب دانتي ، ناظرًا إلى لوسيان نظرة ازدراء.

نقر على لسانه بإنفعال قبل أن يستدير ليغادر.

“كفى. لا جدوى من الاستمرار في الحديث مع شخص جاهل مثلك. سيزيد هذا من إحباطي”

بعد ذلك ، انصرف دانتي بخطوات هادئة و ثابتة. 

وقف لوسيان هناك ، غاضبًا لكنه عاجز عن فعل أي شيء ، ممتنعًا عن مهاجمة دانتي كما يفعل عادةً.

[لن يعجبها ذلك.]

ترددت هذه الكلمات في ذهن لوسيان، تؤلمه.

“اللعنة.”

تمتم في نفسه، وهو يضغط على فكه من شدة الإحباط.

كان هناك شخص آخر يراقب هذه المواجهة من بعيد – بنديكت.

‘… مرة أخرى ، لم أتدخل’

شد قبضتيه في لوم نفسه.

لطالما كان الأمر هكذا.

بصفته رئيس شركة شمايكل التجارية ، كان على بنديكت إعطاء الأولوية لأقصى ربح و الحفاظ على علاقات ودية مع كل من النبلاء والعائلة المالكة.

كانت هناك أسباب لا حصر لها تمنعه من التدخل ، ولمنعه من مساعدة إلـزي.

لم يتدخل إلا مرة واحدة من قبل ، غير قادر على تحمل رؤية إلـزي محاصرة تحت سيطرة دانتي. 

في تلك المرة ، تحالف مع لوسيان لإنقاذها. 

لكن النتيجة كانت انتقام أوفنهاير القاسي.

بعد أن عايش ذلك بنفسه ، أدرك بنديكت مدى قسوة أوفنهاير عندما عزم على ذلك.

كانت أسباب عدم مساعدة إلـزي واضحة وضوح الشمس.

كان عقله الحاد قد حسب مُسبقًا أن مساعدتها لن تُجدي نفعًا على الإطلاق.

و مع ذلك …

رغم معرفته بكل هذا … رغم فهمه …

“بنديكت.”

شدّت يد صغيرة على كمّه.

كانت مارغريت ، شريكته في الحفل الإمبراطوري.

“لا تبدو بخير. هل كل شيء على ما يُرام؟”

“….”

حدّق بنديكت بها في صمت.

“هل هذا بسبب إلـزي؟”

سألت مارغريت بهدوء.

نظر بنديكت إلى عيني مارغريت الخضراوين اللطيفتين ، الممتلئتين بالقلق ، و انفرجت شفتاها الناعمتان قليلًا.

“في هذه الحالة ، قد أجد طريقة …”

* * *

أخذتني بريجيت إلى صالة فارغة ، بعيدة عن أعين دانتي و لوسيان. فقط بعد أن اختفيت تمامًا عن أنظارهما ، شعرتُ أخيرًا أنني أستطيع التنفس بسهولة أكبر.

“إلـزي ، كيف حالكِ الآن؟”

سألتني بريجيت ، و هي تتأمل تعبير وجهي بحذر.

ابتسمتُ ابتسامةً مُصطنعة. شعرتُ بشعور غريب بشفتيَّ تتمددان في ابتسامة ، كما لو أنهما لم تعودا ملكي.

“أنا بخير. أنا آسفة لعدم تواصلي معكِ يا بريجيت. كنتُ أنوي ذلك قريبًا، ولكن …”

فجأة، أمسكت بريجيت بكتفيّ ، ففاجأتني. 

انعكس تعبيرها المشوه في عينيّ الواسعتين.

“لا يهمني ذلك!”

صرخت، وصوتها يرتجف من شدة الانفعال.

“…”

“كل ما تمنيته هو أن تكوني بأمان و سعادة!”

ارتجفت عيناها وهي تكافح دموعها.

“ماذا حدث لكِ؟”

“أنا…”

بدأتُ، لكنني سرعان ما صمتُّ، محتارةً من أين أبدأ.

عندما رأت بريجيت ترددي، تلاشى تعبير وجهها أكثر، وهمست بصوتٍ يملؤه الألم المكبوت.

“لا بأس يا إلـزي. لستِ مضطرةً لقول أي شيء.”

“بريجيت؟”

“لذا، من فضلكِ، لا تُبدي هذا الوجه.”

ما هذا الوجه الذي كنتُ أُبديه؟

غمرني الارتباك، ولكن قبل أن أستوعب الأمر، مدت بريجيت ذراعيها وجذبتني إلى عناقٍ قوي.

“لقد مررتِ بالكثير…”

ارتجف صوتها وهي تتحدث بهدوء في أذني.  

انزلقت دمعة دافئة على خدي.

ثم، كما لو أن سدًا قد انفجر، بدأت المزيد من الدموع تتساقط.

‘لا تبكي’ ، 

قلتُ لنفسي.

عضضتُ شفتي بقوة كافية لإخراج الدم ، محاولةً كبت فيضان المشاعر. لقد اتكأت على بريجيت كثيرًا بالفعل. 

كانت صديقتي الوحيدة – الشخص الوحيد الذي أظهر لي التعاطف والتفهم.

لم أعد أرغب في إثقالها.

“بريجيت.”

همستُ بصوت خافت.

“نعم؟”

“أنا … أمرّ بوقت عصيب”

و عندما اعترفتُ أخيرًا بتلك الكلمات ، ربتت بريجيت على ظهري برفق.

“أعلم، أستطيع أن أجزم”

كانت لمستها رقيقة جدًا، ونظراتها دافئة جدًا. لقد مرّ وقت طويل منذ أن شعرتُ بهذا القدر من الراحة، وهذا الأمان.

“…آه.”

لم تتوقف الدموع.

* * *

في هذه الأثناء ، اقتحم دانتي الحديقة بخطواتٍ مُحبطةٍ و فارغة. على عكس قاعة الرقص الصاخبة المليئة بالموسيقى و الدفء ، كانت الحديقة الشتوية هادئةً بشكلٍ مُخيف.

بدت أغصان الأشجار الذابلة كشفراتٍ تشقّ سماء الليل المُظلمة. خيم الهواء المُتجمد بثقل، دون أن تُحرّكه نسمةٌ واحدة.

ذكّر هذا السكون دانتي بالبحيرة التي سقطت فيها إلـزي ذات يوم، ولم يُعكّر هذا التفكير مزاجه إلا أكثر.

“اللعنة.”

لعن دانتي في سرّه.

في البداية، كان ينوي فقط إلقاء نظرةٍ خاطفةٍ على إلـزي من بعيد. 

مع أنه كان لديه عيونٌ و آذانٌ تُراقب كل حركةٍ لها من كاليد، و لونبورغ ، و شركة شمايكل التجارية ، إلا أنه ما زال يُريد رؤيتها شخصيًا ، و لو للحظةٍ واحدة. لم يكن يُخطط لمواجهتها أو التسبب بأيّ مشكلة.

كانت هذه خطته ، على الأقل … حتى شهد إهانتها العلنية من الإمبراطورة. في تلك اللحظة ، فقد السيطرة على نفسه. 

سيطر عليه الغضب.

و لكن عندما التفتت إليه إلـزي ، و وجهها شاحب من الخوف ، شعر و كأن العالم قد انهار من تحته.

“ما كان ينبغي لي التدخل هكذا … اللعنة”

تمتم دانتي ، و هو يمرر يده في شعره المصفف بعناية، مُفسدًا إياه.

“إذا كان ذلك الوغد لوسيان قد أخذها ، فعليه على الأقل حمايتها كما ينبغي!”

في تلك اللحظة، توقف دانتي عن سيره الغاضب.

ظهرت من بين الأشجار العارية امرأة نحيلة ذات شعر فضي طويل. تحركت المرأة برشاقة ، كأنها جنية تائهة تتجول في عالم البشر بالصدفة.

“يا إلهي.

قالت ، و عيناها الخضراوان الزمرديتان متسعتان من الدهشة. ابتسمت بحرارة.

“مرحبًا”

ظل دانتي صامتًا ، وملامح وجهه جامدة وهو يحدق بها.

مارغريت.

‘هناك شيءٌ مُقلقٌ بشأنها’

فكّر دانتي.

شعرها الفضي ، الذي يُذكره بشعر والدته المتوفاة ، كان أمرًا مُقلقًا. لكن الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو أنه منذ انضمام مارغريت إلى لوسيان و بنديكت ، بدأ كل شيء يتغير.

بدأ دوق كاليد ، الذي كان يومًا ما فطنًا ، يتصرف بحماقة. 

أما بنديكت ، كونت لونبورغ ، العقلاني دائمًا ، فقد بدأ يتصرف بتهور. و بدأ كل شيء بعد أن دخلت هذه المرأة حياتهما متخفيةً تحت ستار الصداقة.

تقدمت مارغريت خطوةً للأمام ، و صوت خطواتها يُسمِع خشخشةً على العشب الجاف.

“هل أنتَ قلقٌ لهذه الدرجة على إلـزي ، يا ماركيز؟”

سألته بهدوء.