و عندما تنبَّهت إلى نفسي ، وجدتُ أنّ ستّ سنواتٍ قد مرّت منذ أن أنجبتُ طفلاً.
و خلال تلك الفترة ، خاضت إلـزي كثيرًا من التجارب الجديدة.
على سبيل المثال …
أمم ، بمَ أصف ذلك؟
جلست إلـزي إلى المائدة ، غير قادرة على إخفاء تعبيرها المفعم بالدهشة ، و هي تحدّق في الجهة المقابلة.
لم أتصوّر قطّ أنني سأرى هذا المنظر بعيني طوال حياتي.
كرواسون مقرمش ، و سلطة طازجة ، و مختلف أنواع المربّى ، و عصير و حليب ، و بيض ، و حتى شرائح لحم مقدَّد مقرمشة—مائدة عامرة بكل صنوف الطعام.
و عبرها كان يُرى دانتي و هو يتلوّى قلقًا حول طفلٍ صغير:
“جيريمي ، عليك أن تأكل البروكلي أيضًا”
هكذا كان الأمر: دانتي يراقب ابنه بعينين متقدتين لئلا ينتقي الطعام على هواه …
سُمِّي الطفل جيريمي.
ورث شعر دانتي الأسود تمامًا ، بينما استمدّ عينيه الكهرمانيتين المتألّقتين من إلـزي.
طفل لطيف محبوب كدمية من السكر حقًا.
و كما تمنّت إلـزي ، نشأ جيريمي غارقًا في حبّ الجميع دون أي تعقيدات.
و لأن الزوجين لم يُرزقا بطفل بعده ، صار جيريمي الوريث الوحيد لأسرة ماركيز أوفنهاير.
في الحقيقة ، أعتقد أن طفلاً آخر لن يضرَّ بشيء …
لكن دانتي ، بعد أن شهد مخاض إلـزي ، عارض بشدّة إنجاب طفل ثانٍ ، لذا سيظلّ جيريمي الابن الوحيد في الوقت الراهن.
على صعيد آخر ، كانت إلـزي تفكّر أحيانًا بأنّ تربية طفل بمجرد سكب الحب عليه قد تكون أمرًا عسيرًا ، و ذلك لأن …
“لكنّني …”
انتفخت وجنتا جيريمي و هو يتدلّل قائلاً:
“لا أحبّ البروكلي”
و بهذه الشكوى الصغيرة ذابت ملامح دانتي كما يذوب الآيس كريم.
“أمم ، أهذا معقول؟”
و في اللحظة نفسها تجعّد حاجبا إلـزي ؛ إذ بدا مرجَّحًا جدًا أن يقول دانتي: «حسنًا ، لا تأكل البروكلي ، سآكله أنا!»— و له في ذلك سوابق كثيرة …
و هكذا ، في نهاية المطاف ، قرّرت إلـزي ، التي كانت تراقب بهدوء ، التدخل في الحديث.
“اسمع كلام والدكَ ، جيريمي”
“إيين …”
أخذ جيريمي يعبس و يدفع شفتيه إلى الأمام.
أردفت إلـزي بلهجة صارمة: “هيا”
نظر جيريمي نحوها بحذر ، ثم حاول التعلق مجددًا بدانتي قائلاً: “أبي …”
عندها ارتبك دانتي و التفت نحو إلـزي بخفة.
“إلـزي؟ جيريمي ما زال صغيرًا …”
“لا يمكن.”
قطعت إلـزي الحديث بحزم.
“كلما كان أصغر ، كان عليه أن يأكل بتوازن أكبر ، أليس كذلك؟”
و في اللحظة نفسها ، أدرك جيريمي أن لا مفرّ من أكل البروكلي.
ففي هذا البيت ، كانت أمه هي الأقوى.
و مهما أحبّه والده ، إلا أن دانتي لم يجرؤ يومًا على معارضة كلمة واحدة من إلـزي.
“هيييين …”
و أخيرًا ، و بوجه عابس ، غرز جيريمي شوكته في البروكلي.
ثم ، متقززًا ، وضعه في فمه.
و مع كل مضغة ، كانت وجنتاه المستديرتان ترتجفان صعودًا و هبوطًا.
كان المشهد لطيفًا للغاية لدرجة أن حتى إلـزي ، التي شدّت ملامحها ، لم تستطع إلا أن تبتسم برقة من دون قصد.
“أحسنت ، جيريمي”
تحدّث دانتي بحيوية ، محاولاً تشجيع جيريمي المتعب.
“إذا أنهيته كله ، هل تودّ أن نذهب نتأرجح معًا؟”
“حقًا؟!”
في لحظة ، لمع بريق النجوم في عيني جيريمي.
و لم يكن ذلك غريبًا ، إذ أن الأرجوحة كانت لعبته المفضّلة.
لكن بشرط: “بابا هو من يدفع الأرجوحة في الحديقة”
فلا أحد يستطيع دفع الأرجوحة عاليًا مثل دانتي.
أما دانتي ، فكان واثقًا من قدرته على التحكم بحيث لا يصاب الطفل بأذى.
لكن من يراه من الخارج ، لا بد أن يشعر ببعض القلق من شدّة الحركة.
ابتسم دانتي بعينين ماكرتين.
“هل سبق أن رأيتَ والدك يكذب عليك؟”
“لااا!”
صرخ جيريمي بحماس ، و بدأ يلتهم البروكلي المتبقي على طبقه كما لو كان في معركة.
و في تلك اللحظة ، أطلق دانتي نظرة غمز نحو إلـزي.
أترين؟ أنا أيضًا أصبحت أجيد التعامل مع ابننا ، أليس كذلك؟
كانت غمزته تقول بكل وضوح: أريد أن تمدحيني.
ابتسمت إلـزي ابتسامة خفيفة و همست بشفتيها:
“نعم ، أحسنتَ فعلاً”
و في تلك اللحظة ، أزهرت ابتسامة مشرقة على وجه دانتي.
و فجأة ، شعرت إلـزي أن ابتسامتي دانتي و جيريمي تتطابقان إلى حدٍّ مدهش.
***
و هكذا ، انتهى إفطارهم الصباحي.
جلست إلـزي على مقعد في الحديقة ، تراقب دانتي و جيريمي و هما يمرحان بسعادة.
“واااه!”
صرخ جيريمي مبتهجًا.
كانت الأرجوحة ترسم قوسًا في الهواء ، ذهابًا و إيابًا.
نادتهما إلـزي من الخلف ، محذرةً:
“لا تدفعه عاليًا جدًا ، ماذا لو سقط؟”
“بالطبع لن أفعل. ألا تعرفين من أكون؟”
أجاب دانتي بثقة تامة ، و عاد بحماسة إلى دفع الأرجوحة.
ضحكت إلـزي بخفة.
ففي النهاية ، أليس هو “ذاك” دانتي؟
و شاهدًا على ذلك ، فرغم أنه لعب مع جيريمي عشرات المرات حتى الآن ، إلا أنه لم يتسبب له و لو بخدش واحد.
رغم ذلك … ما دام جيريمي يستمتع بهذا الشكل.
أبقت إلـزي عينيها على الاثنين ، بينما ارتشفت رشفة من شاي أسود عطِر.
كان دفء السائل المنساب إلى حلقها يبعث في نفسها شعورًا لطيفًا.
لكن في تلك اللحظة ،
تردّد صوت رجولي هادئ يناديها بتحية: “تحياتي ، سيدتي”
استدارت إلـزي بهدوء دون أن تتفاجأ.
شاب أنيق المظهر انحنى أمامها بإنحناءة احترام حين التقت نظراتهما.
ردّت إلـزي بلطف:
“آه ، ليام. وصلت؟”
كان ليام ، المساعد الشخصي لدانتي.
رغم أن كثيرًا من الأمور حصلت بينهما في الماضي ،
إلا أن معظمها تمّ حلّه بمرور الوقت.
و بات بإمكانهما الآن أن يبتسما لبعضهما بإرتياح.
و إلـزي كانت ممتنة للغاية لهذا التغير.
“لا تبقَ واقفًا هكذا ، لِم لا تجلس؟”
عرضت عليه إلـزي أن يجلس بجوارها.
لكن ليام تهرّب مازحًا بصوت يسمعه الجميع:
“لا داعي ، و إلا فإنّ سعادته الماركيز قد يوبّخني!”
و كانت إلـزي تعلم تمامًا كم أن دانتي يبالغ أحيانًا في رعايتها. لذا لم تُلحّ عليه في الجلوس.
في الوقت نفسه ، همس ليام بنبرة يغمرها التأمل:
“يا للعجب … هذا مذهل فعلاً”
كانت عيناه معلّقتين بجيريمي الذي ضحك بصوتٍ عالٍ ،
و إلى جانبه دانتي بوجه طري مملوء بالحب.
“ما كنت أظن أن سعادة الماركيز سيلعب مع نجله بهذه الروح و الانسجام”
“أبي ، أكثر ، ادفع أكثر!”
صاح جيريمي و هو يتوسل لدانتي بحماس.
كان التعبير المرتسم على وجه دانتي و هو ينظر إلى ابنه ، ناعمًا كالزغب.
هزّ ليام رأسه يمنة و يسرة مستنكرًا:
“لو أن أحدهم أخبرني في الماضي بأنني سأشهد مثل هذا المشهد ، لكنت سخرت منه و قلت إنه جنون”
“آه ، و أنا كذلك”
ابتسمت إلـزي ابتسامة خفيفة.
بصراحة ، كنت أظن أن دانتي سيجد الطفل مزعجًا.
لكن توقعات إلـزي أخطأت الهدف تمامًا.
لقد تغيّر دانتي كثيرًا عن ذي قبل.
بل إنه في أحد الأيام ، كان قد كوّم كومة ضخمة من الكتب ،
و بقي مستيقظًا طوال الليل يقرأها بتركيز شديد.
ظنت إلـزي حينها أن العمل قد بات مرهقًا له إلى هذه الدرجة ، و فكرت في مساعدته إن كان بحاجة إلى عون.
فسألته: “ما الذي تفعله بكل هذه الكتب؟”
فردّ دانتي بجديّة شديدة:
“لأني لا أعرف الكثير عن الأطفال. لذا قررت أن أدرس قليلاً أولاً”
دون وعي ، نظرت إلـزي إلى غلاف أحد الكتب التي كان يقرأها.
«101 طريقة لتصبح أبًـا جيدًا»
… لا يمكن وصف مدى دهشتها في تلك اللحظة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "الفصل الخاص 1"
بنهاررر كيوتتتت🥹🥹