اجتاحه قلق لا يُحتمل، إحساس مجنون بأن عليه ألا يبقى على هذه الحال.
دقّ قلبه بسرعة، مدفوعًا بتوتر لا يعرف مصدره.
“….!”
استفاق حين كانت الشمس قد بلغت كبد السماء. لكنه تفاجأ بعدم قدرته على الحركة بسهولة.
‘ما هذا… حبل؟‘
كان جسده ملفوفًا بحبال حمراء تشبه الخيوط الغليظة. وما إن رأى أحد الفرسان ذلك حتى انطلق مسرعًا خارج الغرفة، وقد بدا عليه الذهول.
فسأل باليريان بقية الحراس الذين بقوا في الغرفة:
“ما الذي يحدث هنا؟“
ما إن استعادت حواسه وعيها، حتى بدأ يُدرك خطورة الموقف.
“هذه أوامر صاحب السمو الدوق.”
“أي هراء هذا؟“
قال لاليريان ببرود، غير مصدق أن والده قد يكون وراء هذا. بدا الموقف كله غير منطقي.
“ليس هراءً.”
دخل الدوق لودفيغ الغرفة في تلك اللحظة، ولما رأى ابنه مقيّدًا في السرير بنظرة حانقة، أشار للحراس بالخروج، فانسحبوا من الغرفة بهدوء، وخلت الغرفة إلا من الأب وابنه.
“ما الذي تفعله؟“
سأله باليريان، والغضب يملأ وجهه.
حاول أن يمزق الحبال، لكنه لم يستطع.
وفجأة بدأ جسده يتوهج بضوء ذهبي قوي، كالشمس، لا يمكن للعين العادية تحمّله.
أطلق قدرًا هائلًا من طاقة إيلا، لكن الحبال السحرية التي قيدته لم تتحرك قيد أنملة.
قال الدوق بحزم:
“لن ينفعك ذلك.”
سأله باليريان ساخرًا.
“هل صُنعت هذه الحبال خصيصًا لتقييد إيلا؟“
“قيدتك لأنك ارتكبت حماقة بمحاولة امتصاص طاقة ساحرة بالكامل بجسدك.”
عند سماع ذلك، تذكّر باليريان اللحظة الأخيرة قبل أن يفقد وعيه.
لقد صبّ طاقته في جسد إيف، ثم تلقّى منها قواها السحرية بالمقابل، مما جعله ينهار.
وبينما تعود إليه تلك الذكرى، سأل بلهفة:
“هل إيف بخير؟ كم يومًا مضى منذ أن فقدت وعيي؟“
أجابه الدوق بنبرة باردة:
“إيف إستيلّا بخير.”
“حقًا؟“
شكّ باليريان في صدق كلامه. كان ما جرى في قلب العاصمة لا يمكن التستّر عليه.
لا بد أن هويتها وصلت إلى الإمبراطور.
بمجرد أن وصل إلى هذه الفكرة، انتفض جسده بعنف، فعبس الدوق وقال:
“باليريان، لم تتعافَ بعد. أنا سأتولى أمر إيف إستيلّا، فركّز على تعافيك.”
“الأمر أخطر من تدخل العائلة الإمبراطورية!”
صرخ بها والغضب يلمع في عينيه، ثم سُمِع صوت تمزّق قوي من الحبال التي قيّدته…إن انقطعت بقوة لا تصدّق.
نظر إليه الدوق مذهولًا.
تلك الحبال صُنعت خصيصًا لتقييد الإيلا الآثمين، ولم تُكسر منذ قرون.
لكن باليريان مزّقها كما لو كانت خيوطًا بالية.
مرّ باليريان بجوار والده دون أن ينظر إليه، وقال بصوت ممتلئ بالتحذير، وكأنه يلفظ كل كلمة بمرارة:
“الشيطان… سيستهدف إيف.”
* * *
في مكانٍ آخر…
“هذا مزعج.”
قال آس بعد لقاءٍ سري مع أحد رجاله، بنبرة غير مبالية. لم يكن يتوقع أن يتعافى إيلا بهذه السرعة.
‘تعافى بعد أن تلقّى طاقة ساحرة تناولت الإكسير؟‘
هذا خالف خططه تمامًا.
فقال له خادم دوق لودفيغ، الذي كان يبلّغه بالأخبار بسرور خبيث:
“إذًا، ماذا عن بقية الأجر؟“
“آه، كنت تريد المال؟“
ابتسم آس بسخرية.
“يا للأسف… بما أن الأمور لم تسر كما خُطط لها، لن أدفع شيئًا.”
“ماذا؟!”
إن لوّح آس بيده سقط الخادم أرضًا جافًا كالجيفة، دون أن يطلق حتى صرخة واحدة.
كان آس يتصرف وكأنه سحق حشرة.
“لم أظن أن إيلا سيستفيق بهذه السرعة…”
قالت أرييل، التي كانت واقفة إلى جواره مرتديةً غطاءً للرأس، بنبرة قلقة.
“ما باليد حيلة. قبل أن يتمكن من إنقاذ الساحرة، عليّ أن أتخلص منها بنفسي.”
“فهمت… هل ترغب في الطعام الآن؟“
“لا أحبّ أكل من بلغ ذلك العمر. لديّ فريسة أشهى بكثير.”
ابتسم آس.
إيف إستيلّا… واحدة من أعظم الساحرات اللواتي واجههن على مر العصور، وتمتلك طاقة سحرية ضخمة للغاية.
“قبل مئة عام، رأيت ساحرة مثلها تمامًا.”
كانت تدعى ليا لوسييلا.
بسببها تأجلت خططه لقرنٍ كامل.
منذ أن رأى مدى ضخامة الطاقة السحرية في جسد إيف، شعر برغبة عارمة في التهامها.
“سأنهي الأمر بسرعة، لذا اهتمي جيدًا بالقديسة حتى أعود.”
كلامه بدا هادئًا، لكن خلفه كانت تتخفى نوايا سوداء وكراهية عميقة لم يستطع كبتها.
* * *
داخل الزنزانة، عادت إيف إلى وحدتها، تغرق في دوامة من الأفكار.
‘آه… كيف يمكنني إيصال الحقيقة الآن؟‘
أحست بالإحباط، فحتى زافيير لم يبدو وكأنه صدّق كلامها. وإن لم يصدقها هو، فعليها أن تجد طريقة أخرى لإيصال ما تعرفه، لكنها لم تستطع التفكير في وسيلة مناسبة.
‘لا يمكنني فقط الجلوس هنا وانتظار يوم الإعدام…’
وضعت رأسها بين كفيها تفكر بيأس، حينها اقترب منها أحد الحرّاس.
“هل حان وقت الطعام؟“
لكنها تذكّرت أنها تناولت طعامها قبل قليل، فرفعت حاجبيها باستغراب.
ابتسامة مريبة ظهرت على شفتي الحارس.
“أجل، وقت الطعام.”
شعرت إيف بقشعريرة في جسدها. هذا الرجل لم يكن الحارس الذي تعرفه.
“… منأنت؟“
كان يشبهه في المظهر، لكنه لم يكن هو.
شعور مألوف اجتاحها، تمامًا كما شعرت حين واجهت الشيطان الذي اتخذ هيئة آرون.
“لايمكن…!”
نظرت إلى الرجل أمامها بعيون مرتابة.
“أنت تملكين حدسًا جيدًا، أيتها الساحرة.”
قالها مبتسمًا ببراءة لا تليق بوجهه، ثم وفي لحظة، اتخذ شكل الفتى الذي رأته سابقًا.
“مرحبًا؟ نحن نعرف بعضنا، أليس كذلك؟“
لوّح بيده لها بلا مبالاة.
ذلك الفتى الذي قيل إنه فقد عينيه وإحدى يديه، يقف أمامها سليمًا تمامًا.
عضّت إيف على شفتيها.
“كنت شيطانًا منذ البداية إذًا… لكنك لن تستطيع استخدام السحر داخل هذا السجن، أليس كذلك؟“
كان السجن مبنيًّا من مادة خاصة تمنع استخدام المانا، فكيف استطاع تغيير شكله بالسحر؟
ابتسم آس بلا مبالاة، وكأن الأمر لا يعنيه، رغم أن الجو من حوله كان يقطر شرًّا وخطورة.
“سحر الشياطين لا يعمل بالطريقة نفسها التي يعمل بها سحر البشر، لذلك جدران السجن هذه لا تؤثر عليّ.”
ببساطة، السجن صُمم ليكبح قوى السحرة، لا الشياطين.
عندها فقط أدركت إيف حجم الورطة التي وقعت فيها، وبدأ العرق البارد يتصبب من جبينها.
“ماذا فعلت بالحراس؟“
“أحدثوا ضجة، فأدخلتهم إلى معدتي.”
‘إلى معدته…؟ لا يمكن…!’
اصفرّ وجهها وتقلّصت معدتها من القرف، فأوشكت أن تتقيأ.
ابتسم آس ابتسامة خبيثة وهو يراقب رد فعلها.
“هل تعلمين كم قرنًا ضيّعت بسببكم أنتم يا معشر السحرة؟“
آرون… والآن الحراس أيضًا.
كل من حولها يُقتل بسببها، دون ذنب، على يد الشياطين.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 84"