قال ذلك وهو يتنهد بحسرة، وقد بدا عليه الأسف الشديد.
* * *
راحت يوري تجول في الغرفة، وملامحها يعلوها بعض التوتر، بينما تسللت أشعة الشمس الصافية عبر نوافذ القضبان الحديدية إلى الداخل. كان ذلك لأنها كانت تعلم أن باليريان سيعود اليوم.
“إن بقي في الخارج أسبوعًا كاملًا، فلا شك أنه سيتعب للغاية.”
فكرت يوري في إخبار باليريان بكل ما جرى في القصر الإمبراطوري خلال غيابه، لكنها كظمت رغبتها تلك. وفي تلك اللحظة، سُمِع صوت طرق على الباب.
أجابت يوري بسرعة وبوجه مبتهج:
“تفضل بالدخول!”
لكنها سرعان ما شعرت بخيبة أمل حين رأت من دخل. لم يكن باليريان، بل كانت الكاهنة التي نخدمها. دخلت الكاهنة، التي سُمح لها بالدخول إلى غرفة القديسة، وهي تبتسم على اتساع وجهها وقالت:
“استيقظتِ مبكرًا اليوم! صباح الخير يا قدّيسة.”
“صباح الخير لكِ أيضًا، إيتها الكاهنة ليا.”
ابتسمت يوري برقة، دون أن تُظهر خيبتها. وضعت الكاهنة أمامها بحذر ماء الغسيل في وعاء فضي. وبعد أن غسلت وجهها، جففته بمنشفة ناعمة قدّمتها لها الكاهنة، وسألتها:
“ما هو جدولي اليوم؟“
“أعتقد أن يومك سيكون مزدحمًا بعض الشيء. فاليوم يعود الكهنة الذين ذهبوا في مهمة تبشيرية إلى الصحراء.”
“آه… ومتى ينتهي هذا الجدول؟“
تمنّت يوري أن ينتهي الأمر بسرعة. فقد أرادت أن تكون أول من يستقبل باليريان عند عودته.
“ربما ينتهي عند المساء؟ على أي حال، بما أنهم يعودون بعد عام من الغياب، فلا شك أنهم متعبون جدًا. لكن رؤيتكِ يا قدّيسة، ستكون دافعًا عظيمًا لهم.”
قالت الكاهنة ذلك مبتسمة. أرادت يوري أن تتأفف من انزعاجها حين سمعت أن الموعد في المساء، لكنها اكتفت بهز رأسها موافقة.
ابتسمت الكاهنة بحرارة حين رأت تجاوبها، ثم اصطحبتها للقاء الكهنة العائدين.
حلّ المساء.
وأثناء حديث يوري مع الكهنة العائدين من مهمتهم التبشيرية، لم يغب لاليريان عن ذهنها لحظة.
“آه، لقد حان وقت العشاء! لا بد أنكِ جائعة يا قدّيسة.”
قال أحد الكهنة مبتسمًا. فأومأت يوري برأسها واقترحت:
“بما أنكم مكثتم طويلًا في أرضٍ بعيدة، فلا بد أنكم تفتقدون طعام هذا المكان. ألا تسبقونني إلى العشاء؟“
تأثّر الكهنة من رقة قلبها وغادروا المكان ليأكلوا. وما إن غادروا، حتى سألت يوري كاهنتها المقرّبة:
“هل عاد ريان؟“
“آه! سمعت للتو أنه عاد.”
“حقًا؟ وأين هو الآن؟“
“لست متأكدًا، لكنه على الأرجح توجّه أولًا إلى غرفة رئيسة الكهنة.”
شعرت يوري بشيء من الأسى، لأنه لم يأتِ لرؤيتها أولًا. لكنها لم تمكث طويلًا قبل أن تسرع إلى غرفة رئيسة الكهنة، لتلتقي بـ باليريان في الطريق. رغم غيابه الطويل، إلا أن حضوره كان لا يزال مشرقًا كالشمس.
“ريان!”
حين رآها، ركزت عيناه الزرقاوان على وجهها وحده. خفق قلب يوري بشدة تحت نظراته.
وما الذي يحدث لي؟‘
هل لأنها اشتاقت إليه خلال الأسبوع؟ لكن حين كان بجوارها يوميًا، لم يخفق قلبها بهذا الشكل. شعرت بالارتباك، واحمرّ وجهها.
“يوري، مرّ وقت طويل. هل كنتِ بخير؟“
سألها بنبرة دافئة، مما زاد وجهها احمرارًا.
“ن–نعم.”
لكن باليريان لم يلحظ أبدًا تغيّرها.
“سأقابل رئيسة الكهنة أولًا، ثم أعود لأراك لاحقًا.”
قالها ورحل، فيما ظلت يوري تهزّ رأسها في شرود. وبعد دخوله، بدأت تسير في أنحاء الكنيسة دون وجهة.
كان الصداع ذاته مجددًا. صادف مرور أحد الفرسان بالقرب منها، فهرع إليها.
“هل أنتِ بخير يا قدّيسة؟“
أشارت له بيدها نافية وهي تغلق عينيها من الألم. وما إن هدأ الصداع، حتى رفعت عينيها ببطء، لتدرك أن الفارس هو هيليوت، التابع المباشر لباليريان.
“السيد هيليوت؟“
“هاه، ناديني فقط هيليوت!”
كان شعره أحمر وعيناه بنيتين، ويوحي مظهره بالودّ.
تذكّرت يوري أنه كان قد رافق باليريان إلى قرية نادين، فسألته:
“هل حدث أمر خطير أثناء القضاء على الشياطين؟“
“آه، ليس حقًا. لم نصادف سوى شياطين من الدرجة الدنيا وبعض الوحوش.”
“آه…”
ساورها شعور غريب. باليريان لم يسبق له أن خرج لأسبوع كامل. فكيف يُعقل أنه غادر لأجل القضاء على شياطين بسيطة؟
“ظننت أن الأمر خطير للغاية لدرجة أنه اضطرّ للبقاء أسبوعًا… كنت قلقة جدًا.”
لكنها أخفت قلقها الحقيقي وابتسمت ضاحكة. غير أن هيليوت لم يبدُ مرتاحًا.
“…في الحقيقة، حصل أمر مهم فعلًا.”
تنهد بعمق وكأن الأمر كان يثقل صدره. فسألته يوري:
“ما الذي حدث؟“
“آه… لقد قيل لي ألا أُخبر أحدًا…”
بدت ملامحه محرجة، وهو يحكّ رأسه. لكن تحت إصرار يوري ونظراتها المباشرة، لم يستطع أن يتجاهلها.
“لكن رجاءً، لا تخبري أحدًا أنني قلت ذلك! وحاولي أن تثبّتي قلب قائدنا.”
“سأفعل ما أستطيع. والآن، ما الأمر؟“
تأكّد لها أن شيئًا ما قد حصل مع باليريان. وبينما ساورها القلق، تابع هيليوت حديثه:
“في الحقيقة، خطيبة القائد السابقة تعيش في قرية نادين.”
حين سمعت ذلك، خفق قلب يوري بشدة، وكأنه سقط من مكانٍ عالٍ.
لماذا؟ إنه مجرد خبر، فلماذا صُدمت هكذا؟ نظرت إليه بعينين متردّدتين وسألت:
“وهل… التقيا؟“
“القرية صغيرة ولا مفرّ من ذلك. لكن… إن كانا قد انفصلا فعلًا، فلماذا كان اللقاء بهذا القدر من الألم؟ لم أستطع النظر إليهما.”
تنهد وهو يتذكر ما رأى.
“ولا أفهم لماذا كانت الآنسة إستيلا تبحث عن القائد بهذا الإلحاح… هي من أنهت العلاقة في المقام الأول.”
تذكر وجهها المضطرب في مزرعة الخوخ وهي تبحث عن باليريان، وهز رأسه ساخطًا.
أومأت يوري برأسها وقالت:
“سأحاول إقناعه بنفسي.”
“لكن رجاءً، لا تخبريه أنني قلت شيئًا!”
أومأت يوري ببرود واستدارت مبتعدة.
وبينما كانت تسير وحدها في ممرات المعبد، كانت تعضّ شفتها حتى كادت تنفجر.
لم يكن يدور في رأسها سوى فكرة واحدة:
“يجب أن أقابل إيف إستيلا.”
إن كانت تمسك بـ باليريان بدافع الشفقة أو الحنين، فعليها أن تقطع تلك السلسلة بأي ثمن.
* * *
بعد عدّة أيام من الهدوء…
ورغم السكون، لم تجد إيف راحة في قلبها.
‘فقط فكرة أن باليريان يعرف مكاني تجعلني غير مرتاحة…’
تمتمت بذلك وهي مستلقية على السرير، بعد ليلةٍ بلا نوم.
ورغم أنه رحل مباشرة بعد لقائه بها، إلا أنه قد يعود في أي وقت.
‘بدلًا من أن أعيش في هذا التوتر المستمر…’
قررت أن ترحل هي هذه المرة.
نشرت خريطة على الطاولة وأخذت تفتّش عن مكان جديد للعيش.
“ربما من الأفضل أن أركب سفينة وأبتعد كليًا.”
فكلما قلّ الوصول إلى المكان، زادت صعوبة مجيء باليريان إليه. حدّدت وجهة مبدئية وبدأت تُعدّ أمتعتها.
“سأتعلّم اللغة هناك. وإن لم أستطع، فسأعمل بأي وظيفة بدنية.”
فهي تملك من القوة ما يفوق الرجال، لذا لن تعدم من يطلب مساعدتها.
“هاه… انتهيت من توضيب كل شيء.”
لم يكن الكثير، فقد حزمت أغراضها على عجل. وما إن فرغت، حتى نظرت من النافذة إلى حديقة الخضروات الصغيرة التي زرعتها بنفسها. تعلّقت بها كثيرًا، وشعرت بالحزن لمغادرتها.
وفكرة وداع سكان القرية الذين اعتادت عليهم، جعلت صدرها يضيق أكثر.
وبينما كانت تتأمل حديقتها، لمحت شيئًا أمام منزلها.
“هم؟ ما هذه العربة؟“
كانت عربة بيضاء متوقفة أمام البيت. ضيّقت عينيها تحدّق بها. كان على العربة نقش ذهبي لزهرة الغار، وهو رمز مألوف بالنسبة لها.
“…إنه شعار الفاتيكان.”
وفجأة، سُمِع طرق على الباب.
جفلت إيف.
“هل يكون باليريان؟”
بسرعة دفعت حقيبتها أسفل السرير وابتلعت ريقها، ثم فتحت الباب.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 45"