في تلك الأثناء، كانت إيف تشعر بانزعاج شديد، فقد قُطع عليها نومها العميق بعد وقت طويل، والأسوأ من ذلك أن من أيقظها كان نواه المزعج نفسه.
‘أنجبتُ للتو، ثم يجرؤ على إزعاج نومي؟!’
لم تستطع إيف كبح الغضب المتصاعد من أعماقها، ففتحت عينيها بحدة ونهضت فجأة من فراشها. لكنّها سرعان ما لاحظت أن سلوك نواه لم يكن طبيعيًا.
لطالما كان يردّ على شتائمها بأشدّ منها، ويصرّ على الردّ دائمًا، لكن الآن؟ كان يتراجع إلى الخلف بفمٍ فاغر وعينين مشدوهتين، يحدّق مباشرة في وجهها.
‘ما به هذا؟ نظرته مستفزة!’
قالت بنفاد صبر:
“ماذا؟ لماذا تحدّق هكذا؟ ما الأمر؟“
فتح نواه عينيه على اتساعهما، وكأنه لا يُصدق ما يرى، واقترب منها بخطًى بطيئة:
“أأنتِ… استيقظتِ فعلاً؟“
“طبعًا! أنت من أيقظني! كنت نائمة بسلام!”
كان الغضب لا يزال يسيطر عليها، فتكوّمت مجددًا على السرير محاولة العودة للنوم، لكن نواه أوقفها:
“انتظري! لا يمكنك النوم مجددًا!”
“ولمَ لا؟!”
“لا أعلم… فقط لا تنامي الآن!”
‘وكأنني سأموت إن نمت!’
نظرت إليه بنظرة حادّة، ثم تنبهت فجأة:
“هل طفلي بخير؟!”
قال نواه على عجل:
“في أفضل حال… لا، لا! ليس المهم الآن! سأذهب لأحضِر باليريان فورًا! فقط أبقي مستيقظة حتى يعود!”
ثم هرع إلى خارج الغرفة قبل أن يكمل كلامه.
“قال إنه في أفضل حال، إذًا طفلي بخير.”
شعرت بالطمأنينة فورًا، واستلقت من جديد براحة.
“ومَن يكون والده؟ طبعًا سيكون قويًّا.”
فالطفل وُلد من أقوى محارب في العالم وهو إيلا ومن ساحرة عظيمة، فلا عجب في صحّته الجيدة.
ثم فكرت للحظة:
“كان عليّ أن أسأل على الأقل عن جنسه… لكن سواء كان ذكرًا أو أنثى، طالما هو سليم، فلا يهم.”
أغمضت عينيها مجددًا محاولة النوم، لكن ردّة فعل نواه السابقة ظلت تزعجها.
“هل قال الحقيقة؟ هل طفلي بخير فعلًا؟“
كان شيء ما في تصرفاته يوحي بالعكس… ومع ازدياد الشك في قلبها، فهمت أنه لا أمل في العودة للنوم.
“هاه… لا بأس، سأستيقظ.”
جلست، ثم حرّكت كتفيها المتيبسين، وكأنها كانت نائمة لعدة أشهر لا ليوم واحد فقط.
جسدها كان ثقيلاً بشكل غريب، حتى الوقوف بدا متعبًا لها.
“ما الذي يجري؟ لم أنا ضعيفة هكذا؟“
دوّي!
فُتح الباب فجأة، فارتدّت إيف إلى الوراء في فزع.
“ب–باليريان؟“
لكن هيئته كانت غريبة تمامًا.
“ما بك؟ هل أنت مريض؟!”
بدت ملامحه شاحبة ونحيلة وكأنه لم يذق النوم منذ شهور. الدوائر السوداء تحت عينيه كانت عميقة وهزاله شديدًا.
‘لكنه كان بخير البارحة!’
كيف يمكن لشخص أن ينهار بهذا الشكل في يومٍ واحد؟ شعرت إيف بقلقٍ شديد، خافت أن يكون قد أصيب بمرض خطير.
“إيف… أنتِ حقًا إيف؟“
كان صوته يرتجف، بالكاد يخرج من حلقه.
“نعم… ما الأمر؟“
لم تفهم تصرفه، بدا وكأنه يرى حلُمًا لا واقعًا.
اقترب منها فجأة وعانقها بقوة.
“إيف… لقد… طوال هذه الفترة…”
عندما أسندت رأسها إلى صدره، أدركت أن نبضات قلبه كانت أسرع وأقوى من أي وقت مضى.
“هل تعلمين كم كنت خائفًا من أن أفقدك؟“
لم تستوعب ردّة فعله المبالغ بها، فتكفّل نواه بالإجابة بدلًا عنها:
“يا فتاة، لقد نِمتِ شهرين كاملين!”
“ماذا؟!”
صرخت إيف، ودفعته عنها بصدمة.
“لا تكن سخيفًا!”
“وهل هذا نوع من المزاح؟! إن لم تصدقي، فانظري من النافذة.”
أشار نواه إلى النافذة، فتقدمت إيف وسحبت الستائر.
‘ماهذا…؟‘
في الخارج، حيث كان من المفترض أن تتساقط الثلوج بغزارة، لم تكن هناك ندفة واحدة… بل كانت بتلات الأزهار تتطاير في الهواء.
وعلى الأشجار، تفتحت أزهار الكرز بلونها الوردي الساحر.
‘هل نحن في فصل الربيع؟!’
لم تستطع إيف أن تبعد نظرها عن هذا المشهد.
لم يكن حلمًا.
لقد نامت ليلة واحدة فقط، لكنها استيقظت لتجد الشتاء القارس قد تبدّل إلى ربيع ناعم ودافئ.
*****
“إذًا، هذه هي طفلتي…”
نظرت إيف مطوّلًا إلى طفلتها التي تراها للمرة الأولى.
كانت نائمة بعمق، بشعرٍ أشقر تمامًا كوالدها باليريان.
أما ملامح وجهها الصغيرة، فقد كانت نسخة مطابقة لإيف عندما كانت طفلة.
بدا الأمر غريبًا ومذهلًا في آنٍ واحد، أن تنطوي هذه الملامح الكاملة على وجه صغير بهذا الشكل.
بمجرد النظر إليها، غمر قلبها دفء لطيف لا يوصف.
‘ترى… ما لون عينيها؟ هل هما زرقاوان كعيني باليريان؟ أم حمراوان مثلي؟‘
لكنها لم ترغب في إزعاج نوم الطفلة لمجرد التحقق، فاكتفت بالتحديق بصمت وحنان.
وأثناء تأملها، قال باليريان بصوت منخفض:
“اسمها إيرين.”
“فتاة إذن.”
كانت تعلم ذلك فورًا، لأنهما قررا من قبل إن كان ذكرًا سيسمّيانه إيلين، وإن كانت أنثى فاسمها إيرين.
لكن رغم حديثه، بدا على باليريان بعض الضيق والقلق.
ومع ذلك، كان من الصعب على إيف أن تُشغل نفسها بأي شيء آخر غير الطفلة النائمة أمامها.
رمشت بعينيها مرارًا وهي تحدّق بإيرين… فجأة تحركت الطفلة:
“هممم…”
ربما بسبب الأصوات المحيطة بها، فتحت إيرين عينيها.
كانتا بلون الياقوت، أقرب إلى الأحمر الفاتح من الأحمر الداكن، بدرجة أهدأ من لون عيني إيف.
نظرت إليها الطفلة مباشرة، ثم ابتسمت في براءة.
“يا إلهي… كم هي جميلة.”
تمتمت إيف دون وعي، ثم لمست وجنتي طفلتها برقة.
كانت ناعمة كالقطن، طرية بشكل لا يُصدق، وكأنها تلمس حلمًا حيًّا.
“مرّ شهران كاملان، لا بد أنها كبرت كثيرًا خلالهما… كم كانت جميلة قبل ذلك؟“
نظرت إلى باليريان:
“رأيتها حينها، أليس كذلك؟“
أجاب بصوت خافت:
“نعم… كانت جميلة حقًّا.”
ثم عضّ شفته بقوة.
‘ما باله؟ كلما نظر إلى الطفلة ازداد وجهه كآبة.’
“ريان، هل هناك ما يقلقك؟“
“في الحقيقة…”
فتح فمه ليتحدث، لكنه لم يجرؤ.
عندها توترت إيف، وشعرت بخوفٍ شديد… هل هناك شيء خاطئ بطفلتها؟
“قل لي بوضوح، لا تتردد.”
قال أخيرًا بصوت متهدّج:
“لا أملك وجهًا أُقابل به إيرين…”
“إيرين؟“
أدارت وجهها نحو نواه الذي كان يتابع المشهد من بعيد بنظرات فضولية، وأشارت له بعينيها:
“اخرج.”
“لا، أريد رؤية ابنة أخي أيضًا!”
“أتحب أن أخرجك بالقوة؟“
تبادلوا النظرات بسرعة، لكن الغلبة كانت لمن يملك القوة.
خرج نواه بتأفف متمتمًا تاركًا الغرفة.
بعد أن أصبحا وحدهما، نظرت إليه إيف وقالت:
“أخبرني الآن يا ريان.”
فبدت على وجهه علامات الألم والندم.
“كنت أحمقًا.”
بدأ يروي ما جرى خلال غيابها.
فهم متأخرًا أن السبب وراء غيبوبتها لم يكن مضاعفات الولادة العادية، بل شيء أعمق بكثير.
منذ ذلك الحين، بدأ بجمع كل ما يمكنه من معلومات عن السحرة والولادة السحرية.
حتى إنه سافر إلى المملكة المُقدسة بنفسه، ليبحث بين غبار المكتبات والمخطوطات، لكن دون جدوى.
كل ما وجده هو معلومة واحدة …
كلما كانت قوى الطفل السحرية أكبر، كلما امتصّ من طاقة الأم السحرية بشكل أكبر أثناء الولادة.
حين فهم ذلك، أصبح من الصعب عليه أن ينظر إلى الطفلة.
كان يخشى أن يُسقط عليها مشاعره المظلمة، أو أن يشعر بالكره تجاهها من حيث لا يدري… ففضل الابتعاد.
“إذاً… كل هذا حصل بسببي؟“
هزّ باليريان رأسه بسرعة:
“لا يا إيف! لا تقولي هذا.. كلّ الخطأ كان مني… كان غباءً مني، ولا شيء غير ذلك.”
قالها وأطلق تنهيدة طويلة.
نظرت إليه إيف بصمت، ثم تمعّنت في وجهه المرهق.
لقد صدمها شكله حين دخل الغرفة، لكنه بدا الآن أسوأ حتى من قبل.
لم يكن يبدو كدوق من سلالة لودفيغ، بل كإنسان محطم، بالكاد ما زال حيًّا.
‘منذ أن التقيتني، لم يعرف باليريان سوى الألم.’
تذكرت دموعه حين رآها تستيقظ، ولم تستطع أن تغضب منه.
بل أحست بشفقة وامتنان في الوقت ذاته.
فهي، وهي التي لم تكن بشرًا بالتمام، دخلت في غيبوبة طويلة بلا سابق إنذار.
لا بد أنه شعر كمن يسير في نفق مظلم لا نهاية له، ينتظر معجزة.
“باليريان…”
نادته، فرفع رأسه ببطء، وكأن النداء انتشله من بئر عميق.
حين التقت عيناه بعينيها، كان فيهما ذنب كبير، يثقل كاهله.
لكن إيف بدلاً من العتاب، ابتسمت بهدوء.
رآها تبتسم، فظهرت عليه علامات الحيرة.
عندها قالت، بابتسامة مشرقة:
“لا بأس… سنربيها جيدًا من الآن فصاعدًا.”
_________
معلومة : اسم طفلتهم متل اسم بطله الروايه الاخرى للكاتبه 🥺! شوفو كيوت مره والروايه كمان مترجمه واعتقد كان اسمها متل سأطرد البطل تقريبًا وكانت المترجمه اسمها فتفت لو ما خاب ظني
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 113"