امتدَّ الطريق المُعبَّد أمام القصر الإمبراطوري في ستة اتجاهات.
وعند النقطة المركزية التي تلتقي فيها الطرق الست، تنتصب نافورة كبيرة تنثر المياه النقية بألحانٍ عذبة، وتتخلل الطرقَ حدائقُ غنّاء مشذّبة تلمع بلونٍ أخضر نديّ.
دخل موكب الفرسان والعربة من الطريق المركزي المواجه للقصر الإمبراطوري.
“لقد عدت إلى العاصمة خلال أيامٍ قليلة فقط…”
تمتمت ليتيير وهي تنظر من نافذة العربة نحو القصر الإمبراطوري.
اجتازت العربة الطريق وتوقّفت أمام النافورة.
وبعد الانتظار قليلًا، تقدّم رئيس الخدم، الذي كان بانتظارهم أمام مبنى القصر الإمبراطوري، وفتح باب العربة.
“مرحبًا بعودتكِ، الأميرة ليتيير.”
أمسكت ليتيير بيده ونزلت من العربة، ثم رمقت الحدائق الفاخرة المحيطة بالقصر الإمبراطوري بنظرة متفحّصة.
كان المكان يبدو مألوفًا للغاية، حتى إنها بدأت تشكّ في أنها زارته من قبل حين كانت صغيرة.
هذا هو… قصر الإمبراطورة، الذي لم أره إلا في الحكايات.
“من فضلكِ، اتبعيني من هذا الطريق، جلالة الإمبراطورة بانتظارك.”
أومأت ليتيير لرئيس الخدم، وعدّلت من ثيابها سريعًا، ثم بدأت بالسير خلفه.
أما الآخرون، فقد ترجلوا عن خيولهم وبدؤوا في إرواء عطشهم أو تفريغ حمولة العربات.
تبعت ليتيير رئيس الخدم صاعدةً السلالم المنخفضة المؤدية إلى المبنى، حيث كانت الخادمات يُمسكن أبواب البهو ويفتحنها لمرورها.
“أنا أستخدم مستحضرات التجميل الخاصة بكِ باستمرار. ما اسمها… المرطّب… هل هو كريم أم شيء من هذا القبيل؟”
أجابت ليتيير بانحناءة خفيفة:
“يشرفني للغاية أن أعلم أن منتجاتي قد نالت رضا جلالتك.”
قالت الإمبراطورة وهي تهزّ رأسها بإعجاب:
“أعجبني كثيرًا، لدرجة أنني اشتريت مستحضرات أخرى وأهديتها لمن حولي. بعضهم لاحظ اختفاء التهابات قديمة، والبعض الآخر اختفت لديهم الندوب.”
“معظم المنتجات تركز فقط على الترطيب دون خصائص إضافية، لكن بعضها يعطي تأثيرًا خاصًا، نظرًا لاحتوائه على مسحوق فعّال ممزوج ضمن التركيبة.”
“أوه.”
ارتفعت حاجبا الإمبراطورة ببطء.
أومأت برأسها لأعلى وأسفل بتروٍّ، ثم فتحت فمها من جديد:
“عندما تقولين مسحوق فعّال، ما نوع المسحوق المستخدم في الغالب؟”
أجابت ليتيير بنبرة هادئة:
“عادةً ما تُستخدم مساحيق أعشاب نادرة أو مستخلصات بتلات الزهور. هناك العديد من الأعشاب الطبية التي لا تنمو إلا في مواطن بعض الوحوش.”
“وهل تذهبين بنفسك للحصول على المواد الخام؟”
“هناك تجّار مختصون يتعاملون في هذا المجال، جلالتك.”
“هممم…”
أسندت الإمبراطورة ذقنها على راحة يدها، وأخذت تحدّق في ليتيير التي أجابت دون ارتباك، بعينين يملؤهما الفضول.
حين دخلت هذه الفتاة الصغيرة غرفة الدولة، تساءلت الإمبراطورة عمّا إذا كانت مجرّد اسم يُستَغل، تضع اسمها على شركة وتترك إدارتها للآخرين. لكن ملامحها الجادّة وطريقتها الواثقة بدأت تزيل تلك الشكوك شيئًا فشيئًا.
“تعلمين سبب استدعائي لكِ اليوم، أليس كذلك؟”
“أفهم أنه من أجل علاج مرض الجلد الذي يُعاني منه سمو الأمير.”
“أجل، صحيح. إنني قلقة عليه بشدة. في مثل هذا العمر، كان عليه أن يبدأ بالخروج والتعلّم عن شؤون الدولة، لكن من المحزن أن أراه ينعزل شيئًا فشيئًا… كأم، يؤلمني ذلك.”
رفعت ليتيير رأسها ونظرت إلى الإمبراطورة.
من نبرة صوتها، بدا وكأنها حزينة فعلًا… لكن حين نظرت إليها، وجدتها تنفخ بهدوء على أظافرها المصقولة بطلاء فاخر.
“آه… هل كانت متأثرة فعلًا؟”
قالت الإمبراطورة، وهي لا تزال منغمسة في العناية بأظافرها:
“بدءًا من اليوم، ستتولّين منصب المعالجة الجلدية الخاصة بالأمير. وإذا استطعتِ حقًا شفاء مرضه، فسيكون لكِ جزاء عظيم. لذا، أرجو أن تبذلي قصارى جهدك.”
قالت ليتيير بأدب، بينما تحاول السيطرة على أفكارها:
“مع كامل الاحترام، هناك أمر أرغب بسؤاله جلالتك بشأنه.”
أومأت الإمبراطورة بكسل، دون أن ترفع عينيها عن أظافرها، كما لو أنها تقول: “تفضّلي.”
قالت ليتيير بنبرة ثابتة، بينما تخفض رأسها قليلًا:
“أنا لست طبيبة. لا بد أن هناك الكثير من الأطباء ذوي الكفاءة في الإمبراطورية… لكن، هل هناك سببٌ محدد لأن تُستدعيني أنا دون سواهم؟”
ابتسمت الإمبراطورة بسخرية خفيفة:
“ولِمَ لا أستدعي أطباء القصر الإمبراطوري؟ لقد عجزوا عن إيجاد علاج فعلي. لا يفعلون سوى الحديث عن التوتر والأمراض النفسية، لكنهم لا يستطيعون وصف دواء واحد كما ينبغي.”
‘ما نوع هذا المرض الجلدي؟!’
تعمّق فضول ليتيير، التي بقيت واقفة دون حراك.
هل هناك بالفعل أمراض يعجز الأطباء عن علاجها؟!
تابعت الإمبراطورة، وقد بدأ صوتها يفتقر إلى الاهتمام:
“استدعينا الكهنة ليصلّوا، وجلبنا متأملين من دول أخرى، حتى أننا أرسلنا الأمير بعيدًا ليستريح ويُشفى… لكن بلا جدوى تُذكر. الأميرة ليتيير مجرد خيار من بين خيارات عديدة لمحاولة علاجه، فلا تشعري بثقل المسؤولية.”
“نعم، سأضع ذلك في الحسبان، جلالتك.”
“حسنًا، يمكنكِ الذهاب الآن. باتريك، رافق الأميرة ليتيير إلى الأمير.”
رفعت ليتيير طرفي تنورتها بكلتا يديها، وانحنت باحترام، ثم خرجت من قاعة الدولة خلف كبير الخدم المدعو باتريك.
الإمبراطورة، التي كانت مشغولة بتفقد أظافرها، لم ترد التحية، لكنها ألقت نظرة عابرة على ظهر الأميرة وهي تبتعد.
ومع ذلك، كان من الواضح في نظرها أن هذه المحاولة أيضًا لن تؤتي ثمارًا تذكر.
حدّقت الإمبراطورة صامتةً للحظة في الاتجاه الذي اختفت فيه ليتيير، ثم نهضت من كرسيها على الفور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
“أنا فقدت عقلي تمامًا…”
هذا ما فكّرت فيه ليتير، وهي تُسرع بخطاها خلف باتريك، بعدما قضت ساعاتها الأولى في القصر الإمبراطوري متنقلة من مقابلة الإمبراطورة إلى الأمير دون لحظة راحة.
منذ أن استُدعيت إلى القصر، كانت تشعر أن كل شيء فيه يجري على عجل… بلا نفس.
باتريك تقدم بخطى ثابتة، يعبر الدرجات، ويجتاز عدة ممرات وغرف مجهولة، حتى وقف أخيرًا أمام باب ضخم.
‘لقد تهت… لا أستطيع حفظ الطريق، هذا المكان واسع جدًا.’
رغم أن قلعة دوقية لينيفر تُعتبر كبيرة، إلا أنها لا تُقارن بحجم القصر الإمبراطوري.
شعرت ليتير أن الأمر سيتطلب وقتًا طويلًا حتى تحفظ تضاريس هذا المكان الهائل.
أما باتريك، فلم يُبدِ أي اكتراث لشرودها، وطرق الباب الكبير بقبضته بقوة.
قال بصوت واضح:
“سمو الأمير، لقد أحضرت معالجة الجلد الخاصة بكم.”
اعتدلت ليتير سريعًا، وسوّت تنورتها بيدها.
‘هل سيغضب بمجرد أن يراني؟’
بدأت تتقافز في ذهنها كتب المراجع، والمكونات الأولية، والتقنيات الأساسية للعناية بالبشرة.
لا داعي للارتباك!
وبعد لحظات، فُتح الباب من الداخل على يد خادمة.
أخذت ليتير نفسًا عميقًا، ثم خطت إلى داخل الغرفة الواسعة.
بانحناءة هادئة وصوت رسمي، قالت:
“تحية طيبة، اسمي ليتيير من عائلة لينيفر. سأتولى مهمة معالجة بشرة سمو الأمير بصفة خاصة…”
لكن كلماتها انقطعت، فجأة.
رفعت رأسها ببطء بعد انحنائها، لتجد نفسها في مواجهة… رجل مشوّه.
فالأمير، الذي كان جالسًا قرب النافذة يقرأ كتابًا، استدار ناحيتها وهو يرتدي قناعًا يغطي وجهه بالكامل.
ذلك القناع الأسود، الذي امتد من الجبهة إلى طرف الذقن، لم يُظهر سوى حدقتي عينيه عبر ثقبين عميقين، وكان محكم الإغلاق لدرجة تدفع المرء للتساؤل إن كان قادرًا على التنفس من خلاله.
وعند النظرة الأولى، بدا القناع بزخارفه الذهبية التي تحيط بالحواف وتزين محيط العينين كأنه قناع احتفالي فاخر لنبيل يحضر حفلة تنكرية.
أكملت ليتير حديثها، محاولة أن تُخفي دهشتها قدر الإمكان.
“…سأتولى منصب المعالجة الجلدية الخاصة بسمو الأمير.”
هل يُغطي وجهه هكذا عادةً؟
لم تكن قادرة على معرفة تعابير وجهه بسبب القناع، كما أن الظلال حول عينيه جعلت من الصعب رؤية الحدقتين خلف الثقوب.
ما نوع هذا المرض الجلدي الرهيب الذي يستدعي كل هذا الإخفاء؟
راح الأمير المقنّع يُحدق بها بصمت، ثم أشار إلى الطاولة والكراسي أمامه.
“اجلسي.”
ورغم أن وجهه مغطى بالقناع، إلا أن هيبته كأمير كانت واضحة في نبرة صوته العميق.
مرّ صوته عبر القناع، فبدا مفعمًا بالوقار، منخفضًا وغريبًا بعض الشيء، ربما بسبب اختناقه تحت القناع الثقيل.
هل يتعمد خفض صوته…؟
تقدّمت ليتيير وجلست في المقعد المقابل للأمير.
وبمجرد أن جلست، جاءت الوصيفات وسكبن الشاي الدافئ في أكواب صغيرة لطيفة وقدمن الحلوى.
قناع الأمير لا يحتوي على فتحة للفم، لكنه يدعوني أنا فقط للأكل…؟
قال بصوت هادئ:
“كنت قد سألت من هي الجديدة التي قالت إنها ستساعد في علاجي.”
عند سماع ذلك الصوت الرصين، رفعت ليتيير رأسها ببطء بعدما كانت تنظر بصمت إلى الطاولة، والتقت عيناها بالوجه الأسود للأمير.
لم أستطع رؤية الوجه خلف القناع أبدًا،
لكن الصوت لم يكن مزعجًا.
“كان اسمها الأميرة ليتيير.”
“هل تعرفني؟”
“الجميع يعرفك.”
ابتلعت ليتيير ريقها بصمت.
لقد كانت، هي أيضًا، فضولية حيال ما إذا كان الأمير — المشهور بسوء طباعه — سيتحدث عنها بسوء أو ازدراء.
لكنه قال بصوت هادئ:
“تملكين شركة تجميل عظيمة. العائلة الإمبراطورية تعقد عليكِ آمالًا كبيرة هذه المرة.”
حين علمت أن حتى العائلة الإمبراطورية تعرف عن شركتها، انتابها شعور صغير بالفخر من جديد.
نعم، لنُعالج مرض الأمير الجلدي سريعًا، ونعود إلى الدوقية!
إلى الدوقية، إلى العمل!
لكن…
هل سيكون بحالة جيدة بما يكفي للعودة قبل مهرجان التأسيس؟
ظلت ليتيير تعبث بيديها اللتين وضعتهما على حجرها للحظة، ثم مد
ت يديها بحماس:
“حسنًا إذن، فلنبدأ العلاج دون تأخير.
سمو الأمير! القناع الذي ترتديه منذ مدة…”
“لا.”
“عذرًا؟!”
“لا أريد.”
توقفت ليتيير في اللحظة التي كانت فيها تمد يديها نحو الأمير.
إذًا… كيف أعالجه؟!
نــــــــــــــــــــــــــــــــــهاية الفصل الثامن
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"