“سايمون، سأعود غدًا، لكن حتى ذلك الحين، أريدك أن تتحقق من ذوبانية هذه وهذه وتلك. وأي مذيب يجب استخدامه!”
“أجل! كما ترغبين، أيتها الأميرة. من الآن فصاعدًا، من فضلك ابتعدي عنها وكوني حذرة!”
أومأت ليتيير برأسها وغادرت المتجر مع لوسي وإفرون.
وأثناء التفافنا حول المتجر، رأيت حشدًا من الناس قد تجمّعوا حول شيء ما.
“آه! لا بد أن هذا هو… أيتها الأميرة، لا تنظري إلى ذلك الاتجاه، فقط انظري إليّ وتعالي من هنا!”
قالت ذلك وهي تأخذ العباءة من يد لوسي وتضعها على كتفيها.
كانت عباءة سوداء عادية، لكنها أصرت على إحضارها تحسبًا لبرودة الليل.
“لوسي… لا أستطيع رؤية شيء كهذا.”
“عدم الرؤية أهون بكثير من مواجهة ذاك المنظر القاسي!”
“إنهم الحُرّاس! أفسحوا الطريق قليلًا من فضلكم.”
في تلك اللحظة، ظهر عدد من الحراس أمام ليتيير، التي كانت شبه عمياء بسبب العباءة، وبدؤوا بدفع الناس وتفريقهم.
“آه…!”
“أوه، انتظري… سمو الأميرة…!”
تسلل الحراس بين ليتيير ولوسي، وفرقوهما عن بعض.
بدأت ليتيير تبتعد أكثر فأكثر عن لوسي، تدفعها الأجساد من كل جانب، وهي تتخبط بلا وجهة.
ولأنها لا ترى أمامها، لم تستطع أن تحدد إلى أين كانت تُدفع.
“آه…؟”
راحت تتخبط بيديها، تُدفع من مكان إلى آخر، إلى أن انتهى بها المطاف في زاوية معزولة.
حينها فقط استطاعت أن ترفع يديها وتنزع العباءة عن وجهها تمامًا.
“آه، الأمر يبعث على الضيق!”
أسقطت ليتيير عباءتها على الأرض بسرعة، وأخذت تنظر حولها بقلق، لكن لا لوسي ولا إيفرون كانا في أي مكان قريب.
يبدو أنهما دُفعا وسط الزحام وذهبا إلى الجهة المقابلة لها.
“لوسي! أين أنتِ!“
صرخت ليتيير بأعلى صوتها.
لكن صوتها غرق وسط همسات الناس وضجيجهم، فلم يُسمع بوضوح.
ثم لمحت من بعيد شعر إيفرون البني يتحرك بين الجموع.
“هنا…! أنا هنا!”
لوّحت بيديها وصرخت بقلق.
لكن لوسي وإيفرون كانا قد غادرا بالفعل الزحام، يرافقان امرأة قصيرة ترتدي عباءة مختلفة، وكأنها ليتيير.
ربما لأنهما كانا مشتتين، فقد أخذا تلك المرأة معتقدين أنها الأميرة ليتيير.
“أيها الأحمقان! ألا تعرفان من يفترض بكما حمايته! أنا هنا، هنا تمامًا!”
لم يكن للركض في مكانها أو الصراخ أي فائدة.
فقد ابتعدا عن الحشود دون أن ينتبها إلى خطئهما.
“كان عليكِ أن تخبريني مسبقًا أين سنقيم، يا لوسي…”
كان من الصعب تصديق أن سكرتيرتها الماهرة قد ارتكبت مثل هذا الخطأ.
لم يكن كافيًا أنها أخذت شخصًا آخر بدلًا مني، بل إنها لم تخبرني أيضًا بالمعلومة التي كان يجب أن تُعطى لي…
وقفت ليتيير في مكانها للحظة، تحدّق أمامها بشرود، ثم أنزلت يديها ببطء.
بدا أن الانتظار في نفس المكان هو الخيار الأفضل الآن.
فمن المنطقي أن يدركوا قريبًا أن الفتاة التي اصطحبوها ليست هي، وعندها سيعودون إلى النقطة التي افترقوا عندها.
يبدو أن الحراس قد أنهوا تفتيش المكان، والحشود التي كانت متجمعة بدأت تتفرق تدريجيًا، لذا كان القرار صائبًا بالبقاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد حوالي ساعة، كان الحارس الأخير المتبقي قد أنهى تدوين شيء ما في الدفتر الذي يحمله، ثم استدار واختفى.
ولم يبقَ أحد في مكان الحادث.
ولوسي وإفرون لم يعودا إلى هناك حتى تلك اللحظة.
“لا أصدق… هل من الممكن أنهم لم يدركوا حتى الآن أن من معهم لم تكن أنا؟”
قالت ليتير، وهي جالسة على الدرج القريب من مكان الحادث، وقد بدأت ساقها تؤلمها، نادمةً على أنها لم تعد إلى متجر سايمون.
ظنّت أنهم سيأتون قريبًا، فظلّت تنتظر… لكن كل ذلك كان بلا جدوى.
وفي هذه الأثناء، كان سايمون قد أغلق المتجر وعاد إلى منزله.
وبينما كانت ليتيير تُعد نفسها للنهوض والذهاب إلى مركز الحرس بدلًا من الانتظار، ظهر رجل من جهة الزقاق.
جسد ضخم وشعر داكن.
كان رجلًا يبدو عليه الهدوء واللامبالاة.
توقف الرجل أمام مكان الحادث، وانحنى قليلًا، وبدأ يراقب الأرض بعناية.
الشخص الذي سقط هناك كان قد أُخذ بالفعل من قِبل الحراس، ولم يتبقَ سوى آثار خافتة.
ظل الرجل واقفًا لبرهة وكأنه غارق في التفكير، ثم أخرج زجاجة صغيرة، فتح غطاءها، وقطّر منها سائلاً شفافًا.
عندما لامس السائل الأرض، تصاعد منه دخان خفيف، سرعان ما جفّ واختفى.
أخذ الرجل يدور في أرجاء المكان، يكرر الفعل ذاته هنا وهناك.
راقبت ليتيير المشهد باهتمام لبعض الوقت، ثم فتحت فمها وقالت:
“أليس من الخطر أن تعبث بموقع الحادث بهذا الشكل؟”
“لقد أفزعتني.”
قال الرجل وهو يلتفت نحوها.
لكنه لم يرمش حتى، رغم أن كلماته عبّرت عن دهشة.
ثم عاد لينظر إلى الأرض مرة أخرى.
“لا تقلقي، أنا من سكان الحي. فقط شعرت بالفضول لأني لم أرَ شيئًا كهذا يحدث من قبل في محيطي.”
“مقيم؟ أنا أعرف كل المتاجر الموجودة هنا، ولم أرَ أحدًا مثلك من قبل. من أي متجر أنت؟”
كانت تكذب.
فليتيير، التي كانت تعيش في دوقية لينيفير، لم تكن تزور الأزقة الصغيرة في العاصمة كثيرًا، وبالتالي من المستحيل أن تعرف كل المتاجر الموجودة فيها.
لكنها كانت تظن أن أغلب المتاجر في هذه المنطقة تبيع المواد الخام، وأنه من غير المعقول أن يكون أحدهم يرتدي ملابس نظيفة كهذه.
غالبًا ما كان البائعون في هذه الجهة يرتدون ملابس متسخة، بها آثار مواد خام ملطخة هنا وهناك، وقلّما كانت ثيابهم أنيقة.
بل إنّهم ربما كانوا يرمون ملابسهم بعد الانتهاء من العمل.
“آه…”
عبث الرجل بخصلات شعره للحظة، ثم أشار بأصابعه إلى جهة ما وتحدث:
“أنا ابن صاحب المتجر.”
“ابن من…؟”
نظرت ليتيير نحو المكان الذي أشار إليه الرجل، لكنها توقفت فجأة عن الكلام.
لقد كانت إصبعه تشير إلى متجر سيمون للمواد الخام.
“سي-سيمون…؟!”
ابن سيمون؟ هل لسيمون ابن في مثل هذا العمر؟
نظرت ليتيير إلى الرجل من جديد بنظرة مختلفة.
هل كان لسيمون زوجة؟ ثم… لا يوجد أي شبه بينهما! هذا الشاب وسيم!
“عليك أن تشكر والدتك…”
تمتمت ليتير بصوت منخفض.
“ماذا قلتِ؟”
“لا شيء! إذًا، ما اسمك؟”
ظل الرجل ينظر إليها صامتًا لفترة، ثم تحرك بخطوات وئيدة نحوها.
وقف أمامها بطول شاهق، حتى إنها اضطرت إلى رفع رأسها كثيرًا لتنظر إليه.
وكانت عيناه الحمراوان الغامضتان تنظران إليها من علٍ.
“امرأة تتحدث هكذا مع رجل تراه لأول مرة… لا بد أنك آنسة نبيلة، أليس كذلك؟”
“أمم… في إمبراطورية تريلانتي، هناك الكثير من الناس النبلاء في كل مكان.”
عند إجابة ليتيير، ضاق الرجل عينيه قليلًا، ثم نظر إليها من أعلى إلى أسفل ببطء، قبل أن يتكلم من جديد:
“من الأفضل ألا تتجولي بمفردك. العاصمة أخطر بكثير مما تظنين. فربما يقوم شخص سيئ باختطاف آنسة نبيلة تتجول من دون وصيفة أو حارس… ويطلب فدية مقابلها.”
“أوه… أنا أرى.”
الرجل الذي كان يحدق إلى ليتيير، والتي تنهدت أخيرًا وكأنها استوعبت الموقف، انفجر ضاحكًا.
“أرى أنك لم تفكري في ذلك، إذًا فأنتِ حقًا آنسة ساذجة. الشمس على وشك المغيب، من الأفضل أن تعودي إلى نزلكِ قبل أن يحل الظلام أكثر.”
تنهد الرجل ببرود، وألقى نظرة أخيرة على ليتيير، ثم استدار دون أي تردد.
“لا تقلقي بشأن أثر الضرر في موقع الحادث. السائل الذي استخدمته لا يترك أي علامات.”
وقبل أن تتمكن ليتيير من الرد، كان قد استدار واختفى.
كانت حركته سريعة، تمامًا كما ظهر فجأة من قبل.
“كان عليّ أن أسأله عن موقع مركز الحراسة…”
تمتمت ليتيير وهي واقفة بمفردها، تشعر بندم متأخر.
وكما قال الرجل، قررت أن تخطو أولى خطواتها للبحث عن مركز الحراسة قبل أن يزداد الظلام.
“عذرًا! هل تعرف أين مركز الحراسة؟”
سألت ليتيير رجلًا في منتصف العمر يبدو ودودًا، على أمل أن يكون على دراية بالمكان.
كان يملك ملامح دافئة، وبدت عليه الطيبة حين رأى ملابس ليتيير الراقية.
فابتسم بلطف وقال:
“آه… الأمر معقد قليلًا، لكن ركّزي جيدًا! امشي مستقيمة على هذا الطريق، ثم خذي يمينًا عند الزقاق الثاني، وبعدها اصعدي في الزقاق الثالث من اليسار، ثم توجّهي نحو الساعة الثالثة عند النافورة الدائرية، بعد ذلك امشي إلى يمين التفرع، وعندما تصادفين السلالم، اسلكي الطريق على اليمين بعد أن تصعدي ثلث الدرجات تقريبًا…”
“مهلًا، مهلًا! هل كانت شوارع العاصمة دائمًا معقدة بهذا الشكل؟!”
قالت ليتيير بوجه ممتعض، غير قادرة على استيعاب نصف ما قيل لها.
“أوه، نعم، إنها معقدة بعض الشيء، أليس كذلك؟ حسنًا، ركّزي مجددًا، استمري بالسير هكذا…”
“لا بأس، سأتابع طريقي على هذا الدرب وأسأل شخصًا آخر لاحقًا. شكرًا لك!”
ثم بدأت ليتيير تمشي ببطء، محاولة أن تطبّق توجيهاته قدر الإمكان.
إذًا هنا… في الزقاق… أستدير يسارًا… ثم النافورة…
“… ماذا؟ كيف؟”
توقفت ليتيير، التي بدا أنها تاهت سريعًا، ونظرت حولها بتوتر.
بدا أن الطريق الذي تسلكه ليس هو المقصود، وأنها في حيّ غريب تمامًا منذ وقت طويل.
ماذا؟!
لا يُعقل أن تكون نقطة الحراسة في مكان ناءٍ كهذا…
فوق ذلك، لم يكن هناك الكثير من الناس يتجولون هنا.
وقفت ليتيير في الشارع لبعض الوقت وهي تفكّر، ثم تحركت نحو متجر ينبعث منه ضوء أحمر ساطع من خلال الباب.
ضحكة امرأة عالية النبرة كانت تتسرب من الباب المفتوح قليلاً.
لابد أن هناك أشخاصًا بالداخل…
وبينما كانت على وشك أن تمسك بمقبض الباب، سمعت خُطى عاجلة تقترب من خلفها، ثم قفز أحدهم وأمسك بمعصمها.
وفي ذات اللحظة، استقر صوت منخفض في أذنيها:
“أراهن أنكِ لا ترغبين بالدخول إلى هناك، أليس كذلك؟”
نـــــــــــــــــــــــــــــــهـاية الفصل الثالث
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"