“من فضلك، أرِنِي الدعوة.”
أريتُ الدعوة للحارس عند المدخل. أخذها وتأكّد منها، ثم انحنى، وفتح الباب المغلق بإحكامٍ ببطء.
صرير! أصدرت المفصلات صوتًا مزعجًا فجأةً، وانفتح الباب.
في الوقت نفسه، اخترق ضوء ثريّا ذهبيةٍ ساطعٌ عينيّ. كان ساطعًا لدرجة أنه أعمى رؤيتي. عبستُ قليلاً ورمشتُ عدّة مرّاتٍ لأعتاد على الإضاءة.
عندما استعدتُ بصري أخيرًا، كان أوّل ما رأيتُه أشخاصًا يرتدون أقنعةً مشابهةً لأقنعتنا.
“هل تعرفهم؟”
سألتُ لُــو بصوتٍ خافت.
“علينا أن نقترب أكثر لنكتشف ذلك.”
أومأتُ بموافقة. غطيتُ فمي بمروحتي ورفعتُ ذقني.
“بما أن وجهتنا اليوم ليست نبلاءً على أيّ حال، فلا أعتقد أن هذا مهم.”
“سأراقبهم، تحسّبًا لأيّ طارئ.”
“فكرةٌ جيدة.”
سِرتُ ببطءٍ إلى منتصف القاعة.
كان صوت ارتطام الكؤوس واضحًا، وهمسات الحديث الخافتة، ولحن البيانو الأنيق يتردّد كالأشباح بين الشخصيات المقنّعة.
على خشبة المسرح الدائرية في منتصف القاعة، وقفت ‘البضاعة’، لا تزال محاطةً بالغموض. بقيت أعين الكثيرين من الشرفة مثبَّتةٌ عليها.
امتدّت مقاعد المعرض المزخرفة من الطابقين الثاني والثالث.
كان الجالسون هناك، وكؤوس النبيذ في أيديهم، يحدّقون إلى المنصة، منتظرين بدء المزاد.
“الجو غريب.”
انحنيتُ أقرب قليلًا إلى ذراع لُــو وقلتُ.
“هل جميعهم أحياء؟”
“إذن، هل هم آلات؟”
“الأمر مخيفٌ بعض الشيء لأنهم لا يرمشون.”
“لا تتظاهري بالخوف، شارل. هذا لا يناسبكِ.”
حاولتُ تجاهل تمتمات لُــو. يقول إنه يحبّني، لكن أسلوبه في الكلام لا يزال بغيضًا.
سيطر عليّ جوٌّ غريبٌ نوعًا ما، حتى يديّ، المتشابكتان مع يديه، بدأتا تتعرّقان قليلًا.
“مقاعدنا في الطابق الثاني. هيّا بنا.”
تساءلتُ إن كان على علمٍ بحالتي.
قادني لُــو إلى الطابق الثاني، وتبعتُه متظاهرةً بأنني بخير.
مشيتُ ببطءٍ نحو مقعدي.
وراء درابزين الرخام الكريمي، استطعتُ رؤية المنظر الرائع للقاعة.
بدا لي أن الثريا، التي كانت تُبهرني منذ دخولي، قد أصبحت أكثر سطوعًا، فعقدتُ حاجبيّ مجددًا ونظرتُ حولي.
في تلك اللحظة.
“….”
في مقعدٍ بعيد.
جلس رجلٌ على كرسيٍّ بوسائد مخمليةٍ ناعمة.
حدّق بي.
رغم أن قناعه الأسود كان يُخفي وجهه جزئيًا، إلّا أن عينيه كانتا صافيتين كالبلّور.
رغم أنني لم أستطع رؤية وجهه، إلّا أنني شعرتُ بابتسامته.
كما لو كان ينتظرني.
كانت ابتسامته، بزوايا شفتيه المنحنية بشكلٍ طبيعي، رقيقةً وجميلةً لدرجة أنها أرعبتني.
“…أدريان.”
تمتمتُ دون أن أُدرك. ثم نظر إليّ أدريان وهزّ كأس نبيذه برفق.
“شارل؟ ما الخطب؟”
نظر إليّ لُــو، الذي كان يقف بالقرب، بقلق. انتابني صداعٌ خفيف، ثم لمستُ جبيني.
لماذا أدريان هنا؟
وكيف عَلِم بقدومي؟
مستحيل …
“لُــو. دعوة المزاد هذه.”
“نعم.”
“مَن أعطاكَ إياها؟”
أمال لُــو رأسه قليلاً وأجاب.
“لم يكن هناك مُرسِل. سألتُ في الجوار، وقال العديد من الأشخاص إنهم استلموها بنفس الطريقة، لذلك لم أشكّ في أيّ شيء.”
كما هو متوقّع.
كانت الدعوة من أدريان.
لقد دعاني أنا ولُــو إلى هنا.
لماذا إذًا؟
‘ما الذي يُدبّره؟’
لم أستطع أن أهدأ لأنه كان دائمًا يُدبّر أمورًا غريبة.
إلى جانب ذلك، كنتُ مُصمّمةً على التحدّث مع أدريان.
كان يجب أن أغضب، وأسأله لماذا يُصعِّب الأمور عليّ بكلامه الفارغ مع لُــو.
‘أحتاج أن أعرف لماذا دعاني أنا ولُــو إلى هنا.’
حلّلتُ هذا، وطويتُ المروحة التي كنتُ أحملها.
“شارل. ما الخطب؟ هل أنتِ بخير؟”
زفرتُ بهدوءٍ ونظرتُ إلى لُــو.
“أدريان هناك.”
“… هاه؟”
تبع لُــو نظرتي.
كان تعبير وجهه مُخفيًّا خلف قناعه، لكنني استطعتُ أن أرى أنه عبس بانزعاجٍ لحظة رؤيته أدريان.
“سأتحدّث معه.”
قلتُ وأنا أسحب ذراعي من ذراع لُــو. لكنه أمسك بكتفي يوقفني.
“حسنًا، شارل.”
تحدّث بحذر.
“هل سيبدو الأمر وكأنني خاسرٌ جدًا إذا سألتُ إن كان عليكِ الذهاب حقًا؟”
رمشتُ عدّة مرّات. أحيانًا يكون لُــو وسيمًا جدًا جدًا. لهذا السبب لا أستطيع كرهه.
“لم تكن يومًا خاسرًا.”
ربّتُ على خدّ لُــو وقلتُ.
“هو الخاسر.”
“….”
غطّى لُــو وجهه بكفّه وأدار رأسه. رأيتُ تفاحة آدم خاصّته ترتجف. أوه، ما الخطب؟
“حسنًا، اذهبي. سأبقى جالسًا.”
لا أعرف لماذا كان يتصرّف هكذا، لكنني أسرعتُ قبل أن يغيّر رأيه.
لأتحدّث مع أدريان، الذي كان لا يزال يحدّق بي باهتمام.
* * *
“لا بد أنكِ كنتِ تستاقين لرؤيتي. لقد تعرّف عليّ فورًا، حتى وأنا أرتدي قناعي.”
قال أدريان ما إن صرتُ على مقربةٍ منه.
“لا تكن سخيفًا.”
ضيّقتُ عينيّ وجلستُ بجانب أدريان.
“لماذا؟”
ثم دخلتُ في صلب الموضوع.
“لماذا دعوتَني أنا ولُــو؟”
رأيتُ الهدوء يتلاشى تحت قناع أدريان. أمال كأس نبيذه ونظر إليّ.
“هل أنتِ متأكدةٌ حتى من أنني فعلتُ ذلك؟”
“إن لم تكن أنتَ، فمَن كان سيرسل لنا دعوة؟”
عندها، ارتعش خدّ أدريان.
“لو كنتُ أعلم أن هذا سيحدث، لكنتُ على الأقل وضعتُ ختمي. وكتبت ‘أدريان بارتيروس قادم’.”
“أدريان، هل ستستمر في المراوغة هكذا؟”
“حسنًا، حسنًا.”
تجرّع ما تبقى من النبيذ في كأسه دفعةً واحدة، ثم أراح يديه المتشابكتين على ركبتيه.
“دار المزادات التي تُسوّق نفسها على أنها حفلةٌ تنكّريةٌ مكانٌ ساحرٌ حقًا.”
نظر حوله.
“لأنني أستطيع الاختباء وراء قناع، وبسبب ذلك، أستطيع الكشف عن رغباتي.”
“لنصل إلى صلب الموضوع.”
“لهذا السبب أنا في خطرٍ ما.”
في لحظة، خطرت في بالي محادثة الإمبراطورة وبايلور.
«اقتل أدريان.»
هل هذا هو السبب؟
هل هذا هو سبب حصار أدريان؟
التقطتُ أنفاسي ونقرتُ بلساني قليلًا.
“لو كنتَ تعلم أن الأمر خطير، لكنتَ تجنّبتَه. لماذا أتيتَ إلى هنا كلّ هذه المسافة؟”
“أوه، شارل.”
في تلك اللحظة، رفع أدريان نظره فجأةً.
“ألم تتفاجئي؟”
“…ماذا؟”
“لم تتفاجئي حتى عندما أخبرتُكِ أنه أمرٌ خطير. لماذا؟”
ابتسم بسخريةٍ وهو يشدّ معصمي.
“أنتِ تعرفين شيئًا أيضًا.”
أرعبني منظر شفتيه الطويلتين الغريبتين والمتشقّقتين. حاولتُ سحب يدي بعيدًا، لكن قوّته كانت هائلة.
“لماذا؟”
لمعت عينا أدريان تحت القناع بشراسة.
“هل أمركِ القائد بقتلي؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات