“توقّف!”
صرختُ بصوتٍ عالٍ وسحبتُ منديلًا بسرعة.
لو أن داميان أطلق الغاز السام حقًا، لما استطاع هذا المنديل منع استشاقه، لكنه قد يمنحني بضع ثوانٍ.
“مهلاً، هل يمكنكَ على الأقل أن تسألني لماذا أتيت؟”
صرختُ على عجل. لكن في تلك اللحظة …
توينك! ارتدّت شفرةٌ حادةٌ من الحائط.
تجنّبتُ الشفرة بصعوبةٍ بثني خصري، لكن كاحلي التوى، وجُرِحت رقبتي قليلاً.
“آه…”
لو كنتُ في حالتي الطبيعية، لتفادينُ شيئًا كهذا دون أن أرمش.
هذه ضربةٌ لكبريائي.
[هذا …]
صدر صوتٌ خافتٌ من السماعات مرّةً أخرى.
[كان من المفترض أن بصيب الرقبة …]
“داميان. هل تريد الموت حقًا؟”
[أنا ميتٌ بالفعل ……]
حسنًا، هذا ليس خطأً، لأنه تظاهر بالموت بعد طرده من كاتاكل.
“ليس هذا هو المهم. ألا تشعر بالفضول لمعرفة سبب مجيئي؟ هاه؟”
[أنتِ لستِ هنا لقتلي حقًا …… ؟]
“لو كان الأمر كذلك، لكنتُ أحرقتُ هذا المكان عن بكرة أبيه.”
[آها …… فهمت …….]
استنشق داميان.
[لماذا إذًا ….. ؟]
“أولًا، افتح الباب. سأشرح لكَ بعد رؤية وجهك.”
[آه ……]
تنهّد وصمت للحظة.
مقتنعةً بأنه سيفتح الباب بعد أن تحدّثنا حتى هذه المرحلة، انتظرتُ بهدوءٍ كلماته التالية.
[لا يمكنكِ قتلي ……]
داميان المعتاد.
ضحكتُ وأومأتُ برأسي.
“فهمت.”
[إذا متُّ، سينفجر هذا المكان تلقائيًا …]
“أخبرتُكَ أنني لن أفعل.”
[إذا مِتُّ، ستموتين أنتِ أيضًا…]
“حقًا لن أفعل! افتح الباب!”
[لا تزالين عديمة الصبر …]
هاه، تنهّد مرّةً أخرى، ثم ارتجف شيءٌ ما.
بعد قليل، سُمِع صوت طقطقة، وبدأ الجدار أمامي يتحرّك.
بعد فحصٍ دقيق، رأيتُ أن الجدار بأكمله مصنوعٌ من أجهزةٍ ميكانيكية.
‘هذا مذهل.’
كيف يصنع شيئًا كهذا؟
حتى مع الأخذ بعين الاعتبار نبرة كلامه المميزة الفاترة أو شخصيته، يظلّ حقًا مذهلاً.
‘بالطبع، رغم أن حالته العقلية ليست جيدة.’
دخلتُ من الباب المفتوح بالكامل.
على عكس الرواق المظلم، كانت المساحة خلف الباب مشرقةً ومضاءةً جيدًا.
لا ينبغي أن تكون هناك أيّ فخاخٍ هنا، أليس كذلك؟
لففتُ رقبتي المُرتعشة بمنديل، ومشيتُ ببطء.
بعد قليل، ظهر بابٌ آخر.
كان الباب مفتوحًا بالطبع، وفي الداخل غرفةٌ دافئة.
“إذن هذا هو المكان الذي تعيش فيه.”
علّقتُ، وأنا أنظر إلى الإضاءة المشرقة، والمدفأة، والسجادة الدافئة التي تُغطي الأرضية.
“بالنسبة لهارب، يبدو أنكَ تعيش حياةً هانئة، أليس كذلك؟”
“لم أدّخر ليومٍ أو يومين فقط …”
جاء صوتٌ من تحت ظلال ضوء الشمعة.
أدرتُ رأسي فرأيتُ داميان واقفًا في حيرة، وجسده مُغطًّى بدرع سميك.
بشعره الأخضر الفاتح الطويل، بدا الآن كما كان قبل خمس سنوات.
الفرق الوحيد كان إطار نظارته.
“ما هذا الدرع؟”
ضحكتُ ضحكةً مكتومة.
“قلتُ إني لن أقتُلَك.”
“لا أثق بكِ …”
“إن كان الأمر كذلك، فما كان عليكَ إدخالي أصلًا.”
“أنا فضولي …”
على أيّ حال، هو نفس الشخص الذي كان عليه آنذاك. تمتمتُ وأنا أجلس على الأريكة.
ثم تحدّثتُ إلى داميان، الذي كان لا يزال واقفًا هناك، ودرعه في يده.
“أنتَ تعلم أنه قد حدثت محاولة هجومٍ إرهابيٍّ في مضمار السباق قبل مدّة، صحيح؟”
“أجل…”
“أنتَ مَن صنع القنبلة التي استخدموها آنذاك.”
“آه … كنتُ أعرف أن ذلك سيحدث …”
انحنى كتفا داميان.
“إذن …؟ هل تحاولين التعويض عن ذلك ..؟ هل ستقتلينني …؟”
“أوه! لن أقتلك! هل رأيتَني أقتل أحدًا من قبل؟ هاه؟”
“أنتِ سريعة الغضب …”
تمتم داميان واقترب مني ببطء. نظرتُ إليه بتمعّنٍ وقلتُ.
“ألا تتساءل لماذا استُخدِمَت القنبلة التي صنعتَها في الهجوم الإرهابي؟”
أمال داميان رأسه قليلًا. تدحرجت عيناه الذهبيتان خلف نظارته التي سقطت على جسر أنفه.
“أعرف السبب … لا بد أن القائد هو مَن فعل ذلك …”
“هل كنتَ تعلم؟!”
سألتُ بدهشة.
أجاب داميان بنظرةٍ بدت وكأنها تتسائل عن سبب دهشتي هذه.
“لطالما كَرِه القائد … العائلة الإمبراطورية … لذا افترضتُ أن ذلك سيحدث …”
للحظة، عجزتُ عن الكلام.
خطر ببالي أن الجميع كان يعلم أن بايلور يُدبِّر انقلابًا.
شعرتُ أيضًا أن الأمر لم يكن مجرّد أنني وحدي مَن لا يعلم، بل ربما كنتُ أنا مَن لم أُرِد أن أعلم.
‘يا لي مُثيرةٍ للشفقة.’
هل بايلر شخصًا طيبًا لي إلى هذه الدرجة؟
أيُعقل أنّه كان عظيمًا جدًا لدرجة أنني عشتُ وكأن كلماته قانون؟
شعرتُ بحزنٍ شديدٍ لدرجةِ رغبتي في الزحفِ إلى حفرة.
هاه! أخذتُ نفسًا عميقًا.
“أحاولُ إيقافَه.”
أمال داميان رأسهُ مجددًا.
“لماذا …؟”
نظر إليّ بنظرةِ دهشةٍ مُطلَقة.
“أنتِ كلب القائد…”
“كلب؟ هذا قاسٍ بعض الشيء.”
“لكن …؟”
تسك، نقرتُ على لساني.
كما قال، ربما كنتُ كلب بايلور.
كلبٌ بعصابةِ عينٍ كعصاباتِ خيولِ السباق.
كلبٌ مُجبَرٌ على رؤيةِ بايلور، سيده فقط، وغيرِ قادرٍ على النظرِ إلى أيِّ شيءٍ آخر.
“ليس بعد الآن.”
“لا أصدّقُكِ…”
“يمكنكَ أن تُقرِّر ما إذا كنتَ ستثق بي أم لا بناءً على أفعالي من الآن فصاعدًا.”
“أرى …”
قلتُ له مجددًا، فوضع درعه وشبك ذراعيه.
“على أيّ حال، ساعِدني من فضلك.”
شددتُ قبضتي.
“أريد إيقاف القائد. أريد إيقاف الانقلاب، وأريد إنقاذ الأبرياء الذين يتعرّضون للأذى. لذا.”
“…..”
“اصنع لي شيئًا.”
رمش داميان.
“هل سأحصل على أيّ مقابلٍ لذلك …؟”
كنتُ أعلم أنه سيقول شيئًا كهذا. حدّقتُ به، ثم أعطيتُ الإجابة التي أعددتُها.
“الانتقام.”
“الانتقام…؟”
“ألا تريد الانتقام مِمَّن طردوكَ وجعلوكَ تعيش في هذا القبو؟”
“….”
أضاءت عينا داميان للحظة. ابتسم لي بتعبيرٍ حيويٍّ لم أرَ مثله من قبل.
“هل يمكنني قتلهم؟”
“هذا غير مسموحٍ به.”
تغيّرت ملامحه فجأة.
“آه ….”
“لم آتِ كلّ هذه المسافة لأرى جنون رجلٍ عجوز.”
“عمري ثلاثون عامًا فقط ….”
“هذا يعني أنكَ أكبر مني.”
هززتُ كتفيّ بلا مبالاة، وتابعتُ.
“فقط لنجعلهم يتعذّلون أسوأ من الموت نفسه.”
“كيف …؟”
“ما هي الآثار الجانبية للأدوية المُحسّنة للجسم التي كنت تُعطيها حتى لقادة الوحدات آنذاك؟”
فكّر داميان للحظة قبل أن يُجيب.
“تساقط الشعر …”
“…..”
يا لهم من أوغاد.
أن يُطرَد من الفريق شخصٌ موهوبٌ كهذا لمجرّد تساقط الشعر كأثرٍ جانبيٍّ لأحد منتجاته.
لعقتُ شفتي وأجبتُ.
“سنستمر في إطعامهم هذا، على ما أعتقد.”
رمش داميان عدّة مرّات، ثم أومأ بابتسامةٍ مشرقة.
“جيد …”
تمتم بأنه سيزيد من آثار تساقط الشعر الجانبية سوءًا.
همم. لا يجب أن أتناوله إطلاقًا.
على أيّ حال، بدا أن المحادثة قد انتهت، فسألتُ مرّةً أخرى.
“إذن، يمكنكَ صنع شيءٍ ما لي، أليس كذلك؟”
أصبحت نظرة داميان أكثر جديّةً من ذي قبل.
“أنتِ …”
اقترب من الأريكة التي كنتُ أجلس عليها ونظر إليّ.
“ماذا تريدين أن تفعلي …؟”
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفة.
“أنا؟”
صدف أن لديّ خطة يا رفيق.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات