طلبتُ من ماردي أن تُخرِج جميع الأحذية من المنزل.
“سمعتُ أن هناك عامل ماسح أحذيةٍ أمام القصر. أشعر بالأسف عليه، لذا سأعرض عليه بعض المال مقابل العمل.”
كان عذرًا مثاليًا، عذرًا لم يُثر أيّ شكوك.
كان لُــو مُختبئًا في غرفة الدراسة آنذاك، لذا لم يكن هناك ما يدعو للقلق.
“يا لها من فكرةٍ رائعة! حسنًا. لنُخرجها معًا!”
كما هو متوقع، صفّقت ماردي فرحةً، وأخرجنا الأحذية من القصر معًا.
“أهلًا!”
رحّب بنا بينكي بنفس الطريقة التي يُرحِّب به بأيّ ضيفٍ عادي.
“أوه، هل ستتركون كلّ هذا لي؟ لقد فزتُ بالجائزة الكبرى اليوم!”
أجبتُ بينكي، الذي كان يمزح.
“حسنًا. إذًا يجب أن تُحسِن معاملتنا، أليس كذلك؟”
“دعي ذلك لي!”
صرخ بينكي رافعًا إبهامه.
تجنّبت بينكي النظر إلى عينيّ عمدًا، وتحدّثتُ إلى ماردي.
“ماردي، ابقي في الداخل. لقد كنتُ بالداخل لفترة، لذا سأستنشق بعض الهواء النقي ثم أدخل.”
اتّسعت عينا ماردي عند سماع هذا.
“يا إلهي. هل لا بأس على البقاء بمفردكِ؟”
“إنه أمام القصر مباشرةً، أليس كذلك؟”
“هناك كرسيٌّ هنا!”
بفضل دعم بينكي، أصبحت الأمور أسهل قليلًا.
“سأجلس هنا قليلًا ثم أذهب.”
تردّدت ماردي للحظة، ثم أومأت برأسها موافقة.
“ادخلي قبل أن يبرد الجو يا آنسة!”
“نعم. سأفعل.”
بعد ذلك، صرفتُ ماردي وجلستُ على الكرسي، مواجهةً إياه، وتحدّثتُ.
“أعتذر على إجباركَ على الحضور. لقد عدتُ إلى وعيي متأخّرًا.”
“أعلم.”
أجاب بينكي، وهو يضع ملمّع الأحذية.
“أعتقد أنني وسيط معلوماتٍ بذاتي.”
“هذا صحيح. شكرًا لتفهّمكِ.”
ضحكتُ ونقرتُ بإصبع قدمي.
“بما أنكَ وسيط معلومات، فمن المحتمل أنكَ اكتشفتَ مَن صنع القنبلة، أليس كذلك؟”
“كنتُ أعرف أنكِ ستسألين.”
ابتسم بينكي، مُطابقًا لابتسامتي.
“رقم 18.”
“…..”
18، 18 …… اتّسعت عيناي عندما تذكّرتُ الاسم الرمزي.
“هل تقصد داميان؟”
“نعم، هذا صحيح.”
“لقد مات!”
داميان ليوان.
كان المُبدِع البارع في صنع معظم معدّات تجسّس كاتاكل.
لكن ذلك كان قبل خمس سنوات، على ما أعتقد.
كانت للأدوية المُحسّنة للجسم التي ابتكرها آثار جانبية.
حتى قادة الوحدات تناولوا الدواء وعانوا من آثاره الجانبية، لذا طُرِد في النهاية من كاتاكل. بمعنًى آخر، لقد تم قتله.
لكنه حيّ؟
“حسنًا، بمهاراته، كان بإمكانه بسهولةٍ صنع جثّةٍ مزيفة، أليس كذلك؟”
“هذا… صحيح. ولكن مع ذلك، فإن إخفاء حياته لخمس سنوات أمرٌ لافتٌ للنظر. حتى القائد لا يعلم، أليس كذلك؟”
“نعم. لا يعلم.”
هذا جعلني أكثر فضولًا.
“إذن كيف عرفت؟”
“لقد اعتنى بأخي. لذلك كنّا على اتصالٍ من حينٍ لآخر.”
آه. إذًا، ليس الأمر وكأنه غير مفهوم.
داميان.
إذن هو حيّ.
هذا يُسهِّل الموضوع.
ربما يكون غاضبًا من كاتاكل لمحاولتهم قتله، لذا إن استطعتُ إقناعه بمساعدتي ……!
‘جيد.’
التفتُّ إلى بينكي وأنا أقبض قبضتي.
“إذن، هل تعرف أين هو؟”
“أجل، إنه هنا.”
رمى بينكي لي بعملةٍ معدنية. كان هناك كتابةٌ صغيرةٌ محفورةٌ على جانبها، ربما عنوان.
“شكرًا لك. سأعطيكَ المال دفعةً واحدةً لاحقًا. لم أُحضِر الكثير اليوم.”
لم يُجِب بينكي.
بدلًا من ذلك، أدار رأسه وحدّق بي باهتمام.
مع أنه من الخطأ النظر إليّ بهذه الطريقة خلال محادثةٍ سرية.
“شارل.”
أعاد بينكي نظره إلى الحذاء وتابع.
“لستُ ذلك الطفل الجاهل.”
“هاه؟”
“القائد يُحضِّر لانقلاب، أليس كذلك؟”
يا إلهي. لم أتوقّع أن يكون بينكي، الذي زوّدني بالمعلومات، غافلاً، لكنني لم أتوقّع أن يقولها بهذه الصراحة.
عضضتُ على شفتيّ.
“هذا صحيح. إذًا …”
“ما أريد قوله هو.”
لكن بينكي قاطعني.
“أخي مريضٌ جدًا.”
…… هاه؟
“لكن القائد هنري كان يعتني بأخي جيدًا.”
كانت تلك أوّل مرّةٍ أسمع فيها ذلك. توقّفتُ عن الكلام واستمعتُ بهدوء.
“حسنًا، أعلم أنه في مجال عملنا، يموت الناس، ويُفقَد آخرون ويختفون، وما شابه.”
“…..”
“لكن هناك حدٌّ لما قد يصل عليه الأمر، أليس كذلك؟”
أخذتُ نفسًا عميقًا.
نعم.
أوافق.
يعيش العملاء حياةً لا يعرفون فيها متى سيموتون. لهذا السبب يضع الجميع الموت في اعتبارهم.
لكن هذا لا يعني أن الحياة رخيصة. الاستعداد للموت والموت بموتٍ بائسٍ أمران مختلفان تمامًا.
“عندما أفكّر في أنني، من أجل قوّةٍ بسيطة، قتلتُ شخصًا كان بإمكانه أن يكون منقذًا لشخصٍ آخر …”
صرّ بينكي على أسنانه وارتجفت كتفاه.
“قلبي يغلي.”
أفهم ذلك بالطبع.
لذا لم أقل شيئًا، وأومأتُ برأسي بتفهّم.
“لذا، لن أقبل أيّ مالٍ مقابل هذا هذه المرّة. اعتبري الأمر هكذا.”
لم أعرف كيف أرد، فشددتُ قبضتيّ وأرخيتُهما مرارًا وتكرارًا.
هذا الطفل غاضبٌ أيضًا. يشعر بنفس الشعور.
بعد أن اطمأننتُ أنني لستُ الوحيدة التي تشعر بهذا، شعرتُ بارتياح.
“بينكي.”
قلتُ بصدق.
“شكرًا لك. حقًا.”
رفع بينكي نظره مجدّدًا. مددتُ له زوجًا من الأحذية.
“لنوقف القائد، من فضلك.”
كان وجه بينكي، مبتسمًا بإشراقة، أكثر إشراقًا وبراءةً من أيّ وقتٍ مضى.
“إذًا، لنفعل ذلك.”
* * *
“هل عادت الآنسات؟”
سأل لُــو وهو يرفع نظّارته. أجاب كبير الخدم.
“أجل، هذا صحيح.”
“همم.”
أدار لُــو قلمه في يده ثم ضحك.
“بما أنهنّ غادرن دون أن ينظرن إليّ، فلا بدّ أنهنّ كرهن رؤيتي حقًا.”
“هذا …”
“بالتأكيد، ربما لأنني كنتُ المخطِئ.”
عبس قليلًا، متذكّرًا كيف كان حادّ الطباع مع الشابات، وكيف كان يتحدّث إليهن بنبرةٍ حادّةٍ وعصبية.
ثم هدّأ روعه بسرعة.
“مفهوم. عُد إلى العمل.”
“أجل، سيدي.”
مع ذلك، غادر كبير الخدم المكتب. حاول لُــو التركيز على عمله مجددًا.
لكن عقله كان في حالة اضطراب.
لماذا كنتُ غاضبًا من الشابات؟
من الصعب اعتبار الأمر مجرّد حساسية. أليس سبب حساسيتي هي شاران؟
‘أنا …….’
ما تعني لي شاران؟
وضع لُــو القلم الذي كان يحمله جانبًا، وراح يُنقّب في أفكاره بهدوء.
عندما انهارت شاران.
عندما لم تستطع النهوض.
كيف شعرتُ حينها؟
كنتُ خائفًا.
كنتُ فزعًا ومرعوبًا.
كنتُ مرعوبًا من أن تُمحَى شاران من هذا العالم، أن تختفي، أن أُترَك وحدي.
لهذا السبب لم أستطع أن أعيش كلّ يومٍ كالسابق حتى تستعيد وعيها.
كيف استعطتُ تجاوز تلك الأمر لا يزال غامضًا لي.
هكذا، كلّما خطرت ببالي، كانت مشاعري تسيطر عليّ دائمًا. على الرغم من ضرورة أن أكون عقلانيًا.
لذا، لم أستطع فهم نفسي تمامًا.
‘لماذا يحدث هذا؟’
تنهّد لُــو ومرّر يده على وجهه.
كان ذلك حينئذٍ.
من خلال النافذة المفتوحة، طارت عدّة فراشاتٍ إلى الغرفة. كانت أجنحتها بيضاء نقية لدرجة أنها كانت شبه شفافة.
‘هذا…’
ضيّق لُــو عينيه.
كانت تلك الفراشة جهاز اتصال جارديان.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات