توجهنا إلى مقهى قريبٍ من المطعم.
رغم إصابة ذراعه، فتح لُــو، الذي رافقني بمهارة، الباب وسأل.
“قهوة مثلجة، صحيح؟”
“نعم.”
“سوفليه أيضًا.”
“جيد.”
لا يزال لُــو يعرف ذوقي جيدًا.
……هل عليّ معرفة المزيد عنه؟
أشحتُ بنظري عن لُــو، الذي كان يطلب فنجاني قهوة وسوفليه من النادل، ونظرتُ حولي.
على الرغم من أنه مقهًى خارج منطقة وسط المدينة، كان هناك عددٌ لا بأس به من الناس في الداخل.
كان معظمهم من الشابات.
‘أتساءل إن كانت هناك حلوى شهيرةٌ هنا؟’
بينما كنتُ أتأمل المكان بهذه الفكرة، كان في تلك اللحظة تحديدًا.
“…هاه؟”
رأيتُ وجهًا مألوفًا.
وجهًا لا ينبغي أن أراه هنا.
هاه؟
فركتُ عينيّ لا إراديًا.
لكن مع ذلك، ظلّ الوجه أمامي كما هو.
التقت عيناي بعينيه.
ابتسم كما لو كان يعلم أنني هنا، أو كما لو كان ينتظرني حتر أدخل هنا.
“شارل.”
صرف الشابّات المتجمّعات حوله واقترب مني.
“لقد مرّ وقتٌ طويل.”
وقبل أن أتمكّن من إيقافه، عانقني بشدّة.
دفن وجهه في ثنية رقبتي وابتسم بسعادة.
هناك شخصٌ واحدٌ فقط سيتعامل بلا مبالاةٍ مع هذا التلامس الجسدي.
“لقد افتقدتِني أيضًا، أليس كذلك؟”
أدريان.
كان هو.
“شارل.”
صوت، غريبٌ بعض الشيء، ولكنه مألوفٌ جدًا، دوّى في أرجاء المكان.
“لقد اشتقتُ إليكِ.”
دفن أدريان وجهه في ثنية رقبتي وأخذ نفسًا عميقًا. ثم أرخى ذراعه، وتراجع خطوةً إلى الوراء، واعتدل في جلسته.
شعرٌ فضيٌّ ينسدل بنعومة.
وعينان داكنتان لدرجة أنني لم أستطع تمييز عمقهما.
شعرتُ ببرودةٍ في رأسي، فزممتُ شفتي.
في هذه اللحظة، لم أشعر بنظرات الشابات الكثر نحوي.
ذلك لأن نظرة أدريان كانت مثابرة.
“لماذا لا تُجيبين؟”
ابتسم ببطء.
بدت تلك الابتسامة دافئةً للوهلة الأولى، لكن نظرةً فاحصةً كشفت أنها عكس ذلك تمامًا.
ابتسامةٌ باردة، كما لو كانت مُشبَعةً بشيءٍ غامضٍ ومُبهم.
ابتلعتُ ريقي دون أن أُدرك.
“شارل …”
لمس شيءٌ ما خدي.
كانت يده.
“ألم ترغبي في رؤيتي؟”
وضع كفّه على خدي، بشكلٍ طبيعي، لكن دون أيّ مجالٍ للهرب.
“منذ ذلك الحين، وكلّ يوم، لم أفكّر إلّا بكِ.”
“…..”
هاه. تنهّدت.
شعرتُ بعرقٍ باردٍ يتصبّب مني، وأجبرتُ نفسي على رفع نظري.
“لماذا أنتَ هنا؟”
رمش أدريان بعينيه الواسعتين مرارًا.
“لطالما سألتِني هذا السؤال كلّما رأيتِني. هل أنا في مكانٍ لا ينبغي أن أكون فيه؟”
“لا، ليس هذا. لماذا ظهرتَ أمامي؟”
“جئتُ لأني افتقدتُكِ، فلماذا أحتاج إلى سبب؟”
“أدريان.”
“شارل. لم تُجيبي على سؤالي.”
استمر في الابتسام، ابتسامةً غريبة.
“ألم تفتقديني أيضًا؟”
كرهتُ ابتسامة أدريان.
كانت مُخيفةً للغاية.
لطالما كانت ابتسامة أدريان كقيدٍ يُحكِم عليّ الخناق.
في كلّ مرّةٍ يضحك، أشعر وكأن مساحتي تتقلّص، وكأن خيارات حياتي تتلاشى.
“شارل.”
نادى أدريان، وأصابعه تقبض على خدي بإحكام.
“أجيبيني.”
ابتلعتُ ريقي بصعوبة.
في كلّ مرّةٍ أواجه فيها أدريان، أشعر وكأنني طائرٌ في قفص.
طائرٌ مروّضٌ لدرجة أنه لا يستطيع الطيران بعيدًا حتى لو كان الباب مفتوحًا.
لذا، كنتُ عاجزةً أمامه.
“أجل. افتقدتُكَ أيضًا …”
“ماذا تفعل؟”
في تلك اللحظة، اخترق صوتٌ ساخرٌ الهواء.
في الوقت نفسه، شعرتُ بيدٍ تُمسِكُ بذراعي وتسحبني.
تراجعتُ للخلف، ولمس شيءٌ صلبٌ ظهري. كان صدر لُــو.
“شارل. هل أنتِ بخير؟”
عانقني لُــو من الخلف، وهو يتأمّل تعبير وجهي.
أخيرًا، هربت أنفاسي التي كنتُ أحبسها لا إراديًا.
بدا التوتر الذي شعرتُ به عندما واجهت أدريان وكأنه يتلاشى في لحظة.
“كانت مجرّد تحيّةٍ بين صديقين لم يريا بعضهما منذ مدّة. لا داعي لكلّ هذا الحذر، أليس كذلك؟”
تحدّث أدريان إلينا.
“أم أن اللورد لُــو فانسين يميل إلى تقييد خطيبته حتى لا تلتقي بأصدقائها؟”
ضحك لُــو ضحكةً خفيفةً عند سماع ذلك.
“تقييد؟”
أمال رأسه ببطء.
“عادةً ما يتم تقييد الشخص عندما يحاول الهرب، لكن هذا غريب. لم تهرب شارل مني قط.”
ضحك لُــو ضحكةً قصيرةً ساخرة.
“لا أعرف إن كنتَ قد مررتَ بهذا من قبل.”
عندها، اتسعت عينا أدريان، وارتعشت زوايا فمه، كما لو كانت على وشك الانفجار.
“بوهاهاها!”
لم يكن يعلم ما المضحك، لكن أدريان بدأ يضحك، ممسكًا ببطنه.
هاهاهاهاهها!
بعد ضحكةٍ قصيرة، هدأ أدريان أخيرًا، ملتقطًا أنفاسه وهزّ كتفيه.
“أنتَ أكثر إثارةً للاهتمام مما توقّعت يا صاح. سررتُ بلقائك. اسمي أدريان بارثيلوس.”
ثم مدّ يده إلى لُــو.
لكن لُــو لم يُصافِحه.
حدّق في يده وابتسم بسخرية.
“أعتقد أنكَ تعرفني بالفعل، لذا سأتجنّب التحية.”
“أوه، يبدو أنني مكروه.”
ابتسم أدريان مجددًا.
كانت الابتسامة لا تزال لطيفة، لكن الشعور المتبقي تحتها كان واضحًا جدًا. شعرتُ بالاختناق مجددًا.
“أنا آسف، لكنني أعرف شاران منذ فترةٍ أطول منك. بل وأعمق أيضًا. لذا من غير المريح بعض الشيء التطفّل هكذا.”
نظر إليّ، كأنه يطلب مني الموافقة.
فتحتُ فمي دون أن أُدرك.
“آ- آه. هذا صحيح …”
“وما شأني إن كان هذا الرجل غير مرتاح؟”
لكن سخرية لُــو كانت أسرع من إجابتي.
“حسنًا، هذا يُريحني. لم أكن أخطّط لجعلكَ تشعر بتحسّن.”
عندها فقط، تجعّد وجه أدريان، الذي كان مهيبًا في السابق، قليلًا.
مهما بدا مُخيفًا، لم يستطع الهروب من سخرية لُــو.
بدأ قلبي يرتاح مجددًا.
“أعتقد أنني لن أستفيد شيئًا من الجدال هنا.”
هزّ أدريان كتفيه واقترب مني.
“شاران … لا، شارل.”
ثم أمسك يدي وقبّل ظهرها برفق. سرت قشعريرةٌ في جسدي بعد القبلة.
“سررتُ برؤيتكِ مجددًا.”
ارتفعت عيناه الداكنتان ببطء، كاشفتين عن مزيجٍ من المشاعر التي رأيتُها من قبل.
هوس، امتلاك، وحتى حبٌّ وكراهية.
ابتعد، وهمس بصوتٍ خافتٍ لا أسمعه إلّا أنا.
“تعالِ الليلة.”
أغمضتُ عينيّ بشدّة.
لا أريد الذهاب.
لا أريد رؤيتك.
لكن …
لم أستطع الرفض.
لأنني كنتُ آثمةً تجاه أدريان وبايلور.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات