بانغ!
اهتزّ باب غرفة القيادة بعنف، لكن لم يكن هناك أيّ أثرٍ لطريقة فتحه.
سحب لُــو مقبض الباب بعنف، لكن القفل المعدني كان ثابتًا في مكانه.
ورغم كلّ محاولاته، لم يتزحزح الباب.
“آغه.”
تأوّه لُــو للحظة بإحباط.
“أعتقد أننا محاصرون.”
“أعلم!”
صرختُ.
“والماء يرتفع!”
شعرتُ بإحساسٍ باردٍ ولزجٍ يلفّ أصابع قدميّ.
كانت مياه البحر اللبنية تُغطّي أرضية غرفة القيادة ببطء. كانت السفينة تميل بشدّة. هذا يُصيبني بالجنون!
“أعتقد أن هناك خللاً ما في خزّانات الصابورة.”
(خزان الصابورة: خزان ماء في سفينة أو قارب يُستخدم لتحقيق التوازن)
“أعلم ذلك أيضًا!”
هل كان ذلك الصوت العالي سابقًا صوت تحطّم الخزانات؟
مهما كان، نحن في ورطةٍ كبيرةٍ الآن.
السفينة تميل، ومياه البحر لا تزال تتسرّب، وباب غرفة القيادة مُغلَق.
إذا استمر الأمر على هذا المنوال، فقد نموت!
تمتمتُ ببعض الشتائم ورفعتُ تنورتي. ثم سحبتُ المسدس من فخذي. صوّبت نحو النافذة وأطلقت النار.
“…ماذا بحق الجحيم؟”
لكن الرصاصة لم تنطلق.
“اللعنة. هل هو مبلّل؟”
نظّفت المسدس وضغطتُ على الزناد مرّةً أخرى، لكنه لم يتحرّك.
آغه، هذا يُصيبني بالجنون.
“توقّفي. قد ينفجر المسدس.”
“ماذا عنك؟ ألم تُحضِر مسدسًا؟”
“للأسف، لا.”
“أوه، لماذا!”
“لأنني لم أكن أعلم أن هذا سيحدث؟”
بينما كنتُ أصرخ بيأس، مالَت السفينة فجأةً.
نظرتُ من النافذة.
خلف نافذة غرفة القيادة المُعتِمة، كان سور السفينة يغوص أعمق فأعمق في البحر.
كان الماء يصل إلى خصري بالفعل.
تموّجت ملابسي مع الأمواج، وبدأ الهواء البارد يتحوّل إلى أنفاسٍ رطبة.
ماذا أفعل؟
شحب وجهي.
لم أستطع التفكير في أيّ شيءٍ أفعله.
ماذا أفعل؟
استولى الذعر عليّ، وانحبست أنفاسي في حلقي.
“شارل، تعالي إلى هنا.”
مدّ لُــو، الجالس على حافة الجدار المائل، يده إليّ.
بدافعٍ غريزي، أمسكتُ بيده على الفور ورفعتـ نفسي. لحسن الحظ، بمجرّد أن وصلت إلى الحافة، استطعتُ التنفّس بسهولةٍ أكبر.
“همم. كنتُ أفكّر في الأمر.”
تابع لُــو.
“يبدو أنه لا يوجد حل.”
أعلم ذلك، أيها الأحمق ……
دفنتُ وجهي بين يديّ واختنقتُ.
لماذا حدث هذا؟ مَن حبسنا؟
لا، لا.
هذا ليس مهمًا.
المهم الآن هو أن لُــو في هذا الموقف بسببي.
“لُــو.”
“همم.”
نظرتُ إليّ لُــو وهو يمرّر يديه على شعري المبلّل.
رموشه، المغمورة بالماء، رفرفت ببطء.
سرت قشعريرةٌ في عمودي الفقري عندما أدركتُ أن هذه قد تكون آخر مرّةٍ أرى فيها ذلك الوجه. استمرّ العرق البارد بالتدفّق على ظهري.
“أنا…”
أغلقتُ عينيّ بقوّةٍ وقلتُ.
“أنا آسفة.”
بطريقةٍ ما، امتلأت عيناي بالدموع.
لكنني كتمتُها، مدركةً أن ذلك خطأي. كنتُ أعلم أنه لا يجب عليّ البكاء.
“أنا آسفةٌ جدًا. لولاي، لو لم آتِ إلى هنا، لما حدث هذا. أنا آسفة. أنا آسفة.”
لم يُجب لُــو لفترةٍ طويلة. فرفعتُ نظري ببطء. ورأيتُه يُحدّق بي في صمت.
سقطت قطرة ماءٍ ببطءٍ على فكّه، مُلتقطةً الضوء الخافت، ومُتلألئةً بشفافية.
ومرّت موجةٌ خفيفةٌ من الانفعال عبر رموشه.
لكنها كانت عابرة.
“شارل.”
ناداني بهدوء.
“هل أنتِ آسفةٌ حقًا؟ تبدين أقلّ أسفًا.”
أتظنّ أنني أتظاهر الآن؟
غضبتُ من تصرّف لُــو، الساخر حتى في هذا الموقف. آه، رأسي.
“إن كنتِ آسفةً لي حقًا كما تقولين …”
نبس لُــو بابتسامته اللطيفة المعتادة.
“إذًا عليكِ اختيار فستان الزفاف بنفسكِ.”
……ماذا؟
“هل تُفضّلين بيل إيتوال أم سافير؟ أعتقد أن شارل ستبدو جميلةً في أيّ شيء، لكن لابدّ أن هناك ما يوافق ذوقكِ أكثر.”
أُصِبتُ بالذهول للحظة، وفمي مفتوحٌ بدهشة.
لم أستطع منع نفسي.
أنا على وشك الموت، فكيف تقول شيئًا كهذا؟
“الآن … تقول هذا في هذا الوضع؟”
“أريدكِ أن تساعديني في اختيار بدلة السهرة الخاصة بي. بالطبع، هذا ليس أسلوبي، لكن اختيار شارل لها سيكون ذا معنًى بالنسبة لي.”
“إذن تقول ذلك الآن؟”
ضممتُ قبضتي وصرختُ.
ارتفع الماء أكثر فأكثر، ووصل إلى ساقيّ رغم أنني كنتُ على الرف.
“أنا.”
شبكتُ يديّ معًا.
“لا بأس بموتي.”
هذه ليست كذبة.
بعد أن اختارني بايلور للبقاء على قيد الحياة، أدركتُ شيئًا.
أنا شخصٌ قد يموت في أيّ لحظة.
لم أُرِد الموت، فكافحتُ، مُحاولةً النجاة بطريقةٍ ما، لكن في أعماق قلبي، كنتُ أعتقد أنه لن يُهمّني رحيلي عن هذا العالم فوراً.
لهذا السبب كان خوفي من الموت أقلّ من الآخرين.
لكن.
“أنا أخاف عليكِ.”
لكنني أكره موت لُــو.
“أكره أن تموت بسببي.”
كرهتُ فكرة موته، كُرهاً شديداً، بسبب خطأي أنا، تحديداً.
لا تَمُت.
أرجوك، لا تَمُت.
خفضتُ رأسي وتوسلتُ، مُتمتمة.
“شارل.”
في تلك اللحظة، ناداني لُــو.
“ارفعي رأسكِ.”
كبتُّ رغبتي في البكاء ونظرتُ إليه مجدداً.
عيناه، اللتان لطالما كانتا مرحتين، تحملان الآن ظلّاً داكناً.
تحت شفتيه المرفوعتين قليلاً، بدا وكأن مشاعر مكتومةً قد استقرّت بهدوء.
“أعتقد أنكِ …”
تردّد صوتٌ منخفضٌ وهادئٌ في غرفة القيادة المغمورة بالمياه.
ولكن في تلك اللحظة – بوم!
تردّد صدى صوت قطعةٍ معدنيةٍ ضخمةٍ تلتف. مالت السفينة بحدّةٍ إلى جانبٍ واحد.
بدا وكأن انفجارًا آخر قد وقع.
“شارل!”
سقطتُ من على الحافة، وبصقتُ ماء البحر في فمي، ورفعتُ رأسي فوق السطح.
بصوتٍ مكتوم، ارتطم رأسي بالسقف. كان الماء يرتفع بسرعة.
“تعالي إلى هنا.”
سبح لُــو نحوي وعانقني بشدّة.
“لن يكون لديكِ مساحةٌ للتنفّس بعد الآن، هل فهمتِ؟”
“أعلم.”
“خُذي نفسًا عميقًا. واتّجهي نحو النافذة …”
لكنني لم أسمع نهاية كلماته. اندفع الماء فجأةً فوقي. يا إلهي، شهقتُ لا إراديًا. كان الماء يدخل أنفي. اللعنة!
بدأت رؤيتي تتشوّش. لا أستطيع، لا أستطيع … في تلك اللحظة، أمسك أحدهم بذراعي وسحبني.
“شارل!”
يدٌ حنونةٌ لامست خدي.
دفءٌ شعرتُ به حتى في الماء البارد.
و،
إحساسٌ دافئٌ على شفتيّ.
كان لُــو.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات