رمشت.
كانت هذه هي المرة الثالثة التي أسمع فيها هذا منذ عودتي إلى الإمبراطورية، لكنني لم أعتَد على سماع أنني لطيفة أو محبوبة. هذا لا يناسبني.
عندما قلبتُ عينيّ دون أن أنطق بكلمة، ضحك لُــو ساخرًا.
“الجميع يفكّرون بهذه الطريقة. إنهم ببساطةٍ لا يقولون شيئًا.”
ضيّقتُ عينيّ قليلًا وتذكرّتُ ما حدث في كاتاكل.
– لا بد أنكِ ظننتِ أنكِ عميلٌ حقيقيٌّ بعد أن أحضروكِ بينما كنتِ تتدحرجين في الشارع. توقّفي، أخبرينا بمستواكِ.
-ما الفائدة من إرهاق جسدكِ هكذا؟ عقلكِ لا يستوعب.
لم يعترف بي شعب كاتاكل مهما حاولت. وكرهوني.
ظننتُ أن لا مفرّ من ذلك.
أنني شخصٌ لا يُحَب.
لكن ……
أنا محبوبة.
انبعثت مني ضحكةٌ مريرة.
“أنتَ مخطئ. هذا لن يحدث.”
“شارل.”
لكن لُــو كان مصمّمًا.
“أنا متأكّد. تذكّري ما حدث في جارديان.”
في جارديان ……
– هيّا هيّا هيّا! شارل هنا!
– لنشرب مشروبًا سرًّا اليوم. سندفع ثمنه، فقد انتهى الأمر بسلامٍ بفضلكِ!
نعم، أعترف بذلك.
لقد كانوا لطيفين معي حقًا.
حتى الشابّات مثل إيفلين فلوريا كنّ لطيفاتٍ معي.
لكن …..
‘أنا أخدعهم.’
أولئك الذين يعرفون حقيقتي يكرهونني،
وأولئك الذين خدعتهم أكاذيبي يحبّونني.
ما الاستنتاج الذي يمكن أن نستنتجه من هذا الموقف؟
‘لن يحبّني أحدٌ كما أنا.’
أوجعني قلبي. تنهّدتُ بألم.
“ماردي تنظر إلى شارل أيضًا بحبّ.”
أضاف لُــو، كما لو أنه يسبر أغواري.
“ألم تعتني بشارل جيدًا اليوم؟”
فجأة، تذكّرتُ ماردي التي أمسكت بي قبل الخروج مباشرةً.
– ماذا لو خرجتِ بملابس خفيفةً جدًا وأُصِبتِ بنزلة برد! ألا يمكنكِ على الأقل ارتداء وشاح؟
رمشتُ عدّة مرّات.
“ماردي لا تنظر إليّ بحبّ … تبدو قلقةً فقط.”
ثم ابتسم لُــو ابتسامةً متفهّمة.
“شارل، أنتِ لا تريدين أن تفكّري بهذه الطريقة، أليس كذلك؟”
أمَلتُ رأسي لأني لم أفهم الكلمات.
“ماذا تقصد؟”
“أحيانًا، من المهمّ تقبّل صِدق الآخرين.”
حبستُ أنفاسي للحظة. تابع لُــو.
“أحيانًا لا تهتم شارل بنفسها… لذا فأنتِ بحاجةٍ إلى أن تشعري بقلوب وصدق من حولكِ الذين يهتمّون بكِ أكثر.”
قلوب من حولي يهتمّون بي.
هل هناك شيءٌ من هذا القبيل؟
هذه المرّة، خطرت في بالي الحياة في كاتاكل، وليس في جارديان، واختفت في لحظة. شعرتُ بخديّ، اللذين كانا متورّدين قليلًا، يبردان.
“الأهم من فهم هذه الأمور هو النجاح في المَهمّة. لا تقلق بشأن ما يعتقده الآخرون.”
أصبح تعبير لُــو غامضًا.
نظر إليّ بنظرةٍ حزينةٍ نوعًا ما.
لسببٍ ما، شعرتُ بثقل تلك النظرة، فأخفضتُ رأسي دون أن أُدرِك ذلك.
“شارل.”
تابع لُــو.
“أريد أن تكوني سعيدة، شارل.”
“…لماذا؟”
“لأنني حينها سأكون سعيدًا.”
رفعتُ رأسي فجأةً.
ثم رأيتُ لُــو يبتسم برقّةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
لُــو، مشرقٌ كالشمس، بابتسامةٍ لامعة.
“حسنًا.”
مدّ يده إليّ وقال.
“لنبذل قصارى جهدنا.”
ماذا، ما الذي ستبذل قصارى جهدكَ لأجله …؟
“في المَهمّة.”
“….”
آه.
المَهمّة.
هذا مُربكٌ حقًا.
* * *
عندما عدتُ إلى القصر، استقبلتني ماردي كما لو كانت تنتظرني.
“آنسة شارل! هل وصلتِ؟ أين، أين كنتِ؟ هل أنتِ مريضة؟ هل تشعرين بالبرد أو القشعريرة؟”
“امم، لـ لا. لا بأس. أنا بخير.”
“ياللراحة!”
مسحت ماردي صدرها بتعبيرٍ مرتاح.
ثم قال لُــو، الذي كان يُسلِّم كبير الخدم معطفًا.
“أظن أنكِ لا تستطيعين رؤيتي. لقد خرجتُ أيضًا بملابس رقيقة.”
“هاها، السيد لُــو بصحةٍ جيدةٍ بالفعل.”
تجاهلت ماردي تذمّر لُــو بخفّةٍ وأمسكت بذراعي.
“أولًا، استحمّي. ثم سأُعدّ لكِ وجبة طعامٍ فورًا. هل هذا مناسب؟”
“آه. لا بأس. شكرًا لكِ.”
“لا مشكلة!”
أمسكت ماردي بيدي بقوّة.
اتسعت عيناي مندهشتين من الدفء المفاجئ.
كنتُ مرتبكة، لكنني ظننتُ أنه إذا دفعتُها بعيدًا، ستشعر ماردي بالحرج، ولسببٍ ما، استطعتُ الشعور بنظرة لُــو تلاحقني.
لذلك لم يكن لديّ خيارٌ سوى اتباع ماردي إلى الطابق الثاني.
“لقد وضعتُ زيت الليلك في حوض الاستحمام اليوم. سيساعدكِ على استرخاء عقلكِ وجسدكِ.”
قالت ماردي وهي تساعدني على خلع ملابسي أمام الحمام.
“أجل. كلّ شيءٍ على ما يرام. إنه جيد …”
تجنّبتُ نظرة ماردي عمدًا وتابعتُ حديثي.
“أتعملين، ماردي، كنتُ أتسائل.”
“هم؟”
“لماذا تفعلين بي هذا؟”
اتّسعت عينا ماردي. فتحتُ فمي بتردّد، وأنا أراقبها.
“سمعتُ قصةً قاسيةً من لُـو. قال إنكِ تشعرين بالأسف على الندوب على جسدي.”
“آه … هذا صحيح.”
“لكنني لا أريد تعاطفًا.”
بالطبع، الندوب على جسدي كافيةٌ لإثارة الشفقة والتعاطف في قلب أحدهم.
لكنني لا أريد تعاطفًا.
لستُ راضيًا عن حياتي الحالية فحسب.
لو أُشفِق عليّ على ماضيّي … ألن أبدأ بالاعتقاد أن مسار حياتي كان خاطئًا تمامًا؟
ذاك الماضي، وهذا الحاضر. لقد نسيتُ الماضي تمامًا. لم أعد أتذكّره.
لهذا أحاول ألّا أنظر إلى الماضي.
أريد فقط أن أنظر إلى الحاضر والمستقبل.
“حسنًا … من الجيد أنكِ تريدين الاعتناء بي، لكن أتمنى ألّا تشفقي عليّ.”
ماردي، التي كانت ممسكةً بملابسي الخارجية، خفضت رأسها ببطء.
ظننتُ أن ماردي ربما تكون قد تأذّت، لكن ماذا عساي أن أفعل؟
كان عليّ أن أذكر هذا ولو لمرّةٍ واحدة.
“أعتقد.”
نبست ماردي ببطء، رافعةً رأسها المنحني.
“سيكون كذبًا إن قلتُ إنني لا أشعر بالتعاطف.”
“أجل.”
“لكن مشاعري تجاهكِ ليست مجرّد تعاطف. إنها أكبر من ذلك.”
“أكبر من ذلك؟”
“أجل. فقط….”
ابتسمت ماردي بمرارة، كما لو كانت تحاول إجبار نفسها على الابتسام.
“أريد أن أعانق الآنسة الصغيرة.”
في تلك اللحظة، خفق قلبي بشدّة.
“أريد أن أعانقها وأنا أقول لها لا بأس، وأن الأمور ستتحسّن قريبًا، وأننا يجب ألّا نستسلم وأن نتمسّك حتى لو كان الأمر صعبًا.”
عقدتُ حاجبيّ لا إراديًا.
لم يكن ذلك لأنني شعرتُ بالإهانة من كلمات ماردي.
بل لأنني شعرتُ بموجةٍ من المشاعر.
ماذا لو سمعت ذاتي السابقة هذه الكلمات؟
هل كنتُ سأتحمّل الأمر حينها بشكلٍ أفضل؟
هل كنتُ سأحاول تحمّل تلك الأيام العصيبة بطريقةٍ ما؟
لا أعرف.
لكن المؤكد أن قلب ماردي لم يكن مجرّد تعاطف. ارتجفت عينيّ.
“لماذا … تفعلين ذلك؟”
عندها، أجابت ماردي دون تردّد.
“لأنني أحبّكِ يا آنسة.”
الحب، هذا هو.
“….”
شعر قلبي بغرابة.
ظننتُ أنني لستُ محبوبة.
لم أكن ممّن يجرؤون على أن يُحَبّوا.
لم أستطع تلقّي الحب.
كنتُ كذلك بالتأكيد …
“لذا أتمنى أن تكوني سعيدة.”
لماذا يقول الجميع هذا لي؟
بدءًا من لُــو، وحتى ماردي.
أنا …
‘أنا أخدع الجم
يع.’
أنا جاسوسةٌ أُرسِلت من الإمبراطورية إلى الأرض المقدسة.
لذا،
-أريد أن تكوني سعيدة، شارل.
إذا كان لُــو صادقًا في هذا، فأنا أُخطِئ في حقّه.
لذا …
لا أستطيع أن أكون سعيدة.
لهذا السبب لا ينبغي أن أكون سعيدة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات