نظر إليّ لُــو بنظرة حيرة.
لم أستطع تاملك نفسي.
في تلك اللحظة، كنتُ أحدّق في النافذة بنظرةٍ فارغة، أنتظر داميان.
لو رآه لُــو، لربما تساءل عمّا يفعله.
“شارل.”
اقترب لُـًو من القضبان وقال.
“ماذا تفعلين؟ لماذا تفعلين هذا؟…”
“لماذا أنتَ هنا؟”
سألتُه، فتحوّل تعبير لُــو قليلاً. لكن للحظةٍ فقط. عاد بسرعةٍ إلى تعبيره المعتاد وأمسك القضبان بيده.
“شارل … لم أستطع التحدّث معدِ بجدية، لذلك جئتُ إلى هنا لأخلق فرصة.”
ضحكتُ ضحكةً خفيفةً عند سماعي ذلك.
“ماذا لدينا أيضًا لنتحدّث عنه؟”
هززتُ رأسي.
“أنتَ تعرف بالفعل لماذا فعلتُ هذا، وماذا سيحدث بعد ذلك.”
نعم، كان لُــو يعرف تمامًا ما كنتُ أفكّر فيه. لماذا تعاونتُ مع الإمبراطور وتظاهرتُ باغتياله، ولماذا سُجِنتُ دون مقاومة، وما إلى ذلك.
لا بد أنه يعلم أن كلّ هذا من أجله.
“لُــو.”
نظرتُ إليه وقلتُ.
“لا تفعل شيئًا آخر هنا. أنا بخير. سأعتني بالأمر، لذا أنت …”
“لا.”
قاطعني لُــو، مدّ يده من خلال القضبان وأمسك بذراعي.
“سأنقذكِ.”
ارتجفت يده وهو يمسكني. استطعتُ بوضوحٍ أن أشعر باليأس والجدية في لفتته.
“سأصبح إمبراطورًا. وهكذا سأنقذ شارل. لذا، قليلًا …”
“عن ماذا تتحدّث؟”
عضضتُ شفتي السفلى وتراجعتُ خطوةً إلى الوراء.
“ستصبح إمبراطورًا وتنقذني؟ حسنًا، هل تعتقد أن الناس سيصمتون على فعلكَ هذا؟ ستكون مكروهًا من الجميع. حتى منصبكَ سيكون في خطر.”
“لا يهم.”
لكن لُــو كان حازمًا.
“ما دُمتِ بجانبي، فلا يهمّني أيّ شيءٍ آخر.”
أغمضتُ عينيّ بإحكام.
ظننتُ أنه سيفعل شيئًا من أجلي، لكنني لم أتوقّع أبدًا أن يقرّر أن يصبح إمبراطورًا.
لمستُ جبهتي وهززتُ رأسي بلا حولٍولا قوةٍ مجدّدًا.
“أنا أهتمّ.”
ثم التفتُّ إلى لُــو.
“أتمنّى ألّا يلحق بكَ أذًى بسببي.”
“شارل.”
“لذا.”
نفضتُ يد لُــو التي كانت لا تزال تمسك بي، وتراجعت.
“سأهرب.”
اتسعت عينا لُــو. بدا عليه الحيرة للحظة، كما لو أنه سمع شيئًا غير مفهوم، كما لو أن عقله قد عُطِّل للحظة.
فتكلّمتُ مجددًا، بمزيدٍ من القوّة.
“سأهرب. إلى مكانٍ لا يمكنكَ إيجاده، إلى الأبد.”
“شارل. ماذا …!”
في تلك اللحظة.
للحظةٍ وجيزة، بدت الأرض وكأنها تهتز، ثم دوى انفجارٌ هائل.
تساقط الغبار والصخور. تصدّع الجدار، وظهرت شقوقٌ بين القضبان الحديدية.
رفعتُ رأسي بسرعةٍ ونظرتُ إلى السقف.
“شارل!”
مدّ لُــو يده، لكنني لم أُمسِكها. لا، لم أستطع.
إن أمسكتُ بيده هنا، لساءت الأمور.
سأصبح أغلاله مجددًا.
فالتفتُّ نحو الفجوة في الأنقاض المنهارة.
فجأة، اقتربت شخصيةٌ مألوفةٌ من الدخان. كان شعره أشعثًا، وعيناه منزعجتان. كان داميان.
“انهضي … لنذهب بسرعة …”
لم يعد هناك سببٌ للتردّد. نهضتُ.
كانت السلاسل لا تزال حول كاحلي، لكن يبدو أن داميان قد حسب ذلك مسبقًا.
أزّ السائل الذي رشّه على الأرض – وأحدث تفاعلاً كيميائيًّا، وأذابت حرارته الحديد.
طقطقة.
ارتخت قدماي. تعثرتُ، وضغطتُ بقدميّ العاريتين على الحائط.
“هل يمكنكِ الخروج…؟”
“نعم. شكرًا لك.”
“اسلكي الممرّ إلى اليمين … لقد حطّمتُ باب الخروج هناك بالفعل …”
بمجرّد أن تكلّم داميان، استدار مرّةً أخرى. ربما للاستعداد للانفجار التالي.
ركضتُ من جانبه وعبرتُ الممر. كان عليّ أن أركض. حينها سينتهي كلّ شيء. ظننتُ ذلك، وفعلتُ.
“شارل!”
دوى صوتٌ مألوفٌ من خلفي، يخترق أذنيّ.
“شارل، انتظر!”
في تلك اللحظة، تردّدتُ.
التفتُّ فرأيتُ لُــو يركض عبر الدخان. كانت عيناه محتقنتين بالدم، ووجهه مغطًّى بغبارٍ رمادي.
“ما خطبكِ؟ إلى أين أنتِ ذاهبة؟”
أبطأتُ خطواتي قليلًا والتفتُّ إلى لُــو.
“أخبرتُكِ. أنا ذاهبةٌ إلى مكانٍ لا تعرفه.”
“إذن سأذهبُ معكِ!”
صرخ لُــو.
“كيف يُفترض بي أن أعيش دونكِ؟”
استحوذت صرخته عليّ.
تيبّست أصابع قدميّ.
اخترقت تلك الكلمات عظامي.
“إذا لم أرَكِ مجددًا، فكيف يُفترض بي أن أعيش؟”
“…..”
لم أستطع التحدّث.
أنا أيضًا أجد صعوبةً في تخيُّل مستقبلٍ بدون لُــو.
عدم رؤية لُــو مجددًا، وعدم سماع صوته مجددًا، كان مؤلمًا لي أيضًا.
لكن عليّ أن أتحمّل هذا الألم.
لأنه من أجل لُــو.
“…أنا.”
تحدّثتُ إلى لُــو، مؤكّدةً على كلّ كلمة.
“أنا آسفة.”
انطفأت عينا لُــو للحظةٍ من فرط العجز.
في تلك اللحظة.
سمعتُ صوتًا حادًا – صوت دَبِّ أقدامٍ تقترب. في الوقت نفسه، فُتِح باب من الجانب الآخر من الرواق، وتدفّقت ظلالٌ سوداء.
كانت حركاتهم المتناسقة مألوفةً للغاية.
“كاتاكل…؟”
وضعتُ يدي على وركيّ غريزيًا، وألقيتُ نظرةً خاطفة عليهم. لكن لكوني سجينة، لم يكن معي سلاح. تردّدتُ وتراجعتُ خطوةً للخلف.
“حتى وأنتِ سجينة، ما زلتِ جميلة.”
في تلك اللحظة، دوّى صوتٌ مألوف.
“لقد مرّ وقتٌ طويلٌ لم أركِ فيه، شارل.”
أدريان.
كان ينظر إليّ، وهو يُلوّح بالبندقية المُعلَّقة على كتفه.
“ماذا تفعل؟”
شددتُ قبضتيّ وسألتُه.
“هل تعتقد أنكَ ستكون بأمانٍ بعد تسلُّلِكَ إلى القصر الإمبراطوري؟”
“لهذا السبب أتينا إلى هنا. لدينا خطة.”
ضحك أدريان ضحكةً مكتومةً وأدار مسدسّه. ثم نظر خلفي.
“سموّك؟ لا تتحرّك، هلا فعلت؟ سيأتي دوركَ بعد أن أنتهي من شارل. فانتظر.”
عضضتُ على شفتي السفلى بقوّة. تحدّث أدريان مرّةً أخرى وهو يخاطبني.
“قال أبي إنه يجب أن أُعيدكِ حيّةً ليقتلكِ. لكن، أتعلمين؟ أريد قتلكِ أنا أيضًا.”
اقترب مني خطوةً وابتسم بسخرية.
“لا أريد أن أرى وجهكِ الجميل مشوّهًا بسبب جنون أبي. في هذه الحالة، ألن يكون من الصواب أن أقتلكِ؟”
“يا لكَ من وغدٍ مجنون …”
“تتحدّثين كما لو أنكِ تعرفين مُسبقًا.”
صوّب أدريان المسدّس نحو صدري.
“عليكِ أن تخبريني لاحقًا ما هو شعور الموت على يد وغدٍ مجنون.”
وضع يده على الزناد.
“سنلتقي في الجحيم على أيّ حال.”
في تلك اللحظة، اشتدّت أصابعه.
“شارل!”
ركض لُــو نحوي.
تانغ!
وفي نفس اللحظة، دوّت طلقةٌ نارية.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات