“سعال!”

اندفع الدم من بين أسناني.

أدركتُ بسهولةٍ أن أعضائي الداخلية كانت ممزّقة. لقد تم تعذيبي بقسوة.

هوو شهقتُ لالتقاط أنفاسي بطعمٍ معدنيٍّ وأرجعتُ رأسي للخلف. شعرتُ بصريرٍ خفيفٍ في الكرسي الذي كنتُ مقيّدةً به. أغمضتُ عينيّ بشدة.

لا أعرف كم مرّ من الوقت منذ أن سُحِبتُ إلى غرفة التعذيب هذه.

لم يكن هناك سوى شخصين في الغرفة: المحقق وأنا. وكنتُ أُسأَل نفس الأسئلة باستمرار وأعاني نفس الألم.

لذا، افترضتُ أن بضعة أيامٍ قد مرّت.

“شارل.”

ناداني المحقق.

“اكتشفتُ أيضًا أنكِ عميلةٌ لمنظمة كاتاكل، وأنكِ تتبعين أوامر قائدهم، بايلور، بإخلاص.”

رفعتُ رأسي مجدّدًا. التقت عينا المحقق الحادّتان بعيني.

“لذا، توقّفي عن التستر على العقل المدبر. بايلور هو مَن أمر بهذا، صحيح؟ ما هي الأوامر التي أعطاكِ إياها تحديدًا؟ هاه؟”

رمشتُ ببطء.

بعد فشل عملية الاغتيال والقبض علي، لم أستطع الكشف عن العقل المدبّر فورًا. كان ذلك سيثير الشكوك حول كونها محاولة اغتيالٍ وهمية.

لذا، لأيام، تحمّلتُ الألم، مرارًا وتكرارًا.

حتى اكتسبت كلماتي مصداقية.

أدرتُ الدم في فمي بطرف لساني. ظل طعم المعدن يتردّد في ذهني بشدّة.

لم ينتهِ الألم بعد، وحواسي كانت تتلاشى تدريجيًا.

لكن كان عليّ أن أتحمّل كلّ هذا.

بهذه الطريقة، سيبدو الأمر وكأنني ‘أحاول جاهدةً إخفاء المجرم الحقيقي’. بهذه الطريقة، سيبدو كلامي بعد كلّ هذا الألم وكأنه ‘الحقيقة’.

لم يحن الوقت بعد.

كان عليّ الانتظار قليلًا. ليفهم الجميع أنني اعترفتُ تحت التعذيب ولم يكن لديّ خيارٌ آخر.

لذا.

“… لقد فعلتُها وحدي.”

هذا كلّ ما استطعتُ قوله.

“هذه الفتاة ما زالت ….!”

رفع المحقّق يده. كان يمسك بسوطٍ محشوٍّ بإبرٍ حديديةٍ حادّة. أغمضتُ عينيّ غريزيًا.

في تلك اللحظة.

“توقّف.”

رنّ صوتٌ مألوف، كان الصوت الذي تمنّيتُ سماعه بشدّةٍ في تلك اللحظة.

“سموّك!”

خلف المحقّق، الذي ألقى بالسوط جانبًا وانحنى، كان لُــو يقف هناك. ظهر لُــو شاحبًا وهزيلًا.

“هل يمكنكَ التنحّي جانبًا للحظة؟ أريد التحدّث مع شارل … لا، السجينة.”

“نعم؟ لكن …”

“لن يستغرق الأمر سوى لحظة.”

تردّد المحقق، ثم أومأ برأسه ببطءٍ عندما ناوله لُــو شيئًا.

“خمس دقائق.” 

وغادر. لعلّ لُــو قد ناوله عملةً ذهبيةً أو ما شابه ليسميله.

بينما أغلق الباب وغادر، ساد الصمت غرفة التعذيب من جديد.

امتلأ الهواء برائحة العرق والدم ولمسةٍ من الحديد.

في تلك الغرفة، ارتجفت أنفاس لُــو بشكلٍ غريب. نظر إليّ، ملتقطًا أنفاسه في صمت.

غريزيًا، عضضتُ على شفتي السفلى.

لم أتوقّع، ولم أتخيّل قط، أن يراني لُــو هكذا. لهذا السبب شعرتُ بإحراجٍ شديد، وخجلٍ كبير.

“شارل.”

نادى لُــو عليّ.

“شارل، ارفعي رأسكِ.”

كان صوته رطبًا. فتحتُ عينيّ، اللتين كانتا متجهّمتين، ورفعتُ رأسي ببطء.

“لقد فعلتِ هذا عمدًا، أليس كذلك؟”

رأيتُ عيني لُــو المبلّلتين.

“لقد نسّقتِ مع جلالته للإطاحة بكلٍّ من بايلور والإمبراطورة في آنٍ واحد.” 

ظننتُ بطبيعة الحال أن لُــو سيفهم الموقف. كان سيعرف الحقيقة كاملةً حالما رآني أُؤخَذ بعيدًا.

“لماذا …”

اقترب لُــو ببطءٍ مني، وأنا مقيّدةٌ على الكرسي.

“لماذا لم تخبريني؟”

جثا على ركبةٍ واحدةٍ أمامي. نظر إليّ. بعينين دامعتين ووجهٍ باكي.

“عندها كان بإمكاني إيجاد طريقةٍ أفضل.”

“…..”

“لم أكن أعرف شيئًا … لم أكن أعرف أنكِ مستعدّةٌ لهذا. ابتسمتُ فقط مثل الأحمق وقلتُ إنني سعيدٌ بوجودكِ بجانبي.”

خفض رأسه. رأيتُ قبضتيه المشدودتين ترتجفان.

“لماذا يا شارل…؟”

رفع رأسه مرّةً أخرى. بدت الدموع، التي تُهدّد بالسقوط في أيّ لحظة، مثيرةً للشفقة بشكلٍ لا يُصدَّق.

“لماذا تُحزنينني هكذا؟”

ارتجفت شفتاي. فتحتُ فمي للحظة. لماذا أُحزِنُك؟

لماذا لم أُخبِركَ بشيء؟

هذا …

“لأنني أحبّك.”

لأنني أحببتُ لُــو بعمق.

لذا،

“لأنني أتمنّى أن يختفي كلّ مَن يُحاول إيذاءك.”

رأيتُ فم لُــو نصف مفتوحٍ بدهشة. ابتسمتُ له ابتسامةً خفيفة.

“لماذا، هل من الغريب أن أقول أنني أحبّك؟”

كانت عينا لُــو ترتعشان بشدّة. بدا وكأنّه متردّدٌ عمّا إذا كان ينبغي أن يصدِّق كلامي الآن، أم لا، أو لعلّه محتارٌ إن كان قد سمعني بشكلٍ صحيح. ابتسمتُ مجدّدًا.

“…متى، منذ متى.”

“لا أعرف.”

هززتُ رأسي وأجبت.

“لكن ما أعرفه هو أن هذا كلّ ما يُمكنني فعله لشخصٍ أحبّه.”

“شارل.”

“أريد أن أنقذك.”

انحنيتُ للأمام قليلًا، مُقرّبةً وجهي من وجه لُــو.

“لدرجة أنني لا أمانع الموت في سبيل ذلك.”

“شارل!”

قفز ومدّ يده نحوي. لكنه لم يُمسِك بي. كان جسدي مُغطًّى بالجروح بالفعل، لا بد أنه ظنّ أنني سأتألّم إن لمسني بلا مبالاة.

“لُــو.”

نظرتُ إلى لُــو، الذي كان لا يزال حنونًا للغاية حتى في هذه اللحظة، وقلتُ.

“أعتذر على كذبي عليك.”

“لا، لا. لا تعتذري على ذلك.”

“أنا آسفة، لا أستطيع البقاء بجانبكَ بعد الآن.”

“شارل. أرجوكِ.”

“من فضلك”

أرحتُ جبهتي على ذراعه وقلتُ.

“افهمني.”

شعرتُ بحرارة جسده.

دفءٌ لا يوصف.

هذا الدفء، الذي يبدِّد هواء السجن البارد، جعلني أرغب في البكاء.

سمعتُ أنفاس لُــو المرتعشة من فوقي. أبعدتُ رأسي عن المكان الذي كنتُ فيه وأخذتُ نفسًا عميقًا. 

“أيّها المحقق! أيّها المحقق!”

ارتبك لُــو، لكنني واصلتُ مناديةً على المحقق. عاد المحقق بعد قليل.

“شارل، لماذا تفعلين هذا بحق السماء …”

“بفضل إقناع سموه، توصّلتُ إلى استنتاج الكشف عن العقل المدبر خلفي.”

سعلتُ بلغمًا مختلطًا بالدم ونظرتُ إلى المحقق. شعرتُ بنظرة لُــو المُتوسّلة، لكنني تجاهلتُها.

في هذه الحالة، كان ما عليّ فعله واضحًا.

“لم يكن بايلور هو مَن أمر باغتيال جلالة الإمبراطور.”

عبس المحقّق. ربما لأنه ظنّ أنني أكذب.

“هذه الفتاة لم تعُد إلى رشدها بعد …!”

“إنه شخصٌ آخر.”

قطعتُ صرخاته الغاضبة.

“هو مَن أمر باغتيال جلالة الإمبراطور.”

ثم قلتُ بابتسامةٍ ساخرة.

“إنها جلالتها الإمبراطورة.”

⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄

ترجمة: مها

انستا: le.yona.1