علمتُ من ديزي أن الإمبراطور سيعود خلال يومين.
كانت ديزي تعتني بي، وتُثرثر قائلةً إن حفل تتويج الأميرة مُقرَّرٌ في الأسبوع التالي، وأن الإمبراطور وعد بالعودة قبل ذلك، أي بعد يومين بالضبط.
بفضلها، تمكّنتُ من نقل هذه المعلومة إلى بايلور.
[أثق بكِ.]
تدفق صوت بايلور من ميكروفون الطائر الآلي.
[يجب ألّا يكون هناك أيّ فشل.]
“… ثِق بي من فضلك.”
أومأتُ برأسي، مُحافِظةً على تعبيرٍ حازمٍ عمدًا. تمتم بايلور للحظةٍ قبل أن يُنهي المكالمة.
وينك! طار الطائر الآلي في السماء، وجناحيه يرفرفان.
بعد أن تأكّدتُ من أن الطائر قد اختفى تمامًا، أغلقتُ النافذة ببطء، وأدرتُ ظهري، واتّكأت على إطارها.
هاه! خرجت مني تنهيدة راحة.
في كلّ مرّةٍ أواجه فيها بايلور، كان جسدي يتوتّر بسهولةٍ بسبب الاضطراب المستمر. شعرتُ بتيبّسٍ يتشكٌل حول كتفي.
‘على الأرجح لن يثق بي بايلور تمامًا.’
لكنه الآن، ليس لديه خيارٌ آخر، لذا لا بد أنه تسلّل إلى القصر أولًا.
‘وربما يُحضِّر خطةً أخرى.’
لذا، عندما يعود الإمبراطور، يجب أن نناقش الأمر معه فورًا.
هناك فرصةٌ واحدةٍ فقط. هذه المسرحية التي أعددتُها لن تُعرَض إلّا مرّةً واحدة.
كلّ شيءٍ سيعتمد على نجاحها أو فشلها.
عندها ……
‘يمكنني أن أُريح لُــو.’
لكي لا يعاني لُــو بسببي بعد الآن. حتى لو تركتُه، لن يتعرّض لأيّ خطرٍ آخر.
حاولتُ كبت ابتسامتي المريرة التي كانت تتصاعد على وجهي، وأخذتُ نفسًا عميقًا آخر.
عندها …
انفتح باب الحمام. تصاعد البخار من الداخل. تحرّكت صورةٌ ظليّةٌ عبر الضباب الكثيف.
نظرتُ بعيدًا بنظرةٍ شاردة الذهن، ثم شهقتُ. كان لُــو.
كان شعره المبلّل يتساقط على جبهته، وقميصه الرطب قليلاً يلتصق ببشرته الرطبة.
ظهرت عظمة الترقوة الحادّة تحت القماش الرقيق، وانعكس لمعان كتفيه قليلاً من ابتلاله بالماء، وحتى حركة يديه العفوية وهو يرفع شعره للخلف.
كلّ شيءٍ فيه بدا وكأنه نظرة محاربٍ خرج لتوّه من درعه.
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
أمال لُــو رأسه نحوي وسأل.
نظرتُ بعيدًا بصمت. خفق قلبي قليلاً. رؤيتُه فجأةً بهذا المنظر خطفت أنفاسي.
“هل هناك شيءٌ على وجهي؟”
سأل مازحًا. هززتُ رأسي نفيًا، وعضضتُ شفتي.
“…لا. ظننتُ أنكَ قد تُصاب بنزلة بردٍ لأن شعركَ لا يزال مبتلًّا.”
“أوه، هل أنتِ قلقةٌ علي؟”
ابتسم لُــو. ابتسامته جعلت قلبي يغرق من جديد. حتى دون أن استحمّ بالماء الدافئ، شعرتُ بدفءٍ متزايدٍ في داخلي.
“حقًا …”
“هاه؟”
لمستُ جبهتي وهززتُ رأسي بلا حولٍ لا قوّة.
“أنتَ وسيمٌ للغاية، هذه هي المشكلة.”
كانت هذه هي الحقيقة المتفق عليها. والواقع أن لا أحد يجرؤ على انتقاد مظهر لُــو.
“فجأة؟”
ضحك لُــو واقترب مني.
“لا أعتقد أن شارل لا تدرك كم هي جميلةٌ وجذّابة.”
“… ماذا؟”
“حقًّا، في كلّ مرّةٍ أراكِ فيها، أُفاجَأُ بجمالكِ. ألم تعلمي ذلك؟”
موضوعيًا، ليس لديّ وجهٌ جميل. حسنًا، أعتقد أنني أستطيع القول إنني لطيفة، لكن …….
‘إنّه الوهم الناتج عن الحب.’
مع ذلك، شعرتُ بشعورٍ منعش. كان لُــو، من بين كلّ الناس، هو مَن يُحبّني.
“تعالي إلى هنا.”
جلس لُــو بخفّةٍ على السرير ومدّ يده.
“هيا.”
تردّدتُ قليلًا، لكن بعد ذلك، وفي نوبة استسلام، مشيتُ نحوه. ما إن اقتربتُ، حتى عانقني لُـــو بشدّة.
“هممم.”
دفن لُــو وجهه في كتفي، وفرك خدي وقال.
“أنا سعيد.”
وأنا كذلك.
في اللحظة التي التقت فيها أجسادنا، شعرتُ بارتياح.
كيف أصف الأمر؟ مع وجودنا معًا هكذا، بدا وكأن كلّ شيءٍ يختفي.
“لُــو.”
التفتُّ بحذرٍ إلى لُــو وسألتُه.
“هل لديكَ أيّ نيّةٍ لتصبح إمبراطورًا؟”
رفع لُــو رأسه ببطء. رمش بعينيه الواسعتين ونظر إليّ.
“آه.”
تمتم للحظة، ثم أجاب.
“لستُ متأكّدًا بعد.”
أرخى قبضته عليّ. جلستُ بجانبه بهدوء واستمعتُ باهتمامٍ إلى كلماته.
“لقد أخبرتُكِ من قبل. حلمتُ بمستقبلٍ أعيش فيه حياةً هادئةً وهانئةً في المنزل.”
تذكّرتُ ما قاله عندما استأجرنا قصرًا لزفافنا.
“أجل، هذا صحيح.”
“أجل. أن أصبح إمبراطورًا يعني التخلّي عن ذلك الحلم.”
أفهم.
في البداية، لم يكن لُــو شخصًا يطمع في أشياء كالثروة والشهرة. كان ببساطةٍ يتمنّى حياةً هانئة.
لهذا قد ينتقد البعض لُــو لكونه سهل القناعة.
لكن ليس أنا.
نشأتُ وأنا أشهد كيف يمكن لشخصٍ يستحوذ عليه الجشع أن يُدمِّر الناس، لذا فضّلتُ حياةً خاليةً من الجشع وحياةً يسودها السلام.
“لماذا؟ شارل، هل تريدينني أن أصبح إمبراطورًا؟”
نظرتُ إلى لُــو. لمعت عيناه، كما لو كان بإمكانه الاستيلاء على العرش في أيّ لحظةٍ إن رغبتُ في ذلك.
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفةً وأومأتُ بذقني.
“الأمر أكثر أمانًا إن فعلت.”
لأجل سلامة لُــو، أُفضِّل أن يصبح إمبراطورًا.
‘لكن إن لم يكن هناك خطرٌ على سلامته …’
إن نجحت خطتي واستطعتُ إسقاط كلٍّ من كاتاكل والإمبراطورة.
ألن يكون ذلك مقبولاً؟ ألن يتمكّن لُــو من العيش كما يشاء، كما كان يحلم؟
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفةً للُــو وأجبتُ.
“افعل ما تشاء. إنها حياتك.”
عندها، عبس لُــو.
“إنها حياتنا. ما الذي تتحدّثين عنه؟”
أمسك بيدي بقوّة.
“سأكون معكِ طوال الوقت. إذًا، إنها حياتُنا.”
“…..”
جعلني سلوكه الثابت والحازم عاجزةً عن الكلام.
لم أعرف ماذا أقول، أو أيّ تعبيرٍ أُبدي … لذا خفضتُ رأسي وأخفيتُ وجهي.
“أوه، العشاء جاهز. لنجلس على الأريكة.”
ربما عمدًا، ابتعد لُــو عني. ترك يدي ووقف.
عندها، سرت قشعريرةٌ في جسدي.
لم أعد أشعر بالحزن.
لكنني لم أعد أستطيع إمساك يد لُــو.
ما كان يجب عليّ ذلك.
* * *
بعد يومين.
لحسن الحظ، ظلّت الإمبراطورة صامتةً حتى عودة الإمبراطور.
بالطبع، كان ذلك جزئيًا بسبب تجنّبي المتعمّد للخروج.
على أيّ حال، عندما سمعتُ خبر عودة الإمبراطور، انتهيتُ من تجهيز نفسي بسرعةٍ وغادرتُ الغرفة.
‘يجب أن أتحرّك بينما لُــو في مَهمة عمل.’
فكّرتُ في ذلك، وأسرعتُ في خطواتي. بشكلٍ مقعولٍ بالطبع حتى لا أبدو مُريبةً للمارّة.
‘لا يجب أن أذهب مباشرةً إلى الإمبراطور.’
ربما كانت الإمبراطورة تراقبني.
‘إذن، هل يجب أن أُقابل المساعد أولًا؟ ولكن كيف؟’
بينما كنتُ أفكّر في هذا،
بصوتٍ مكتوم،
لمس أحدهم كتفي ومرّ.
“آه، أنا آسف.”
أدرتُ رأسي ونظرتُ في عينيّ الرجل الذي لم أره من قبل. انحنى قليلاً، واعتذر مجدّدًا، ثم غادر.
لم يكن الممرّ ضيّقًا، وكان بإمكاني المشي لمسافةٍ مريحة، لكنني اصطدمتُ به …
التقط نظري شيءٌ ما على الأرض.
رأيتُ رسالةً يبدو أن الرجل تركها خلفه.
‘هذه بالتأكيد ……’
كانت رسالةً من الإمبراطور.
لمعت عيناي بحماس.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات