“عندما أعود من المملكة المقدّسة.”
ابتسم لُــو بهدوءٍ وقال.
“سنذهب إلى القصر.”
“…هاه؟”
إلى أين؟
أيّ قصر؟
للحظة، ظننتُ أنني أخطأتُ الفهم. كان كلامه مفاجِئًا وغير واقعي.
لكن رغم استجوابي، ظلّ تعبير لُــو ثابتًا. حينها فقط تأكّدتُ أنني لم أُخطِئ الفهم.
لا، حقًا، ماذا يعني ذلك؟
“أفهم أنكَ بحاجةٍ للدخول إلى القصر. لكن لماذا أنا؟ لماذا أحتاج لدخول القصر الإمبراطوري؟”
“لأننا زوجان؟”
عبستُ. كم مرّةً قلتُ ذلك؟
ما الذي يعتقده بي؟
هل يعتبرني حقًا ‘زوجته’؟ أم أنها مجرّد وسيلةٍ للراحة؟
وإلى جانب ذلك …….
‘لم يكن يشك بي؟’
ثم يطلب في الوقت نفسه إتمام مهام جارديان. وطلب مني دخول القصر مرّةً أخرى.
لم أستطع معرفة ما إذا كان يظنّني عميلًا لجارديان أم يشتبه في كوني جاسوسة.
ما الذي كان يفكّر فيه عندما اقترح مثل هذا الاقتراح؟
‘لا أفهم.’
لكنني أعلم أن هذا عاديٌّ فقط لأنه لُــو.
شخصٌ صادقٌ تمامًا مع مشاعره ويتقبّل الأمور دون حساب.
هذا هو لُــو.
لكن هذا لا يعني أنه يُمكنني أن أُجَرّ وراء إرادته.
لم نعد شيئًا.
هززتُ رأسي نفيًا.
“هذا زواجٌ زائفٌ للعثور على الأثر.”
بنظرةٍ تُخبره ألّا يتكلم هراءً، تابعتُ كلامي.
“لقد قلتَ للتوّ بفمكَ أنكَ ستستقيل من جارديان. الآن وقد لم تعد عميلًا لجارديان، فلماذا تُكلِّف نفسكَ عناء مواصلة هذه المَهمة؟ لا، لا يُمكنك.”
“…..”
لم يتحدّث لُــو.
مرّت لحظة صمتٍ بيننا.
أخذتُ نفسًا عميقًا وأضفتُ.
“إذن، لم نعد أنا وأنتَ زملاءً مرتبطين بزواجٍ صوري.”
رأيتُ زوايا حاجبي لُــو تتدلّى قليلًا.
لكنني لم أتوقّف.
إن توقفتُ الآن، لشعرتُ أنني لن أتمكّن من التحدّث إليه بعد الآن.
“لا أفهم لماذا عليّ الذهاب إلى القصر.”
انخفض حاجبا لُـُو وعضّ على شفته السفلى.
“شارل …”
تنهّد بعمق، ثم قال.
“أحيانًا تحزنينني.”
اتسعت عيناي عند سماع هذه الكلمات.
“أنتِ تعلمين أنني أحبّكِ، أليس كذلك؟”
قال لُــو بهدوءٍ وخفوت.
“لكن لماذا تتصرّفين بهذه القسوة؟”
لم أكن أتصرّف بقسوة، كنتُ أقول الحقيقة فقط …… لا، لا. كلّ هذه الأعذار بدت بلا جدوى.
تنهّدتُ.
خفضتُ رأسي ووضعتُ راحة يدي على جبهتي.
“ما لم يكن هناك سببٌ واضحٌ لدخولي القصر، فلن أستطيع أن أكون معك. آسفة.”
“هناك سبب.”
كان صوت لُــو منخفضًا وصادقًا.
“شارل.”
في كلّ مرّةٍ كان ينادي باسمي، كان شيءٌ ما في داخلي يهتزّ كالموج.
“أنتِ في خطرٍ الآن، أليس كذلك؟”
للحظة، شعر قلبي بالاضطراب. خفضتُ نظري لإحفاء ارتباكي.
“الإمبراطورة تلاحقكِ. ما قالته آنذاك لا يزال حاضرًا في ذهني.”
لا بد أنها كانت تشير بصراخها بأنها ستقتلني.
عبستُ لا شعوريًا.
لا يزال الهواء اللزج، والصيحات، ولمسة القتل في ذلك اليوم حاضرةً في ذاكرتي.
“إذا ذهبتُ إلى القصر الإمبراطوري وحدي، ستصابين، بعد أن تركتُكِ ورائي، بأذًى بالغٍ بالتأكيد.”
“…أستطيع تحمّل ذلك.”
حاولتُ أن أبدو حازمة، لكنني كنتُ مُتردّدةً في داخلي.
هل يُمكنني حقًا تحمّل جنون الإمبراطورة؟
“شارل.”
اقترب مني لُــو مرّةً أخرى.
انحنى، يكاد يجثو على ركبتيه، بجانبي، حيث كنتُ جالسةً على كرسي، وتحدّث بصدق.
“يعلم أهل الإمبراطورية أنني متزوّجٌ منكِ. لكن لو دخلتُ القصر وحدي، ماذا سيظنّ الناس بي؟”
“… حقيرٌ تخلّى عن زوجته بعد أن أصابه غرور السلطة؟”
ضحك لُــو ساخرًا من ذلك.
“لن يقولوا شيئًا سلبيًا كهذا، لكن، حسنًا، سيكون أمرًا مُشابهًا لهذا.”
أمسك لُــو بيدي بقوّةٍ وتابع.
“لذا، من أجلي، من فضلكِ، تعالي معي إلى القصر.”
هذا عذر.
يريد لُــو دخول القصر معي لأنه، كما قال سابقًا، ‘أنا في خطر’.
لكن إذا أصرّ على هذا وحده، كان يعلم أنني لن أقبل، لذا يحاول إقناعي بعذرٍ واهٍ.
شعرتُ بمشاعر لُــو، وعمق عاطفته نحوي، بوضوحٍ جعلني أشعر بتردّد قراري.
“لأنني إن لم أكن معكِ، فلا سبب لديّ لأصبح أميرًا.”
طعنت هذه الكلمات قلبي.
“… سأفكّر في الأمر.”
كان هذا كلّ ما استطعتُ قوله.
خشيتُ أن أقول أيّ شيءٍ آخر الآن.
لكن لُــو بدا راضيًا عن هذا، فأومأ برأسه بابتسامةٍ أكثر رقّةً على وجهه.
“أرجوكِ فكّري في الأمر حتى أعود من المملكة المقدّسة. أوه، بالطبع، فكّري بي بعنايةٍ أيضًا.”
“ماذا يعني ذلك؟”
توقّف لُــو للحظة، ثم نظر ببطءٍ في عينيّ وأجاب.
“هذا يعني أنه مهما قرّرتِ، ستبقى أفعالي كما هي.”
ألا يعني هذا أنكَ ستجرّني إلى العائلة الإمبراطورية، مهما قُلت؟
لم أستطع إلّا أن أضحك من دهشتي.
نعم. كما هو متوقّعٌ من لُــو.
هو مَن يحاول احتضاني، مهما حدث، بطريقته الخاصة.
كان الأمر مزعجًا و …
ومطمئنًا في الوقت نفسه.
ظننتُ أنه لا بأس بالأمل.
ظننتُ أنه سيحميني.
… لكن.
‘لا.’
الحماية ليست من نصيبي.
يجب أن أحمي لُــو.
يجب أن أحميه أنا.
* * *
“كيف تفعل هذا بحق السماء!”
صرخت ليلى مذعورة.
“لُــو فانسين هو الأمير؟ ابن الإمبراطور؟ كيف يُعقل ذلك؟”
ارتجفت وهي تنظر إلى بايلور الجالس أمامها.
مرّت أيامٌ منذ أن كُشِف أن لُــو فانسين هو الأمير المفقود، لكن غضب ليلى ما زال يملأ صدرها. لا، بل بدا أنه يزداد غضبًا مع كلّ لحظة.
“لماذا لم تدرك هذه الحقيقة الحاسمة من قبل؟”
أطلقت ليلى وابلًا من الغضب على بايلور.
في الواقع، كان بايلور يعلم بالفعل أن لُــو فانسين هو الأمير.
لهذا، كان يخطّط للسيطرة عليه والتلاعب به ……
للأسف، فشلت تلك الخطة. سيُسجَّل لُــو فانسين الآن في سجلّ العائلة الإمبراطورية.
“اللعنة.”
نقر بايلور بلسانه وضغط على صدغه النابض.
“كان هناك الكثير مما يجب التعامل معه داخل الإمبراطورية حتى لتعقّب ولادة عميل جارديان المملكة المقدسة.”
بالطبع، كانت هذه كذبةٌ أيضًا، لكنها كانت ذريعةً كافيةً لتقديمها لليلى.
“يا لكَ من رجلٍ عاجزٍ عديم الفائدة ..!”
صرّت ليلى على أسنانها، ثم أخذت نفسًا عميقًا وفتحت عينيها. ثم حدّقت في بايلور.
“أسبوعٌ واحد. اقتُلهم جميعًا في غضون أسبوع. لُــو فانسين، وابنك، وتلك الفتاة التي تُدعى شارل!”
رمشت بايلور ببطء.
“ليلى.”
نظر إلى عيني ليلى، وشفتاه تتقلّصان.
“أقتلُ مَن؟”
عبس قليلًا.
“كيف تجرؤين على التكلّم بسوءٍ عن شارل؟”
كانت نبرة بايلور منخفضةً جدًا، تكاد تكون مرعبة.
كان هادئًا بشكلٍ غريب، لكن كان هناك شعورٌ ثقيلٌ ومريبٌ بداخله.
انحنى إلى الخلف على كرسيه وحدّق في ليلى بصمت، كما لو أن تلك الكلمات أنهت كلّ شيء.
ارتجف ذقن ليلى مرّةً أخرى، وضاقت عيناها.
“لماذا تهتمّ بها لهذه الدرجة؟ لدرجة أنكَ تغضب لمجرّد كلمةٍ واحدةٍ عن قتلها؟”
ابتسم بايلور ابتسامةً خفيفة. كانت ابتسامةً، أشبه بالسخرية، لم ترتفع منها سوى زاويتي شفتيه.
“بوهاهاهاها!”
انحنى بايلور إلى الأمام وأطلق ضحكةً ساخرةً قصيرة.
“أهتمّ بها؟”
كان صوته مشوبًا بالسخرية.
ولكن حتى وهو يبتسم، لم تكن عيناه مشرقتين على الإطلاق.
كما لو أن عاطفةً أو ذكرى معقّدةً كامنتان تحت تلك الابتسامة.
“شارل من صُنعي.”
تجمّدت عينا بايلور.
“وتجرؤين على لمس أغراضي؟”
تراجعت ليلى نصف خطوةٍ إلى الوراء، متردّدةً دون أن تشعر.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات