لم يقل الإمبراطور شيئًا.
حدّق بي بصمت.
كان وجهه خاليًا من أيّ تعبير، مما زاد الأمر غرابة.
“أخبريني.”
أمال فنجان الشاي مرّةً أخرى وقال.
“ماذا تعرفين؟”
أخذتُ نفسًا عميقًا.
ثم ضممتُ يديّ ورفعتُ رأسي.
“ألن يكون من الخسارة أن أعطيكَ معلوماتٍ دون مقابل؟”
رمش الإمبراطور ببطء. لمعت في عينيه لمحة اهتمام. بينما ابتلعتُ ريقي بصعوبة.
“يا له من غرور.”
“… لأن القائد هو مَن ربّاني.”
بدا الإمبراطور سعيدًا بإجابتي، فضحك ضحكةً مكتومة.
“لنبدأ بهذا.”
ثم انحنى إلى الأمام.
“لماذا تخونين بايلور؟”
“إنها ليست خيانة.”
هززتُ رأسي.
“…إنه أمرٌ لا بدّ منه.”
لا تحدث الخيانة إلّا إذا كان هناك منفعةٌ منها.
لكنني أجرؤ على قول هذا.
لا أحاول إيقاف بايلور حفاظًا على سلامتي.
بل من أجل الشعب.
“لا أريد أن يموت أو يُصاب الأبرياء لمجرّد جشع السلطة. إنه خطأ.”
إنه ببساطةٍ لأنه شيءٌ يجب فعله.
لم يكن أمرًا يتأثّر بالأحكام العاطفية كالخيانة.
“بايلور ربّاكِ بشكلٍ خاطئ.”
ابتسم الإمبراطور وأومأ برأسه، مستمتعًا على ما يبدو. ابتلعتُ ريقي مجددًا ونظرتُ إليه.
“إذن، أتساءل ما هي نوايا جلالتك.”
“نواياي.”
“يبدو أنكَ تعرف كلّ شيءٍ مُسبقًا، لذا أتساءل لماذا لا تفعل شيئًا.”
أمال الإمبراطور ذقنه. وحدّق بي باهتمام.
“هل يبدو الأمر كذلك حقًا؟”
ازدادت دهشته، كما لو كان يُخفِي دافعًا خفيًا.
“إذا بدا الأمر وكأنني أجلس مكتوف الأيدي دون فعل شيء، فهذا نجاح. هذا ما كنتُ أتمنّاه.”
نظرتُ إلى الإمبراطور مجددًا.
ابتسم ابتسامةً عريضة، وكأنه يُحضِّر شيئًا ما.
ففكرتُ.
لم يكن الإمبراطور واقفًا مكتوف الأيدي.
كان لديه خططه أيضًا.
“أرجوك، أعطِني مَهمة.”
فشددتُ قبضتي على يديّ المتشابكتين وقلتُ.
“لا أريد أن أضطرّ للتعامل مع هذا الأمر بعد حدوثه، أو قبل حدوثه مباشرةً. أنا عاجزة. لهذا السبب.”
نظرتُ مباشرةً في عينيّ الإمبراطور، اللتين كنتُ أتجنّبهما حتى الآن.
“أرجوك، أعطِني مَهمةً لأوقف القائد.”
لم يُجِب الإمبراطور.
نظر إليّ بعينين صافيتين.
بعد أن حدّق بي الإمبراطور للحظة، انفجر ضاحكًا مرّةً أخرى واتّكأ إلى الخلف.
“بايلور أخطأ في تربيتكِ حقًا.”
لم أُجِب.
لم أعرف كيف أرد، لكن ربما كان ذلك لأنني شعرتُ ببعض التردّد تجاه فكرة أنه ربّاني.
هل ربّاني بايلور حقًا؟
التربية تعني القيام بدور الأبوّة في رعاية الأفكار والمعتقدات السليمة.
هل ربّاني بايلور حقًا بهذه الطريقة؟
شعرتُ بالخجل من نفسي لأني لم أُشكّك في تصرفات بايلور لفترةٍ طويلة، مُتّبعةً أوامره دون وعي.
تسارعت أنفاسي. فأغمضتُ عينيّ بإحكام.
“إذا أعطيتكِ مَهمة، هل ستخبريني عن ابني؟”
فتحتُ عينيّ ببطءٍ عند سؤال الإمبراطور.
“نعم.”
خفّت حدّة تعبير الإمبراطور قليلاً.
“تهديدي بطفلي؟ هذا ليس لطيفًا.”
“يا صاحب الجلالة، أنتَ تزن شعبكَ أيضًا، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح.”
ابتسم الإمبراطور ابتسامةً مستمتعة. راقبته، فشعرتُ بارتياح. ثم زفرتُ بهدوء.
“أجل، هذا صحيح.”
الإمبراطور، الذي كان يضحك منذ زمنٍ طويل، رفع رأسه فجأة.
“إذن.”
تحدّث بتعبيرٍ جامدٍ على غير العادة.
“اغتاليني.”
للحظة، عجزتُ عن الكلام.
أغتالُ مَن؟
رمشتُ عدّة مرّاتٍ بتعبيرٍ فارغ. ضحك الإمبراطور ضحكةً مكتومةً مرّةً أخرى، كما لو كان ردّ فعلي مُضحكًا.
“هل هذا مُمكن؟”
قال وهو يُمرّر إبهامه على رقبته.
استجمعتُ قواي ووضعتُ يدي على جبهتي. حاولتُ استجماع أفكاري.
“إذن، بصفتي عميلًا لكاتاكل، هل تطلب مني محاولة اغتيال جلالتك؟”
“نعم. ذكية.”
بمعنًى آخر، كان الإمبراطور ينوي تدبير محاولة اغتيال.
بما أن كاتاكل حاولوا اغتياله، فقد كان ينوي استغلال ذلك لإسقاطهم.
في هذا السياق، كان من المحتّم والمفيد لي، أنا الخائنة، أن أُصبح قاتلة.
أومأتُ برأسي.
“متى سيكون الوقت مناسبًا؟”
“سأستدعيكِ على انفراد.”
“عُلِم.”
شعرتُ أخيرًا براحةٍ أكبر.
بدا وكأن خطّةً قد وُضِعت لإيقاف بايلور.
فابتسمتُ ابتسامةً مشرقة ووقفتُ ببطء.
“إذن يُمكنني إخباركَ بهذا.”
قلتُ للإمبراطور.
“اسأل جلالة الإمبراطورة. إذا كان بإمكانكِ قتل شخصٍ واحدٍ فقط في العالم، فمَن ستختارين؟”
“أليس أنا؟”
أمال رأسه في حيرة، لكنني ابتسمتُ له.
“كان هناك شخصٌ كاد أن يموت منذ فترةٍ قصيرة.”
لمعت عينا الإمبراطور.
بدا غارقًا في أفكاره للحظة، ثم نهض فجأةً وصاح.
“أنتِ …!”
خاطبتُ الإمبراطور مجدّدًا.
“يا صاحب الجلالة، أنتَ محق.”
لُــو ابنك.
* * *
بالكاد استطاع لُــو أن يُمسِك بنظراته الضبابية، فتثاءب بعمق.
ربما لأن جسده لم يتعافى بعد، فقد غلبه التعب، وشعر وكأنه سيغفو في نومٍ عميقٍ إذا تحرّك كثيرًا.
لكن هذا لا يعني أنه سيغفو حقًا.
لقد جاء غريندل لزيارته.
“ماذا تقصد بقول شيء؟”
التفت لُــو إلى غريندل، الذي كان جالسًا هناك متجهّمًا.
“هل عرفتَ مَن قتلني؟”
“لم تَمُت بعد. لستَ بكامل قواكَ العقلية.”
“أوه، هذا صحيح.”
عضّ لُــو شفتيه، وبدا عليه الإحراج.
“الذي كان يستهدفكَ هو كاتاكل.”
أجاب لُــو، ولم يُبدِ أيّ دهشةٍ من كلمات غريندل.
“ظننتُ ذلك أيضًا.”
“ليس ظنًّا، هذا تأكيد.”
عادةً، لا يقول غريندل ‘تأكيد’ إلّا عند وجود دليلٍ واضح.
فضيّق لُــو عينيه وانحنى قليلًا إلى الجانب.
“هل كان هناك حديثٌ قادمٌ من داخل كاتاكل؟”
“كان قائد كاتاكل وابنه يتشاجران.”
تابع غريندل.
“حاول الابن قتلكَ دون إذن. أمره القائد ألّا يفعل.”
رمش لُــو عدّة مرّات.
قائد كاتاكل لا يريد قتلي.
إذن، أولئك الذين استهدفوني سابقًا لم يكونوا يتصرّفون بأوامر القائد، بل بأوامر ابنه.
عبست لُـًو قليلًا.
“لماذا يريد ابنه قتلي؟”
هزّ غريندل كتفيه.
“أنا أيضًا لا أعرف ذلك.”
وكأنه لم يأتِ إلى هنا ليقول ذلك فقط، انحنى إلى الأمام والتقت عينا لُــو بنظراته.
“لكنني أعرف شيئًا واحدًا.”
“ما هو؟”
“لقد اكتشفتُ مَن هو ابن القائد.”
ألم يقل سابقًا أنه لا يعرف مَن هو ابن قائد كاتاكل؟
يبدو أنه رآه أثناء شجار القائد وابنه أثناء بعد محاولة اغتيال لُــو.
زفر لُــو بهدوء.
“مَن هو …”
“أنتَ تعرفه.”
“هاه؟”
كرّر غريندل، مواجهًا حيرة لُــو.
“أدريان بارتيروس.”
“….”
“إنه الرجل الثاني في قيادة كاتاكل.”
في تلك اللحظة، تبادر إلى ذهن لُــو سيلٌ من المعلومات.
كان معظمها ما قالته شارل عن أدريان.
« قلتُ لك أنني قضيتُ وقتًا قصيرًا في الإمبراطورية قبل ذهابي إلى المملكة المقدّسة. كنّا مقرّبين حينها.»
ألم تقل شارل إنهما كانا صديقَي طفولة؟
إذن، من المستحيل أن تكون شارل ……
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات