بعد أنْ وجَّهت ليتيسيا نقدًا لاذعًا لتناقضات إليوت، لَمْ تَعُد ترَ شعرةً واحدةً مِن رأس زوجها. وقد كانت تتوقّع ذَلك إلى حدٍّ ما.
لَمْ تكُن خاليةً مِن الندم، لكنها كانت على استعدادٍ لأن تُراهن على نصف ممتلكات بيت الماركيز على أنها، حتى لو عاد بها الزمن، لتصرّفت بالطريقة نفسها.
‘حتى لو أغضبَت حدّتي لبضعة أيام، كنتُ أظنّه سيفكر بعقلانية بعد مرور بعض الوقت…’
لكن يبدو أنها أخطأت في تقدير شخصيته.
إذ بدا أنْ إليوت قد اشتعل غضبًا، فقد ظهر في حفل عيد الشكر في الأسبوع التالي وهو يدخل دوّن ليتيسيا.
وعلاوةً على ذَلك، وبما يجعل غضب ليتيسيا بلا أيِّ معنى، أُقيمت حفلة الشاي التي كان إليوت قد ذكرها في نهاية هَذا الشهر كما هو مخطط. وقد رفضتها ليتيسيا، لكن السيدة الكبرى تولّت تنظيمها بسعادة.
حين علمت ليتيسيا لأوّل مرة بإقامة حفلة الشاي، راودها الشكُّ في الحالة العقلية للسيدة الكبرى؛ لأن هَذا النوع مِن الحفلات لا يُقيمه أرستقراطيٌ عاقل.
‘هل يُعقَل أنْ هُناك مرضًا عقليًّا يتوارثه أفراد عائلة دوبون مِن جيلٍ إلى جيل في وقتٍ معيَّن؟’
إلى هَذا الحدّ بلغ بها التفكير.
في يوم الحفلة، ارتسمت على وجه أديلين ابتسامةٌ مشرقة كأنها تملك العالم، وكانت الحديقة صاخبةً طوال فترة الظهيرة.
ثم بعد الحفلة، تضرّرت مكانة بيت دوبون بشكلٍ ملحوظ في مجتمع الإمبراطورية الراقي.
[يا إلهي! سمعت إن الماركيز إذا فُتن بامرأةٍ قد دمّر أسرته، ويبدو أنْ هَذا هو الحال فعلًا!]
[لَمْ أكُن أظنّ أنْ الماركيز دوبون سيكون هَكذا!]
لكن، حتى مع تراجع مكانته، لا تزال عائلة الماركيز عائلةً ذات مكانة. فَهناك فقط خمسة عوائلة تُضاهيه في الإمبراطورية، وعائلتان فقط يعلوان عليه.
ومادام الإمبراطور يُغدق حبّه على إليوت كما يفعل الآن، فَلَن يكون هُناك سقوطٌ حقيقيّ لعائلة الماركيز.
[ما كنتُ أظن أنني سأشعرُ بالشفقة على زوجة الماركيز في حياتي!]
[ألا يُحتمل أنْ تتغيّر سيدة العائلة في نهاية المطاف؟]
[لا حيلة في ذَلك، فالأشياء التي تُكتسب بالحظ تزول بسرعة.]
لكن حال ليتيسيا، التي لَمْ يكُن لها سند، كان مُختلفًا.
فكما همسَت السيدات النبيلات وبنات الأسر الرفيعة، فقد تراجعت مكانة ليتيسيا كثيرًا داخل منزل الماركيز.
حتى الخَدَم أصحاب الطباع الجريئة بدؤوا يتجاهلون أوامرها بصمت. بل وتجرّؤوا على السخرية منها على نحوٍ غير مُباشر وهم يتظاهرون بالحديث فيما بينهم.
“يبدو أن حتى الماركيز والسيدة الكبرى قد تخلّيا عنها تمامًا، لكنها لا تزال تتصنّع الجدية.”
“حتى لو كانت مِن بلادٍ منهزمة، فأنَّ تكون مِن منزل كونت عريقٍ خيرٌ مِن أنْ تكون مِن منزل بارونٍ لا يختلف عن العامة.”
«هاهاها، أراهن بنصف راتبي هَذا الشهر على أنها ستُطرد خلال سنة!»
ليتيسيا لَمْ تكُن شخصًا بارد المشاعر، بل فقط اعتادت التظاهر بالتماسك.
لكنها كانت تتألم. مِن برودة إليوت، ومِن لذع كلمات السيدة الكبرى، ومِن همسات الخدم الوقحة… كانت تتلقى الجرح تلو الجرح.
وكانت أيامها تزداد ضيقًا يومًا بعد يوم، حتى صار الصمود في وجه كل يومٍ أمرًا شاقًّا للغاية.
بدأت ليتيسيا تذبل تدريجيًّا، وأصبح لون وجهها أكثر شحوبًا يومًا بعد يوم. ولأنها كانت تحبس نفسها داخل المكتب دائمًا، تدهورت صحتها أكثر، وبدأت تشعر بالإرهاق مِن أقل شيء.
وفي نهاية العام، أصابتها حُمّى شديدة. كانت درجة حرارتها ترتفع إلى حدٍّ يجعل رأسها كأنما يذوب، وسعالها لَمْ يتوقف أبدًا.
“سيدتي، حتى إنْ لَمْ يكُن لديكِ شهية، عليكِ أنْ تتناولي الطعام وتتناولي الدواء. سأضعه هُنا على الطاولة.”
صحيحٌ أنْ طريقة خدمة ليتيسيا قد تراجعت كثيرًا مؤخرًا، لكن لولا أنْ سالي استدعت الطبيب واهتمّت بأدويتها، لرُبما تفاقم الأمر وتحوّل إلى مرضٍ خطير مثل الالتهاب الرئوي، بل وماتت بسببه.
“آتشيه!”
“أديلين، هل أُصبتِ بالزكام؟”
“أهمم… لا أدري. بدأتُ بالسعال قليلًا منذُ البارحة… هل يُمكن أنْ يكون السبب هو برودة غرفة النوم؟”
“غرفة النوم… باردة؟! يا إلهي، أديلين! كان عليكِ أنْ تخبرينا مِن قبل إنْ كان هُناك ما يزعجكِ!”
“لقد سمعتُ أنْ الغرفة التي أستخدمها الآن هي الأفضل بين غرف الضيوف… لا يُمكنني أنْ أكون عبئًا أكثر مِن هَذا.”
لَمْ يُبالِ إليوت ولا السيدة الكبرى بحُمّى ليتيسيا، لكن لَمْ تمرّ ملاحظة أديلين عن برودة الغرفة مرور الكرام.
وفي اليوم نفسه، خضعت غرفة النوم التي خُصصت تقليديًّا لإناث أسرة الماركيز لأعمال ترميم. وخلال فترة الترميم، ولأجل راحة أديلين التي اضطُرّت للإقامة في الغرفة القديمة، ذهب إليوت واشترى حجر تدفئةٍ باهظ الثمن مِن برج السحر.
“بالنسبة لي، أنتَ ساحرٌ حقيقي يا الماركيز! تحلّ كل مشكلة في لمح البصر!”
“…أنتِ كالرّبيع بالنسبة لي، يا أديلين. وجودكِ وحده يملأ المكان دفئًا ونورًا.”
ومنذُ الشهر الأول مِن العام الجديد، استولت أديلين على غرفة ابنة الماركيز، مُعلنةً بذَلك عن نفوذها داخل القصر وخارجه. وهَكذا بدأ كابوس ليتيسيا الحقيقي.
* * *
صفعة!
كان صوت الصفعة مدوّيًا، ووجنتها التي تلقت الضربة كانت تَلسَع بحرارةٍ شديدة.
تطلّعت ليتيسيا إلى السيدة الكبرى التي صفعتها بعينين شاردتين.
‘كيف انتهى بي المطاف إلى هَذا الحال؟’
“أوووه، طفلي المسكين… يا إلهي! ما الذي يُمكنني فعله؟ ما العمل…؟”
نظرت ليتيسيا إلى أديلين، التي كانت تذرف دموعًا غزيرةً بعينين محتقنتين، وإلى إليوت الذي كان يحتضنها مواسيًا، كما لو كانا مشهدًا غير واقعي، بينما راحت تسترجع ما حدث في الأشهر الماضية.
كانت سيطرة أديلين على غرفة النوم الخاصة التي لا يُسمح إلا للماركيز وعائلته باستخدامها، تحمل دلالات كبيرة. لقد كانت تحظى باهتمامٍ يتجاوز كونها مُجرد شخصٍ يرعاه.
لَمْ يعُد احتقار الخدم لليتيسيا بالأمر الخفي؛ فقد بات كثير منهم يتجاهلها بوضوح.
وكانت الخادمات يتخلصن مِن خدمتها عبر دفعها إلى الأكثر خنوعًا بينهن، حتى إنْ سالي، التي تولّت رعايتها تقريبًا بمفردها، بدأت تُظهر علامات التعب والضيق وتشكو كثيرًا.
لذا بدأت ليتيسيا تتكفّل بالأعمال البسيطة بنفسها. ولو كان هُناك مَن يُعزّيها في ذَلك، فهو أنها لَمْ تولد نبيلة، لذا كانت مُعتادةً على الأعمال اليدوية.
أما إليوت، فقد بدا وكأنه قد استخلص عبرةً مِن كلمات ليتيسيا القاسية في المرة السابقة، فلَمْ يعُد يُخفي مشاعره تجاه أديلين.
كان لا يفارقها أينما ذهب. ومع الوقت، غيّر ذَلك نظرة نبلاء المجتمع الذين كانوا في البداية يظنونها مُجرد خليلته الرخيصة التي جلبها مِن بلاد العدو.
“إنْ كان يقدّرها إلى هَذهِ الدرجة، فلا بد أنْ فيها شيئًا مميزًا.”
وبدأت النبيلات، بدءًا بالكونتيسة فالاندري الفضولية، يوجّهن لأديلين الدعواتٍ إلى حفلات الشاي، واحدةً تلو الأخرى.
ثم جاء الربيع، حيث تستيقظ الحياة مِن سباتها الشتوي، لتُعلن بشرى جديدة.
“مبروك يا سيدي، الآنسة حامل بلا شك.”
“إليوت، يقولون إنْ ثمرة حبنا تنمو في داخلي.”
“يا إلهي، شكرًا لكِ! شكرًا جزيلًا، أديلين.”
“بفضلكِ، لَن ينقطع نسل عائلة دوبون.”
لقد حملت أديلين.
وكان وقع ذَلك على ليتيسيا أشدّ مِن رؤيتها لأديلين وهي تُقبّل زوجها.
لَمْ تكُن مريضة، لكن رأسها ظلّ يؤلمها طوال اليوم، وكان شعورها بالغثيان يمنعها مِن تناول الطعام.
‘إليوت… إذًا هو قد مضى معها حتى النهاية…’
[في الأصل، كان مِن المفترض أنْ نقضي الليلة الأولى معًا اليوم. لكن، بما انكِ لا ترغبين، فسوف نؤجل ذَلك.]
[هَذا…]
[أعلم أنْ زواجنا كان مُفاجئًا. وكلانا بحاجةٍ إلى الوقت للتعارف والتآلف. سأنتظر.]
في تلكَ اللحظة، كانت تظن أنْ إليوت يُراعي مشاعرها، إذ لَمْ تكُن مستعدةً بعد للعلاقة الجسدية. لكن الآن…
‘رُبما لَمْ يكُن يريد طفلاً مني، لأنني مِن عائلةٍ فقيرة، فقال ذَلك كذبةً مغطاة بالعاطفة.’
راحت هَذهِ الفكرة المرعبة تنتشر في رأسها كالدخان السام.
‘هل يعني هذا أنني سأُطلّق؟’
أنْ تحمل الخليلة قبل زوجة الماركيز؟ حتى ليتيسيا، التي لَمْ تكُن خبيرةً بأعراف المجتمع، كانت تُدرك مدى سوء هَذا الحدث، ومدى تأثيره على مكانة الزوجة والخليلة على حد سواء.
الجميع كان سعيدًا بنبأ حمل أديلين، ما عدا ليتيسيا.
جهزت ليتيسيا أوراق الطلاق لتحفظ كرامتها المُتبقية، لكنها لَمْ تستطع تسليمها إلى إليوت.
فقد وصلها في تلكَ الأثناء خطابٌ مِن منزل عائلتها البغيض.
ولَمْ يكُن في رسالتهم أيُّ عزاءٍ لابنتهم التي تعاني مِن خيانة زوجها.
بل كانت الرسالة مليئةً بالتوبيخ، وكأنهم يقولون: “الخليلة حامل، وأنتِ ماذا كنتِ تفعلين؟”، مع تحذيرٍ واضح: “لا تفكّري في أيِّ حماقةٍ، وافعلي ما بوسعكِ لتحافظي على مكانكِ كزوجة الماركيز”.
‘اللعنة… ألَمْ يخبروني مِن أنْ هَذهِ ستكون آخر مرةٍ يطلبون فيها المساعدة؟’
على ما يبدو، كان والدها الذي لَمْ يساعدها يومًا في حياتها، قد تورّط مُجددًا في الديون بسبب إدمانهِ على الخمر والقمار. ولَمْ يكُن الدائنون يصبرون عليهِ إلا لأنه والد سيدة قصر دوبون.
لقد كانوا يحاولون منع الطلاق فقط ليحافظوا على هَذا الرابط الذي يؤخّر الدفع.
شعرت ليتيسيا بأنَّ العالم قد اسودّ في عينيها. كأنَّ أحدًا يخنقها، فَلَمْ تعُد تستطيع التنفس.
‘بهَذا الشكل… لا أستطيع حتى أنْ أهرب بإرادتي.’
أبٌ مدمن على الخمر والقمار، أم لا تهتم إلا بأخيها، وأخٌ أناني لا يفكر إلا في نفسه.
لطالما كرهت ليتيسيا تلكَ العائلة واحتقرتهم، لكنها لَمْ تتمنَّ أبدًا أنْ يلقوا حتفهم في الشارع أو يُباعوا مقابل سداد الديون. كانت يداها مكبّلتين حقًا، لا تستطيع أنْ تفعل شيئًا.
‘هل عليّ الآن أنْ أغرق في هَذا المستنقع حتى أموت؟’
الكثير من تفاصيل القصر كانت قد تغيّرت لأجل راحة الحامل أديلين، وما زالت التغييرات مستمرة.
وكان تبديل غرفة النوم أحد تلكَ التغييرات. فقد اضطرت ليتيسيا إلى التخلّي عن غرفة السيدة الرسمية، نزولًا عند رغبة أديلين التي أرادت الإقامة قرب غرفة إليوت.
ومع هَذا الوضع، لَمْ تَعُد فقط تُعامَل باحتقار مِن الخدم، بل أصبحت إدارتها للمنزل والإقطاعات أيضًا تسير بصعوبة.
حتى الإداريون والفرسان المخلصون بدؤوا يتجاهلون أوامرها أو يعارضونها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"