بما أنْ علاقته مع أديلين قد توطدت، خطر في بالها أنْ يُبادر إليّها إليوت بدعوةٍ لتناول الإفطار معًا، أو على الأقل يُهديها كلمة تهنئة بمناسبة عيد ميلادها.
فاليوم ليس كغيرهِ مِن الأيام، إنهُ يوم ميلادها الذي لا يأتي سوى مرةٍ واحدة في العام.
ولحُسن الحظ، يبدو أنْ رئيس الطهاة لَمْ ينسَ عيد ميلاد ليتيسيا، فقد قدّم ضمن التحلية بعد الإفطار بودينغ الألوان الثلاثة، وهو مِن الأطباق التي يتناولها شعب الإمبراطورية في أعياد ميلادهم.
الأبيض يُرمز بهِ إلى طول العمر، والأصفر إلى الثروة، والوردي إلى الحُب.
هَذا البودينغ الجميل، ذو الطبقات الملونة، نجح – ولو قليلاً – في تهدئة خاطر ليتيسيا التي كادت تغرقُ في الحزن منذُ الصباح.
اخبرتها سالي، وصوتها يفيض بالبهجة.
“سيدتي، عيد ميلادٍ سعيد! أتمنى لكِ يومًا مليئًا بالفرح.”
ولكن لو لَمْ تُصادف إليوت وأديلين في الطابق الأول حين نزلت لتشكر رئيس الطهاة قبل الغداء، لرُبما مرّ اليوم بسلامٍ حتى لحظة نومها.
كانت أديلين متأنقةً على نحوٍ خاص، وإليوت يرتدي ما يُظهر عنايتهُ بمظهره.
أيًّا مَن رآهما، لقال إنهما في طريقهما إلى موعدٍ غرامي.
‘آه…’
هل يا تُرى لا يعلم ما هو هَذا اليوم؟ أم أنه يعلم، ويتجاهل عمدًا؟
وأثناء كبحها لرغبةٍ قوية بالصراخ، التقت عيناها بعيني إليوت.
بدا عليهِ الارتباك، وأشاح بنظرهِ ثم قال:
“بدت أديلين منزعجةً بعض الشيء، ففكّرنا في الخروج للتنزه قليلًا خارج المدينة.”
رمشت ليتيسيا بعينيها. لَمْ يكُن يتحدث بلغةٍ أجنبية، لكنها وجدت صعوبةً في فهم كلامه.
‘الآنسة شالامي منزعجة؟’
أديلين، التي صارت تحت رعاية عائلة دوبون بقوة حماية إليوت، لَمْ تكُن تفعل شيئًا سوى أنْ تعيش حياةً مريحة، تتلقى دروسًا في آداب الإمبراطورية وتاريخها، وتمضي بقية يومها كما تشاء.
في الأيام المشمسة والجو المعتدل، تتنزه في حدائق القصر المرتبة بعناية، وإنْ احتاجت شيئًا، تخرج إلى السوق برفقة خادمتها وحارسها.
‘إنْ كانت ثمة مَن يشعر بالضيق، فهي أنا، أليس كذلك؟’
في قصر دوبون، تقف مراقبةً بصمت تصرفات أديلين المفعمة بالحيوية وهي تترقب ردات فعل إليوت وسيدة العائلة، وفي المجتمع الراقي، أصبحت شيءً للسخرية.
“هل ترغبين في الذهاب معنا إنْ كان لديكِ وقت، سيدتي؟”
قالت أديلين بابتسامةٍ بريئة مُتصنّعة.
وكان ما يُغضب ليتيسيا أكثر مِن سؤال أديلين – التي كانت واثقةً أنْ الجواب سيكون رفضًا – هو ملامح القلق التي ارتسمت على وجه إليوت خشية أنْ توافق ليتيسيا.
‘هل تعرف حتى ما هو هَذا اليوم؟’
كادت الكلمات تندفع مِن فمها، لكنها كتمتها في آخر لحظة.
الخادم الواقف خلف إليوت شعر، حين التقت عينيه بعيني ليتيسيا الذهبيتين، أنهُما تشبهان عيني تمثال ملاك العقاب الذي رآه في المعبد ذات يوم.
ملامحها الهادئة المليئة بالغضب بعثت فيهِ شعورًا بأنه لو أخطأ، فعليهِ الاعتراف بكُل ذنوبه على الفور.
وبعد لحظة صمت، قالت بصوتها المُعتاد دوّن أنْ يتغيّر فيه شيء.
“بصفتي سيدة المنزل، لدي التزاماتٌ لا يمكنني تجاهلها، فلا أظن أنْ بإمكاني الانضمام إليّكما.”
ولعل كلماتها تلكَ بدت لهما كنوعٍ مِن التوبيخ، إذ بدا عليهما الانزعاج بوضوح، ولَمْ تجد ليتيسيا في ذَلك سوى السخرية.
“إذن، أتمنى لكما نزهةً موفقة.”
قالتها بلباقةٍ، ثم استدارت وتوجهت إلى المطبخ، لا مسرعةً ولا بطيئة. إنها مشيتها المُعتادة، التي تعلمتها خلال عامٍ مِن معاملة حماتها لها، وهي مشية يُقال إنها مشية السيدة النبيلة.
قالت سالي مبهورة
“رائع، سيدتي! تحدثتِ بأسلوبٍ أنيق وباردٍ حقًا.”
لَمْ تكُن تعرف ما كان يدور في قلب ليتيسيا مِن لعناتٍ وأوصافٍ سيئة توجهها نحو ذَلك الثنائي.
ولو توقف الأمر عند هَذا الحد، لكان يوم ميلاد ليتيسيا قد انتهى كيومٍ مُحبط ومؤلمٍ وحسب.
ولكن…
في وقتٍ متأخر مِن الليل، بعد أنْ مرّ اليوم بشكلٍ شبه طبيعي – باستثناء ما أثارته أديلين وإليوت في صدرها – وبينما كانت تستعدُ للنوم…
طَرق طَرق.
دوى صوتُ طرقاتٍ على الباب.
في مثل هَذا الوقت، لا يوجد كثيرون يُمكنهم زيارتها في غرفتها، لذا خمّنت مَن يكون قبل أنْ تسمع صوته.
“زوجتي، أنا إليوت. لدي أمرٌ أرغب في التحدث فيهِ معكِ. هل لي بالدخول؟”
كان صوته، الذي لَمْ يعُد يبدو دافئًا ومهيبًا كما كان مِن قبل.
‘…هل تذكّر، ولو متأخرًا، أنْ اليوم هو عيد ميلادي؟’
نظرت ليتيسيا إلى الساعة المُعلقة على الحائط. لَمْ تكُن عقاربها قد تجاوزت منتصف الليل بعد.
وبنظراتٍ هادئة مائلةً للفتور، فتحت له الباب.
“تفضل بالدخول.”
وعلى الطاولة الخشبية الصغيرة، التي أزاحت عنها الأوراق، وضعت كوبين مِن شاي الأعشاب الدافئ، الذي يساعد على الاسترخاء والنوم.
تناول إليوت رشفة منه على سبيل المجاملة، ثم بدأ الحديث.
“بما أنّكِ بحاجةٍ إلى الراحة، سأدخلً في صلب الموضوع مُباشرةً.”
بمُجرد أنْ سمعت الجملة الأولى، أدركت ليتيسيا أنها كانت مخطئةً تمامًا.
كان إليوت لا يزال يجهل أهمية هَذا اليوم، أو أنهُ يعلم لكنه لا يُبالي. لقد جاء فقط لأنه بحاجة إليّها.
شعرت وكأنَّ منجلًا حادًّا يُمزق صدرها، لكنها تماسكت.
إنْ كان هُناك ما أفادها مِن عائلة لوبيز البائسة، فهو أنهم درّبوها على تحمّل هَذا العالم القاسي بصبرٍ شديد.
“…تفضّل بالكلام.”
“أعلم أنْ وقتكِ مزدحم، لكنني أرجو أنْ تُقيمِي حفلة شايٍ صغيرة لأجل أديلين في نهاية هَذا الشهر.”
“صحيحٌ أنها تحظى بحياةٍ مريحة بدعمٍ مِن عائلة الماركيز، لكن لا بدّ أنَّ وضعها لا يُشعرها بالطمأنينة. كما أنها بدت أكثر حزنًا مؤخرًا، رُبما بسبب اقتراب ذكرى وفاة والدتها، لذا…”
هُناك نبلاء آخرون مِن مملكة كيلت جاؤوا إلى الإمبراطورية عبر طرقٍ مختلفة، وإنْ دعت بعضهم ليجتمعوا في لقاءٍ ودي، لعلّ أديلين تستعيدُ حيويتها مِن خلال الحديث مع مَن يشاركونها الوطن والثقافة.
وكلّما استمر إليوت في نسج مبرراتهِ المصقولة، كانت قبضتا ليتيسيا تحت الطاولة ترتجفان بشدة.
تماسكي… يجبُ أنْ تتحمّلي…
‘يتجاهل عيد ميلاد زوجتهِ الحيّة، بينما يُراعي ذكرى وفاة والدة الفتاة التي يرعاها؟ إلى هَذا الحدّ؟! حتى ولو تطلّب ذَلك تحمّل نظرات القصر الإمبراطوري المتشددة؟’
حتى لو كان اللقاء وديًّا بين الفتيات، فهو لا يُغيّر حقيقة أنْ الاجتماع يضمّ نبلاء مِن دولةٍ معادية، ولَن ينظر إليّه القصر أو الأرستقراطيون المحافظون بعين الرضا.
نظرت ليتيسيا إلى وجه زوجها دوّن أنْ تشعر.
‘ربّما لأنني أنظر إليّه مِن زاوية الغضب… تبدو نظراته عكرةً بعض الشيء.’
كانت عيناه الزرقاوان، اللتان كانت تراها يومًا كبحيرةٍ صافية، تبدوان الآن كياقوتتين مغطاتين بالغبار.
مهما فكرت، فلا بد أنْ إليوت عاد مِن ساحة المعركة مصابًا في رأسه.
“هل ما قلته الآن… تقولهُ بصدق؟”
“هل تظنين أنني جئتُ إليكِ في هَذهِ الساعة لأُمازحكِ؟”
“وماذا عن نظرة القصر الإمبراطوري والنبلاء المحافظين؟ كيف ستواجهها؟”
“نحن لا نتحدث عن قادة عسكريين ولا رؤساء عائلات كبرى، بل مُجرد فتيات صغيرات. بل قد يُساعد هَذا اللقاء البسيط في اندماجهن بشكلٍ أفضل داخل الإمبراطورية.”
ولو أنّه قدّم منطقًا رصينًا يُمكن أنْ يُقنع أيِّ شخص، رُبما كانت غضبت أقل.
[كل ما حلّ بنا سببه تلكَ الحقيرة! منذُ أنْ دخلتِ بيتنا، لَمْ يحدث شيءٌ جيّد!]
[رينوك لا يزال صغيرًا… سيتغيّر مع الوقت. تحمّلي قليلًا، لا تُحبطِي أخاكِ الوحيد.]
عباراتٌ عديمة المنطق، كانت تُلقى مِن الأب إلى الأم، ومِن الأم إلى ليتيسيا. والآن، تسمع مثل هَذهِ الكلمات مِن فم زوجها.
لقد وصلت حدود صبرها.
“سأتجاهل ما قلتَهُ وكأنني لَمْ أسمعه.”
“ليتيسيا!”
“لماذا لا تُصارحني فقط بأنكَ أحببت الآنسة شالامي، وتريد أنْ تفعل مِن أجلها كلّ ما تستطيع؟”
“ما هَذا الكلام؟!”
بدا الذهول على وجه إليوت، واهتزّت عيناهُ الزرقاوان بلا وجهة.
“الأعذار التي قدّمتها، ستُقنعني أنا وغيري مِن النبلاء. قد يتضرر شرفكَ قليلًا، أو مكانتكَ الأخلاقية، لكن…”
“لا أفهم لماذا تغضبين في كل مرةٍ يتعلق الأمر بأديلين. هل تغارين؟”
كان ذَلك سلاحًا لا يُمكن أنْ يُشهَره سوى مِن لا يُحب الطرف الآخر.
“لنفترض أنني أغار، لديّ سؤال واحدٌ فقط. هل تعرف ماذا يُصادف اليوم؟”
لَمْ يتبقَّ على منتصف الليل سوى أقل مِن ثلاث دقائق.
“إنهُ عيد ميلادي.”
“……!”
اتسعت عينا إليوت بدهشة.
“تتجاهل عيد ميلاد زوجتكَ، لكنكَ تُراقب عن كثب مزاج فتاة ترعاها… أليس مِن الطبيعي أنْ أغضب؟ ومع هَذا الفارق في معاملتنا، ألا يحق لي أنْ أظنّ أنكَ تُحبّ الآنسة شالامي؟”
“…لَمْ أكُن أعلم.”
أجاب إليوت بصوتٍ خافت وقد تراجع اندفاعه.
“ما أسهل هَذا العذر وأبسطه.”
“أنا جاد! لو أنكِ أخبرتني مُسبقًا…”
“لو فعلتُ ذَلك، هل كنتَ لتلغي موعدكَ مع الآنسة شالامي؟ هل كنتَ لتتجنّب زيارتي في هَذهِ الساعة كي تطلب مني حفلة لأجلها؟ لا أظن. لكان الاختلاف فقط في توقيت الطلب، لا أكثر.”
انفجرت ليتيسيا ضاحكة. لَمْ تكُن تدري بنفسها ما الذي أضحكها.
هل لأنه ظنّها تُثير المشاكل بلا داعٍ؟ أم لأنه رأى أسلوبها العدواني دنيئًا؟ لَمْ تعرف.
لكن في عينيه، التي كانت تنظران إليّها بدهشة في البداية، ظهرت نظرةً خافتة مِن الازدراء.
عندها توقّفت عن الضحك.
ثمّ، بوجهٍ بلا تعبير كما لو كانت دمية، أمرت ببرود.
“عُد إلى غرفتكَ، يا ماركيز. لا أريدُ إضاعة وقتي في هَذهِ الترهات السخيفة.”
خرج إليوت مسرعًا مِن غرفتها.
كان هو مَن عجز عن الردّ وهرب كجبان، لكن ليتيسيا كانت تُدرك أكثر مِن أيّ أحدٍ أنْ الشخص الذي خسر بحقّ في هَذا اليوم… هي.
ومِن عينيها، اللتين تشبهان القمر المحجوب خلف غيوم كثيفة، انهمرت دموعٌ طالما كتمتها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"