كي لا تُصاب ليتيسيا بالقلق عبثًا، أو تُحاول معرفة ما يدور في خاطره.
لا بأس.
لقد قطعت صلتها تمامًا بعائلة دوق دوبون والنبلاء في العاصمة، ومِن الآن فصاعدًا، ستعيش في الغرب، في منطقتها الخاصة، حيث لا تلقى إلا المودّة والمحبة.
“واو، هل يُعقل أنّكِ كنتِ تُخطّطين للهروب منذ البداية ولم تذكري شيئًا؟ أنا أشعر بشيءٍ مٍن الخيبة الآن.”
“ليس صحيحًا! لقد كنتُ طالبةً مُجتهدة في الأكاديمية، لم أقم بشيءٍ سوى الدراسة!”
“الناس يتغيّرون مع مرور الوقت. ربّما تعلّمتِ متعة الخروج عن المألوف خلال تلكَ الفترة…”
تبادلت ليتيسيا المزاح الخفيف مع إيمريك وهي تتفقد اليوميات المعروضة على الطاولة. ورغم أنّها بدت ذات جودةٍ ضعيفة في نظرها وفي نظر إيمريك الذي يملك ذوقًا راقيًا، إلا أنَّ بعضها كان يزعم الفخامة باستخدام غلاف مِن الجلد.
“سأختارُ هَذهِ.”
اختارت ليتيسيا دفترًا مغطا بالخشب بدلاً مِن تلك التي تُقلّد الفخامة بشكلٍ سطحي. راق لها أنّها قد تضع فيها زهورًا مجففة أو أوراقًا لاحقًا.
“أريدُ مثيلًا لها.”
“إذًا اختر القلم أنتَ يا سينيور.”
“بكل سرور. ثقي بذوقي العظيم.”
اختار إيمريك قلمًا مصنوعًا مِن الخشب ذاته الذي استُخدم في غلاف اليومية، فبدا كأنّه طقمٌ صُنع خصيصًا، وظهر بمظهرٍ أنيق.
“شكرًا على الهدية، سأعتني بها جيدًا.”
“لا! لا تتركها مركونةً في الدرج فقط، اكتب فيها الكثير مِن المهام والخطط!”
قالت ليتيسيا بلهجةٍ صارمة مزيفة.
لكن حالتها المزاجية السعيدة لم تسمح لتلكَ الجدية أنْ تدوم طويلًا.
بدأت تفهم الآن لماذا يمنحها إيمريك الهدايا البسيطة رغم أنّه قدّم لها الكثير مُسبقًا.
لأنّ الهدايا التي تُمنح بقلبٍ صادق، لا تمنح السعادة لِمَن يستلمها فحسب، بل لِمَن يُقدّمها أيضًا.
“أتمنى لكما بيعًا جيدًا!”
“شكرًا لكِ يا آنسة، وكلّ عامٍ وأنتِ بخير!”
بعد أنْ حصلت على الدفتر والقلم، واصلت ليتيسيا استكشاف الأكشاك واشترت صندوق مجوهراتٍ صغير كانت قد قررت اقتناءه عند زيارتها وسط المدينة. لم يكُن فاخرًا، لكنه سيكون ذا معنى إذا وضعت فيه أشياء ثمينة تذكّرها بهَذهِ الليلة.
“سينيور، هل سبق أنْ تذوقت طعام الشارع؟”
“هاهاها، بالطبع. مَن خاض الحروب لا يتدلّل في الطعام. هَذا النوع مِن الطعام جيّدٌ بما فيه الكفاية.”
كيف يُمكن تجاهل طعام الشارع بعد المجيء إلى السوق الليلي؟
اشترت ليتيسيا مع إيمريك أسياخ لحم غنمٍ حارّة، ثم اشترت كعك الحظ لتغيير المذاق.
هو كعك نصف دائري بداخلهِ ورقة تحتوي على عبارة حظ بسيطة، وغالبًا ما يظهر في بداية السنة أو في الاحتفالات والمهرجانات الكبرى.
<تحركي بثقة!>
كانت هَذهِ العبارة داخل كعكة الحظ التي أكلتها ليتيسيا.
<أفضل فرصةٍ هَذا العام ستكون في الصيف!>
أما هذه، فكانت في كعكة إيمريك.
“أوه؟ يبدو أنني تلقيتُ نبوءةً ما.”
“حقًا؟ وأنا حصلت على واحدة لها معنى عميق أيضًا.”
بعد جولة كاملة في السوق الليلي، وقعت أعينهما أخيرًا على حفلةٍ الرقص المقامة في وسط الساحة.
“رائع!”
أناسٌ يرتدون أقنعةً مختلفة الأشكال، صغارًا وكبارًا، يرقصون بحريةٍ مطلقة.
كما قال إيمريك، لم يكُن أحدٌ يرتدي ثوب حفلةٍ أو ملابس رسمية. الجميع يرتدون ملابس عادية ويتحركون حول نارٍ مشتعلة في الساحة، يرقصون ويتمايلون بمرح.
لم يكن هناك قواعد أو نظام. فقط الحماس والفرح.
“أنظر إلى أولئكَ الأطفال الذين يمسكون بأيدي بعضهم! كم هم لطيفون!”
“فلنُصبح نحن أيضًا زوجًا مِن البط.”
انضمت ليتيسيا مع إيمريك إلى صفوف الراقصين الذين يدورون حول النار، يرقصون كما يحلو لهم.
وفي حين بدت حركات ليتيسيا غير منسقة لكن طبيعية، جذب إيمريك أنظار الحاضرين بفضل أناقته ورشاقته حتى في الرقص الحر.
“هاهاها، سينيور، أنتَ غير صالحٍ تمامًا لمهمّات التسلل! مِن خطواتك وطريقتك، يستطيعُ الجميع تمييزك.”
“يالَ العجب، يبدو أنَّ التفوّق مشكلةٌ بحد ذاتها.”
وهَكذا، انتهت الليلة الأخيرة من احتفال رأس السنة في أجواء مبهجة.
***
ومع مرور الوقت في الغرب، كان الوقت يمرّ كذلك في العاصمة.
إليوت، الذي كان منشغلًا بمواساة أديلين بعد فقدان الجنين، تلقّى وثائق مِن المحكمة.
كانت تتضمّن نسخةً عن أوراق الطلاق التي تركتها ليتيسيا.
“……”
ليتيسيا لوبيز.
ما إنْ قرأ اسمها وتوقيعها على الأوراق، اجتاحه شعورٌ لا يُمكن وصفه.
كان الحقد يتفجّر في صدره. فهي مَن أودت بحياة طفله مع أديلين.
لكن، لماذا يشعر بالقلق عليها؟ هل تأكل جيدًا؟ أين تعيش الآن؟
قطرة.
سقطت دمعةٌ على الورقة المحكمة المُجعّدة في قبضته.
يا له مِن أحمق! كيف تبقى له مشاعرٌ تجاه امرأةٍ قتلت ابنه!
كان ذَلك أمرًا يستحقّ اللوم مِن الجميع.
“تماسك! عليكَ أنْ تشعر بالندم تجاه أديلين.”
فهو مَن سبّب لها فقدان أعزّ ما تملك.
لكن، هناك خطأٌ آخر… خطأٌ أعمق، لا يعرف كيف يعبّر عنه.
عضّ إليوت على شفته بقوّة.
لكنّ الشوق إلى ليتيسيا والحزن على فراقها، رغم كلّ شيء، كانا شعورين صادقين في تلكَ اللحظة.
‘هل هو مجرد حنين؟ كانت زوجتي في يوم مِن الأيام.’
نعم، ربّما سيجد البعض ما يبرر هَذا الشعور. فالإنسان أحيانًا يختلط عليه الحزن والغضب في لحظاتٍ معينة.
ما لَمْ يستطع إليوت فهمه هو شعوره بعد رؤية أوراق الطلاق.
‘عليّ أنْ أضع ختمي وأعيدها إلى المحكمة.’
وبهَذا، تنتهي كلّ علاقةٍ بينه وبين ليتيسيا.
لكن لماذا يتردّد؟
لو أراد أنْ يجد عذرًا، فرُبما كان حدس المبارز الذي على وشك أنْ يُصبح سيد السيف يُحذّره بلا انقطاع.
بأنَّ وضع الختم على تلكَ الورقة سيجلبُ أمرًا لا يُمكن الرجوع عنه.
‘هل سأندم لاحقًا؟ لماذا؟’
لقد أنقذه هِذا الحدس مِن الموت أكثر مِن مرّة في ساحات القتال، فكيف يتجاهله الآن؟
تكرّرت محاولة تمزيق الورقة ثم فردها، مرارًا.
وفي النهاية، لَمْ يفعل شيئًا.
لًمْ يوقّع، ولَمْ يسأل المحكمة، ولَمْ يُطلب معرفة مكان ليتيسيا.
كلّ ما فعله هو تجاهل كلّ شيء.
‘مع الوقت، سأتخذ قراري…’ هًكذا أقنع نفسه، كما يفعل مِن يُماطل ويهرب.
أما والدته، فقد كانت أكثر حسمًا منه.
“لكي ينجح الرجل في حياته، عليه أنْ يتزوّج امرأةً صالحة تحفظ بيته. شهرٌ كامل يكفي لأيٍّ منكم – أنت أو أديلين أو تلكَ المرأة – لتجاوز ما حصل. فلننهي هَذهِ الصفحة، ونبدأ مِن جديد.”
ثم سألت إنْ كانت المحكمة قد أرسلت أيِّ وثائق.
“لو كان لديها شيءٌ مِن الضمير، لأرسلت أوراق الطلاق بنفسها لتُتيح لكَ بدايةً جديدة.”
“في الحقيقة، تلقيتُ شيئًا مِن المحكمة قبل أيام.”
“أوه، ممتاز! إذًا، لنُنهي الأمر ونتجه إلى المعبد لاختيار يومٍ مناسب للزفاف. أديلين لا تزال شابةً وقوية، يُمكنها أنْ تُنجب مِن جديد.”
لم يستطع إليوت البوح بمشاعره المتضاربة أمام والدته، فاكتفى بقول: “سأتصرّف كما أراه مناسبًا.”
أما مَن خفّف عنه لحظتها، فكانت أديلين.
“سيدي، لا بدّ أنّكَ لا تزال مشوّشًا. لا أصدق حتى الآن أنْ السيدة… فعلت شيئًا كهَذا، وأنْ طفلنا رحل. لذا أفهمك أكثر مِن أيِّ شخصٍ آخر.”
“أنا آسف يا أديلين. لا يعني هَذا أنّني لا أحبكِ، ولكن…”
“ما تحتاجه الآن هو وقتٌ لتقبّل الواقع. وسأنتظر.”
أمام هَذهِ المرأة التي تُهدّئه وتمنحه الوقت، شعر إليوت بمزيدٍ مِن الذنب.
‘أنا، ماذا بي بالضبط…؟’
كيف يُمكن له أنْ يحنّ إلى ليتيسيا، ويشعر بشوقٍ نحوها، رغم أنه يملك امرأةً مثالية بجانبه؟!
ومَن كانت تُراقبه، أديلين، ضحكت في سرّها بسخرية.
رغبةُ اللاوعي تخالف المنطق الواعي. لا بدّ أنّه يُعاني.
فبدلًا مِن أنْ يكره ليتيسيا ويحقِد عليها كما ينبغي، تجتاحه مشاعر الشوق والحنين، فيشعر بأنّه حثالة إنسان.
‘ما هَذا الغبي الذي لا سيفه اكتمل ولا قلبه استقر!’
لو كان قد وصل إلى مستوى سيد السيف، لما تمكّنت أديلين، رغم قوّتها كشامانية بارعة، مِن التلاعب بوعيه.
لكن بما أنّه لا يزال في أعلى مستوى قبل الأخير، فثغراته النفسية كانت كافية لتُخضعه.
‘صحيح أنني غيّرتُ بعضًا مِن ذاكرته، لكنّي لا أستطيع أنْ أفرض تعويذةً أقوى بعد الآن.’
“سأتحدّث مع السيدة الكبيرة أيضًا، لا تقلق، يا حبيبي.”
فقد أوقعت أديلين تحت تعويذتها ليس فقط إليوت، بل أيضًا السيدة دوبون، وكل الخدم الذين يُديرون شؤون المنزل.
تحوّلت قصر دوق دوبون بالكامل إلى حصنٍ خاصٍ بها.
“أديلين…”
عانقها إليوت بامتنان شديد.
رغم أنها شعرت بقشعريرة، إلا أنّها باتت تجيد كتمان هَذا الشعور.
فكلّ ما تفعله… هو مِن أجل كاسلان المسكين الذي خسر كلّ شيء.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 46"