نظرت إليّه ليتيسيا، التي كانت تُريح وجهها على صدره، مُباشرةً في عينيه. كانت نظرتها تُطالب بمزيدٍ مِن التوضيح.
كم هو مدهشٌ أنْ تنعكس صورته بالكامل في عينيها الذهبيتين الجميلتين، لكنه يعلم أنْ لا أحد غيرهُ سيفهم هَذهِ النشوة.
“آسف لأنني لَمْ أخبركِ مُسبقًا، لكن بعد أنْ قررتِ القدوم إلى الغرب، التقيتُ بعائلتكِ. فأنا أُبدي اهتمامًا لا بأس به برفاهية مَن يعملون تحت إمرتي.”
لو سمع جيرارد ودييغو هَذا لرمقاه بنظراتٍ متجهمة.
فعلى الرغم مِن أنْ إيمريك ليس بخيلًا أبدًا في معاملة مساعديه وموظفيه، بل يمنحُهم الكثير، إلا أنْ الرجلين كانا يعلمان تمامًا طبيعة موقفه الحقيقي.
حتى في البرج الأحمر، لَمْ يكُن إيمريك يهتم فعليًّا بِمَن حوله.
جيرارد، الذي يبدو باردًا مِن الخارج لكنه في الحقيقة فضولي ويحب التدخل، ودييغو، الذي يظهر عليهِ التراخي لكنه يملك شغفًا دفينًا.
[عذرًا، سمو الدوق. لدي أمرٌ أود أنْ أناقشه معك.]
حين كان أحدهما يذكر أمرًا يخص زملاءهم أو موظفين التقوا بهم مصادفة، كان إيمريك يرد بـ: “افعلوا ما ترونه مُناسبًا”، ويتركهم يتصرفون.
سواء احتاج علاج أحد أفراد أسرة أحد المساعدين إلى مئات قطعٍ ذهبية، أو كان أحد أفراد أسرة أحد الموظفين قد اتُّهم ظلمًا بجريمةٍ ويتطلب الأمر تبرئته.
ما دام الأمر لا يُسبب له إزعاجًا ويُعالَج على يد جيرارد ودييغو، فإنَّ إيمريك لا يُعيره أيَّ اهتمام.
فهو يعلم جيدًا أنْ بعض السخاء مِن أموال قصر الدوق، التي لا تنتهي، لَن يُفقره، ولا أنْ استغلال الموظفين لنفوذ الدوقية سيُلحق بها ضررًا.
لكن الوحيد الذي كان يهتم بهِ إيمريك في كل صغيرةٍ وكبيرة، ويشرف على شؤونهِ بنفسه، كان ليتيسيا.
“يبدو أنْ البارون، بسبب تهديد الدائنين لزوجتهِ ووريثه، حاول سدّ الدين بدَينٍ جديد.”
لَمْ يستطع إيمريك أنْ يشتم البارون أمام ليتيسيا، فاختار مزج الحقيقة بالافتراء، لكنها، التي تعرف أباها جيدًا، فهمت قصده تمامًا.
“لا، سموّك. ذَلك الرجل… لا أمل فيهِ في هَذهِ الحياة.”
قالت ليتيسيا وهي تُطلق تنهيدةً طويلة وتهزّ رأسها نفيًا.
“لكن حين تحدثتُ مع بقية أفراد الأسرة، تبين لي أنْ الدين لَمْ يكُن كبيرًا كما توقعت. كنت سأتكفل بالأمر وحدي، لكني فكرتُ أنكِ ستغضبين حين تعلمين لاحقًا، لذا…”
“لَن أغضب، لكني كنتُ سأشعرُ بذنبٍ شديد لأنني سببتُ لكَ كل هَذا الإزعاج.”
“أوه، هَذا أسوأ مِن الغضب.”
أضاف إيمريك بنبرةٍ مبالغٍ فيها:
“على كل حال، بما أنْ قدراتكِ ممتازةٌ، فأنتِ تجنين ثلاثين قطعةٍ ذهبية شهريًا بسهولة، أليس كذلك؟”
لما قال ذَلك شخصٌ يعطي هًذا الراتب لمُجرد مساعد، بدت الكلمات مضحكةً قليلًا، فرفعت ليتيسيا زاوية شفتيها بسخرية خفيفة.
“كنتُ أفكر في أنْ أخصم المبالغ مِن راتبكِ الشهري تدريجيًا، أو تُغطى مِن المكافآت السنوية أو في الحالات الخاصة، وكنتُ أدرس الطريقة الأنسب…”
بالنسبة للمعلومة، عائلتكِ بخير. والدكِ يتلقى علاجًا مِن أعراض إدمان الكحول والمقامرة في المصحة، ووالدتكِ تستعيد توازنها الجسدي والنفسي في منطقةٍ ذات مناظر خلابة، وأخوكِ الأصغر ترك الدراسة التي يكرهها ويخوض تجربةً جديدة تتناسب مع ميوله.
“ميولٍ جديدة؟ هل مِن المُمكن أنْ يكون لديهِ موهبةٌ في السيف أو السحر؟”
“هاهاها، نظرتُ إليّه بعين الساحر الكبير، وليس له أيِّ مُستقبلٍ في السحر. لكن بنية جسدهِ ليست سيئة، لذا أوكلته إلى عائلةِ مشهورة في فنون السيف ليتعلم.”
“لقد أوليتهُ اهتمامًا بالغًا بالفعل…”
“لو كنتُ أعلم أنكِ قلقةٌ بشأن عائلتكِ إلى هَذا الحد، لكنتُ أخبرتكِ مِن قبل. أنا آسف.”
“آه، حقًا، ياسينيور، أنتَ حقًا…”
بمُجرد أنْ سمعت اعتذار إيمريك، أدركت شيئًا. أنْ تتلقى اعتذارًا على أمرٍ لا يستحق الاعتذار يجعل القلب يشعرُ بعدم الارتياح.
نظرت إليّهما كارينا بنظرةٍ تقول: “آه، ما ألطفهما.”
وبعد أنْ أنهى عملها وهي تحتسي القهوة التي اشتراها رودريان، انتبهت إلى أنْ موعد الغداء قد اقترب.
استأذنت ليتيسيا مِن كارينا مُسبقًا، فنزلت إلى الطابق الأول مِن برج الاستقبال. ورغم أنها خرجت في الوقت المُناسب، كانت المرأة ذات الشعر الأخضر قد وصلت بالفعل.
“أعتذر بشدة لجعلكِ تنتظرين، نائبة سيد البرج.”
“لا بأس، لقد أتيتُ مبكرًا قليلًا لأنني مشيتُ بهدوء كنوعٍ مِن النزهة. أما أنتِ، ليتيسيا، فقد نزلتِ للتو مِن عملكِ، أليس كذلك؟”
“نعم، شكرًا لتفهمكَ.”
“هل سبق أنْ جربتِ سحر الانتقال؟”
“آه، نعم.”
“أوه، سألتُ سؤالًا غير ضروري على ما يبدو. إيمريك، ذَلك الفتى، يعتبر سحر الانتقال مِن السحر المفيد.”
كانت كلماتها تبدو ذات مغزى، وكأنها تعلم أنْ العلاقة بينهما ليست مُجرد علاقةٍ بين مسؤول أعلى ومرؤوس.
‘أوه… هل يُمكن أنْ يكون سبب هَذا اللقاء هو التحقيق في أنني حصلتُ على منصبي بسبب معرفتي بالدوق؟’
أخفت ليتيسيا قلقها، وتبعت ميتيلونا إلى مكانٍ مناسب لتفعيل سحر الانتقال. ثم أمسكت بحذرٍ اليد التي مدّتها لها.
بدأت تشعرُ بأنها بدأت تعتاد الإحساس الغريب المرافق للانتقال.
“حاولتُ اختيار مكانٍ يناسب أذواق الشباب في هَذهِ الأيام، لكن لا أعلم إنْ كان مناسبًا.”
بعد لحظات، استقرت أقدام الاثنتين على أرضية إحدى الغرف في مطعمٍ فاخر. يبدو أنْ الموقع حُدِّد مُسبقًا وتم الانتقال إليه فورًا عبر السحر.
“مِن الغريب أنْ نشرب الشاي فقط في وقت الغداء، أليس كذَلك؟ عندما قلت إنني سأستقبل ضيفًا عزيزًا، اقترح أحدهم هَذا المكان.”
“شكرًا جزيلاً. بما أنني وصلتُ للتو إلى الغرب، فهَذهِ أول مرةٍ أزور فيها مكانًا كهَذا. بفضلكِ، توسعت آفاقي.”
“هوهو، أظن أنْ السبب في ذَلك ليس قُصَر المدة، بل حماية الدوق المفرطة، أليس كذلك؟”
الجدران والأرضية كانت بيضاء كالثلج، والأثاث مِن طاولات وكراسي كان أسودَ لامعًا، مِما منح المكان طابعًا أنيقًا.
عندما جلست ميتيلونا وسحبت الجرس الخفيف، دخل رجل يبدو أنه المدير على الفور، وكأنه كان ينتظرُ خلف الباب.
“أهلاً بكم. إنه لشرفٌ عظيم أنْ نستقبل نائبة سيد البرج الأحمر وضيفها في مطعمنا.”
كان سلوكه مؤدبًا للغاية، لا يقل احترامًا عن تعامل خدم الدوقية مع إيمريك. شعرت ليتيسيا مُجددًا بمكانة البرج الأحمر في الغرب.
“هل بإمكانكَ اقتراح بعض الأطباق التي تناسبُ ذوقنا؟”
وبعد الاستماع إلى شرح الرجل المُتقن، طلبت ميتيلونا مع ليتيسيا مجموعة C التي تحتوي على شرائح لحم السلمون المدخن بلطف وشرائح لحم الخروف الصغيرة كأطباق رئيسية.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 38"