وكان مِن الطبيعي أنْ يفهم رفاقه، الذين يعمل معظمهم في الشؤون الخارجية حيث يتطلب الأمر سرعة بديهة، مغزى نظرته. فأومأوا برؤوسهم بخفة.
تنفس جيرارد الصعداء وأكمل الحديث:
“الآنسة ليتيسيا فقدت الكثير مِن قوتها الجسدية.”
“أُحاول زيادة كميات الطعام والمشي تدريجيًّا. وإنْ تحسنت ساقاي، سأحاول تسلّق الجبل خلف القصر. يقال إنه يجبُ الوصول إلى قمته والعودة خلال وقتٍ محدد، لكن يبدو لي أمرًا صعبًا الآن.”
فكر بعض المساعدين مِمَن طحنهم العمل حتى فقدوا أيِّ إحساسٍ بالرومانسية أنْ أخلاق سيدهم تتدهور يومًا بعد يوم.
أما جيرارد، الذي يعرف البارون بوياتس وإيمريك، الرومانسيّن، فقد فكّر في نفسه: “يا لها مِن مودةٍ مخيفة.”
قال البارون بوياتس وقد أضاف تعليقًا:
“إنْ داومتِ على المشي وصعود الدرج بانتظام، فسيفيدكِ ذَلك في تحسين قدرتكِ على التحمل.”
“مِن الجيد أنْ ما كنتُ أفكر بهِ صحيح. شكرًا على النصيحة، سيدي البارون.”
“لقد حققتِ نتائج جيدًا خلال عشرة أيامٍ فقط، لذا أنا واثق مِن أنكِ ستحققين نتائج رائعةً بعد شهر أيضًا.”
“سأبذل جهدي لأكون عند حسن ظن السيد جيرارد.”
كانت وتيرة طعام المساعدين سريعة، رُبما لكثرة ما ينتظرهم مِن أعمال، أو مراعاةٍ لليتيسيا وخادماتها اللاتي أنهين طعامهن.
“إلى اللقاء، آنستي.”
“سأحييكم حين نلتقي لاحقًا. أتمنى لكم ظهرًا هادئًا.”
بعد أنْ ودّعت جيرارد ورفاقه أمام قاعة الطعام، تابعت ليتيسيا جولتها في القصر بمرافقة ماريانا وميل.
وصلنَ إلى الجناح الشرقي سيرًا على الأقدام مِن الجناح الشمالي، ويُقال إنه يُستخدم لحفظ صور العائلة الدوقية على مرّ العصور، ومقتنياتهم، وأوراقهم الهامة وكنوزهم.
وكان الطابق الأول، الذي يُسمح للزوار برؤيته، يضم صورةً لإيمريك، الدوق الحالي، ومقتنياتٍ لسلفه، وعددًا مِن كنوز عائلة غارسيا.
‘أسلوب الرسّام ليس جيدًا. فالأخ الأكبر الحقيقي أكثر بريقًا وجمالًا.’
ثم نزلن مِن الجناح الشرقي إلى الجناح الجنوبي، الذي بدا مبهرًا بمظهرهِ الخارجي كالقصر الرئيسي، ويُستخدم لاستقبال الضيوف ويضم عددًا مِن غرف النوم وقاعات الطعام المخصصة لهم.
“عند التفكير بالأمر، هناك شيءٌ غريب.”
“نعم؟ ما الغريب؟”
“غرفتي في القصر الرئيسي، أليس كذَلك؟”
“آه، هَذا لأن بعض غرف الضيوف تُدار بشكلٍ خاص داخل القصر الرئيسي.”
“فهمت.”
ورغم أنَّ ميل تشبه أختها ماريانا مِن حيث البنية والطول، إلا أنَّ ماريانا، كونها الأخت الكبرى، كانت أكثر كفاءةً في الشرح والتصرف.
وبعد أنْ وصلت إلى الجناح الجنوبي، كانت ليتيسيا قد اجتازت نصف القصر، فبدأت ساقاها ترتجفان تلقائيًّا. لو رآها أحدهم لظنّ أنها كانت تؤدي عملاً شاقًّا.
“ما رأيكِ أنْ نؤجل زيارة القصر الغربي إلى الغد، آنستي؟”
“نعم، فلنفعل ذَلك…”
اللعنة على هَذهِ اللياقة البدنية.
لقد تصرفت أمام إيمريك وبقية المساعدين وكأنَّ تجاوز الاختبار خلال شهر أمرٌ مفروغ منه، لكن القلق لَمْ يفارقها.
ذهبت ميل إلى مطبخ القصر الجنوبي وجلبت عصير فواكه بارد، فشربتهُ بينما كانت تتأمل النافورة والتماثيل أمام القصر الجنوبي، لتأخذ قسطًا مِن الراحة.
ثم عادت إلى غرفة نومها مرهقةً، واستلقت على السرير لتتصفح عقد العمل.
“رائع…”
[بعد تناولكِ الطعام، سأطلبُ مِن ماريانا أو ميل أنْ تحضرا لكِ العقد. خذيه معكِ واقرئيه على مهل، ودعيه يحفّزكِ على تسلّق الجبل. حظًا موفقًا!]
رغم أنها لَمْ تكُن ترغب بالاعتراف بذَلك، فإنَّ شروط العمل كانت ممتازةً لدرجة تبرر ثقة إيمريك الزائدة.
<يُصبح الطرف الثاني (الموظفة، ليتيسيا لوبيز) مساعدًا مُباشرًا للطرف الأول (رئيس العمل، إيمريك غارسيا)، ويؤدي عمله بإخلاص مُقابل راتبٍ شهري قدره 30 قطعة ذهبية.>
أصغر وحدةٍ نقدية كانت “كوبر”، ويُمكن بقطعة كوبر واحدة شراء رغيف خبزٍ صغير وجاف في السوق. بالطبع، في المدن الكبرى ذات الأسعار المرتفعة، قد يُطلب ضعف أو ثلاثة أضعاف ذَلك.
ومئة كوبر تُعادل قطعةً فضية واحدة، وكانت نفقات أسرةٍ مكونة مِن أربعة أفراد مِن عامة الشعب تتراوح شهريًا بين 30 إلى 35 قطعة فضية.
وبما أنْ مئة قطعة فضية تُساوي قطعةً ذهبية واحدة، فإنَّ راتب مساعدٍ واحد مِن دوقية غارسيا يُعادل نفقات عشرة أشهرٍ لعائلة مِن عامة الشعب.
‘لا أظُن أنْ القصر الإمبراطوري نفسه كان يمنح مثل هَذا الراتب.’
<يوفّر الطرف الأول للطرف الثاني سكنًا خاصًا، ويُخصص له مساعدًا واحدًا على الأقل للقيام بالأعمال المختلفة.>
<يدفع الطرف الأول للطرف الثاني مصاريف للحفاظ على المظهر اللائق بمكانته.>
<ما لَمْ يُقبض عليه مُتلبسًا، لا يحق لحرس إقليم الدوق اعتقال الطرف الثاني أو سجنه.>
<يُمنح الطرف الثاني لقب بارون خلال فترة عمله كمساعدٍ في إقليم الدوق فحسب.>
…لقد كان إيمريك محقًا.
بعد أنْ تصفّحت ليتيسيا العقد بدقة، تنهدت وقالت باستسلام:
لو أنْ إيمريك رأى هَذا المشهد، لضحك مثلما فعل بالأمس في وقت الطعام عندما رآها تحدّق به بعينين كعيني سمكة.
لكن في خارج قصر الدوق، لَمْ يكُن لديها منزل ولا أيُّ شيءٍ آخر، لذا فإنَّ فرصة العمل هَذهِ كمساعدة بشروطٍ رائعة تُعد كطوق نجاة أرسله ملاكٌ مِن السماء، ولا بد مِن التمسك به.
‘أثناء التنزه أو التمارين، يجبُ أنْ أقرأ بعض الكتب عن أوضاع الغرب.’
قيل إنْ القصر الغربي، الذي سيشمل مسار التنزه غدًا، يحتوي على مكتبة. ومِن المؤكد أنْ استعارة كتب متنوعة مِن هُناك ستكون ممتعة.
‘آه، هل يجبُ أنْ أسأل سينيور؟ عن حجم الإنتاج الزراعي في الغرب، وهيكل الصناعات، والسلع المُصدّرة والمستوردة، والواردات الضريبية؟ لعلّه يرسل لي بعض المواد مسبقًا.’
طرق.. طرق.
بينما كانت ليتيسيا تُفكر حتى هَذهِ اللحظة، سُمع صوت طرقٍ مهذب على الباب.
“آه، لحظة من فضلك.”
“نعم، آنستي. سننتظر.”
سارعت بتسوية شعرها الذي فسد أثناء قراءتها للعقد وهي مستلقيةٌ على السرير، ثم أذنت بالدخول، فدخلت ماريانا وميل بخطى هادئة.
“طلب منا دوق أنْ نسأل إنْ كان بإمكانهِ تناول العشاء معكِ.”
“نعم، لا بأس.”
“إذًا سنساعدكِ على الاستعداد.”
“لا بأس، يُمكنني تحضيرُ نفسي ببساطة…”
لكن ماريانا وميل التقطتا هِذهِ الفرصة وكأنها لحظةٌ مناسبة لإظهار مهارتهما، وأسرعتا إلى العمل.
ولأن ليتيسيا اعتادت لفترات أطول أنْ ترتب نفسها دوّن مساعدة الآخرين، فقد شعرت ببعض الحرج، لكنها لَمْ تكُن تعاني مِن مرضٍ يمنعها مِن تقبّل المساعدة، لذا استسلمت بطيب خاطر ليديهما.
“لأن ملامحكِ رقيقة، فلَن نضع الكثير مِن المكياج.”
“ما رأيكِ بربطة شعرٍ زرقاء تُناسب الفستان السماوي؟ أو رُبما هَذا الدبوس الأزرق مِن الياقوت سيكون جميلاً أيضًا.”
كانت ليتيسيا تُعطي توجيهات عامة فقط، بينما ماريانا وميل، اللتان بدتا وكأنهما تعرفان الغرفة أكثر منها، أخرجتا كل ما تحتاجانه مِن أدوات ومستلزمات التزيين بسلاسة.
“أنتِ جميلةٌ كعادتكِ، آنستي.”
“بفضل مهارة ماريانا وميل المُتقنة، بالطبع.”
وهَكذا، وصلت إلى قاعة الطعام قبل إيمريك بقليل، بفارقٍ بسيط.
“آنسة ليتيسيا، هل استمتعتِ بالراحة اليوم؟”
“نعم، بفضل اهتمامكَ. لكنكَ تبدو متعبًا قليلاً، سينيور.”
مَن قال إنْ الجمال لا يتأثر بما يرتديه؟ حتى لو شحب لونه وبدا كالمريض، يظل إيمريك يبدو كجمالٍ يغلفه الحزن.
“ذهبتُ لألعب قليلًا مع الوحوش قبل أنْ يشعروا بالملل ويبدأوا بمهاجمة المزارع والمنازل. أعتقد أنهم كانوا مليئين بالطاقة هَذهِ المرة، لذا أصابني بعض الإرهاق.”
لو سمعت المخلوقات التي قتلها فجأةً دوّن إنذار، أو أولئكَ الذين رأوه يهجم فجرًا كالشبح، لصرخوا قائلين إنْ الأمر كان ظلمًا. لكن الشخص الجالس أمامه لَمْ يكُن يعرف الوحوش إلا مِن خلال الكتب.
توسعت عينا ليتيسيا بدهشة.
“ه، هل أنتَ بخير؟ هل أُصبت؟”
“لا يا آنسة، لو كنتُ أُصاب مِن اللعب مع هَذهِ المخلوقات، لما كنتُ أستحق لقب الساحر العظيم.”
“هل هَذا يعني أنْ سينيور يُنظّم حملات تطهيرٍ للوحوش بشكلٍ فردي إلى جانب الحملات الرسمية؟”
نظراتها كانت مزيجًا مِن الإعجاب والقلق.
ولقد كانت تلكَ النظرات كافيةً لإرضاء رغبة إيمريك حين ذكر الأمر.
“إنه واجبٌ تجاه الغرب. لو كان مَن يقوم بهِ فارسًا أو ساحرًا عاديًا لكان الأمر مُختلفًا، لكن بالنسبة لي، فذَلك لا يتعدّى نزهةً مرهقة قليلًا، فلا داعي للقلق.”
لو سمع جيرارد أو قادة برج السحر الأحمر هَذهِ الكلمات، لأمسكوا مؤخرة رقابهم وسقطوا مِن شدّة الصدمة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"