حتى وإنْ كان المديح مجرّد مجاملة، لَمْ يكُن يجب أنْ تكتفي بردٍّ شكلي، بل كان عليها أنْ تعبّر عن امتنانها بشكلٍ أفضل.
حين ارتدت الفستان الجديد، كانت قد عقدت العزم على أنْ تُعرب لإيمريك عن امتنانها الخالص، وتوضّح له أنْ اهتمامه الزائد مُرهق لها.
لكن، لعلّها شعرت بالارتباك مِن ثِقل المجوهرات التي قدّمها لها بعد ذَلك.
وحين تراكمت الأمور التي يجب أنْ تكون ممتنةً لها، بات مِن الصعب عليها أنْ تنطق بأيِّ كلمة. لأن أيِّ تعبيرٍ قد تُطلقه سيبدو تافهًا وباهتًا أمام ما قدّمه، ولَن يُظهر إلا مدى قصورها.
كونك، كونك.
بدأ قلبها ينبضُ بشكلٍ أسرع تدريجيًا.
وحين شعرت باختناقٍ وكأنَّ أحدًا يخنقُها، ناداها إيمريك بصوتٍ أصبح أكثر صلابةً قليلًا، بينما كان يُزيح لها الكرسي.
“لكن، آنستي.”
“ن، نعم؟”
“في ذَلك الوقت القصير، ما الذي حدث لكِ؟”
“……ماذا حدث؟”
نظر إيمريك إلى عينيها مُباشرةً.
“عيناكِ الجميلتان مُنتفختان.”
‘لِمَ لاحظ ذَلك؟’
“مَن الذي تجرأ وأزعج آنستنا الجميلة؟”
في تلكَ اللحظة، كانت الخادمات على وشك وضع أطباق العشاء على الطاولة تحت إشراف كبيرة الخدم، فرفع إيمريك يدهُ مشيرًا إليهنَ بالتوقّف.
“العشاء سيكون لاحقًا. على الجميع أنْ ينصرف الآن.”
رُبما لأن الشخص الذي كان يبتسم دومًا قال ذَلك بوجهٍ خالٍ مِن أيِّ ابتسامة، بدت كلماتُه، رغم بساطتها، باردةً جدًا.
هل تُدرك؟ أنْ اللطف والعطف الذي لا نفهم أسبابه هو ما يُثير الرعب حقًا.
وسقطت دموعها، التي كانت محتبسةً، على خدّيها، تمامًا كالمياه التي تتسرّب مِن سدٍّ منهار. ولَمْ تعُد قادرةً على التحكّم بها.
ثم بدأت تتحدّث بصوتٍ مرتجف.
“كنتُ وحيدةً دائمًا، وقد اعتدتُ أنْ أعتني بنفسي وحدي، وسأظل هَكذا على الأرجح…….”
لكن، إنْ اعتنيتَ بي بهَذهِ الطريقة، مِن رأسي حتى قدمي، وإنْ اعتدتُ على لطفكَ وتفهّمكَ كما يعتاد المرء على المطر الخفيف…
“فماذا سيحدُث عندما يحين الوقت للعودة والاعتماد على نفسي؟”
رغم كل ما قدّمتُه مِن تضحية، لَمْ يستغرق الأمر عامًا حتى انقلب عليها زوجها وعائلة زوجها بالكامل.
فكم مِن الوقت سيستغرق إيمريك، الذي يمتلك كل شيء، ليملّ مِن فتاةٍ مفلسة مثلها ويتوقف عن معاملتها بلطف؟
“إذا أصبحتُ ضعيفةً وعاجزةً عن فعل أيِّ شيء….”
“هَذا مستحيل، ليتيسيا.”
اقترب منها إيمريك بخطواتٍ ثلاث فقط، ثم عانقها وقال بصوتٍ حازم، مُستخدمًا أسلوبًا غير رسمي نادرًا ما كان يستخدمُه أيام دراستهما في الأكاديمية:
“ما لَمْ أفقد عقلي، لا يُمكنني تجاهلكِ. ولماذا لا أعاملكِ بلطفٍ؟ هل لديّ سببٌ لئلا أفعل؟”
التقت نظراتهما. عيناه الحمراوان، اللتان بدتا في السابق كجوهرتي روبي مصقولتين، تشبهان الآن شعلة تتأجّج.
“ألا تتذكّرين؟”
“…….”
“أنتِ مَن أنقذني حين كنتُ على وشك الاستسلام عن كل شيء.”
كُونك، كُونك.
رُبّما بفعل الأجواء، بدا وكأنَّ قلب إيمريك أيضًا ينبضُ بسرعةٍ مثلها.
[البقاء على قيد الحياة حتى النهاية هو الأهم، يا سيدي. حتى إنْ لَمْ تُضحِّ مِن أجل منزل الدوق، فإنني أرى أنْ سعادتكَ في أيِّ مكانٍ كُنتَ فيه هي كل ما يهم.]
[حتى لو سخر الحمقى مِن قراركَ وانتقدوه، سأظل أشجّعكَ.]
“قد لا يبدو الأمر واضحًا للآخرين، لكن بالنسبة لي، كان منزل غارسيا مُجرد عبء.”
ولَمْ تكُن قد استعدّت لسماع ذَلك بعد.
“مِن جهة، كان هُناك مَن يتذمّر مطالبًا بحمله، ومِن جهة أخرى، مَن يهدّدني بحياتي كي أُسلّمه. لَمْ يكُن هُناك أحدٌ يُظهر قليلًا مِن الإنسانية.”
في ذَلك الوقت، كان كل ما يريدهُ إيمريك هو الفرار.
لدرجة أنهُ أراد أنْ يُبلّل نفسهُ تحت المطر دوّن سبب، ويُصاب بالحمى، ثم يموت بهدوء على يد قتَلةٍ مأجورين.
“لكن، لأنكِ أخبرتني أنْ أعيش…”
“قلتِ بإنّه لا بأس إنْ انتهى أمر العائلة، ما دام بإمكانكَ أنْ تعيش سعيدًا فحسب… هَكذا قلتِ، ولهَذا التحقتُ ببرج السحر كمَن يفرّ، ثم نميتُ قوتي هُناك، وفي النهاية حصلتُ على هَذا المنصب.”
هَكذا إذن…
المهتمّون بالأخبار ركّزوا فقط على الساحر العظيم الذي يُحرز النجاحات المُتتالية، وعلى عودة رئيس العائلة الحقيقي المُشرقة، وتحدّثوا عنكَ كثيرًا…
لكن حتى أنتَ، المتفوّق في كل شيء، مررتَ بوقتٍ شعرتَ فيهِ بالوحدة والضيق، وكنتَ تودّ الهرب، تمامًا كما أنا الآن.
ومِن شدّة الألم الذي بلعهُ إيمريك بصمت في ذَلك الوقت، سالت مِن عيني ليتيسيا دموعٌ أخرى.
مدّ إيمريك يدهُ ليمسح دموعها التي انحدرت على خدّيها وسألها مُستنكرًا.
“لو كنتُ قد متُّ بهدوء في ذَلك الحين، لابتلعت زوجة أبي وعمي كلّ هَذا. لذا، ما أملكهُ الآن هو أيضًا لكِ، لأنكِ مَن ساعدني على استرداده.”
“ل، لا يُمكن أنْ تكون قد مُتّ، لا تقل كلماتٍ مخيفةٍ كهَذهِ…”
“إذن، لا تسألي أيضًا عن السبب الذي يجعلني أعاملكِ بلطف، ولا تُثيري أيِّ شكوكٍ. هَكذا نكون عادلَين، أليس كذَلك؟”
هل كان ذَلك بسبب تسرب طاقة النار منهُ دوّن وعي؟ لا تدري لماذا، لكن كلّما لمست أصابعهُ شيئًا فيها، كانت تشعر بسخونةٍ تنتشر في تلكَ المواضع.
“الأمر أنّك أنتَ الغريب، يادوق. أنتَ الذي يُدرك ذَلك… هَذا ما هو غريب! أنا… قبل مجيئي إلى هُنا، كم تعبتُ في قصر ماركيز دوبون…”
لكن لَمْ يعترف أحدٌ بتعبي.
هل لأن إيمريك أفصح عمّا لَمْ يُخبر بهِ أحدًا مِن قبل؟ ليتيسيا أيضًا استطاعت أنْ تُخرج ما كانت تُخفيه في قلبها طوال أكثر مِن أسبوعين.
“كنتُ أُحبّ إليوت… لفترةٍ طويلة.”
وهي تبوح بحبٍّ بائس وممزق، دفنت ليتيسيا وجهها في صدر إيمريك وكأنّها تشعرُ بالخجل، دوّن أنْ تدري كم كانت نار غيرتهِ تشتعل بداخله.
“…لأن مظهره الخارجي مُغرٍ؟”
“بالطبع، شكله الوسيم كان له دور… لكنني أظنُ أنني أحببتُ فيهِ اتزانه ومسؤوليته. صفاتٌ لَمْ أرها لا في أبي ولا في أخي.”
“هو ليس متّزنًا، بل جافّ وبغيض. ليتيسيا، رُبما لأنّكِ ما زلتِ في سنّ ترسمين فيهِ أوهامًا عن الرجال السيّئين، لكن الرجل اللطيف والودود هو الأفضل دائمًا.”
ردّ عليها إيمريك كأنّه يُعارضها، بعدما باحت بصوتٍ خافت بسبب الحرج، ورُبما لأنه هدأ قليلًا، فقد عاد إلى نبرتهِ المعتادة.
“…حقًّا، رجلٌ مثل الدوق هو الأفضل.”
“بالتأكيد.”
“لكنني لَمْ أكُن أدرك ذَلك عندما كنتُ على وشك التخرج مِن الأكاديمية… ولهَذا قبلتُ عرض زواج إليوت، وتخلّيتُ عن اجتياز امتحان موظّفي القصر الإمبراطوري.”
وبطريقةٍ تُشبه الاعتراف أمام الكاهن، بدأت تسرد حياتها بعد الزواج.
كيف كانت زوجة ماركيز دوبون الصارمة تُضايقها بلا هوادة لكونها كنّة مِن أسرةٍ متواضعة.
كيف تعمّد الخدم في القصر نبذها ومعاملتها بجفاء بعدما أصبحت فجأةً مِن النبلاء رفيعي المستوى.
كم كانت مجالس النبلاء في العاصمة تحتقرها وتضحك عليها بوصفها امرأةً محظوظةً فحسب.
كم كان مُرهقًا ومُتعِبًا أنْ تُعاني سنتين مِن حياة الحماة، وتُساعد وحدة إليوت في الجيش بكُل تفانٍ.
ثم كيف عاد زوجها مِن الجبهة مع امرأةٍ أخرى، ليطعَنها في ظهرها ببرود.
وكيف أنَّ مُجرد انقلاب زوجها وحماتها عليها، جعل الخدم والفرسان يغيّرون معاملتهم تمامًا.
استمرّ الحديث لأكثر مِن ساعة، ومع ذَلك ظلّ إيمريك يحتضنها بلطفٍ ويُصغي بكُلّ جديّة.
“حماتُكِ مِن النوع المُنتشر في كل مكان، لذا مِن الطبيعي أنْ تحقد أغلب الزوجات على أسر أزواجهنّ”
“حتى أنا، عندما تخلّصتُ مِن زوجة أبي وعمي ودخلتُ قصر الدوق، واجهتُ بعض المُضايقات. لكنني لاحقًا استبدلتهم جميعًا.”
“حين أزور العاصمة في المستقبل، هل أحرِق أفواه مَن يتحدث عنكِ بسوء؟ أقصد، فقط أُحرِقهم بلُطف؟”
“طبعًا، تعرفين كم الدعم اللوجستي مهم. كثيرون كانوا يغبطون الجنود الذين كانوا تحت إشرافكِ.”
كان يُضيف تعليقاتٍ بين الحين والآخر.
“…أنا لَمْ أفعل شيئًا. صحيح أنني كرهتُ تلكَ المرأة، لكنها كانت حاملًا… كيف لي أنْ أفكر بإيذائها؟”
“أُصدّقكِ. لأنّكِ دومًا تلتزمين بالحدود التي رسمتِها لنفسكِ.”
سواء كانت عائلتها أو أهل زوجها، أولئكَ الذين يُفترض أنّهم الأقرب إليّها، نبذوها جميعًا وأداروا لها ظهورهم.
ولأول مرة، شخصٌ لا يُعدّ مِن عائلتها يُصدقها ويؤمن ببراءتها. كان ذَلك أمرًا جيدًا، لكن لماذا عادت دموعها المتوقفة لتتفجّر بغزارة؟
“هاه، هئ، هئ…”
“يُمكنكِ البكاء. لَن يسمعكِ أحدٌ سواي.”
وبطريقةٍ تُشبه السحر، ربت يدُه الرقيقة على ظهرها. ارتجف كتفاها، ثم ارتفع صوت بكائها قليلًا.
“إنه ظلم… ظلمٌ كبير… كيف، هئ، يُمكنهم فعل ذَلك…؟”
رغم المسافة، اعتقدت أنْ مشاعرها وصلت مِن خلال المؤن والإمدادات، ومِن خلال الرسائل.
“على الأقل، كان عليهِ أنْ يُصغي لكلامي مرةً واحدةً بجدّية! وكان يجبُ عليهِ أنْ يُهنئني بعيد ميلادي، حتى لو تأخّر!”
بمُجرّد أنْ وجدت مكانًا آمنًا لتبكي فيه، بدأت مشاعرها العنيفة المُكبوتة تتفجّر تدريجيًا.
“أكرههم جميعًا… ليس فقط أديلين وإليوت، بل حتى السيدة الكبرى، وسكان قصر الماركيز … أكرههم وأحقدُ عليهم. لَمْ أكُن مَن اختار أنْ أُولد ابنةً لبارونٍ ساقط، ولَمْ أكُن أرغب في حياةٍ زوجيةٍ فاشلة…”
وبينما كانت ليتيسيا تبكي حتى بدت وكأنّها تُفرغ كل ما في جسدها مِن ماء، لَمْ يكُن بإمكان إيمريك سوى أنْ يربّت عليها بتعبيرٍ مفعمٍ بالأسى.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 18"