لَمْ يكُن بينهما سوى تبادل للسؤال عن الحال، وحديثٌ بسيط عن الحياة اليومية، ونقاشٌ مختصر حول النقاط التي يوليها كلٌّ منهما أهميةً كبرى مِن منظور الموظف والمُوظِّف، ومع ذَلك مرّت ساعةٌ كاملة بسرعة.
كانت الساعة في غرفة الاستقبال تشير إلى الرابعة والنصف.
“يا إلهي، ما زال هُناك الكثير مِن الأمور التي علينا الحديث عنها.”
“اليوم ليس اليوم الوحيد المتاح، أليس كذلك؟”
“أليس كذلك؟”
كرره إيمريك وهو يضحك بسرور.
“يجبُ أنْ تُتاح لكِ فرصةٌ لالتقاط أنفاسكِ قبل بدء العشاء.”
وحين سحب إيمريك حبل الجرس، دخلت خادمتان إلى الغرفة. كانتا هما مَن قدّمتا الشاي والحلوى في وقتٍ سابق.
“أرشدَا الآنسة إلى غرفة نومها. وعندما يحين الوقت، خذاها إلى قاعة الطعام أيضًا.”
“أمرُكَ، يا صاحب السمو.”
وقفت ليتيسيا مِن مقعدها وانحنت بخفةٍ.
“لقد كانت جلسة شايٍ مُمتعة، يا صاحب السمو. أراكَ لاحقًا.”
“نعم، ارتاحي جيدًا ولو قليلًا.”
“آنسة، تفضلي معنا مِن هَذا الطريق.”
“لقد نقلنا الأمتعة التي جلبتها الآنسة إلى غرفة النوم.”
وأثناء انتقالهم إلى غرفة النوم، قدّمت الخادمتان نفسيهما. كانت الأخت الكبرى تُدعى ماريا، والصغرى تُدعى ميل.
“على ما يبدو، سنكون نحن مَن يهتمُ بكِ بشكلٍ دائم. نرجو أنْ نكون عند حُسن ظنكِ.”
يبدو أنْ إيمريك كان ينوي معاملتها كضيفةٍ مُكرّمة حتى توقّع عقد توظيفها كمساعدةٍ له.
‘قال ذات مرةٍ إنه ينتظر أنْ أسدد له دَينًا إنْ أتيتُ إلى الغرب، ويبدو أنه يسدد الدين بهَذهِ الطريقة…’
“نعم، أرجو أنْ تعتنوا بي.”
بما أنْ خادمات قصر الدوق مِن المفترض أنْ يكنّ بنات نبلاء على مستوى بنات البارونات على الأقل، فقد كانت ليتيسيا تشعرُ بالراحة حين تتحدث إليّهن باحترام، خاصةً بعد أنْ رأَت إيمريك، سيد القصر، يستخدم معهن لغةً مهذبة.
ولحُسن الحظ، كانت غرفة النوم المخصصة لليتيسيا في الطابق الثاني، ما يجعل الوصول إليّها سهلاً نسبيًا. لكنها ما إنْ ألقت نظرةً على الغرفة حتى اتسعت عيناها مِن الذهول.
“مستحيل… أهَذهِ فعلًا الغرفة التي سأستخدمها؟”
“نعم، يا آنسة.”
كانت الغرفة فاخرةً ومبهرة إلى درجةٍ جعلتها تظُن أنها مُعدةٌ لدوقة أو لابنة مباشرة مِن العائلة الحاكمة.
كانت أكثر اتساعًا وأناقةً مِن غرفة نوم زوجة الماركيز. مِن السجادة المفروشة على الأرض، إلى السرير وخزانة الملابس والطاولة، كان كلُّ شيءٍ داخل الغرفة يبدو كتحفةٍ فنية صنعها حرفيٌّ بارع.
وكان مظهرها المتواضع بفستانها النظيف والبسيط، لا يتناسبُ أبدًا مع رفاهية هَذهِ الغرفة، حتى خجلت مِن دخولها.
وكان مِن الواضح أنْ كلمة “هًذهِ المرة فقط” قد حُذفت عمدًا.
“هل هُناك ما لا يرضيكِ في الغرفة؟”
“ليس كذَلك… لكن الأمر يشعرني ببعض الحرج. هل يُمكنني استخدام غرفة ضيوفٍ أخرى؟”
“نعتذر بشدة، يا آنسة، ولكن هَذهِ هي الغرفة الوحيدة التي تم الانتهاء مِن تنظيفها بشكلٍ كامل.”
وماذا كان يُمكن أنْ تفعل غير ذَلك؟ لو واصلت الحديث فسيكون الأمر محرجًا للجميع.
دخلت ليتيسيا الغرفة ووجهها مشدوهٌ قليلًا.
“يا آنسة، بعض غرف النوم في هَذا القصر، ومنها هَذهِ الغرفة، مزوّدةٌ بأدواتٍ سحرية لضبط درجة الحرارة.”
“هَذا مذهل.”
“على عكس التدفئة عبر الموقد، فإنَّ هَذهِ الطريقة تُوزع الحرارة بشكلٍ مُتساوٍ ولا تُسبب دخانًا أو رمادًا. سأشرح لكِ طريقة استخدامها.”
بما أنْ سيد هَذا القصر ساحرٌ عظيم، وفي الإقليم برجٌ سحري، فليس غريبًا أنْ تُستخدم الأدوات السحرية في الحياة اليومية داخل قصر الدوق.
“هَذا هو حبل النداء. إنْ احتجتِ شيئًا أو رغبتِ بطلبٍ ما، يُمكنكِ سحبُه في أيِّ وقت.”
“جميع الأدوات داخل هَذهِ الغرفة، بما في ذَلك ما يوجد في درج طاولة الزينة، جديدةٌ تمامًا، لذا لا تترددي في استخدامها. وهَذا يشمل كل شيءٍ موجود في الغرفة.”
“يا آنسة، الحمّام في هَذا الاتجاه. هُناك أيضًا بعض الأدوات السحرية فيه، وسأشرح لكِ طريقة استخدامها.”
وقبل أنْ تغادر الخادمتان، سألتا ليتيسيا إنْ كانتا تستطيعان مساعدتها في ترتيب أمتعتها، لكنها رفضت ذَلك بلطف.
ففي حقيبتها الوحيدة لَمْ يكُن هُناك سوى فستانين احتياطيين اشترتهما عبر إيما أثناء إقامتها في النزل، وبعض الملابس الداخلية، وشال، وعدة كتب.
حين أُجبرت على مُغادرة قصر الماركيز، تم حزم حقيبتها على عجل، ثم ابتلت تمامًا بسبب المطر، فلَمْ يبقَ فيها ما يُذكر مِن المتعلقات المفيدة.
“……!”
وبينما كانت تنفض الفستانين قليلاً لتضعهما في الخزانة، اتسعت عينا ليتيسيا مِن جديد.
فقد كانت هُناك فساتينٌ جديدة تمامًا، بأنواعٍ مختلفة، عددها ثلاث إلى أربع من كل نوع.
بما أنهم لَمْ يعرفوا مقاسها بدقة، يبدو أنهم جهزوا مجموعةً بأحجامٍ مختلفة بناءً على تخمين تقريبي. لَمْ تكُن تعلم لماذا كانت الخزانة كبيرةً إلى هَذا الحد، والآن فهمت السبب.
“ما هَذا التبذير الغريب!”
شهقت ليتيسيا ورفعت أحد الفساتين بسرعةٍ لتفقده.
صحيح أنها عاشت حياةً مقتصدة في قصر الماركيز دوبون، لكن كونها زوجة ماركيز مكّنها مِن زيارة محلات الأزياء الفاخرة، فاكتسبت معرفةً لا بأس بها بالفساتين الجيدة.
وكان هَذا الفستان مصنوعًا مِن حريرٍ ناعم وخفيف الملمس، مزينًا بدانتيل فاخر، وتُزيّنه أحجار كريمة عند الصدر وأطراف الأكمام… إنه مِن النوع الذي يُصنّف ضمن المنتجات الفاخرة حتى في أفضل محلات الأزياء في العاصمة.
‘لقد أعدّوا ثلاث أو أربع فساتين مِن هَذا النوع لمُجرد أنهم لا يعرفون مقاسي؟’
هل جُنّوا؟
بفضل ما تبقى من عقلها، تمكنت ليتيسيا مِن كبح نفسها عن الصراخ. لكن شعورها بالصداع والضيق في الصدر دفعها إلى الإمساك بعنقها.
‘مهما بلغ غنى الدوق، فهَذا تبذيرٌ لا يُغتفر…’
لقد جُنّوا، حقًا جُنّوا!
‘صاحب متجر الأزياء، إنْ كان يطمح إلى كسب المال، فالأرجح أنه قد حرّضه بدلًا مِن أنْ يثنيه. لكن حتى مع ذَلك، ماذا عن الآخرين؟! رئيس العائلة يُقدم على تصرفٍ مجنونٍ كهَذا، ولَمْ يحاول أحدٌ ردعه؟!’
هبّت لتجلس على السرير متهاويةً، تنهّدت في سرّها، ومضت بضع دقائق.
حين لَمْ يعُد لها مكانٌ تذهب إليّه، وعُرض عليها منصب مساعدة لدى الدوق كمنقذ، أوصل لها إيمريك الرسالة عبر جيرارد. حتى إعداد هَذا العدد مِن الفساتين المُختلفة المقاسات، وما صاحبه مِن هدر للمال والموارد، فهمَت أنه جزءٌ مِن ذَلك العرض.
فلو أنه طلب منها ببساطة أنْ تخبره بمقاسها ليجهّز لها فساتين، هل كانت لتتقبل تلكَ البادرة برحابة صدر وتجيبه؟ بالتأكيد لا.
بل على الأغلب كانت ستُصر على عنادها وتُطبق فمها، ورُبما كانت ستتراجع عن قرار الذهاب إلى الغرب برمّته.
بكلمةٍ أخرى، ما يبدو للعين مُجرّد تصرفٍ غبي تمامًا، كان في الواقع الطريقة الأمثل التي تأخذ حتى طبيعة شخصيتها بعين الاعتبار.
“ما القيمة التي أملكها… حتى يُقدّم لي كل هَذا؟”
حتى الآن، كانت ليتيسيا قد أدركت مِن خلال إليوت وأديلين أنَّ الإنسان إذا بلغ الحُزن مداه، قد لا يذرف دمعةً واحدة.
لكن مِن خلال إيمريك، تعلّمت أمرًا آخر: أنْ الدموع قد تنهمر مِن المرء حين يُعامل بما يفوق استحقاقه.
وكلا الحقيقتين لَمْ تكُن ترغب بمعرفتهما.
***
ولأنها لَمْ تفقد صوابها بالبكاء، فقد بدا أنها استعادت توازنها بعد أنْ اغتسلت بسرعةٍ في الحمّام.
‘عيني متورّمتان قليلًا فقط. ما لَمْ يكُن الشخص حادّ الملاحظة فلَن يلاحظ.’
كانت تنوي ارتداء أحد ثيابها بعد الاستحمام، لكنها فكرت أنْ ارتداء فستانٍ مجعّد إلى العشاء يُعدّ قلة ذوق، فاختارت واحدًا مِن فساتين الخزانة.
بعد زواجها، كانت ترتدي بشكلٍ رئيسي فساتين بألوانٍ باهتة أو قاتمة كالرّمادي، الكُحلي، والأسود، لتُعطي انطباعًا بأنها سيدةٌ رصينة.
لكن الفساتين المُعلّقة في هَذهِ الخزانة كانت جميعها ذات ألوانٍ زاهية ومُشرقة، بعضها بلونٍ ذهبي يُشبه لون عينيها، وبعضها بأخضر فاقع.
‘هل يحبّ الدوق الألوان الزاهية؟ يبدو أنه يحبّ ارتداء الأبيض أيضًا…’
بعد لحظة تردّد، اختارت ليتيسيا فستانًا أخضر اللون لا يبدو فخمًا للغاية في تصميمه. رُبما لكون لونه الأخضر هادئًا، فقد أبرز بياض بشرتها النقي.
كما جرت العادة، لَمْ تضع سوى مسحةٍ خفيفة مِن أحمر الشفاه الزهري على شفتيها.
‘كنتُ أنوي أنْ أستعد بسرعةٍ، لذا رفضت مساعدة الخادمتين في التجهيز.’
لكن حتى بهَذهِ اللمسات البسيطة، بدت ليتيسيا جميلةً للغاية. أخيرًا، بدت كآنسةٍ في الثانية والعشرين مِن عمرها.
نظرت إلى نفسها في المرآة كاملة الطول، وابتسمت بشفتيها فقط بعينين دامعتين وهمست:
“…صدق مَن قال إنّ الثوب زينة. أبدو جميلةً قليلًا… لا أشعر أني أنا.”
حين جاء وقت العشاء، حضرت ماريا وميل لأخذ ليتيسيا، وأثنتا عليها ببعض الكلمات الطيبة.
“آنستي، بشرتكِ صافيةٌ ونقيّة للغاية!”
“الفستان يليق بكِ كثيرًا!”
“إنْ لَمْ يكُن لديكِ مانع، هل أستطيع تبديل لون الشريط المُثبت على شعركِ إلى الأخضر؟ أظن أنَّ في درج التزيين شرائط جديدة بألوان مختلفة.”
موقفها السابق حين تفاجأت بمحتوى خزانة الثياب أصبح بلا معنى، لأن هَذهِ الغرفة لَمْ يكُن ينقصها شيءٌ حقًا.
كما قالت ماريا، فإنَّ الدرج الثاني مِن منضدة التزيين احتوى على شرائط ملوّنة وإكسسوارات شعر عديدة، أما الدرج الثالث فقد احتوى على أكثر مِن ثماني علب مِن المجوهرات البرّاقة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 17"